تتنازع عليه 3 دول.. تعرف على وادي فرغانة في آسيا الوسطى

12

طباعة

مشاركة

كان وادي فرغانة الذي يعتبر بمثابة مفتاح الجغرافيا السياسية الأوروبية الآسيوية "الأوراسية"، الساحة التي شهدت المشكلات بين قيرغيزستان وطاجاكستان وأوزبكستان في فترة ما بعد الاتحاد السوفيتي. 

الوادي يقع في آسيا الوسطى، وتتقاسمه كل من أوزبكستان وقيرغيزستان وطاجيكستان ويرتفع لحوالي 460 مترا عن مستوى سطح البحر.  

وتقوض هذه المشكلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة بشكل كبير، حيث تحولت المنطقة إلى بؤرة من عدم الاستقرار بسبب الانقسامات العرقية والثقافية في فرغانة، الأمر الذي يؤثر عميقا على كل من الوادي وآسيا الوسطى.

تعاون لا عداء

يقول مركز أنقرة لدراسة الأزمات والسياسات: "وبينما تشكل الأطروحات التي طرحتها الدول فيما يتعلق بالوصول إلى المياه والأراضي والبنية التحتية والطرق والمعادن الأسباب الرئيسة خلف النزاعات عبر الحدود، فإن التوتر في شبكة توزيع مياه غولوفني بقرية هوجاي ألو هو ما سبب الاشتباكات التي اندلعت في المنطقة بين 23 إلى 30 أبريل/نيسان 2021".

ويستدرك الكاتب والباحث عبيد باراتوف: "شبكة توزيع المياه المذكورة كان قد تم بناؤها خلال عهد الاتحاد السوفييتي وكانت تهدف إلى توفير المياه للمناطق الحدودية لطاجاكستان وقيرغيزستان وأوزبكستان".

وأعربت كل من أوزبكستان وكازاخستان من دول آسيا الوسطى، بوضوح عن عدم ارتياحهما لتصاعد التوتر، وذلك أثناء الاشتباكات. 

وفي هذا السياق كانت الدول التي تدعو إلى تهدئة الوضع تخشى من اندلاع حرب حول وادي فرغانة. 

وذلك لأن اندلاع حرب في هذا الوادي يمكنه أن يحول آسيا الوسطى بأكملها إلى كتلة ملتهبة من النيران، بحسب الكاتب. 

ويتابع: وبالمثل، أظهر كل من رئيس طاجاكستان إمام علي رحمن، ورئيس قيرغيزستان صدر جباروف، موقفا مسؤولا.

 إذ تم الإعلان عن أنه تم التوصل إلى وقف إطلاق النار بعد الاجتماع الذي عقد بين رئيس الأمن القومي في قيرغيزستان قامتشيبيك تاشييف ورئيس الأمن القومي في طاجاكستان سايمومين ياتيموف في الأول من مايو/أيار 2021.

ثم صرح تاسييف أثناء لقائه مع سكان قرية مقصد في منطقة باتكين في الثاني من مايو/أيار 2021، أنه سيتم إطلاق عملية سلمية لتوضيح وضع منطقة بطول 112 كم من الحدود القرغيزية الطاجيكية والتفاوض بشأن المناطق الحدودية المتنازع عليها.

كما وأعلن أن رئيسي الدولتين سيجتمعان في دوشانبي في الأسبوع الثاني من مايو/أيار 2021.

 ومن المتوقع أن يتم التوقيع على بعض الاتفاقيات خلال الاجتماع المذكور والتغلب على هذه المشكلة.

 وهكذا انسحب الطرفان في 3 مايو/أيار 2021 إلى الأراضي التابعة لهما قبل بدء الاشتباك، وفقا للكاتب الطاجيكي.

ويضيف: "بعبارة أخرى، أظهر كلا البلدين عزمهما على حل هذه المشكلة سلميا بإيقاف الاشتباك، لكن لا بد من إشراك أوزبكستان في عملية فرغانة للسلام هذه، لأن إدارة طشقند أحد أطراف الأزمة في وادي فرغانة".

 في هذا السياق، إن اجتماع الدول الثلاثة وحل الأزمة فيما بينهم (دون تدخل خارجي) يمكن أن يجعل من وادي فرغانة منطقة تعاون لا منطقة نزاع وعدم استقرار.

وأردف: "على الناحية الأخرى، تقوم طاجاكستان حاليا بتشكيل سياستها الخارجية واضعة في اعتبارها هدف بناء حزام أمني".

وهي لهذا، وقعت اتفاقيات شراكة إستراتيجية مع دول آسيا الوسطى باستثناء قيرغيزستان بين عامي 2015 و2018.

ويقول الكاتب إن توقيع مثل هذه الاتفاقية بين طاجاكستان وقيرغيزستان بعد التغلب على المشكلات الحدودية بينهما، قد يكون خطوة مهمة في إرساء الاستقرار في المنطقة.

تربص ثلاثي

ويرى باراتوف أن روسيا تعد أهم فاعل يتابع الأزمة والتوتر في المنطقة عن قرب. فقد قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إنهم يتابعون التطورات عن كثب.

 لكن روسيا كانت حريصة على إظهار رد فعل متوازن. وينبع موقف موسكو هذا من رغبتها في تولي دور الوسيط في وادي فرغانة.

ويوضح قائلا: صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن موسكو مستعدة للتوسط لحل المشكلات الحدودية بين طاجاكستان وقيرغيزستان في قمة منظمة معاهدة الأمن الجماعي في عام 2020.

 ومع ذلك، رفضت وزارة خارجية طاجاكستان الاقتراح بإرسال مذكرة احتجاج رسمية.

ويقول: ربما لهذا السبب كانت موسكو أكثر حذرا في النزاعات الحالية. ويعتبر موقف إدارة دوشانبي في عام 2020 ذا قيمة وأهمية كبيرة لأنه يكشف عن اهتمام دول المنطقة بعدم إشراك الجهات الفاعلة من الدرجة الثالثة في المشكلات الإقليمية.

أما الولايات المتحدة الأميركية فهي إحدى الدول التي تريد زيادة نفوذها في آسيا الوسطى من خلال التدخل في التطورات في المنطقة.

وذلك يعود في أصله إلى جهود واشنطن في إطار البحث عن طرق لنشر قواتها في آسيا الوسطى عقب بدء انسحابها من أفغانستان، بحسب الكاتب.

ويتابع: وفي هذا فإن الخيار الأكثر منطقية بالنسبة لإدارة واشنطن سيكون أوزبكستان وطاجاكستان، اللتان تحدهما أفغانستان. 

لذلك فإن أصوات أجراس الحرب التي بدأت تدق في المنطقة تسعد الولايات المتحدة وتوفر لها سببا لتزيد ضغوطها على دول المنطقة.

ويردف قائلا: أما بالنسبة للصين، فيعد وادي فرغانة طريقا يربطها إلى المنطقة أو حتى يصلها بإيران.

 لذا تقوم إدارة بكين باستثمارات لافتة للنظر في مشاريع النقل التي تشمل المنطقة. وفي الواقع، تشكل هذه المنطقة نقطة تحويل متطورة على خط طريق الحرير التاريخي.

ويشرح الكاتب ذلك بالقول: وادي فرغانة، الذي يقع في بؤرة تقاطع الحضارات الكبيرة من اليونانية القديمة، والصينية وحضارة باختريا وفرثيا، يشكل اليوم مفترق طرق تتقاطع فيه الطرق البرية والسكك الحديدية التي تمتد في اتجاه الشرق والغرب، والشمال والجنوب. 

ويكشف هذا عن الأهمية الجيوسياسية للمنطقة وسبب اهتمام الدول الكبرى بهذه المنطقة الجغرافية.

وهكذا، من الضروري تحويل آسيا الوسطى، التي تعتبر إحدى جبهات صراع القوة بين القوى العالمية، إلى منطقة جغرافية مستقرة وسلمية ومغلقة أمام التدخل الأجنبي. 

فقبل كل شيء هذا أمر لا بد منه لتتمكن دول المنطقة من المحافظة على استقلالها، بحسب ما يراه الكاتب الطاجيكي.

لذلك، يجب على دول المنطقة التركيز على إمكانيات التعاون، لا الاختلاف في التعامل مع المشكلات الإقليمية، وخاصة الأزمة في وادي فرغانة. 

وبالحديث عن التعاون، قد يكون من الأفضل لدول المنطقة النظر في كيفية حل الاتحاد الأوروبي لمشكلات الأراضي الحبيسة فيها ومحاولة إنشاء اتحاد مماثل فيما بينها.

ويختم الكاتب مقاله بالإشارة إلى أن هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق كل من رؤساء طاجاكستان وقيرغيزستان ورؤساء دول آسيا الوسطى الأخرى في حل المشكلات الإقليمية، وخاصة في وادي فرغانة. 

ويضيف: سيكون من المناسب لدول المنطقة إقامة علاقات حسن الجوار باحترام مصالح بعضها البعض وخلق حالة من التبعية الاقتصادية المتبادلة من خلال تطوير العلاقات التجارية فيما بينها.