كاميرات وماء وحدود.. هكذا تعيق إنهاء نزاع طاجيكستان وقرغيزستان

سام أبو المجد | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد إعلان وقف إطلاق النار بين الجارتين طاجيكستان وقرغيزستان مطلع مايو/أيار 2021، إثر اشتباكات دامية استمرت على فترات متقطعة، يأمل كثيرون أن يؤدي الإعلان "دورا إيجابيا" في إيقاف النزاع الحدودي بين البلدين.

لكن عقب تأكيد بيشكك وقف إطلاق النار الذي أسقط عشرات القتلى والجرحى، أعلنت دوشنبه أنها "لن تتنازل عن أي شبر" من أراضيها لجارتها.

هذا الموقف الحاد يمضي بالتوازي مع محاولات أخرى لإيجاد حل سلمي لاحتواء الأزمة؛ إذ أدلى المكتب الإعلامي التابع للرئاسة القرغيزية بتصريح قال فيه إن الرئيس صدر جباروف اتفق مع نظيره الطاجيكي إمام علي رحمون على حل النزاع على حدود الدولتين بالطرق السلمية.

وفي تصريح بثته شبكات التلفزيون القرغيزي، أعلن جباروف ثقته في قدرة سلطات بلاده على إيجاد لغة مشتركة مع “الإخوة الطاجيكيين”، داعيا المواطنين إلى "عدم الانصياع للاستفزازات".

وكان الحديث عن السعي لحل سلمي قد أتى بعد جولات من الاشتباكات المسلحة، كان آخرها في 29 أبريل/نيسان 2021، إذ أدت إلى مقتل 31 قرغيزيا وإصابة 121 آخرين، بحسب إعلان لوزارة الصحة القرغيزية، فضلا عن إجلاء أكثر من 20 ألف مواطن من منطقة الصراع.

كما تضرر خلال الاشتباكات أكثر من 100 مبنى، بما في ذلك منازل ومدارس ومتاجر ومحطات وقود ومراكز للشرطة ونقاط تفتيش حدودية، بحسب وكالة الأناضول التركية.

وعلى الجانب الآخر، أعلنت السلطات الطاجيكية مقتل 10 من مواطنيها خلال الاشتباكات، دون أن تذكر تفاصيل عن أعداد الجرحى أو خسائر القوات المسلحة.

كاميرات مراقبة

من وجهة النظر الطاجيكية، فإن الاشتباكات اندلعت بسبب محاولات قرغيزيا الاستيلاء على منطقة تدعي طاجيكستان أنها جزء من أراضيها.

ونقلت وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية عن لجنة الأمن القومي في طاجيكستان أن القوات القرغيزية فتحت النار على حرس الحدود الطاجيكيين أولا، واتهمت قرغيزستان بمحاولة الاستيلاء بالقوة على المنطقة التي تعتبرها طاجيكستان جزءا من أراضيها.

في المقابل، قالت السلطات القرغيزية إن الصراع اندلع بسبب محاولة المسؤولين الطاجيكيين تركيب كاميرات لمراقبة منشأة إمدادات المياه وهي خطوة عارضها الجانب القرغيزي.

وقبيل اندلاع الاشتباكات، كان السكان المحليون قد طالبوا بإزالة الكاميرات من الموقع الواقع في إقليم قيرغيزستان، ومع ذلك، رفض المسؤولون في الجانب الطاجيكي طلب السكان، واندلع على إثر ذلك اشتباك عنيف تخلله إصابة أشخاص من الطرفين.

وكانت كاميرات مراقبة قد نصبت على عمود كهربائي في نقطة لتوزيع المياه بقرية "كوك تاش" في منطقة جولوفني بإقليم باتكين، وهي المنطقة التي تقع في منبع القنوات التي تغذي خزان تورتكول في إقليم قرغيزستان بآسيا الوسطى.

وقد تطورت الأحداث بشكل دراماتيكي، ما أدى إلى إطلاق النار بين الجانبين، ثم إلى سيطرة القوات الخاصة القرغيزية على نقاط حدودية طاجيكية. 


رأس الجليد

لم تمثل الشرارة التي اندلعت عقب تركيب الكاميرات إلا رأس الجليد للنزاع بين الجارين، فالبلدان قد خاضا جولات من الحروب، بسبب نزاعهما على منطقة تعد جزءا من وادي فرغانة الخصب، وهي خليط من القرى القرغيزية والطاجيكية والأوزبكية.

وبحسب "أسوشيتد برس" فقد ظل جزء كبير من الحدود الطاجيكية القرغيزية بدون علامات تضبط الحدود، في منطقة يعود النزاع فيها إلى عقود، أي إلى الفترة التي كان فيها البلدان جزءا من الاتحاد السوفيتي قبل انهياره في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي.

وتضيف الوكالة أن ذلك الخلاف أدى إلى تأجيج نزاعات شرسة ومتكررة حول المياه والأراضي والمراعي، وقد أجرى الجانبان عدة جولات من المحادثات في السنوات الأخيرة، لكنهما أخفقا في إنهاء الخلاف الحدودي بينهما.

ووفق شبكة "بي بي سي" البريطانية، فإن الحدود المتعرجة بين طاجيكستان وقيرغيزستان متوترة بشكل خاص حيث إن أكثر من ثلث طولها البالغ 1000 كيلومتر متنازع عليه، وغالبا ما أدت القيود المفروضة على الوصول إلى الأراضي والمياه التي تعتبرها المجتمعات المحلية إلى اشتباكات مميتة في الماضي.

والجدير بالذكر أن النزاع على الحدود قد انعكس على المجتمعات المحلية، وأسهم بشكل مباشر بتقييد حركة البضائع العابرة للحدود، كما تسبب بعسكرة الحدود وبمشاكل متعلقة بإدارة الموارد الطبيعية، عقب سنوات كانت تمر فيها البضائع بدون أي قيود.

وكان السكان يستطيعون التنقل بحرية بين الجمهوريات السوفيتية، ولم يكن من المهم معرفة إلى أي جزء من الأرض تنتمي تلك المجتمعات، غير أن انهيار الاتحاد السوفياتي ولد حدودا صلبة وصراعات متكررة.

أساس الصراع

يبدو أن النزاع بين البلدين الجارين أكبر من الحلول التي تركز على تقاسم الموارد، ففي دراسة بعنوان "العوامل السياقية للصراع في مقاطعة باتكين"، أعدتها الباحثة المتخصصة بشؤون أبحاث المجتمعات الجبلية في جامعة آسيا الوسطى، أسيل مورزاكيولوفا، فإن "تحول الجمهوريات السوفيتية إلى دول ذات سيادة أدى إلى ظهور حدود تأميمية".

وأوضحت أن "الأساس المنطقي لهذا الوضع هو أن الحدود العرقية يجب أن تتوافق مع الحدود الوطنية، ووفقا لهذا الوضع يجب أن ينظر إلى الأرض أيديولوجيا، وليس كزراعة ومورد ثقافي، بل كتجسيد رمزي للدولة".

واستدركت قائلة: "مع ذلك فإنه من الصعب بل من المستحيل إنشاء حدود على أسس عرقية وقومية، ومن الملاحظ هنا أنه في حالة وادي فرغانة وآسيا الوسطى بشكل عام، فإن العرق كمفهوم تم بناؤه خلال الفترة السوفيتية، وأصبح واضحا أن الاتحاد السوفيتي ربط التقسيم الإداري بالبنى التحتية التي تم تصميمها على أساس مناطق جغرافية لا معايير ثقافية وعرقية".

وبالتالي فإن مشكلة الحدود في خطاب القومية، بحسب مورزاكيولوفا، لا تتعلق كثيرا بالتصميم المادي للمحيط الإقليمي، ولكن بإنشاء دول قومية جديدة، ومنها قرغيزستان وطاجيكستان.

وتضيف الدراسة التي أعدت في فبراير/شباط 2017 أن "وفق هذا المنطق يمكن فهم دوافع الصراع في المناطق الحدودية، وهي دوافع يمكن أن تكون موجودة في مكان آخر، إما في المركز السياسي أو في مكان بعيد جغرافيا عن المكان الذي يحدث فيه النزاع بالفعل".

وفيما يخص جولات النزاع المتكررة على الموارد الطبيعية، والماء بشكل خاص، فيمكن تناولها من خلال 3 مستويات، بحسب الباحثة مورزاكيولوفا: "الأولى نزاعات بين المنبع والمصب، وهي نزاعات ذات طبيعة موسمية، وتحدث من نهاية أبريل/نيسان وحتى بداية يونيو/حزيران من كل عام، وذلك بسبب انخفاض كمية المياه".

أما الحالة الثانية، فإنها نزاعات تحصل بسبب الأرض التي تعد جزءا أصيلا من مورد المياه، وهو صراع يرتبط بشكل وثيق بالتغير الاقتصادي في حياة المجتمعات.

في حين أن الحالة الثالثة من النزاع، تنشأ عقب الحرمان من الوصول إلى المياه أو بسبب توزيعها بشكل غير عادل، وهو صراع يكشف الفجوة بين الأسر الفقيرة والأسر الغنية، حيث تتم عملية خصخصة المياه ومنح الأعضاء الأكثر حقولا حصص مياه أكثر، في المناطق التي تضم قرى طاجيكية وقرغيزية.

وتختم مورزاكيولوفا دراستها بالقول: "مع هذا فإنه من الخطأ تبسيط هذه النزاعات والنظر إليها كتنافس بين المجموعات العرقية المختلفة على امتلاك الموارد الطبيعية، فحقيقة ديناميات ذلك الصراع في المجتمعات الحدودية أكثر تعقيدا وأكثر تنوعا وتتجاوز قضية ملكية الأراضي والموارد المائية، رغم أنه يعبر عنها غالبا على هذا النحو".