وحيد الدين خان.. مفكر هندي تصدى للملحدين وطرح رؤيته لنهضة المسلمين

سام أبو المجد | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد عمر ناهز 96 عاما، توفي المفكر الإسلامي الهندي وحيد الدين خان في مدينة نيودلهي، متأثرا بإصابته بفيروس كورونا.

تميز الشيخ خان بأسلوبه الفريد في التأصيل لمنهج يجمع بين الفكر الإسلامي والمنهج العلمي، وكان إلى ذلك كثير القراءة غزير الإنتاج الفكري، متفرغا للعلم، نشيطا في الكتابة.

أشار خان في كتابه الشهير "الإسلام يتحدى" إلى هذا الأمر بالقول: "قضية العصر الحاضر ضد الدين هي قضية طريقة الاستدلال، أعني الطريقة الجديدة التي كشفها العلم الحديث بعد التطورات في ميادينه العديدة، بحيث لم تعد تقف أمامها دعوى الدين وعقائده".

في مطلع سبعينيات القرن الماضي أسس الشيخ خان المركز الإسلامي في نيودلهي، وهو المركز الذي كان يصدر مجلة "الرسالة"، وهي مجلة كانت تنشر مواد عن الفكر والقيم الإسلامية في المجتمعات، وكانت تنشر بـ3 لغات هي الأردو ثم الإنجليزية والهندية.

في كتابه منهج الهداية يقول الشيخ محمد سليمان القائد: "ظل وحيد الدين خان يقدم حصيلة فكره بعد دراسات عميقة، وكان في البدء قد انتظم في سلك لجنة التأليف التابعة للجماعة الإسلامية في الهند وعمل لسنوات معدودة".

مضيفا: "ولأسباب فكرية انفصل عنها ثم أمضى 3 سنوات مكبا على التأليف في المجمع الإسلامي العلمي التابع لندوة العلماء بمنطقة لكناو، قبل أن يشغل رئيس تحرير مجلة الجمعية الأسبوعية في دلهي عام 1967، لمدة 7 سنوات، قبل أن تغلق المجلة من قبل السطات الهندية".

نتاج علمي

ولد الشيخ وحيد الدين عام 1925 في مدينة "أعظم جره بالهند"، ويعد من أبرز علماء العصر الحديث وأشهرهم، فكان كاتبا ومفكرا وفيلسوفا ومنظرا وداعية إسلاميا.

تأثر الشيخ خان في بداياته بأبي الأعلى المودودي وأبي الحسن الندوي، قبل أن يخالفهم في عدد من كتاباتهم، وألف الشيخ خان أكثر من 200 كتاب، أهمها "الإسلام يتحدى"، "سقوط الماركسية"، "الدين في مواجهة العلم"، "حكمة الدين"، "تجديد الدين"، "الإسلام والعصر الحديث".

كما ألف "قضية البعث الإسلامي"، "الإنسان القرآني"، "واقعنا في ضوء الإسلام"، "فلسطين والإنذار الإلهي"، "رسول السلام"، "تعاليم النبي محمد"، "الجهاد والسلام والعلاقات المجتمعية في الإسلام"، "أيديولوجيا السلام".

كتب الشيخ خان مؤلفاته باللغتين الأردية والإنجليزية، وترجم الكثير منها إلى عدة لغات عالمية، ومن أهم الكتب التي ترجمت للغة العربية "محمد رسول الغلبة (الكثرة)"، "ظهور الإسلام"، "الله أكبر" بالإضافة إلى تفسيره القرآن الكريم "تذكير القرآن".

تأصيل فلسفي

وإلى جانب تخصصه في الفكر الإسلامي، تخصص الشيخ خان بالعلوم الفلسفية وهو الأمر الذي مكنه من الرد على الملحدين واللادينيين، منطلقا من العلوم والنظريات الفلسفية.

وعندما يتم الحديث عن الفلسفة الإسلامية، يبرز اسم الشيخ وحيد الدين خان إلى جانب أبرز من تخصصوا في هذا المجال، أمثال الفيلسوف البوسني علي عزت بيجوفيتش والأديب المصري عباس العقاد والشاعر الهندي محمد إقبال.

ألم الشيخ خان بدراسة النظريات المادية التي استندت عليها الأفكار الإلحادية والماركسية على وجه الخصوص، وشاعت خلال القرن الماضي إبان التوسع السوفييتي، ليرد عليها في كتابه الشهير "الماركسية في الميزان".

وإلى جانب اهتمامه بالتأصيل لفلسفة إسلامية، اهتم المفكر خان بـ"علم الكلام"، وعده إحدى العلوم التي ينبغي الاهتمام بها، لكن بأدوات جديدة تطور تلك الوسائل التي شاعت عن علماء الكلام والمعتزلة في العصر العباسي وما تلاه من عصور، وألف في ذلك كتابه الشهير "نحو علم كلام جديد" عام 1976.

محارب مخضرم

وفي الوقت الذي حارب الشيخ خان الأفكار الإلحادية، عاصر الهجمات الفكرية التي تعرض لها الإسلام إبان الاحتلال الأوروبي للهند، الأمر الذي مكنه لاحقا من الكتابة حول تلك الهجمات الفكرية والرد عليها في مؤلفاته التي تنيف على 200 كتاب.

"الإسلام يتحدى" الذي انتهى من تأليفه عام 1966، يعد أبرز كتبه الذي تضمن ردا فكريا على الشبهات التي يتم ترويجها عن الإسلام، متناولا فكرة الإسلام كأحد الروافع والقوائم للحضارة .

وفي جوابه عن سبب اختياره هذه العبارة عنوانا لكتابه، يقول خان: "هذا الدين جواب محدد لكل الأسئلة التي تؤرقنا في كفاحنا الحضاري، إنه يوجهنا إلى المشرع الحقيقي الطبيعي، وهو يضع لنا الأساس النظري للقانون".

مضيفا: "الدين يمنحنا أساسا صائبا لكل مسألة في الحياة البشرية، حتى يمكن لها الوصول إلى أعلى درجات الازدهار والرقي، ويهيئ الأساس النفسي الذي يصبح القانون بدونه مشلولا بلا حراك، وهو ما يخلق لنا ذلك المناخ المناسب الذي لابد منه لتطور أي مجتمع تطورا حيويا وفعالا".

لم يكن الشيخ خان يؤمن بالنهج الجهادي التي سلكته بعض الجماعات الدينية، لهذا انتقد حصر مفهوم الجهاد بالقتال على الشكل الذي مارسته تلك الجماعات، وألف في ذلك كتابه "حكمة الدين".


تراجع المسلمين

كان من أهم ما تناول المفكر الهندي وحيد خان هو التراجع والهوان الذي حصل للمسلمين بشكل يدعو للحزن، حد قوله، وتساءل خان عن سبب ذلك التراجع بالقول: "لقد حكم المسلمون العالم لأكثر من 1000 عام، فلما حدث هذا؟.

خان أجاب عن هذا السؤال في كتابه "نحو انبعاث إسلامي" بأن الأمة الإسلامية لم تستوعب التحولات التي طرأت على العالم اليوم، ولم تتفهم طبيعة العصر واحتياجاته، وبالتالي لم تواكب تلك التحولات، ولم تهيء نفسها مطلقا لتلك المتطلبات ولم تنظر إليها بروح المنافسة.

ويوضح قائلا: "إن نكستنا الراهنة ترجع إلى تجاهلنا التغيرات التي طرأت على العصر، وإلى عدم امتلاكنا القوى الجديدة التي تمخضت عن هذه التغيرات".

يقول خان: "العصر الجديد هو عصر التغيرات، لقد تغير كل شيء في عالم اليوم، وجاء العصر الحديث بقوى جديدة، حتى مفهوم القوة نفسه قد تغير، فلم تعد الخيول والرماح رمز القوة، بل "قوة الحصان" (بالإشارة إلى معيار القوة في المولدات والمحركات الكهربائية)، لقد أصبحت الصناعة والتجارة هما أكبر قوة في المقاييس العالمية.. وقوى ضاغطة مثل "الصحافة"، وهي قوة عظيمة لم يكن لها وجود البتة في العصور الماضية.


استقلال زائف

رأى الشيخ خان أن البلدان التي سعت لإنهاء السيطرة الاستعمارية الغربية وحصلت على الاستقلال من خلال حركات التحرر الوطني، أنفقت ما لا يحصى من الوقت والمال والتضحيات، لكنها حصلت في النهاية على استقلال زائف.

فهي، بحسب خان، محكومة من قبل الدول المتفوقة علميا واقتصاديا، ووقعت فريسة لنوع جديد من الاستعمار، بل إن بعض المسلمين رأوا أن فترة الاستعمار المباشر كانت أفضل مما كان عليه الحال قبل الاستقلال، وذلك بسبب تردي الأوضاع وتراجعها في البلدان العربية والإسلامية.

يقول خان: "واقع الدول الإسلامية لم يتغير، رغم كل التغيرات، فرغم انتزاعنا الحرية لم نتمتع بها في حقيقة الأمر، والغرب لا يزال يهيمن على دولنا الإسلامية، بفضل علمه وصناعته المتفوقة، وهو يفعل ما يريد بدولنا، لدرجة إبقاء حكومات أو تغييرها، إن اقتضت مخططاته ذلك".

ورأى خان أنه في الحالة الراهنة ينبغي بدء إحياء الإسلام في أحسن صوره العملية، وذلك بإقامة مركز إسلامي عظيم مجهز بجميع الوسائل العصرية لنشر الأفكار، حتى يصبح المركز مصدر الطاقة المفجرة للحركة الإسلامية العالمية.