شواهد وأدلة.. كيف تعاظم تدخل الإمارات بالعراق منذ تولي الكاظمي السلطة؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تتوالى الاتهامات التي توجهها أطراف سياسية عراقية عدة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة بالتدخل في شؤون العراق الداخلية، حيث كشف برلمانيون حاليون ومسؤولون سابقون عن تنامي دورها بشكل "مخيف" ولا سيما في عهد رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي.

لعل آخر تلك الاتهامات كانت على خلفية إبعاد المخابرات العراقية لـ300 ضابط ومنتسب منهم 285 من الشيعة. فقد أرجعت قوى ومليشيات قريبة من إيران قرار نقلهم إلى مؤسسات أخرى بأنه جاء بتوجيهات من مستشار الأمن الوطني بالإمارات طحنون بن زايد.

يرصد تقرير "الاستقلال" حقيقة تنامي دور دولة الإمارات العربية المتحدة في العراق منذ تولي مصطفى الكاظمي رئاسة الحكومة في مايو/ أيار 2020، والذي تتهمه أحزاب ومليشيات شيعية بأنه قريب من المحور السعودي الإماراتي، وأن بعض مستشاريه يعملون تحت تأثير أبوظبي.

جهاز المخابرات

زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، قال خلال تغريدة على "تويتر" في 14 مارس/آذار 2021، إن "هناك تساؤلات مشروعة بناء على ما نقلته مصادر موثوقة من مجيء فريق أمني إماراتي ليدير جهاز المخابرات العراقي، هناك أسئلة تطرح نفسها، وهي: هل وصل العراق إلى هذه الدرجة من الضعف حتى يستباح بهذه الطريقة؟".

وأضاف: "هل نقل 300 منتسب من جهاز المخابرات إلى الجمارك الحدودية له علاقة بمجيء هذا الفريق؟ أليس أن الإمارات كلما دخلوا قرية أفسدوها مثلما فعلوا باليمن وليبيا؟ ما حجم المؤامرة التي تحاك ضد العراق؟ ما أسرع خطوات تنفيذها في الفترة الأخيرة، وما أجرأ منفذيها".

الخزعلي- المقرب من إيران- أبدى استغرابه من الصمت الرسمي، بالقول: "لا أعلم سبب السكوت أو التهاون إزاء هذا الموضوع!، وما يجري ومنذ فترة أقل ما يقال عنه إنه خطير، ويهدد مستقبل الدولة".

لكن البرلمانية العراقية عالية نصيف، العضو في "ائتلاف دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، قالت خلال مقابلة تلفزيونية، في 14 مارس/آذار 2021 إن "أحد مستشاري الكاظمي يمثل إحدى أدوات طحنون بن زايد، ويوميا يزور الإمارات ويعقد اجتماعات هناك لتنفيذ سياسات الأخيرة في العراق".

وأضافت أن "الإمارات تستبيح البلد، فهناك من يذهب ويأخذ الأوامر من طحنون، وأن شخصيات برلمانية وأعضاء في الحكومة إذا أرادت الحصول على منصب تذهب إلى الرجل وتأتي بالمنصب، وأن أبوظبي لديها أدوات من السنة والشيعة والكرد في داخل العملية السياسية بالعراق".

ورأت نصيف أن طحنون يتدخل بالأمور السياسية ويدير القرار السياسي في العراق وليس غريبا أن يتدخل بالشؤون الأمنية" مبينة أنه قبل مدة ذهب أحد البرلمانيين (لم تذكر اسمه) إلى الإمارات وحصل على موافقة أن يكون وكيل رئيس جهاز المخابرات، وبعدها نقلوه إلى وزارة الأمن الوطني".

وأشارت إلى أن "أكثر ضباط المخابرات هم من الشيعة، وعندما جاء الكاظمي بدأ بإدخال السنة إليه، وكذلك الحال في جهاز الأمن الوطني، فبالتالي أعتقد أن إبعاد الضباط الـ300 جاء لكونهم كانوا داعمين وقريبين من الحشد الشعبي".

وخلال مقابلة تلفزيونية أخرى في 15 مارس/آذار 2021، قالت عالية نصيف، إن "التدخل الإماراتي لا يقتصر على جهاز المخابرات فقط، فخلية الصقور (تابعة للداخلية العراقية) اعتقلت شخصا يدعى (ز. ح) عام 2020، وهو محكوم بالمؤبد حاليا، جندته الإمارات لتنفيذ اغتيالات ضد بعض السياسيين في كربلاء".

لقاحات كورونا

وفي 9 مارس/آذار 2021، كشف وزير الداخلية العراقي الأسبق، باقر جبر الزبيدي خلال مقابلة تلفزيونية عراقية، عن دور وصفه بأنه "مخيف" تقوم به دولة الإمارات في بلاده، وذلك عن طريق علاقتها وارتباطات مع عدد من السياسيين العراقيين.

وقال الزبيدي إن "الإمارات دورها مخيف في العراق، وأن طحنون (مستشار الأمن الوطني بالإمارات) يصول ويجول حتى وصل الأمر به أن يعطي لقاح كورونا للسياسيين، ومن أعنيهم يعرفون أنفسهم دون ذكر أسمائهم، فقد أعطوا اللقاحات حتى لأطفالهم".

وفي الثاني من مارس/آذار 2021، وصلت أول دفعة من اللقاحات ضد فيروس كورونا إلى بغداد، حيث أعلنت وزارة الصحة العراقية وصول 50 ألف جرعة من لقاح "سينوفارم"، هدية من الحكومة الصينية، على أن يتسلم العراق دفعات أخرى مدفوعة الثمن.

ما كشفه الزبيدي كان قد تحدث به لأول مرة الكاتب والباحث العراقي، نبراس الكاظمي، عبر سلسلة تغريدات نشرها على "تويتر" في 18 شباط/ فبراير 2021، عن إرسال دولة الإمارات العربية المتحدة "آلاف الجرعات إلى زعيم تيار الحكمة الشيعي في العراق عمار الحكيم".

وقال الباحث إن "مستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد أهدى 10 آلاف جرعة من اللقاح الصيني لعمار الحكيم، فيما أرسل إلى الإمارات أربعة أطباء من بينهم الطبيب الخاص برئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لتدريبهم على كيفية حفظ وإدارة اللقاحات".

وأضاف: "يجري تداول اللقاحات بين الخواص وهذا يتضمن قادة في الحشد الشعبي والتشرينيين (محتجو أكتوبر/تشرين الأول 2019)"، متسائلا عن "أسباب عدم تسريب الإعلام العراقي والأجنبي لمثل هذه الفضيحة الهائلة".

وأشار الباحث إلى أن "هؤلاء الذين حصلوا عليه (اللقاح) واحتكروه بالسر -هي قضية- حصلت قبل أشهر، وأن يصل الخبر خير من ألا يصل"، لافتا إلى أن "الموضوع جرى خارج وزارة الصحة العراقية، ما يعني أن هناك هيكلية صحية لوجستية للخواص، وهناك أخرى للعوام".

وبالتوازي مع ذلك، نقلت تقارير صحفية في 23 فبراير/ شباط 2021 عن مصدر سياسي قوله إن "مكتب الحكيم منح اللقاح وبصورة خاصة وسرية لشخصيات حكومية رفيعة، وسياسيين ومتنفذين حصرا، كما تم إعطاء اللقاح لبعض المراجع وعائلاتهم وحواشيهم وبعض رجال الدين في مدينة النجف".

ومن الشخصيات التي تلقت اللقاح الذي وصل من الإمارات بصورة سرية، بحسب المصدر: "زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم وعائلته وحاشيته، وأعضاء مكتبه السياسي وأغلب مسؤولي المحافظات بحزبه، ورئيس الجمهورية برهم صالح وعائلته وعدد كبير من أصدقائه ومستشاريه".

ومن ضمن الذين أخذوا اللقاح "رائد جوحي مدير مكتب رئيس الوزراء، وعدد من موظفي مكتبه المنتخبين، وزعيم تحالف الفتح هادي العامري وعائلته وحاشيته ومقربين منه، إضافة إلى إرسال 2000 جرعة إلى رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور البارزاني، والذي أمر بإنشاء مركز تلقيح خاص بمنطقة بارزان الخاصة بالعائلات البارزانية، إذ جرى تلقيح العائلات وحماياتهم".

وكذلك، بحسب المصدر، جرى "إرسال ألف جرعة إلى الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني الشيخ لاهور طالباني، وذلك لتوزيعه على عائلته ومرافقيها".

وشملت اللقاحات، كل من: "القيادي في الحشد الشعبي سامي المسعودي وعائلته وحاشيته، إضافة النائب السابق، خالد العطية، وعائلته وحاشيته، والسياسي عزت الشابندر وعائلته، وحنان الفتلاوي مستشارة رئيس الوزراء وعائلتها وعدد محدود من المقربين منها، إضافة إلى العشرات من الشخصيات الحكومية الرفيعة والبرلمانيين وعائلاتهم ومقربين منهم، وبعض قيادات الصف الأول من فصائل الحشد الشعبي وبصورة انتقائية".

"الحشد" والانتخابات

تدخلات دولة الإمارات في الشأن العراقي، سبق أن كشفت عنها "الاستقلال" خلال تقرير نشرته في 25 سبتمبر/ أيلول 2019، حيث قدمت مصادر مطلعة معلومات عن ارتباطات أبو ظبي بـ"حجي حمزة"، القيادي السابق في الحشد الشعبي، وزعيم أكبر مافيا للقمار والدعارة في العراق.

وأفادت المصادر التي طلبت عدم كشف هويتها لحساسية الموضوع، بأن "التحرك ضد حجي حمزة واعتقاله في أغسطس/ آب 2019، جاء بعد معلومات أوصلتها المخابرات الإيرانية إلى الجانب العراقي تتعلق باختراق الحشد الشعبي".

وأكدت أن "الجانب الإيراني زود العراق بمعلومات تؤكد تمكن المخابرات الإماراتية من فتح خطوط تعامل مع قيادات في الحشد الشعبي، ومنهم المدعو حجي حمزة".

وأشارت المصادر إلى أن "السبب وراء إسناد عملية اعتقال حجي حمزة إلى جهاز تابع للحشد الشعبي، يعود إلى إيصال رسالة للإماراتيين بأن الحشد قادر على حماية نفسه من الاختراق".

وبحسب المعلومات الواردة فإن "الإيرانيين أخبروا رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض شخصيا، بأسماء القيادات الفاسدة في الحشد التي وقعت في شباك المخابرات الإماراتية".

وأوضحت المصادر، أن "الإيرانيين عبروا عن غضبهم من اختراق أهم جهاز عسكري وأمني بالنسبة لها في العراق، والتي هي (طهران) ساهمت في تشكيله ويعتبر مقربا منها، بقياداته وفصائله العسكرية".

ولفتت إلى أن "شخصية سنية في منصب كبير بالعراق حاليا (لم تكشفها) كانت وراء التنسيق بين المخابرات الإماراتية، وقيادات في الحشد الشعبي، حيث بنت الأخيرة معهم علاقات متينة".

ونوهت المصادر إلى أن "الشخصية السنية التي تعتبر مقربة من إيران أيضا، تتردد إلى دولة الإمارات بشكل مستمر، والإيرانيون هم من زودوا اسمه للسلطات العراقية بأنه هو وراء التنسيق بين المخابرات الإماراتية وقيادات الحشد، التي وصفوها بالفاسدة".

وعلى صعيد تدخل الإمارات في الانتخابات العراقية، فقد أفصح رئيس البرلمان العراقي السابق سليم الجبوري خلال مقابلة تلفزيونية في مايو/ أيار 2019 عن دور أبوظبي في إقصائه بعد التلاعب بنتائج الانتخابات البرلمانية العراقية.

وقال الجبوري الذي لم يفز بمقعد في الانتخابات البرلمانية التي جرت في مايو/أيار 2018: "كنت فائزا بالانتخابات النيابية وفق جميع المعطيات بالشواهد والأدلة، وكذلك تلقيت اتصالا من الإدارة الانتخابية تؤكد فوزي".

وأضاف أن "خميس الخنجر (سياسي عراقي كان مقربا من الإمارات) أبلغه قبل أسبوعين من الانتخابات بتدبير أمر معين في الإمارات يتعلق بوضع الانتخابات، لأن السيرفرات الخاصة بالاقتراع كانت هناك"، مشيرا إلى أن "الخنجر أكد بأن النتائج ستكون صادمة بالنسبة له".