روبرت مالي.. أميركي متعاطف مع إيران يدير ملفها في البيت الأبيض

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

جدل واسع أثارته التسريبات عن إصدار رئيس الولايات المتحدة جو بايدن، تكليفا لـ"روبرت مالي" المسؤول الأميركي السابق في إدارة باراك أوباما، مبعوثا خاصا لإيران.

وفي 28 يناير/كانون الثاني 2021، نقلت قناة الحرة الأميركية، عن مسؤول بارز في وزارة الخارجية الأميركية، لم تذكر اسمه، قوله إن إدارة بايدن عينت "مالي"، مبعوثا خاصا لإيران، دون أي إعلان رسمي حتى الآن.

تعيين مالي، دفع محتجزين أميركيين سابقين في السجون الإيرانية إلى إرسال رسالة لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، طالبوه فيها بإعادة النظر في القرار، على اعتبار أن الأخير أبدى مواقف متشددة وصارمة تجاه إيران.

"يسترضي الأعداء"

يشغل مالي، منصب رئيس "مجموعة الأزمات الدولية"، وفي أبريل/ نيسان 2015 عُين مسؤولا عن منطقة الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي في إدارة أوباما، ويعرف بتأييده للمسار الدبلوماسي في التعامل مع إيران.

وفي مقال للكاتب الأميركي إيلي ليك، نشرته وكالة "بلومبيرغ" الأميركية، في 25 يناير/ كانون الثاني 2021، قال فيه إن "اختيار مالي يعني أن أول خطأ في السياسة الخارجية لبايدن سيكون من نصيب إيران".

وعزا الكاتب انتقاده إلى أن "مالي -الذي عرفته أروقة السياسة الخارجية في واشنطن على مدى ربع القرن الأخير- له سجل طويل في استرضاء أعداء أميركا، وهو بالضبط الشخص الخطأ في مثل هذا المنصب، أو على الأقل سيكون كذلك إذا لم يكن هدف فريق بايدن هو إعادة عقارب الساعة إلى يناير/كانون الثاني 2017".

ولفت ليك إلى أن مواقف مالي تتناقض مع نوايا اثنين آخرين من أهم مسؤولي إدارة بايدن، وهما مستشاره للأمن القومي جيك سوليفان ووزير الخارجية أنتوني بلينكن.

وعلى نحو مماثل، اعتبر السيناتور الجمهوري توم كوتون خلال تغريدة على "تويتر" في 22 يناير/ كانون الثاني 2021 أنه "من المقلق للغاية أن يفكر الرئيس بايدن في تعيين روبرت مالي لتوجيه السياسة الأميركية تجاه إيران، حيث يتمتع مالي بسجل طويل من التعاطف مع النظام الإيراني والعداء لإسرائيل".

وأضاف السيناتور الأميركي عن ولاية أركنساس أنه "لن يصدق آيات الله (المرشدين الدينيين) في طهران حظهم إذا تم اختياره، تعيين متطرفين مثل مالي سيمنحه الفرصة ليكذب على الرئيس بايدن وتوني بلينكن"، وفق وصفه.

مؤيد للديكتاتورية

طرح موضوع تعيين روبرت مالي، مبعوثا لإيران، أثار غضب عدد من الناشطين السياسيين والخبراء، حيث بعث 12 من الرهائن السابقين ممن احتجزوا في إيران وناشطين بحقوق الإنسان، رسالة إلى أنتوني بلينكن، عبروا فيها عن قلقهم حيال هذه الخطوة.

وحثت الرسالة بلينكن على عدم اختيار مالي في الإدارة، لأن ذلك "سيرسل إشارة مخيفة إلى الديكتاتورية في إيران بأن الولايات المتحدة تركز فقط على إعادة الدخول في الاتفاق النووي الإيراني، وتجاهل إرهابها الإقليمي وجرائمها الداخلية ضد الإنسانية"، حسب تعبيرهم.

وأشاروا خلالها إلى أداء روبرت مالي خلال فترة باراك أوباما، وعلاقته بالمؤسسات المقربة من وزارة الخارجية الإيرانية، وطالبوا حكومة بايدن بإعادة النظر في هذا القرار.

وقال الموقعون على الرسالة إن جو بايدن وأجهزته للسياسة الخارجية يسعون بلا شك إلى الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان، لكن هذا الاختيار يحمل رسالة معاكسة.

ومن بين الناشطين الموقعين على الرسالة، والذين كانوا محتجزين في السجون الإيرانية: نزار زكا، وجيو وانغ، إضافة إلى باري روزن وهو أحد رهائن السفارة الأميركية بطهران، التي جرى اقتحامها في عام 1979.

كما عبّر الكثير من الخبراء في المراكز البحثية المعارضة للتفاوض مع إيران مثل مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ومعهد هادسون، عن انتقادات واسعة لشخص روبرت مالي.

وقبل أشهر، دان مالي بشدة مقتل كبير العلماء النوويين الإيرانيين محسن فخري زاده، كما أنه لم يثن على اغتيال واشنطن لقاسم سليماني قبل عام، معتبرا أن ذلك لا يخدم الأهداف الأميركية في المنطقة.

شخصية براغماتية

يعتبر روبرت مالي شخصية براغماتية مستعدة للتحاور مع "الأعداء"، فهو محام وأكاديمي من خارج النادي التقليدي لمراكز الأبحاث في واشنطن، ولعب دورا كبيرا في اتمام الاتفاق النووي الإيراني. وتولى بعدها منصب أحد كبار مستشاري الرئيس الأسبق أوباما لشؤون تنسيق الحرب على تنظيم الدولة.

مجرّد تعيينه في فبراير/شباط 2014 كمستشار لشؤون الخليج وإيران، كان مؤشرا واضحا أن واشنطن قررت المضي قدما في تسوية نووية مع طهران بعد ستة أشهر من تولي الرئيس الإيراني حسن روحاني منصبه في أغسطس/آب 2013.

ولعلّ النقطة الأهم التي تقاطع فيها مالي مع أوباما هي النظرة إلى الحلفاء والأعداء في الشرق الأوسط.

كتب مالي في مجلة "فورين أفيرز" الأميركية عام 2010، أن "واشنطن لا تزال تنظر إلى الشرق الأوسط على أنه منقسم بين المعتدلين والمتشددين، وهذا مفهوم يجعلها تتغاضى عما يغذي فعلياً دينامية المنطقة".

وأضاف أن "حلفاء واشنطن المفترضين في المنطقة يسعون غالبا لأهداف لا تتماشى مع الولايات المتحدة، وأعداءها يروّجون أحيانا لأهداف تتوافق مع أهداف واشنطن". هذه الفكرة هي جزء أساسي اليوم من نظرة واشنطن إلى علاقتها مع السعودية وإيران.

القضية السورية

دخل مالي في نقاشات مع المبعوث الخاص للرئيس الروسي بشأن سوريا، ألكسندر لافرنتييف لإقرار مشروع مسودة الدستور السوري الذي لم ير النور بعد، ما يعني أنه كان يُمسك بجناحَي السياسة الأميركية حيال سوريا: تنظيم الدولة ومحادثات السلام بين النظام والمعارضة.

تابع المحامي الأميركي الملف السوري عن كثب خلال فترة توليه برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في "مجموعة الأزمات الدولية".

في تلك الفترة، اجتمع مع رئيس النظام السوري بشار الأسد عامَي 2007 و2008، وكان يعتبر أن على واشنطن توفير إستراتيجية متكاملة للنظام السوري ليكتسب ثقة الخروج من الفلك الإيراني.

تطوّر هذا الموقف مع تغيّرات المنطقة، إذ كتب مالي مع زميله بيتر هاردينغ مقالا في صحيفة "واشنطن بوست" في شهر يوليو/تموز 2011، رأى فيه أن نظام الأسد "يبدو عازما على حفر قبره بيده. لم يكن من الضروري أن يكون الأمر بهذه الطريقة".

وختم المقال بالقول: "من الصعب تقييم ما إذا كانت هناك أغلبية واضحة من السوريين ترغب في إسقاط النظام. لكن ما هو واضح، أن أغلبية داخل النظام تعمل بشكل إضافي لتعجيل زواله".

لم تكن إطاحة الأسد من منصبه أولوية، كما جرى تثبيت موقف واشنطن بأن إزالته عسكريا ستؤدي إلى تعزيز نفوذ تنظيم الدولة في سوريا، وفق رؤية مالي.

ولا ينصح مالي بشراكة مع الأسد لمحاربة التنظيم، لكن لديه ليونة حيال توقيت تنحيه، فيما يجري العمل مع موسكو على تسوية سياسية تحاول إنهاء الصراع القائم في سوريا.

لمحة شخصية

روبرت مالي مولود في نيويورك عام 1963 هو محامي أميركي، وعالم سياسي ومختص في فض النزاعات، حيث عمل مساعدا خاص سابقا للرئيس الأميركي بيل كلنتون للشئون العربية-الإسرائيلية (1998-2001).

وقبل تولي هذا المنصب، كان مساعدا لمستشار الأمن القومي ساندي برگر (1996-1998) ومدير إدارة الديمقراطية وحقوق الإنسان والشؤون الإنسانية في مجلس الأمن القومي (1994-1996).

ويعتبر مالي خبيرا في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وقد كتب بغزارة في هذا الموضوع. وكمساعد خاص للرئيس كلنتون، كان عضوا في ما يعرف بـ"فريق السلام" الأميركي وساعد في تنظيم قمة كامب ديفيد 2000.

والدته لبربرا مالي (سابقا سيلفرستين), أميركية من نيويورك، عرف عنها بأنها عملت في الأمم المتحدة مع وفد "جبهة التحرير الوطنية الجزائرية" (حزب يساري اشتراكي يمثل الجناح السياسي لجيش التحرير الوطني قبل الاستقلال).

تضاربت الأنباء بخصوص والده سيمون مالي، فهناك من ذكر أنه ينحدر من سوريا، فيما أكدت تقارير أخرى أنه صحفي مصري يهودي، نشأ في مصر وعمل كمراسل للشؤون الخارجية في جريدة الجمهورية، التي كانت وثيقة الصلة بحكومة جمال عبد الناصر.

وكان سيمون مالي رفيقا لمؤسس الحزب الشيوعي المصري، هنري كورييل. كما أمضى مالي الأب وقتا بنيويورك، لتغطية الشؤون الدولية، وخصوصا الحركات الوطنية المضادة للامبريالية في إفريقيا، وكان له إسهام كبير في وضع "جبهة التحرير الجزائرية" على خريطة العالم، حسب تقارير.

وفي 1969، انتقل روبرت مالي إلى فرنسا، حيث أسس والده مجلة "إفريقاسيا" التي كانت صوتا لقضايا الدول حديثة الاستقلال مثل الجزائر ومصر، ولصراعات التحرر في أنحاء العالم.

التحق روبرت مالي بجامعة ييل، وفي عام 1984 اختير ليصبح زميلا بجامعة أكسفورد، حيث حصل على دكتوراه في الفلسفة السياسية. واصل مالي الكتابة عن السياسة الخارجية، بما في ذلك تحليلات مطولة عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وقد حصل على دكتوراه القانون من كلية حقوق هارفرد.

وفي 1991-1992، عمل مالي موظفا في مكتب قاضي المحكمة العليا بايرون هوايت، بينما عملت زوجته كارولاين براون في مكتب قاضية المحكمة العليا ساندرا داي أوكونر. وحتى 2008، فللزوجين ابنان، مايلز وبليز، وابنة واحدة، فرانسس.