بدأ تداولها في بورصات عالمية.. ما مستقبل المياه العذبة على الأرض؟

12

طباعة

مشاركة

تحدثت صحيفة "كوميرسانت" الروسية، عن آثار نقص المياه القابلة للشرب في العالم، وسط تقارير صادمة من منظمات دولية معنية بالغذاء والبيئة.

ونقل الكاتب والصحفي "كيريل زيرينكوف" ملخص تقرير منظمة "الفاو"، التابعة للأمم المتحدة والمعنية بالغذاء والزراعة، جاء فيه: "أن النقص الشديد للمياه العذبة القابلة للشرب في العالم يؤثر على أكثر من 3 مليار شخص على هذا الكوكب".

ويضيف "زيرينكوف" أن النمو السكاني، وفقا للخبراء، هو الذي يرفع نمو الطلب على المياه، ومن الآثار المترتبة على ذلك: انخفاض نصيب الفرد من إمدادات المياه العذبة بأكثر من 20 في المائة خلال العقدين الماضيين.

يظهر هذا جليا وبشكل خاص في شمال إفريقيا وغرب آسيا، وهما في الواقع على وشك "النقص الحاد"، حسب تقرير منظمة "الفاو".

 ومن المفارقة أيضا، يقول الكاتب: "بسبب ارتفاع المستوى المعيشي لكثير من المجتمعات أصبحنا نستهلك المزيد من المياه".

 على سبيل المثال، "أثّر التغيير في نظامنا الغذائي (المزيد من منتجات الثروة الحيوانية والحبوب) على الزيادة في استهلاك المياه اليومي في البرازيل والصين والهند. ولا يجب -في نفس الوقت- إهمال أثر التغيرات المناخية والتي بدورها سببت خللا في توازن الكوكب".

من الناحية النسبية، حسب تقرير "الفاو"، فإن حوالي 11 بالمائة من جميع الأراضي الصالحة للزراعة و14 بالمائة من جميع المراعي معرضة الآن للجفاف المتكرر، في حين أن 60 بالمائة من الأراضي الزراعية المروية تعاني من نقص المياه.

الأخبار صادمة  

ومن جانب آخر، يشير الكاتب إلى أن بورصة "شيكاغو" بدأت ببيع العقود الآجلة وتداولها مقابل المياه، متسائلا: "هل يمكن أن يكون الماء هو العملة الجديدة"؟

في ظل هذه الخلفية، انتشرت أخبار مهمة أخرى في جميع أنحاء العالم. في الولايات المتحدة، بدؤوا في تداول العقود الآجلة بالمياه.

والعقود الآجلة هي اتفاقية بيع وشراء يتم تداولها في البورصة، بحيث يتفق الطرفان في نهايتها على السعر ووقت التسليم فقط.

وفقا لتقارير وسائل الإعلام، ينوه "زيرينكوف" إلى أن الفكرة تبلورت قبل بضعة أشهر وسط الحرارة وحرائق الغابات التي دمرت الساحل الغربي للولايات المتحدة، فضلا عن ثماني سنوات من الجفاف في كاليفورنيا. والآن بدأ التداول بالمياه رسميا في بورصة "شيكاغو" التجارية. 

ويتنبأ الخبراء بتنبؤات مروعة: ماذا لو كانت هذه هي الخطوة الأولى نحو تحويل المياه إلى عملة؟

يشار هنا إلى أن فنانة فرنسية ابتكرت مؤخرا قطع نقدية فعلية على شاكلة أوراق نقدية "مائية" مصنوعة من الراتنج (مادة شفافة). أطلق على مشروعها اسم "قيمة الماء". وأكدت الفنانة، أن المياه، أصبحت من الرفاهية المخصصة للنخبة، واستثمار موثوق به مثل الذهب. 

ويتساءل الكاتب: ما مدى واقعية هذا الاحتمال؟ وكيف سيؤثر ذلك علينا؟ -يعني روسيا- والتي تأتي في المرتبة الثانية بعد البرازيل مع الأمازون العظيم من حيث احتياطيات المياه العذبة؟

ويتابع: طلبنا من "أناستاسيا ليكاتشيفا"، مديرة مركز الدراسات الأوروبية والدولية الشاملة (CCEMI) في المدرسة العليا للاقتصاد، توضيح الموقف وتبسيطه لنا، متسائلا: ما وراء فكرة تداول المياه في البورصة؟

وتجيب بأن هناك أسبابا موضوعية لهذا: على وجه الخصوص، النقص المتزايد في المياه في العالم. 

هذه الظاهرة عمرها أكثر من عام، حيث إن هناك استخداما فعالا ومتزايدا لأنظمة المياه من قبل البشر، وسكان العالم في تزايد مستمر، مضيفة: "أصبحنا نمارس أعمالا أكثر، ونأكل أكثر، ونتاجر أكثر. لذا فإن السبب الجذري واضح".

مشكلة وتساؤلات 

وتشير الخبيرة إلى أن هناك أيضا جانبا أميركيا بحتا للمشكلة، مبينة أن "الحقيقة هي أن هذه العقود المستقبلية مرتبطة بسوق الأوراق المالية في كاليفورنيا".

وتضيف "ليكاتشيفا" بالقول: اسمحوا لي أن أذكركم أنه في ولاية كاليفورنيا، لا تزال الزراعة تستهلك من 50 إلى 60 في المائة من موارد المياه، لأنها منطقة زراعية نشطة، كما أن المنطقة مكتظة بالسكان. 

وأخيرا، هذه منطقة شديدة التعرض للكوارث والطوارئ الطبيعية المختلفة، كالجفاف والحرائق. وتقول الخبيرة: "أصبحت المياه في كاليفورنيا نادرة بشكل متزايد". وهكذا، كان في سوق كاليفورنيا تقارب الطلب المتزايد والمذيبات على المياه بينما العرض محدود.

وردا على سؤال الكاتب: "هل تشكل هذه العقود الآجلة خطوة غير مسبوقة للسوق المالي ككل؟"، وتجيب ليكاتشيفا: بالطبع هو كذلك، مبينة أنه كان هناك بالفعل سوق فوري للمياه في كاليفورنيا، وبمساعدة المشترين والبائعين حيث كانت تحدد أسعار المياه. وفي الواقع، أصبح الآن مفتوحا لأي مستثمر. 

وتواصل الخبيرة أن "الفكرة نفسها جيدة، حيث ستسمح العقود المستقبلية للمزارعين بالحجز والتخطيط لحاجاتهم ولتكاليف المياه مسبقا، نحن نتحدث عن نوع من محاولة التأمين ضد المخاطر".

 ومع ذلك، فقد دقت الأمم المتحدة ناقوس الخطر بالفعل، فهناك خطر حدوث فقاعة استثمارية جديدة، حيث من السهل تخيل موقف يبدأ فيه المستثمرون غير المرتبطين مباشرة بصناعة "المياه" وشرائه، وستكون هناك ضجة.

ويسأل "زيرينكوف" مجددا: هل يمكن أن تؤدي هذه الفكرة إلى زيادة أسعار المياه في العالم كله؟

وتقول في جوابها: إن في الولايات المتحدة يمكن للمرء أن يتخيل كيف توزع الحكومة الأميركية أموال "طائرات الهليكوبتر" وتستثمرها ليس في أسهم "تسلا" التقليدية، ولكن في العقود الآجلة للمياه. 

لكن، ومع ذلك، فإن بقية العالم أقل اهتماما بهذه المسألة. ففي مختلف البلدان، يتم تحديد تسعيرة المياه من خلال المنطق الاجتماعي والاقتصادي الداخلي. ويجب الانتباه -بحسب الخبيرة- لأعمال الشغب التي اجتاحت منطقة "كوتشابامبا" في بوليفيا (بدأت كرد فعل لخصخصة شركة المياه البلدية في المدينة وزيادة رسوم المياه). 

وفي هذا المجال، كل دولة تقرر بنفسها المبلغ الذي يجب أن يدفعه مواطنوها مقابل هذا المورد القيم.

ولكن، هل من الممكن في المستقبل جعل المياه عملة عالمية جديدة؟، تجيب الخبيرة: "يقارن كثير من الناس اليوم العقود الآجلة للمياه مع العقود الآجلة للنفط أو الغاز، ولكن هناك فرق جوهري". 

أولا، المياه النظيفة هي المورد الوحيد على الأرض، والحق في الوصول إليها مكرس رسميا باعتباره أحد حقوق الإنسان الأساسية بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة. 

ليس هذا فقط، تستطرد الخبيرة. ولكن ثانيا، الماء بحد ذاته ليس ذا أهمية، إنما الغرض منه هو المهم.


المصادر