خبير عُماني لـ"الاستقلال": عسكرة الرياض للمهرة تنذر بمزيد من التصدع

محمد عيد | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

دائما ما تشكل مدينة المهرة اليمنية محطة قلق للسلطات العُمانية بسبب التغلغل السعودي الإماراتي المتواصل فيها ومحاولاتها بسط سيطرتها الكاملة عليها.

وتنظر سلطنة عُمان إلى مدينة المهرة ثاني أكبر المدن اليمنية أنها جزء من أمنها القومي، إضافة إلى أنها تحرص على إقامة علاقات متميزة مع سكانها وزعماء القبائل فيها.

ومنذ بداية حرب اليمن في 2015، تحاول الرياض وأبوظبي السيطرة على موانئ المهرة وبناء قنوات نفطية عبرها، كبديل عن مضيق هرمز، فيما يصف السكان هذه التحركات بـ"الاحتلال الجديد".

ويَعبُر التقارب بين عُمان والمهرة الحدود في الماضي والحاضر، لأن التلاقي الثقافي والاجتماعي يمتد بين الدولة والمحافظة بحدود برية طولها 288 كيلومترا.

وحول خطورة الوجود السعودي الإماراتي على أمن سلطنة عُمان، ودورها في إنهاء الحرب باليمن، وكيفية إدارة السلطان الجديد هيثم بن طارق لجائحة فيروس كورونا، حاورت الاستقلال، الأكاديمي العُماني والخبير في الشؤون الإستراتيجية، عبد الله الغيلاني.

محافظة المهرة

  • ماذا تمثل محافظة المهرة اليمنية لسلطنة عُمان؟

محافظة المهرة محاذية لسلطنة عُمان، وهي ثاني أكبر المحافظات اليمنية من حيث المساحة، ولها امتداد ساحلي طويل على بحر العرب، الأمر الذي يكسبها تموضعا جيوسياسيا بالغ الحساسية، وهي النافذة البرية لعُمان على اليمن.

هذه الاعتبارات إضافة إلى اعتبارات اجتماعية وقبلية وتاريخية أخرى جعلت المهرة تحتل موضعا مركزيا في الرؤية الجيوستراتيجية العُمانية.

أدركت حكومة السلطنة ذلك منذ أمد بعيد فاستثمرت في المهرة على الصعد السياسية والتنموية والاجتماعية، وقد تيسر لها ذلك دون عناء.

كذلك، المهرة هي الفضاء الحاجز بين عُمان وسائر مناطق اليمن المضطربة، ومن ثم فإن السلطنة حريصة على تحصينها من التوترات السياسية والانهيارات الأمنية والتمزق الاجتماعي بحسبانها إحدى ركائز الأمن القومي العماني.

  • هل يشكل الوجود العسكري السعودي الإماراتي في المهرة أي تهديدات على أمن عُمان؟

الوجود العسكري السعودي – الإماراتي في المهرة يشكل تهديدا مباشرا للأمن العماني والمصالح العمانية، وينذر بمزيد من التصدع مع الجارين الخليجيين.

يبدو أن السلطنة حتى اللحظة تتجنب التماس العسكري وتجنح عوضا عن ذلك إلى التوافقات الدبلوماسية، ولكن السعودية ماضية في عسكرة المهرة وتحويلها إلى بؤرة صراع (دون ضرورات أمنية أو سياسية).

  • ما أدوات سلطنة عُمان لضمان تأمين امتدادها القومي في محافظة المهرة من الوجود السعودي؟

 في إدارتها للصراع في المهرة تمتلك عُمان أدوات لا تتوفر للطرف السعودي، يأتي على رأسها الرسوخ التاريخي وعمق الصلات الاجتماعية والامتداد القبلي لقبيلة المهرة التي يقطن جزء كبير منها محافظة ظفار العمانية.

هذا فضلا عن الولاءات السياسية التي شيدتها السلطنة مع القوى القبلية والسياسية في شرق اليمن، حيث تستطيع الحكومة العمانية – إن شاءت – أن تنازل خصومها عبر تلك الأدوات، خاصة وأن الجغرافيا تمدها بفائض قوة لا يتوفر لمنافسيها.

  • وما خيارات عُمان حال قررت السعودية الاستمرار في مد أنبوب النفط من الخرخير في السعودية وحتى ميناء نشطون في المهرة؟

أحسب أن السلطنة يضيرها أنبوب النفط السعودي لتجد الرياض لنفسها منفذا على بحر العرب يحررها من الارتهان لمضيق هرمز حيث التربص الإيراني، وللبحر الأحمر حيث المهددات الحوثية، ولكن دون امتهان للشرعية اليمنية ودون أن يكون المنفذ النفطي ذاك ذريعة لعسكرة المهرة وتحويلها إلى قاعدة ارتكاز أمني وبؤرة صراع سياسي يكون مصدر تهديد للأمن القومي العماني.

السياسة الخارجية

  • هناك حديث عن رعاية عمانية لمحادثات سرية بين الحوثيين والسعودية بإشراف أميركي.. ما فرص نجاح هذه المحادثات؟

الحديث عن رعاية عُمانية لمحادثات سرية بين الحوثيين والسعودية ما فتئ يظهر عبر وسائل الإعلام المختلفة بين الفينة والأخرى، وليس سرا أن عُمان ما انفكت ترعى هكذا جولات تفاوضية بين فرقاء الصراع في اليمن.

لم يتولد عن أي من تلك اللقاءات نتائج مثمرة ولم تسفر عن أي تقدم يمكن البناء عليه.

إدارة الرئيس الأميركي السابق بارك أوباما كانت أكثر انخراطا في تلك المفاوضات عبر الوزير (جون) كيري، أما إدارة دونالد ترامب فليس لها حضور يذكر في الأزمة اليمنية.

ومن ثم فلا أحسب أن تقدما جوهريا يمكن أن يحرز، ذلك أن موازين القوى سواء على مستوى الصراع في اليمن أو على المستوى الإقليمي لا تأذن بذلك، كما أن مشروع التحالف السعودي – الإماراتي لم يعد هو إسقاط الحوثيين وإعادة حكومة الرئيس (اليمني عبد ربه منصور) هادي، بل تغيرت المعادلة تغيرا كليا ودخلت عليها حسابات جعلتها أكثر تعقيدا. 

  • ما أبرز التحولات في سياسة عُمان الخارجية في ظل السلطان الجديد هيثم بن طارق؟

في خطابيه الأول (خطاب التنصيب) والثاني (خطاب التأبين)، أكد السلطان هيثم بن طارق على ثبات مبادئ السياسة الخارجية العمانية، ولكن الخيارات السياسية لا تحكمها النوايا وإنما تمليها الوقائع على الأرض.

وبعد مضي ستة أشهر من وفاة السلطان قابوس رحمه الله، لم نرصد تحولا جوهريا في المقاربات الخارجية العُمانية، ولكني على يقين أن إكراهات السياسة والطبيعة المتحركة للأزمات الإقليمية واتساع رقعة المهددات ستدفع السلطنة إلى استدارات إستراتيجية وإعادة تموضع جيوستراتيجي تمليه المصالح العليا للبلاد. 

  • ماذا يحتاج سلطان عُمان الجديد لتحقيق النهضة في السلطنة وتقويتها؟

في مرحلة التأسيس الثاني تواجه عُمان وسلطانها جملة من التحديات المركبة، لعل أبرزها التحدي الاقتصادي المتعدد الأبعاد، وإعادة هيكلة الدولة على الصعيدين الإداري والمفاهيمي، والتعاطي الفاعل مع حزام الصراعات الإقليمية.

ما يحتاجه السلطان لمقاربة تلك التحديات بفاعلية هو: (1) الرؤية التغييرية المتماسكة والمتكاملة التي لا تستثني شيئا، (2) توسيع دائرة التشارك السياسي وتمكين منظمات المجتمع المدني، (3) الاستعانة بفريق قيادي ذي كفاءة مهنية وأخلاقية عالية.

كورونا والاقتصاد

  • كيف يجري العمل في ميناء الدقم والعلاقات العمانية الصينية بهذا الصدد؟

ميناء الدقم هو أحد المشاريع الاقتصادية العملاقة التي دشنتها حكومة السلطنة لإحداث نقلة كبرى في الاقتصاد العُماني سواء من حيث تعظيم العوائد أو مضاعفة فرص العمل أو توسيع قاعدة الصناعات الثقيلة أو جلب الاستثمار الخارجي، ولكن المردود حتى اللحظة لا يرضي التوقعات.

جلب المشروع بعض الاستثمارات الخارجية و منها الصينية، غير أن العوائد الكلية لا تزال دون التطلعات التي أقيم عليها المشروع.

  • ماذا عن القرارات الاقتصادية التي اتخذها السلطان في الفترة الأخيرة؟

يعبر الاقتصاد العماني أزمة مركبة لعلها الأشد ضراوة منذ ثلاثة عقود، تشمل (1) انخفاضا حادا ومفاجئا في أسعار النفط أربك المخطِط الاقتصادي وقلب الحسابات المالية وضاعف العجز في ميزانية 2020، (2) الإغلاقات الاقتصادية بسبب جائحة كورونا، والتي هوت بحركة الاقتصاد إلى دركات سحيقة، (3) ارتفاع أعداد الباحثين عن عمل، (4) ارتفاع الدين العام إلى مستويات غير مسبوقة تجاوزت 60% من الناتج المحلي الإجمالي الامر الذي أفضى إلى تخفيض التصنيف الائتماني للسلطنة.

  • على صعيد أزمة كورونا، كيف ترى تعامل السلطان واللجنة العليا مع الجائحة؟

لمواجهة المعضلة الاقتصادية وتداعياتها، اتخذ السلطان هيثم جملة من التدابير الهيكيلة والإدراية، منها خفض النفقات العامة التي نصت عليها الموازنة في القطاعين المدني والعسكري، إلغاء بعض المشاريع، إحالة عدد كبير من العاملين في أجهزة الدولة إلى التقاعد، إعادة هيكلة الصندوق السيادي بدمج كافة الأذرع الاستثمارية في مؤسسة واحدة هي الجهاز العماني للاستثمار.

ويمكن لهذه التدابير أن تمتص بعض تبعات الأزمة الاقتصادية وتوفر للحكومة قدرا من المكنة المالية، ولكنها قطعا لا تمثل المعالجة الجذرية للمعضلة.

تربض السلطنة على جغرافيا باذخة الثراء وتمتلك هوية جيوسياسية عميقة الجذور، وتحوز امتدادات بحرية تؤهلها لأنشطة ملاحية لا نظير لها في الإقليم. تستطيع السلطنة تدشين مشروع نهضوي تتخطى به أزماتها الاقتصادية إن هي أحسنت إدارة تلك الموارد.