بديعة بنت علي.. أميرة نجت من مجزرة القصر لتروي تاريخ العراق

يوسف العلي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

السبت 9 مايو/آيار 2020، غيّب الموت الأميرة بديعة بنت علي وحفيدة الشريف حسين "ملك العرب"، في إحدى مستشفيات العاصمة البريطانية لندن عن عمر ناهز الـ 100 عام، كانت حافلة بالأحداث العسكرية والسياسية بالمنطقة العربية في القرن العشرين.

آخر أميرات العائلة المالكة التي حكمت العراق 37 عاما، هي الناجية الوحيدة من "مجزرة قصر الرحاب" في بغداد، والتي أتت على جميع أفراد أسرتها بانقلاب عسكري نفذه عدد من الضباط العراقيين القوميين، وأطلق عليها فيما بعد ثورة 14 يوليو/ تموز 1958.

ناجية وحيدة

ولدت الأميرة بديعة عام 1920 في دمشق، وقضت طفولتها في مكة المكرمة والأردن، وبعد 4 سنوات انتقلت إلى بغداد، عقب تأسيس المملكة الهاشمية في العراق عام 1921 على يد الملك فيصل الأول.

تزوجت ابنة الملك علي بن الحسين عام 1950 من الشريف الحسين بن علي (أمير مكة)، ولها من الأبناء: علي ومحمد وعبد الله، وابنة أخ الملك عبد الله الأول، ملك ومؤسس المملكة الأردنية الهاشمية.

الأميرة الهاشمية هي خالة آخر ملوك العراق فيصل الثاني، وشقيقة الوصي على عرش العراق الأمير عبد الإله، ولها 3 شقيقات، هن: "الأميرة عابدية 1907، الملكة عالية 1911 (آخر ملكات العراق)، الأميرة جليلة 1922".

غيابها عن قصر الرحاب كان سببا في نجاتها من مجزرة ارتكبها الانقلاب العسكري عام 1958 قتل فيها جميع أفراد أسرتها المالكة، ولجأت إلى السفارة السعودية في بغداد، والتي أمنت لها خروجا بالطائرة إلى القاهرة، برفقة زوجها وأبنائها، حيث قضت بعض الوقت في مصر، ثم انتقلت إلى سويسرا، ثم المملكة المتحدة.

"وريثة العروش"

لم تكن للأميرة بديعة أي تجربة في العمل السياسي، تجربتها الوحيدة في العمل العام كانت يوم أن عملت بالتمريض مع الجيش العراقي الذي حارب في فلسطين عام 1948.

في تلك الحرب التي وثقتها في كتاب جمع مذكراتها وصدر عام 2002، بعنوان "وريثة العروش" تذكر أنها حثت الملك عبد الله (ملك الأردن) عمها على عدم الاستجابة لقرارات الأمم المتحدة بوقف إطلاق النار.

تذكر الأميرة أن العراق لم ينسحب من حلف بغداد بعد العدوان الثلاثي على مصر، وتعد ذلك من أخطاء نوري السعيد (رئيس وزراء عراقي) الكبيرة آنذاك. كان وقتها حلف بغداد موضوعا يعرض الحكم الشريفي لغضب النظام المصري والجماهير العربية المتأثرة به، خاصة بعد هزيمة الجيوش العربية في حرب 1948.

الملك غازي بن فيصل في العراق والأمير طلال بن عبد الله في الأردن كلاهما كانا يعلنان الاعتراض على سياسات بريطانيا، بل وحاول الملك غازي التواصل مع الألمان، رغم أن سياسة الهاشميين كانت في العادة موالية لبريطانيا، وهذا أحد أسباب الانقلابات التي جرت عليهم في العراق والأردن.

وحسب مذكرات الأميرة بديعة، فإن الأشراف، خاصة في العراق كان يملؤهم شعور بخيبة الأمل من الإنجليز الذين خدعوهم وقسموا الدول العربية بناء على اتفاقات سايكس بيكو بينهم وبين فرنسا، لكن معظم سياستهم ظلت تحافظ على تميز علاقاتها مع بريطانيا.

الحياة العائلية

في مقابلة تلفزيونية عام 2011، عرضت الأميرة حياة الهاشميين خلال حكمهم في العراق، وكيف أنها لم يكن فيها ما يستفز الشعب العراقي ويثير حنقه، كما أظهرت أنهم كانوا أقرب إلى الديمقراطية والمسالمة.

وحسب قول الأميرة بديعة، فإن حياة العائلة المالكة كانت أقرب إلى البساطة، وأن الملك فيصل الأول سكن قصر الحرم وهو قصر عثماني قديم، كما بنى قصر الحارثية وسط بغداد، بعد ذلك تم بناء قصر الزهراء بناء حديثا وجلب له الأثاث من بريطانيا.

أما قصر الرحاب الذي حدثت فيه المجزرة يوم الانقلاب فكان على طراز الفيلات في مصر، وأثاثه من لبنان وفلسطين. دارت شائعات حول حياة فيصل الأول وبعض العلاقات النسائية إلا أن الأميرة نفتها، لكنها أكدت أن الملك غازي كان صاحب مغامرات، وأنه كان مخمورا عندما عمل حادثا بالسيارة التي كان يقودها وأدت إلى وفاته.

وبشأن الرواتب المالية، فتذكر الأميرة أن راتب والدها كنائب لشقيقه ملك العراق، كان 250 دينارا عراقيا في عشرينيات القرن الماضي، وكما تقول كان لا يكفي لإعالة عائلته ومن اختاروا المنفى معه من حاشيته في الحجاز.

لذا أقطعه أخوه مزرعة النعمانية على دجلة، ولم تكن هناك مخصصات للملكة ولأم الملك ولا لفيصل الثاني عندما كان وليا لعهد والده، أما أخوها عبد الإله الوصي على العرش فمات مدينا للدولة العراقية بحوالي 40 ألف دينار، وكانوا ينفقون على أنفسهم من دخل أملاكهم في الحجاز ومصر قبل تأميمها، بحسب قولها.

كما ذكرت آسفة أن الخمور كانت تقدم للضيوف في قصر الملك فيصل الأول بناء على توصية اثنين من مستشاريه، أما عبد الإله الوصي على العرش فلم يكن يشرب الخمر وحرص على تجنيب ابن أخته فيصل الثاني كل ما يمكن أن يؤدي به إلى المجون أو شرب الخمر.

تحت الرقابة

الأميرة بديعة تقول في مذكراتها: إن رئاسة الوزراء والبرلمان مارستا بعض الرقابة غير المعتادة في أحوال العائلة الملكية، مثلا ياسين باشا الهاشمي (رئيس وزراء عراقي) أعد قانونا في عام 1935، يحدد من هم أفراد الأسرة المالكة الهاشمية، ما أدى مثلا إلى أن زوج الأميرة بديعة لم يكن معتبرا من العائلة المالكة، نظرا لأنه من الفرع الشريفي الذي غادر الحجاز إلى مصر مع إبراهيم باشا عند عودته من معاركه في الجزيرة العربية.

وكذلك في رحلة عودة الملكة عالية أم الملك فيصل الثاني بعد علاجها في لندن اعترض البرلمان على صرف تكاليف المرافقين لها ومنهم طبيبان كانا مطلوبين لمتابعة حالتها الصحية الخطرة وهي تقضي أيامها الأخيرة، بل ورفضت أمانة بغداد رصف شارع صغير بين الجناحين الخارجي والداخلي لقصر الرحاب.

وتدلل الأميرة في المذكرات على أن أهلها لم يكونوا من محبي عقوبات الإعدام، وتذكر أن والدها تأسف على تنفيذ حكم الإعدام الذي تم بحق اثنين من العسكر التركي، وحاول والدها أن ينقذهما بالإيحاء لهما بتغيير أقوالهما بحيث يكون فعلهما غير متعمد حتى ينجيهما من الإعدام لكنه لم ينجح، وظل خيالهما يؤرقه.

أما ابنه عبد الإله، تضيف الأميرة بديعة: "كان كثير التردد بخصوص المصادقة على حكم إعدام أصدره القضاء بحق أحد المجرمين، لكن الضغوط الشعبية أوصلته في النهاية إلى التصديق على الحكم. وكذلك كان عصبيا مترددا غير راغب في التصديق على أحكام صدرت بإعدام 4 ضباط تمت إدانتهم بعد فشل انقلاب رشيد عالي الكيلاني".

وعن قصة رحيلها من بغداد، فقد لجأت الأميرة بديعة وزوجها إلى السفارة السعودية في بغداد، حتى تم ترتيب خروجها إلى مصر ومن ثم إلى أوروبا، وتنكر لهم كثيرون حتى أن السفارات البريطانية ماطلت في منحهم تأشيرة الدخول، أما أميركا فتحفظت على يخت كان يُبنى للملك فيصل، وكلفه 80 ألف دينار، ادعت إحدى الأميركيات أن ابنتها قد تزوجت الملك ولم تكن علاقته بها تزيد على زيارتين في وجود أفراد العائلة.

وذكرت أن أميرة هاشمية تدعى "فخر النساء"، شهدت أن "هذه الأميركية بالفعل كانت زوجة للملك المقتول مقابل أخذها رشوة بمبلغ 15 ألف دولار وأخذت الزوجة الأميركية المزعومة الباقي".