بين ربيع يناير وجحيم يوليو.. كيف ارتدت الصحافة الكمامة بيد السيسي؟

القاهرة- الاستقلال | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أظهر مؤشر "حرية الصحافة حول العالم" لعام 2020، الذي أصدرته منظمة "مراسلون بلا حدود" بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة في 3 مايو/ أيار، احتفاظ الدول العربية بأكبر مساحة من "اللون الأسود" (عدا 3 دول هي تونس وجزر القمر وموريتانيا). 

كما تشبثت 6 دول عربية بالبقاء في القاع، في مقدمتها "مصر" التي انحدرت نحو الأسفل بثلاث درجات، من 163 في عام 2019، إلى 166 في عام 2020، وجاء ترتيبها متأخرا بعد العراق والصومال وليبيا.

تلاها اليمن 167، فالبحرين 169 التي انحدرت هي الأخرى درجتين عن العام الماضي، والسعودية 170، ثم سوريا 174، وأخيرا جيبوتي في ترتيب 176. في الوقت الذي تقدمت فيه 54 دولة إفريقية على مصر "الأعرق في تاريخ الصحافة".

وفي المناسبة نفسها نشرت منظمة العفو الدولية "أمنستي" على موقعها الرسمي تقريرا تطالب فيه السلطات المصرية بـ"وضع حد لقمعها المتواصل لوسائل الإعلام"، منوهة بالاعتداء على الصحفيين، واحتجاز العشرات منهم تعسفيا، بتهم باطلة تتعلق بـ"الإرهاب".

وكان موقع "مسبار" قد رصد تغطيات خاطئة لمؤشر حرية الصحافة 2020، تصدرت الصفحات الأولى لصحف عربية من بينها جريدة "اليوم السابع" المصرية، التي صدرت بعنوان رئيسي "تركيا من أسوأ 15 دولة فى حرية الصحافة".

وكذلك صحيفة "الاتحاد الإماراتية" التي كتبت بالخط العريض أن "تركيا وسوريا من أسوأ 15 دولة فى حرية الصحافة لعام 2020".

وأوضح "مسبار" أن تركيا تحتل المرتبة الـ154 عالميا، لكنها ليست بين أسوأ 15 دولة، فعلى رأس أسوأ 15 دولة في العالم تأتي كل من "مصر، اليمن، أذربيجان، البحرين، السعودية، كوبا، لاوس، إيران، سوريا، فيتنام، جيبوتي، الصين، إريتريا، تركمانستان"، و"كوريا الشمالية" القابعة في ذيل القائمة، التي يُخشى على الصحافة المصرية أن تلحق بها في رحلتها من "ربيع يناير" إلى "جحيم يوليو".

أكبر سجن للصحفيين

في تقريرها المرفق بالمؤشر، وصفت "مراسلون بلا حدود" مصر (جاءت بعد الصين في عدد الصحفيين السجناء) بأنها "أحد أكبر سجون الصحفيين في العالم، حيث تتوالى حملات الاعتقالات ويقضي بعض الصحفيين سنوات في الحبس الاحتياطي دون أية تهمة أو مثول أمام محكمة، بينما يُحكم على آخرين بالسجن لمدد طويلة تصل إلى المؤبد عبر محاكمات جائرة".

وتضيف: أنه "منذ أن تسلم عبد الفتاح السيسي زمام السلطة، أصبحت مُعظم وسائل الإعلام في البلاد تعزف على نغمة السيسي، بينما تشن السلطات المصرية حملة ملاحقة ضد الصحفيين الذين يشتبه في قربهم من جماعة الإخوان المسلمين".

وتتهم مراسلون بلا حدود النظام بـ"التحكم في المشهد الإعلامي المصري بالكامل، بشراء المؤسسات الإعلامية، وحصار وسائل الإعلام الإلكترونية لإجبارها على الإغلاق، وحجب أكثر من 500 موقع (من بينها موقع منظمة مراسلون بلا حدود نفسه).

كما تتهمه بمضاعفة وتيرة الاعتقالات بسبب منشورات وتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، بالتوازي مع ترسيخ ترسانة قانونية قمعية تهدد حرية الصحافة أكثر فأكثر.

وأضافت المنظمة: أن "الصحافة الأجنبية هي الأخرى لم تسلم من الموجة القمعية التي تئن البلاد تحت وطأتها، سواء تعلق الأمر بسحب مقالات أو اعتراض السلطات بعنف على تقارير صحفية معينة، أو بطرد صحفيين أو منعهم من دخول الأراضي المصرية".

وبحسب فيليب لوثر، مدير بحوث الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، فإنه "بعد التغطية الإعلامية المنتقدة للتخلي عن جزر تيران وصنافير في 2016 لصالح السعودية، تبنت السلطات في مصر أساليب أكثر تشددا للقضاء على جميع أشكال الانتقاد، معتبرة أن "أي شخص يشكك في الرواية الرسمية سيعاقب بشدة".

إلى جانب أنه "في السنوات القليلة الماضية، تمت مداهمة أو إغلاق 5 وسائل إعلامية على الأقل، ويقبع ما لا يقل عن 37 صحفيا خلف القضبان بسبب ممارستهم لحقهم في حرية التعبير، 20 منهم بتهم تتعلق بعملهم الصحفي بشكل مباشر"، وفقا للمنظمة.

الصحافة "جريمة"

كانت الصحافة المصرية رائدة في المنطقة العربية، وكان الصحفيون يتمتعون بهامش من الحرية، حتى في عهد ما قبل ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011.

إذ كانوا ينتقدون النظام الحاكم بما فيه رأس الدولة وقيادات الحزب الحاكم بشراسة، من دون التعرض لهم، واستمر الوضع كذلك بعد الثورة، حتى وصل إلى قيام الرئيس الراحل محمد مرسي بإلغاء الحبس الاحتياطي في قضايا النشر، قبل الانقلاب عليه في 3 يوليو/ تموز عام 2013.

وبعدها، شهدت مصر تراجعا كبيرا في حرية الصحافة بشكل جعل منظمة العفو الدولية تصف الصحافة هناك، بأنها "أصبحت بالفعل (جريمة)".

فعلى مدى السنوات الأربع الماضية، وفقا للمنظمة "شددت السلطات قبضتها على المنافذ الإعلامية، والتي لم تسلم منها بعض الأصوات المؤيدة للحكومة، فقد اعتقل 12 صحافيا يعملون في وسائل إعلام مملوكة للدولة لتعبيرهم عن وجهات نظر مختلفة، بموجب قانون مكافحة الإرهاب الفضفاض الصادر في عام 2015، والذي وسّع تعريف الإرهاب ليشمل الجميع".

وأفاد الصحفيون الذين قابلتهم المنظمة أن العاملين في الصحف الحكومية يتلقون تعليمات محددة عبر تطبيق "واتساب" حول ما يجب نشره وما يجب حذفه.

ونُقل عن أحدهم قوله: إن "من يحيدون عن الخط الرسمي ولا يقومون بالثناء على ظروف السجن وتلطيخ الخصوم السياسيين للدولة قد "فقدوا وظائفهم وتم استجوابهم أو سجنهم"، بحسب "أمنستي".

نظرية الصدمة

أكد الأمين العام لمنظمة مراسلون بلا حدود، كريستوف ديلوار، أن "الأزمة الصحية الناشئة عن جائحة فيروس كورونا، كانت فرصة للحكومات الاستبدادية لتطبيق المبدأ الشهير المعروف باسم نظرية الصدمة والمتمثل في استغلال تحييد الحياة السياسية وحالة الهلع بين الناس وضعف التعبئة الشعبية، لفرض تدابير من الصعب تمريرها في الظروف العادية".

وكان النائب العام المصري قد حذر من ينشرون "أنباء كاذبة" عن فيروس كورونا بأنهم قد يواجهون عقوبة سجن تصل إلى 5 سنوات وغرامات مالية ثقيلة. 

وأصبح الصحفي عاطف حسب الله، رئيس تحرير موقع "القرار برس" من ضحايا هذا التحضير، بعدما طعن في الأرقام التي أعلنتها وزارة الصحة عن عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا، على صفحته على فيسبوك في أبريل/نيسان 2020.

وجرى اعتقال حسب الله للاشتباه في "انضمامه إلى منظمة إرهابية"، كما تم إلقاء القبض على ما لا يقل عن 12 شخصا حتى الآن في حملة قمع بنفس الذريعة.

وعندما نشر محرر الأخبار بقناة الحياة المملوكة لأجهزة أمنية انفرادا قبل شهرين حول تأجيل الدراسة بسبب فيروس كورونا، تم نفي الخبر والتحقيق مع المحرر (رغم أن وزير التعليم خرج بنفسه لاحقا ليعلن تفاصيل التأجيل كما نشرها المحرر). 

ومنذ مارس/آذار 2020، أعلن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام عن حجب أكثر من 10 مواقع إلكترونية بتهمة "نشر أخبار كاذبة" حول جائحة فيروس كورونا، دون تحديد أسماء المواقع التي طالها هذا الإجراء.

وأكدت العديد من المصادر المحلية حظر موقع صحيفة الجمهورية لمدة ستة أشهر، على خلفية نشر مقال يشير إلى تمكن وزارة الصحة المصرية من العثور على علاج ضد فيروس كورونا، بالتزامن مع تعليق 6 صفحات على فيسبوك وتويتر دون إعطاء مزيد من التفاصيل.

كما جرى حظر أربع صفحات أخرى على فيسبوك وإنستغرام، بحجة أنها "تحرض على انتهاك التدابير الوقائية التي تتخذها الدولة" في مواجهة وباء كورونا. بالإضافة إلى تلقي قناة تلفزيونية خاصة، لم يصرَّح باسمها، تحذيرا بعد أن أشار أحد برامجها الإخبارية إلى نقص في الأدوية.

وقد طُردت روث مايكلسون مراسلة صحيفة الجارديان البريطانية في 20 مارس/آذار، بعد نشرها مقالا شككت فيه بالأرقام الرسمية للمصابين بفيروس كورونا في البلاد. كما تلقى مراسل نيويورك تايمز توبيخا من السلطات بسبب نشره نفس المقال، بحسب الموقع الرسمي لمنظمة مراسلون بلا حدود.

المنطقة السوداء

من ناحيته رأى قطب العربي الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للصحافة "أن الصحافة في مصر في مرتبة أكثر تأخرا مما هي عليه في مؤشر حرية الصحافة، فلو رصد التقرير ما تواجه من انتهاكات بلا حدود، لتراجع ترتيب مصر عدة مستويات أخرى، حيث معدل الانتهاكات أكبر مما ورد بالتقرير، وأعداد الصحفيين السجناء أكثر".

واعتبر العربي وضع مصر في مرتبة متأخرة 3 درجات عن تقرير العام الفائت، مؤشرا على تصاعد حملة القمع ضد الصحافة عاما بعد الآخر، مؤكدا "قيام السلطات بوضع المزيد من القيود، مما يجعلها في موقع مستحق بالمنطقة السوداء لحرية الصحافة".

فقد حفلت مصر مؤخرا بوقائع عدة شملت معاقبة صحفيين ووسائل إعلام، بالتزامن مع التشديد على عدم نشر أي أخبار لم يصدر بشأنها بيانات رسمية، وبالفعل أصدر المجلس الأعلى للإعلام مؤخرا عقوبات مشددة بحق صحيفة "المصري اليوم" بسبب سلسلة مقالات دعت لجعل سيناء إقليما اقتصاديا مستقلا.

وبحسب تقديرات غير رسمية، يقبع في السجن أكثر من ثمانين صحفيا، آخرهم رئيس تحرير صحيفة البورصة بسبب تهمة شائعة وهي الانتماء لجماعة محظورة أو مساعدتها في تحقيق أهدافها ونشر أخبار كاذبة.

كما أعيد اعتقال صحفيين سبق اعتقالهم بنفس التهم، ومنهم الصحفي أحمد سبيع المعتقل من جنازة المفكر الراحل محمد عمارة، والصحفي حسن القباني الذي اعتقل لكتابته على صفحته بفيسبوك عن زوجته الصحفية آية علاء التي اعتقلت أثناء تأديتها واجب العزاء لأسرة الرئيس الراحل محمد مرسي.

أما الحادثة الأشهر والتي أثارت ضجة محلية وعالمية كانت اعتقال ثلاثة محررين بموقع "مدى مصر" كشفوا عن استبعاد محمود نجل الرئيس من موقعه كوكيل لجهاز المخابرات العامة وتعيينه كملحق عسكري بالسفارة في روسيا، قبل أن يفرج عنهم لاحقا.

وخلال احتجاجات سبتمبر/أيلول 2019 التي تعد الأكبر منذ تولي "السيسي" رئاسة مصر، ألقي القبض على نحو 31 من الصحفيين أثناء تغطيتهم للاحتجاجات أو مرورهم بالقرب من مناطق الاحتجاج، ومنهم سلافة مجدي وحسام الصياد ومحمد صلاح وأحمد شاكر.

كما تواصل السلطات اعتقال الزميل الصحفي بقناة الجزيرة محمود حسين منذ ثلاثة أعوام دون تقديمه لأي محاكمة.

وهو ما دفع مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى للإعلام، لإبداء استيائه من وضع حريات الصحافة والإعلام في البلاد، وشن هجوم حاد على سياسة الدولة تجاه الإعلام متهما النظام بتكميم الأفواه وكبت الحريات، لافتا إلى أن الصحف تصدر في مصر لقارئ واحد هو السيسي، وفق ما ذكره موقع الجزيرة نت.