ناصرة السعدون.. أديبة عراقية بكت الهجرة فماتت كمدا بغربتها

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

روائية وصحفية عراقية، سليلة نسب ينحدر منه عبد المحسن السعدون ثاني رئيس وزراء بالعهد الملكي، تقلدت مناصب عديدة، لكنها عشقت الأدب والفكر، وغاصت في بحور الترجمة، ونسجت معاناة الغربة في "دوامة الرحيل" التي توجتها بجائزة "كتارا" للرواية العربية.

الأديبة المثابرة، ناصرة السعدون، غيبها الموت في 24 أبريل/ نيسان 2020، بالعاصمة الأردنية عمّان عن عمر ناهر الـ74 عاما، إثر مرض عضال لم يمهلها طويلا، لكن عزاء محبيها أنها توفيت في أول أيام شهر رمضان المبارك.

ناصرة السعدون رحلت جسدا، لكنها تركت روحها وفكرها في مؤلفات وترجمات كثيرة، لتبقى نجمة متلألئة في سماء الإبداع العربي، إذ إنها قامة فكرية وأدبية بارزة، حسبما وصفها بيان نعي "الملتقى العراقي للثقافة والفنون" في عمّان.

"روائية الهوى"

الراحلة السعدون من مواليد محافظة واسط عام 1946، تلقت تعليمها الابتدائي والمتوسط في القسم الداخلي لمدارس الراهبات بمنطقة الباب الشرقي وسط العاصمة بغداد.

أكملت دراستها الثانوية في الإعدادية المركزية للبنات، ثم حصلت على البكالوريوس بالاقتصاد من جامعة بغداد عام 1966، ونالت بعدها الدبلوم العالي في الأدب الفرنسي عام 1970 من جامعة "بواتيي".

كما أن زوج الروائية أيضا كان يختص في المجال ذاته، فهي أرملة المؤلف مصطفى توفيق المختار عضو "المجمع العلمي العراقي"، وشقيق الدبلوماسي العراقي قيس المختار.

عملت السعدون في وظائف عدة، بينها مجلس البحث العلمي من (1974- 1979) ومدير أول الدائرة الاقتصادية في الاتحاد العربي للصناعات الغذائية (1979- 1984) وعضو هيئة تحرير في مجلة "الصناعات الغذائية" (1980- 1984)، وعُينت مديرا عاما لدار الكتب والوثائق (1997- 1998) ورئيسة تحرير صحيفة "بغداد أوبزرفر" (1998- 2003).

تقول ناصرة السعدون عن نفسها في مقابلة صحفية في أغسطس/آب 2017 مع صحيفة "إيلاف" الإلكترونية: إنها "لم تحب العمل الإداري يوما، ولكن للضرورة أحكام. العمل الفكري، سواء كان في كتابة الرواية أو الترجمة هي ما أحب وأهوى. فضلا عن القراءة".

وتصف خلال مقابلة أخرى في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، مع صحيفة "الاتحاد" العراقية، حبها وقربها من الرواية، بأنها "تشعرها بما يجعلها قادرة على التعبير عن ذاتها، أكثر من الشعر، أو حتى القصة".

غادرت السعدون العراق بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، حيث كانت دمشق أول وجهاتها بعد أن بقيت أكثر من سنة ونصف في بغداد، لتنتقل بعدها الى عمّان، حيث مستقرها الأخير.

مسيرة حافلة

شاركت الروائية الراحلة في العديد من الدراسات الاقتصادية ودراسات الجدوى في حقول نقل التكنولوجيا والصناعات الغذائية وتلوث البيئة. كما نشرت العديد من الدراسات والبحوث والتراجم في المجلات المتخصصة مثل مجلات: "النفط والتنمية" و"الصناعة" و"الصناعات الغذائية"، وغيرها من الصحف والمجلات العامة.

السعدون عضو في نقابة الصحفيين العراقيين، وفي اتحاد الكتاب والأدباء العراقيين، واتحاد الكتاب العرب، وعضو مؤسس في جمعية الناشرين العراقيين، ومنتدى المرأة الثقافي، وناشطة في الدفاع عن حقوق المرأة العراقية.

حاضرت خلال فترة الحصار على العراق في العديد من المؤتمرات والندوات وفرق العمل الاقتصادية والسياسية والأدبية والثقافية في داخل العراق وخارجه، وتحديدا في سويسرا وتونس والأردن والإمارات وبلجيكا وفرنسا والمغرب وباكستان والهند وكوريا والفلبين.

صدرت لناصرة السعدون ست روايات آخرها "دوامة الرحيل" في 2014، وأكثر من 18 عملا مترجما منها "بوش الإمبراطور"، وهو بحث سياسي اقتصادي لأندريه غوندر فرانك نشر على حلقات يومية في جريدة الجمهورية ببغداد سنة 1993، "الأخضر والأسود" لجان بيير شوفينمان، و"أزهار الجليل" وهي مقالات سياسية لإسرائيل شامير، "اليهود ديانتهم وتاريخهم".

كما ترجمت سيرة "كارل غوستاف يونغ" عالم النفس الكبير والتي تحكي عن حياته العملية وليست الشخصية، كما ترجمت رواية شعرية اسمها "بحار جبل طارق".

وترجمت السعدون للكاتب الأميركي شبه الممنوع في الولايات المتحدة جيمس بولدوين، مجموعة قصصية اسمها "أحزان سوني" والتي تتطرق لواقع الزنوج هناك وأكذوبة الرفاهية، كما تجلت براعتها في الترجمة عبر رواية "الفندق" لآرثر هيلي وهي من مجموعة الروايات التي تحولت إلى أفلام ومسلسلات.

"مرآة وطن"

فازت السعدون عن روايتها "دوامة الرحيل" بجائزة "كتارا" للرواية العربية فئة الروايات المنشورة في الدورة الأولى لعام 2015. ووصفتها بأنها، رواية الألم العراقي، وتناولت فيها موضوع هجرة العراقي، "الذي لم يعرف الهجرة قبل الغزو الأميركي".

وفي روايتها "أحببتك طيفا" تروي ناصرة السعدون، أحداث الحرب في بلادها عام 1991، حيث تتجول بطلة القصة بين طبقات المجتمع وتعايش أحداثا وظروفا صعبة.

وترجمت كتبا عدة بينها "الأسد الطائر: حكايات شعبية من جنوب إفريقيا" ويتناول قصصا شعبية وحكايات قبائل "البشمن". وتروى العديد من الحكايات على ألسنة الحيوانات التي تقدم دروسا وحكما أخلاقية ذات رمزية مثيرة للدهشة.

وقالت في مقابلتها مع صحيفة "الاتحاد" العراقية: إن "دوامة الرحيل" هي حكاية الرحيل عن العراق بعد احتلاله، والدوامة التي يجابهها العراقي، من حيوات جديدة في بلدان الاغتراب، والقرارات الصعبة التي يجب عليه اتخاذها في كل موقف.

وأضافت: "فيها بعض الاستشراف لما يمكن أن يكون عليه العراقي في حياته الجديدة بعيدا عن بيئته التي تم اقتلاعه منها، وزرعه في بيئة جديدة غريبة عليه، وكيف يمكن أن يكون الحب لدى هؤلاء الشباب الذين اقتلعوا من أرضهم في عمر الحب".

وعن طريقة تعايشها مع ما تكتب، قالت السعدون: حين أفتح ملف (الفصل الأول) من روايتي على الحاسوب، أبدأ بكتابة ما قمت بصياغته في الليالي السابقة، وأتواصل مع شخوص الرواية، لا بل أتماهى معهم. أضحك وأبكي، وأبتسم لأفكارهم وأحداثهم. الذاكرة حبلى بالأحداث والأشخاص، فأستحضر ما أحتاجه من خزين الذاكرة لأؤثث روايتي.

وأشارت إلى أن "هموم الوطن حاضرة دوما في أعمالي الروائية، ليس من باب الوعظ أو التوثيق، بل لأن حياتي هي جزء من هموم هذا الوطن التي عاصرتها وشاركت في الكثير منها، لهذا فما يمكن أن توصف به أعمالي الروائية، هي كونها تمزج بين العام والخاص. من البيئة وتفاعل الشخوص معها".

وعن أسباب عدم تحول رواياتها العراقية إلى فيلم سينمائي أو مسلسل عربي، قالت السعدون: إن "القناة الفضائية العراقية تعاقدت معي في عام 2002 على إنتاج -أحلام مهشمة- لعمل تلفزيوني، لكن الاحتلال وما تلاه وأَد الفكرة قبل ولادتها، وما يزال السيناريو بصيغة كتاب ورقي، آمل يوما إصدار طبعة ثانية منه كما فعلت مع روايتي -أحببتك طيفا-".

أما تحويله إلى مسلسل، فهذا قرار يرجع للمنتجين، والقنوات الفضائية العربية العديدة، فهو سيناريو مسلسل متكامل يتحدث عن الحب في زمن الحصار، وليس هذا تشبيها لرائعة ماركيز "الحب في زمن الكوليرا".

بل لأن هذا السيناريو يطرح بالفعل حكاية حب شابين طموحين، يقف الحصار في وجه تحقيق طموحاتهما، فهو سيناريو أتمنى إنتاجه ليعرف العالم معاناة شعب العراق وشبابه في تلك الفترة التي امتدت على مدى ثلاثة عشر عاما"، بحسب السعدون.

وتمنت السعدون من دور النشر العربية أن تخطو الخطوة العملاقة الأولى في مجال النشر الإلكتروني ولا تتخلف عن ركب التقدم الذي شهده العالم منذ سنوات، فهذا المجال الحيوي يضمن نشر الثقافة العربية في جميع أرجاء الأرض، ويوسع نطاق الاطلاع عليه وربما ترجمة ما يستحق الترجمة منه إلى اللغات الأخرى.

ولفتت إلى أن الاقتصار على النشر الورقي قد انحسر في العالم، وما نزال نصر على الاكتفاء به، برغم ما يشوبه من صعوبات وتكاليف باهظة.