"بنك القاهرة" معروض للبيع.. كيف يفرط السيسي في أصول مصر؟

عندما أعلن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، تأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية كشركة مساهمة مصرية، كان للأمر تبعات ثقيلة على المستوى الدولي والمحلي، وإحدى هذه التبعات المباشرة، امتناع البنوك الأجنبية، عن تمويل زراعة القطن ذات البعد الإستراتيجي للاقتصاد الوطني.
وقتها انبرى بنك القاهرة، وقام بالتمويل اللازم لإنقاذ الدولة، وتجاوز تلك الأزمة الكبرى، ومنذ ذلك التاريخ أصبح لبنك القاهرة دوره المحوري، المعبر عن استقلالية القرار، وضمانة الاستقرار للاقتصاد المصري.
بعد عقود من الزمن، أصبح شبح البيع والخصخصة يخيم على بنك القاهرة، بعد إجراءات الفشل الحكومي المتتابعة في عهد رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، بداية من قرض صندوق النقد الدولي، إلى اعتماد الدولة على سياسة الاقتراض الخارجي، وارتفاع معدلات الديون الخارجية والداخلية المتراكمة، لتتجه الحكومة نحو واحدة من أخطر السياسات الخاصة ببيع أصول الدولة، وتحديدا طرح حصص البنوك والمصارف الوطنية أمام المستثمرين.
إعلان صادم
في 3 مارس/ آذار 2020، أعلن طارق فايد رئيس مجلس إدارة بنك القاهرة، أن "الحكومة تستهدف بيع حصة أقلية في البنك المملوك للدولة في طرح عام أولي يبدأ منتصف أبريل/ نيسان 2020، ومن المنتظر أن يجلب نحو 500 مليون دولار، شريطة أن يستمر اهتمام المستثمرين في مواجهة فيروس كورونا".
وأضاف فايد: "يسمح لنا برنامج الطرح بزيادة الحصة لتصل إلى 45%، لكن الهدف الرئيسي هو جمع أموال في نطاق 500 مليون دولار، لذلك إذا ترجمنا المبلغ بالنسبة المئوية، فإنه قد يجعلنا هذا عند طرح في نطاق ما بين 20% إلى 30% في ملكية البنك، من بين هذا المبلغ، سيجري بيع ما بين 50 مليون دولار إلى 75 مليون دولار إلى مستثمر إستراتيجي واحد أو أكثر".
وحسب وسائل إعلام محلية، فإن قيمة أصول بنك القاهرة تبلغ (165.7 مليار جنيه)، وهو ثالث أكبر البنوك الحكومية المصرية بحصة سوقية بنسبة 5%، أما ودائع البنك، فسجلت نموا وصل إلى 7.5% بنهاية العام 2018، لتصل إلى 131 مليار جنيه، ووصلت إجمالي قيمة محفظة القروض إلى 66 مليار جنية في 2018.
وتمتلك الدولة المصرية 3 بنوك تجارية عامة هي الأهلي المصري ومصر والقاهرة و3 بنوك متخصصة هي بنك التنمية والائتمان الزراعي، التنمية الصناعية المصري، والعقاري المصري العربي.
مرحلة التأسيس
في 15 مايو/ أيار 1952، أسست مجموعة من رجال الأعمال والاقتصاد والقانون من المستثمرين المصريين، بنك القاهرة كشركة مساهمة مصرية برأسمال قدره نصف مليون جنيه مصري.
أول مجلس إدارة للبنك ضم 12 عضوا، وعيّن المؤسسون عبدالشافى عبدالمتعال باشا رئيسا لمجلس الإدارة، وتم افتتاح المركز الرئيسى للبنك في 47 شارع قصر النيل بالقاهرة.
بدأ البنك بـ 3 فروع داخل مصر، وفي عام 1954، تم افتتاح أول فرع له خارج مصر في السعودية، واليوم يمتلك بنك القاهرة نحو 124 فرعا على مستوى الجمهورية، فضلا عن نحو 6 فروع في دول عربية، وفروع أخرى في إفريقيا، ويمتلك حصصا أخرى في شركات وبنوك في مصر.
لعب بنك القاهرة دورا مهما في تاريخ الحياة السياسية المصرية، فبعد تأميم قناة السويس في 26 يوليو/ تموز 1956، كان بنك القاهرة ضمن البنوك التي قامت بتوفير التمويل اللازم لمحصول القطن إثر امتناع البنوك الأجنبية في مصر عن تمويل هذا المحصول الإستراتيجي للصناعة والاقتصاد المصري.
وفي عام 1957، عندما أصدر الرئيس عبدالناصر، قرار تمصير البنوك رقم 22 لسنة 1957، خضعت البنوك الأجنبية فى مصر للحراسة، فاشترى بنك القاهرة كلا من بنكي "كريدى ليونيو"، و"كنتوار ناسيونال ديسكونت دى بارى" الفرنسيين.
كما أسندت الدولة بعد ذلك إلى بنك القاهرة عملية إصدار أوراق اليانصيب، والإشراف على عمليات السحب وصرف الجوائز الرابحة، وتمت زيادة رأس المال إلى مليون و100 ألف جنيه مصري، حيث أسهمت الحكومة في هذه الزيادة ليمارس البنك أعماله بالسوق على مدار العقود التالية.
بداية السقوط
مع بداية الألفية الجديدة، تعرض البنك لأزمات فارقة، نتيجة تعثر كبار عملائه، وحاولت الحكومة آنذاك، إنفاذ مجموعة من الإصلاحات لإنقاذ الوضع، بسبب الخسائر الكارثية، وضعف المركز المالي للبنك، بعدما تخطت الخسائر حاجز الـ 10 مليارات جنيه.
وفي عام 2007، وافقت الجمعية العامة لبنك مصر، برئاسة الدكتور فاروق العقدة، محافظ البنك المركزى حينئذ، على استحواذ بنك مصر على كامل أسهم بنك القاهرة المصدرة والمدفوعة والبالغة 400 مليون سهم.
وفي عام 2008، اعتزمت الحكومة برئاسة رئيس الوزراء السابق أحمد نظيف، بيع ما يصل إلى 67% من بنك القاهرة فى ما يمثل أكبر عملية خصخصة منذ بيع بنك الإسكندرية عام 2006.
لكن ما عطل الصفقة أنها شهدت جدلا واسعا داخل القطاع الاقتصادي، ودفعت الحكومة إلى إلغائها بسبب عدم التوصل إلى سعر مناسب، حيث قال محمد بركات رئيس مجلس إدارة بنك القاهرة آنذاك: إنه تم إلغاء مزاد بيع حصة البنك، لأن العروض المقدمة لم تصل إلى السعر المناسب الذى حددته لجنة التقييم.
وفي عام 2009، تعرض بنك القاهرة إلى ضربة أخرى، عندما تم بيع 5 أسهم إلى شركة "مصر للاستثمار"، وكذلك 5 أسهم لشركة "مصر أبوظبي" للاستثمارات العقارية.
وجاء التدهور الثالث، في عام 2010، قبل اندلاع ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، عندما تم نقل ملكية الأسهم المملوكة لبنك مصر إلى شركة "مصر المالية" للاستثمارات بسعر 17.44 جنيه للسهم الواحد.
اتجاهات قديمة
في يناير/ كانون الثاني 2016، قال المتحدث باسم الرئاسة: إنه "سيتم طرح حصص من الشركات والبنوك الحكومية الناجحة في البورصة خلال الفترة المقبلة"، وتبعه تصريح لمحافظ البنك المركزي طارق عامر، قال فيه: إن "بلاده تدرس طرح حصص في مصرفين بالبورصة".
وهو ما حفز عددا من خبراء السياسة والاقتصاد، لشن حملة هجومية على الخطة الحكومية الرامية بإعادة طرح بنوك مصرية للبيع ومنها بنك القاهرة، ثالث أكبر بنك في البلاد.
الخبراء وصفوا عملية البيع بـ "التدميرية" للقطاع العام، وذلك بعد إعلان الحكومة التوجه نحو طرح حصص الدولة في بنوك وشركات كبرى منها مصارف مشتركة وشركات بترول بالبورصة، مشيرين إلى أنه من الخطأ خصخصة المصارف في ظل الوضع الاقتصادي الذي تعاني منه مصر والتدهور الحاصل في البورصة.
وكتب المحامي سعيد عبد القادر تدوينة على فيسبوك، قائلا: "عندما فكر المصري العظيم طلعت حرب في إنشاء بنك مصر، كان يهدف لبقاء أموال المصريين في مصر واستثمارها في مشاريع كبرى لتنمية مصر وفتح أبواب العمل أمام المصريين".
وأضاف: "بعد إنشاء بنك مصر بمساهمة الشعب، ساهم البنك في إنشاء العديد من المشاريع الكبرى، والآن مع حكم عصابة الانفتاح وعملاء كامب ديڤيد بدأ بيع كل شيء وأي شيء دون أى اعتبار لمعنى الاستقلال الوطني والأمن القومي".
وتساءل المحامي: "إذا كانت هناك حاجة ماسة لبيع أسهم أو حصص في بنوك مصرية، فلماذا لا تتبع نفس الطريقة التي تم اتباعها في قناة السويس؟! إلا إذا كان هناك شريك معروف ومعلوم ومتفق عليه كما تم في كل جرائم الخيانة التي دمرت بها شركات القطاع العام".
طامة كبرى
الخبير الاقتصادي المصري عبد الحافظ الصاوي، قال لـ"الاستقلال": "مصر تبيع أصولها الرأسمالية والمالية، من أجل الإنفاق الجاري وخدمة الدين الحكومي، ومهما كانت الحصيلة المنتظرة لبيع بنك القاهرة، فلن تجدي شيئا في ظل العقلية التي تدير عوائد الخصخصة، حيث يتم صرفها في دوامة عجز الموازنة".
وأضاف الصاوي: "الطامة الكبرى أن رئيس مجلس إدارة بنك مصر، باعتبار بنكه مالكا لبنك القاهرة، أعلن يوم 3 فبراير/شباط 2020، أنه سيتم طرح 45% من أسهم بنك القاهرة في البورصة، وأنه لا مانع من حصول مستثمر أجنبي على حصة من الطرح".
وتابع: "لا يمكن فصل الواقع السيء لتصرف الحكومة في برنامج الخصخصة بشكل عام، إلا على أنه إفلاس للتنمية في البلاد، لقد استنفدوا كل الوسائل التي طلبوها، من تسريح للعمالة، وخصخصة المشروعات، والحصول على القروض المحلية والخارجية، وحصلوا على المنح والمساعدات، وكانت النتيجة، مزيدا من الهجرة للخارج، وزاد الفقر، وزاد الاعتماد على الخارج".
وقال الصاوي: "نتائج برنامج الخصخصة في مصر كارثية، حيث استحوذت الاستثمارات الأجنبية على قطاعات مهمة مثل الاتصالات، والأسمنت، والغذاء، والمنظفات، وفي طريقها للخدمات المالية والبنوك".
مضيفا: "يحاول المعنيون بالشأن الاقتصادي، أن يراجعوا أنفسهم ليقفوا على حقيقة ما يجري من تفريط في ثروات مصر، ولا يجدون، سوى قراءة واحدة، وهي إفلاس التنمية في مصر".
واختتم الصاوي حديثه: "بعد انقلاب 3 يوليو/تموز 2013، تتم عملية الخصخصة على قدم وساق، وقدمت حكومة السيسي 23 مشروعا في برنامجها لصندوق النقد الدولي بحيث يتم خصخصتها على مدار 3 سنوات".
المصادر
- مصر ستبيع حصة في بنك القاهرة بـ500 مليون دولار في أكبر بيع لأصول الدولة منذ 2006
- 6 معلومات هامة عن بنك القاهرة قبل طرحه بالبورصة (إنفوجراف)
- بنك القاهرة قصة نجاح بدأت برأسمال 500 ألف جنيه فى 1952
- تعرف على بنك القاهرة الذي تخطط الحكومة لبيع حصة من أسهمه في البورصة
- حملة ضد بيع البنوك في مصر
- بيع بنك مصري بالأمر المباشر