جهود سليماني.. أسباب تحالف إيران الشيعية مع "طالبان" السُنية

12

طباعة

مشاركة

نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، مقالا لخبير الشؤون الأفغانية محمد هارون أرسلاي، أكد فيه أن اغتيال قاسم سليماني في يناير/كانون الثاني الماضي، أثار موجة نقاشات بالولايات المتحدة حول سياسة إيران الخارجية التي تتسم بالانتهازية والبراغماتية.

وقال أرسلاي في مقاله بالمجلة: إنه "لا يمكن قراءة السياسة الخارجية الإيرانية دائما من خلال الروايات اليسارية أو اليمينية المعاصرة، خاصة عندما يتعلق الأمر بأفغانستان، حيث لعب قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني هناك دورا مهما".

مصالح إيران

وسلط الخبير الأفغاني الضوء على دور سليماني وإستراتيجيته البراغماتية في تشكيل حضور قوي في أفغانستان، والتواصل مع جماعات سنيّة، لتحقيق مصالح إيران، ويستشرف تحالفا سنيا شيعيا بين طهران وطالبان للمحافظة على مصالح كلا الطرفين في حال الانسحاب الأمريكي من هناك.

وأوضح أن المعلقين اليساريين والتقدميين في الولايات المتحدة ينظرون إلى إيران كدولة "معادية للإمبريالية" تقاوم النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، ويزعمون أن سليماني كان يخلق الاستقرار الإقليمي من خلال محاربة "تنظيم الدولة" وحماية المجتمعات الشيعية.

وأكد أرسلاي أن "تمجيد سليماني لمجرد معارضته التنظيم هو موقف ضعيف، فقد واجهت قوات عدة ذلك التنظيم مثل: قوات سوريا الديمقراطية، والبيشمركة الكردية، وقوات النظام السوري، والجيش الإيراني، وحتى هيئة تحرير الشام".

في المقابل، يشير أرسلاي إلى أنه لا يزال النقاد اليمينيون يزعمون أن إيران جزء من "محور الشر" الذي تخيله الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش. استمرت هذه النظرة لإيران "الخبيثة" في واشنطن منذ ثورة 1979، لكنها ليست واقعية بدرجة كبيرة. السياسة الإيرانية قاسية، لكنها أيضا مرنة وعملية، كما يوضح تاريخها في أفغانستان.

في مؤتمر صحفي عقده قائد سلاح الجو في الحرس الثوري الإيراني، وقف أمير علي حجي زاده في 9 يناير / كانون الثاني، وخلفه نُصبت عدة أعلام منها علم "الحرس الثوري"، والطيران الحربي، و"حزب الله" اللبناني، وحركة "حماس"، فضلا عن المليشيات الشيعية الأقل شهرة، بما في ذلك الحوثيون، وقوات الحشد الشعبي في العراق، ولواء "زينبيون" من الباكستانيين، ولواء "فاطميون" من الأفغان. كما أن لإيران علاقات مع مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة غير الحكومية، بما في ذلك حركة "طالبان" الأفغانية، بحسب أرسلاي.

تغيرات بالعلاقة

في أواخر السبعينيات، كان الوضع في آسيا قاتما بالنسبة للاتحاد السوفيتي، إذ يشير الكاتب إلى أن الثورة الإيرانية المناهضة للملكية خلّفت فصيل الخميني في السلطة، وفي باكستان أطاح الجنرال محمد ضياء الحق بالحكومة اليسارية العلمانية لتشكيل دكتاتورية عسكرية. ووصل حزب "الشعب الديمقراطي الأفغاني" المدعوم من موسكو إلى السلطة في انقلاب مفاجئ وكان يكافح من أجل الحفاظ على السيطرة ضد التمردات في جميع أنحاء البلاد وضد الفصائل الداخلية.

ولفت إلى أن "المقاومة الإسلامية الأفغانية المعارضة لحكومة حزب الشعب الديموقراطي ذي التوجه الإلحادي، كانت مشغولة في معالجة جراحها عبر الحدود الأفغانية الباكستانية حتى قام الاتحاد السوفيتي بالغزو فتوحدت جميع قطاعات المجتمع في حركة المجاهدين المسلحة الشعبية، وعلت دعوات الجهاد ضد الاحتلال الأجنبي".

وبحسب أرسلاي، فقد "موّلت إيران المجاهدين الشيعة في المرتفعات الوسطى بأفغانستان، وعملت الولايات المتحدة مع باكستان ودول الخليج لتمويل المجاهدين السنة الذين يديرون مكاتب سياسية خارج بيشاور بباكستان".

وأوضح: "بمجرد سقوط الاتحاد السوفيتي، توقف تمويل واشنطن، واستمرت طهران في دعم أمراء الحرب السنة والشيعة الناطقين باللغة الفارسية طوال الحرب الأهلية التي تلت ذلك. وفي عام 1994، سرعان ما طردت حركة طالبان المتنامية حلفاء إيران، وكانت طهران قلقة من أن الجماعة السنية المسلحة سوف تمتد عبر حدودها. وردا على ذلك، قاد سليماني مبادرة إيرانية لدعم أمراء الحرب الأفغان الذين يقاتلون طالبان من طاجيكستان".

وتابع أرسلاي: "عندما وصل الأمريكيون في عام 2001، قاموا بالتنسيق مع قوات الحرس الثوري وقاتلوا بجانبها على الأرض. تعاونت إيران مع الولايات المتحدة وعملوا عن قرب لتأمين اتفاقية (بون) لعام 2001 التي شكلت حكومة حامد كرزاي في أفغانستان، ولذا فقد كانت صدمة للإيرانيين عندما قام جورج دبليو بوش بتخريب العلاقة مع إيران في خطابه عام 2002 (الذي وصف فيه إيران بمحور الشر) خاصة وأن الحكومة الإيرانية أدانت بقوة هجمات 11 سبتمبر".

وبحسب قوله، فإن المحللين والشخصيات العسكرية الأفغانية كثيرا ما يشيرون إلى تورط إيران في علاقة مع طالبان منذ عام 2007. ولكن في عام 2016، كشف سفير إيران في أفغانستان، محمد رضا بهرامي، أن طهران لديها خطوط اتصال مع طالبان. جاءت هذه الأخبار على الرغم من النفي السابق من بهرامي، ثم أكد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن بلاده على اتصال بطالبان في أوائل عام 2019".

في عام 2017، أعلن الجنرال الأفغاني محمد شريف يافتالي أن الجيش عثر على وثائق تكشف التعاون الإيراني مع طالبان. وبعد أن سيطرت طالبان على مدينة فرح لفترة وجيزة في عام 2018، أكد محللون ومسؤولون أفغان أن إيران كانت تقف وراء الهجوم، كما تكشف المقابلات التي أجريت مع قادة طالبان، مثل الملا رسول، أن ثمة ارتباط وثيق وتواصل بين طالبان وطهران.

هيكل طالبان

وبخصوص الهيكل التنظيمي لحركة طالبان، أوضح الخبير الأفغاني أنه ينقسم إلى العديد من مجالس القيادة، ومجالس الشورى، بما في ذلك مكتب للشورى في مشهد في مقاطعة خراسان رضوي بغرب إيران، الذي افتتح في البداية كمكتب اتصال بين طالبان والحرس الثوري الإيراني في عام 2007. ثم أصبح مركزا للقيادة الإقليمية لغرب أفغانستان في عام 2011.

واستطرد: تزامن نمو "تنظيم الدولة ولاية خراسان" مع الاعتراف بمكتب مشهد من زعيم طالبان مولوي هبة الله أخوندزادا، إذ يشرف "فيلق الأنصار" على هذه العلاقة بين طالبان والحرس الثوري الإيراني.

ويعد "فيلق الأنصار" جماعة أنشأها سليماني وقادها خلفه إسماعيل قاآني، ويقال: إنه تم إنشاء أربع قواعد على الأقل في إيران لتدريب مقاتلي طالبان في مقابل زيادة الهجمات على قوات الناتو بقيادة الولايات المتحدة و"تنظيم الدولة في خراسان"، بحسب الخبير الأفغاني.

ولفت أرسلاي إلى أنه "بما أن طالبان قد خففت من خطابها تجاه الشيعة في أفغانستان خلال السنوات الأخيرة، فقد زاد حزب العمال الكردستاني من الهجمات التي تستهدف الأقلية الشيعية. ولأن إيران تنظر إلى نفسها كمدافع عن المسلمين الشيعة دوليا، فقد أتاح هذا التحول في موقف طالبان لطهران إقامة علاقات أوثق مع حركة طالبان ذات النشاط الطائفي سابقا".

وبحسب قوله، فإن إيران تنظر إلى تنظيم الدولة على أنه تهديد لوجودها، وهي مستعدة للتعامل مع طالبان لمحاربتها - صفقة أشرف عليها سليماني قبل وفاته. كما تحسنت علاقات طالبان مع إيران وروسيا في عهد زعيم طالبان السابق أختار محمد منصور قبل وفاته، كان هذا جزئيا لأن منصور أراد مواجهة النفوذ الباكستاني.

ونقل عن الخبير المختص في شؤون طالبان، أنطونيو جيوستوزي، من خلال المقابلات التي أجراها مع كوادر طالبان البارزة، قوله: إن جزءا من القوة الشخصية لزعيم طالبان مولوي هبة الله مرتبط بدعمه من إيران وروسيا، حيث أبدت طهران استعدادها للاستفادة من هذه الروابط لإحداث حوارات بين الأفغان عندما استضافت طهران حركة طالبان لمناقشة عملية السلام في نوفمبر/تشرين الثاني 2019.

"تحالفات سليماني"

ونوه أرسلاي إلى وجود جانب آخر من جوانب تورط إيران في أفغانستان كثيرا ما يتم تجاهله، فقد بدأت طهران في تجنيد اللاجئين الأفغان الشيعة مستغلة تمسكهم بالتزاماتهم الدينية للقتال ضد تنظيم الدولة، وإنشاء لواء الفاطميون للقتال من أجل مصلحة الأسد في سوريا.

وأردف: "عندما رفضت العائلات الأفغانية إرسال أبنائها إلى الحرب، لجأ المجنِّدون إلى الرشاوى والإكراه والتهديدات للاجئين، بمن فيهم القُصّر، وبينما كان الفاطميون يقاتلون تنظيم الدولة، جرى إرسال فرقة منهم أيضا إلى خط المواجهة في معركة حلب التي سحقت المدينة والثوار".

وأوضح الخبير الأفغاني أن تجنيد سليماني للأطفال الأفغان في لواء "فاطميون" ودفعهم إلى محرقة الحروب من أجل تحقيق طموحات إيران الإقليمية، أدى بالكثيرين في أفغانستان إلى وصفه بأنه "قاتل أطفالهم"، وهذه القسوة جزء لا يتجزأ من إرث إيران في أفغانستان.

تركّز التحالفات الإيرانية المتغيرة في بنائها على البراغماتية أكثر من أي شعور بالمسؤولية أو العداء الدائم كما أوضحتها تحالفات سليماني في أفغانستان، فقد سلكت طهران الخط الطائفي وعبرت عن الانقسام الطائفي، وعملت مع الولايات المتحدة وضدها، ولعبت دورا سريا في هزيمة الاتحاد السوفيتي وتفاقم النزاعات الداخلية - كل ذلك لضمان ديمومة جمهورية إيران الإسلامية كمشروع سياسي، بحسب أرسلاي.

واختتم الخبير الأفغاني مقاله بالقول: "رغم أنه سيكون من العبث وصف إيران كقوة لتحقيق الاستقرار في المنطقة بالنظر إلى دورها في عمليات الإبادة الجماعية المستمرة في سوريا واليمن، إلا أنها فيما يتعلق بأفغانستان بالتحديد، فإنها حريصة على إيجاد شريك إقليمي، كما أن حركة طالبان حريصة على الشرعية. وستلعب علاقتهم دورا حاسما في بناء أساس محفوف بالمخاطر للأمن الدائم مع خروج الولايات المتحدة من المنطقة".