"الشارع".. صحيفة يمنية جندت نفسها لخدمة الحوثيين والإمارات

ضاعفت عواصم الثورات المضادة، وخاصة أبوظبي، من جهودها لإعاقة مسيرة التحول الديمقراطي في بلدان الربيع العربي، ووظفت أجهزة بوليسية قمعية وكيانات سياسية ومؤسسات إعلامية لإجهاض ذلك التحول وتبني ثورات مضادة.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، عملت الإمارات على إحياء الدور الذي قامت به صحيفة "الشارع" اليمنية، أثناء انقلاب الحوثي على مؤسسات الدولة، ووجهته للهجوم على القوى الثورية المساندة للشرعية ضد الانقلاب الحوثي في صنعاء، وانقلاب المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن.
صحيفة الشارع التي كانت تصدر من صنعاء، وقامت بدورها في دعم الانقلاب الحوثي، توقفت في أغسطس/آب 2015، متأثرة بتدهور مؤسسات الدولة، وتراجع الخدمات الأساسية، من بينها الكهرباء والمحروقات، عقب الانقلاب.
غير أن الصحيفة عادت للصدور في نوفمبر الماضي، من مدينة عدن، الخاضعة لسيطرة المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا، واستأنفت وظيفتها في التلميع لانقلاب آخر، تبناه المجلس الانتقالي، وقامت بدورها المعهود في تضليل الرأي العام.
ورغم أن عددا من الصحفيين رحبوا بعودة العمل الصحفي بنسخته الورقية، بعد أن انحسر واختفى منذ انقلاب جماعة الحوثي، إلا أن الأجندة التي استمرت الصحيفة في تبنيها كانت مخيبة للآمال.
فالصحيفة لم تستفد من التجربة التي مارستها، والتي عدها مراقبون، غاية في السوء، وأسهمت مع مؤسسات إعلامية أخرى، في وصول البلد إلى المأزق السياسي الذي تعيشه الآن، في وقت رأى فيه البعض أن الفرصة كانت مناسبة للصحيفة لمراجعة أخطائها، وإعادة النظر في طبيعة الأجندة التي تنفذها، والخط التحريري الذي قررت تنبيه.
أجندة إماراتية
منذ عددها الأول، بعد صدورها مؤخرا، شنت صحيفة الشارع، هجومها على القوى الثورية والمؤسسة العسكرية التي ساندت الشرعية، ضد الحوثيين وضد المشروع الإماراتي، في عموم المحافظات اليمنية، وفي مدينة تعز، على وجه الخصوص.
استمرت الصحيفة في دورها التحريضي، خاصة ضد حزب التجمع اليمني للإصلاح، الذي دعم الشرعية وتصدى للانقلاب بكل قوة منذ اليوم الأول.
ويعد الإصلاح أحد أهم المكونات الثورية الذي شارك في ثورة الشباب، وطالب برحيل النظام، وكان إحدى الروافع الثورية التي ساندت الشرعية في مسيرة الكفاح السياسي التي امتدت منذ الخروج إلى الساحات وحتى يومنا هذا.
غير أن ذلك الموقف لم يرق لأبوظبي، فقررت مواجهة هذا التيار، مسخرة كافة إمكاناتها وأموالها للتنكيل بأعضاء الحزب في جنوب اليمن، ومحاولة القضاء عليه في المحافظات الشمالية، مستعينة بكيانات وأحزاب سياسية، وتشكيلات عسكرية موازية للدولة، ومؤسسات إعلامية قررت العمل لحسابها، من ضمنها صحيفة الشارع.
حسب مصادر خاصة لـ"الاستقلال"، فإن "الصحيفة تتلقى دعمها من أبوظبي، كما أن صدورها من عدن الخاضعة لسيطرة المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا، يؤكد هذه الفرضية، بالإضافة إلى الدور الذي تقوم به الصحيفة والذي يخدم بشكل واضح الأجندة الإماراتية، سواء في تثبيت سلطات المجلس الانتقالي أو في هجومه على القوى الثورية المساندة للشرعية".
مآرب مفضوحة
في أحد عناوينها على الصفحة الرئيسية 2 فبراير/شباط 2020، تورد الصحيفة خبرا بعنوان (خلية مسقط) مرفقة بصور لكل من نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية أحمد الميسري، ووزير النقل الجبواني، ومستشار رئيس الجمهورية نائب رئيس مجلس النواب، عبدالعزيز جباري، بالإضافة إلى القيادية في ثورة فبراير الحائرة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان.
وفي تفاصيل الخبر تقول الصحيفة: "تضم (الخلية) سياسيين وإعلاميين وضباطا يمنيين ينفذون السياسية العمانية القطرية الإيرانية، وبرز دورها (الخلية) نتيجة حوار سري بين الإخوان والحوثيين والحراك الجنوبي الموالي لإيران، ويشارك فيها إعلاميون محسوبون على الشرعية، يروجون لتحالف بديل في اليمن يتكون من قطر وعمان وتركيا".
المتابع للمشهد السياسي بتفاصيله، يدرك أن هؤلاء المسؤولين شنوا هجمات متكررة على الإمارات، وحددوا موقفهم من تورط أبوظبي في دعم الانقلاب واستهداف الجيش اليمني، وطالبوا بإنهائه، غير أن الصحيفة قامت بدورها باتهامهم بتشكيل خلية.
وعلى طريقة الحوثيين في وصف العدوان بالـ (الأمريكي الإسرائيلي البريطاني) وصفت الصحيفة الخلية بتنفيذها سياسة (قطرية عمانية إيرانية) وتركية أيضا.
في أعداد أخرى ما فتئت الصحيفة تصف جيش الشرعية في المعارك المشتعلة، بـ"جيش الإصلاح"، فتورد خبرا في الصفحة الرئيسية من عدد 23 ديسمبر/كانون الأول 2019، تحت عنوان "جيش الإخوان"، وتقول في الخبر: "جماعة الإخوان المسلمين تسيطر على وزارة الدفاع والجيش في مأرب وتعز وشبوة".
الوصف ذاته تستخدمه الإمارات في وصف جيش الشرعية، وتبرر بها هجومها عليهم، وسبق أن بررت الإمارات استهدافها للجيش الوطني بعدة غارات، بأنها "استهدفت مجاميع إرهابية مسلحة، شكلت خطرا على السلطات الشرعية في عدن".
تحارب "الإصلاح"
وتورد الشارع في عدد 6 يناير/كانون الثاني 2020، خبرا تحت عنوان "خسارة فادحة للإصلاح في شبوة"، وهي المعركة التي يخوضها الجيش الوطني مع المجلس الانتقالي والنخبة الشبوانية التي أنشأتهما الإمارات، وفي عدد 31 ديسمبر/كانون الأول 2019، أوردت خبرا تحت عنوان "جرائم الإصلاح في شبوة".
ومع أنه لا توجد كتائب خاصة ولا تشكيلات عسكرية خاصة بـ"الإصلاح" في الجيش اليمني، ومع تأكيد رئيس دائرة التوجيه المعنوي اللواء محسن خصروف أن أفراد حزب الإصلاح يقاتلون تحت مظلة الشرعية، ويأتمرون بأمر قادتهم من قيادات الجيش الوطني، إلا أن الصحيفة تصر على وصفهم بـ"جيش الإخوان"، و"جيش الإصلاح"، وهو ذات المسمى والوصف الذي تطلقه وسائل إعلام إماراتية.
في ذلك السياق، حاولت الصحيفة استثمار مقتل قائد اللواء 35 مدرع العميد ركن عدنان الحمادي، في فناء منزله، ووجهت مباشرة الاتهام لحزب الإصلاح، وفي عددها الصادر بتاريخ 11 ديسمبر/كانون الأول 2019، كتبت خبرا في الصفحة الأولى تحت عنوان "تورط الإصلاح" وقالت في الخبر: "إن النتائج الأولية للتحقيق تشير إلى تورط قياديين إصلاحيين قاما بإدخال المسدس إلى منزل الحمادي، وقبض عليهما وهما يحاولان الهرب".
ومع أن أحدا لم يوجه الاتهام لحزب الإصلاح، بمن فيهم أهالي المغدور الحمادي، ولا أصدقاؤه المقربون، ولا حتى محاضر التحقيق، إلا أن الصحيفة استبقت التحقيق وخرجت بهذه النتائج التي تدين بها حزب الإصلاح.
خدمة الانقلاب
قبل أن تقرر "الشارع" العمل مع الإمارات في خدمة انقلاب المجلس الانتقالي، وتبني موقف الثورة المضادة في الهجوم على قوة الثورة اليمنية، سبق لها الترويج لانقلاب الحوثيين في صنعاء قبل 4 أعوام.
إبان انقلاب الحوثي، سخرت صحيفة الشارع صفحاتها في خدمة المشروع الحوثي، ودعم الانقلاب، وتبييض جرائمه، بالتزامن مع الهجوم على القوى الثورية التي مثلت أهم روافع ثورة الشباب.
ومثلت صحيفة الشارع ثنائيا مع صحيفة "الأولى" وأدت معها دورا تكامليا، وتناوبتا مهمتهما في تزييف الوعي، وتضليل الرأي العام.
فعند اجتياح الحوثي لمدينة عمران، على سبيل المثال، وخوض الجيش معركة مصيرية مع الحوثي في هذه المدينة، قامت الصحيفتان بتضليل الرأي العام وصورت المعركة بكونها صراعا حزبيا بين جماعة الحوثي وحزب الإصلاح، وهو الأمر الذي ألقى بدوره في التقليل من خطر الحوثي، والتي كان سقوطها إيذانا بسقوط صنعاء بيد الحوثي، ومن ثم بقية المدن اليمنية.
كانت الصحيفتان تطبعان في مطبعة واحدة، تابعة للقيادي في حزب المؤتمر ياسر العواضي، ومع تحالف حزب المؤتمر وجماعة الحوثي، قامت الصحيفتان بدورهما في خدمة ذلك التحالف، وتلميع جماعة الحوثي، وهو الأمر الذي أسهم بوصول البلد إلى هذا المأزق السياسي الذي تعيشه اليوم.