محمود حجازي.. لغز عودة صهر السيسي للمشهد بعد عامين من إقالته

في 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2017، تمت إقالة الفريق محمود حجازي رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية من منصبه وتعيينه مستشارا لرئيس النظام عبدالفتاح السيسي، ومثلت إقالته في ذلك الوقت مفاجأة نوعية ولغزا مثيرا لصهر الجنرال وأحد رجاله المقربين وأصدقائه القدامى.
لكن بعد عامين من اختفائه عن المشهد، وفي إطار التسويات التي عقدها السيسي مع قادة الجيش مؤخرا، عاد اسم الفريق حجازي إلى الواجهة مرة أخرى بتكليف مباشر من السيسي، ليتولى عددا من الملفات ذات الطبيعة السياسية الداخلية، وأخرى ذات بعد إستراتيجي خارجي.
في 8 يناير/ كانون الثاني الجاري، ذكرت تقارير صحفية أن السيسي قرر إعاده الفريق حجازي إلى الإشراف على الملف الليبي، في إطار تطورات الأوضاع في ليبيا، والقرار التركي بإرسال جنود لدعم حكومة الوفاق الوطني الشرعية المعترف بها دوليا، والتي تحارب قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر المدعوم إقليميا من عدة دول على رأسها مصر والإمارات.
عودة حجازي للساحة جاء في ظل وجود تجاذبات عدة داخل أروقة المؤسسات المصرية المعنية بالأمر في ليبيا، فهناك تيار قوي داخل المؤسسة العسكرية يرفض أي تدخل مباشر في ليبيا، وعدم الزج بالقوات المسلحة في معركة ربما تكون فخا لها، وهناك تيار آخر يرى عدم ترك الملعب الليبي (جارتها الغربية) في يد تركيا لما يمثله ذلك من خطورة على الأمن القومي المصري.
عودة حجازي للمشهد، وحسب التقارير الصحفية، يأتي في أعقاب تظاهرات 20 سبتمبر/ أيلول 2019 التي دعا لها الفنان والمقاول محمد علي ما دفع السيسي لإعادة هيكلة مؤسسات صناعة القرار، وإسناد ملف المؤسسات الإعلامية التي تديرها أجهزة المخابرات لحجازي.
مظاهرات ماسبيرو
بداية ظهور الفريق حجازي كواحد من أبرز وجوه المجلس العسكري عقب ثورة يناير، كان في المؤتمر الصحفي يوم 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2011، عقب مظاهرات ماسبيرو، التي راح ضحيتها 28 مواطنا من الأقباط.
ودلالة على سطوته، ونفوذه داخل الجيش، جاء حجازي، خلفا للسيسي في إدارة جهاز المخابرات الحربية، عندما تولى الأخير وزارة الدفاع في أغسطس/ آب 2012، وساهم مع السيسي في إعادة تشكيل المجلس الأعلى للقوات المسلحة عقب ترشح السيسي للرئاسة في 2014، وتم تعيين حجازي رئيسا للأركان، وكان عمليا من أقوى رجال الجيش، بمن فيهم وزير الدفاع السابق صدقي صبحي.
كان لحجازي دور كبير خلال المرحلة الانتقالية الأولى (عقب ثورة يناير) والثانية (عقب الانقلاب العسكري) من خلال منصبه كمدير للمخابرات الحربية، وكان أحد الأعضاء البارزين في المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وشهد العديد من اللقاءات مع القوى الثورية والسياسية خلال ثورة يناير/كانون الأول 2011، وأحداث 30 يونيو/حزيران 2013.
حجازي هو أيضا من الوجوه القليلة التي استمرت بعد حركة التغييرات الواسعة التي أجراها الرئيس الراحل محمد مرسي، وأطاح فيها بوزير الدفاع السابق حسين طنطاوي ورئيس الأركان سامي عنان.
رجل المعلومات
في 27 مارس/ آذار 2014، أوردت صحيفة الموجز، التي يترأس تحريرها ياسر رزق، الصحفي المقرب من السيسي، في تقرير لها، عن الفريق محمود حجازي "لا نكون مبالغين اذا قلنا أن عملية الإطاحة بالإخوان لم يكن يكتب لها النجاح لولا وجود هذا الجنرال الذي أديرت من مكتبه كل اللقاءات المصيرية للمشير السيسي قبل ثورة (مظاهرات) يونيو (حزيران 2013)". وأضافت أنه "رجل المعلومات الأول فى الفترة الانتقالية".
وفي 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، أورد موقع مدى مصر، في تقرير بعنوان "محمود حجازي.. المعلوم والمفهوم من عملية تهميش الرجل الثاني"، حيث ذكر أنه "بينما كانت هناك محاولات لطرح فكرة إقناع مرسي بأن يُجري انتخابات رئاسية مبكرة، كانت الإجابات الرافضة تأتي بالأساس من حجازي، المعروف بأنه كان معارضا بشدة للسماح بمشاركة الإخوان في الانتخابات الرئاسية أو وصولهم للحكم، بحسب أحد المعاونين السياسيين لمرشح رئاسي سابق في الانتخابات الرئاسية الأولى بعد الثورة عام 2012".
وأضاف أن "حجازي بدا شديد الحسم في الرفض، وفي قوله إن ما فعله الإخوان كان بالتأكيد ضد مصلحة ما عرف في حينه بالمشروع الإسلامي للحكم، وقال وقتها: على الإخوان أن يخرجوا عن الحكم خروج أربكان (رئيس وزراء تركيا الأسبق) إذا ما أرادوا يوما أن يكون لهم أردوغان (الرئيس التركي الحالي)".
فض رابعة
كان حجازي واحدا من كبار المسؤولين في نظام السيسي الذين وُجهت إليهم الاتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية بعد مذبحة رابعة التي راح ضحيتها أكثر من 800 شخص، وحسب منظمات حقوقية فإن حجازي "أشرف على الاعتقالات في مراكز الاحتجاز العسكرية، وكان جزءا لا يتجزأ من خطط التفريق في (فض اعتصام) رابعة 14 أغسطس/آب 2013".
وفي 12 أغسطس/ آب 2014، نشرت منظمة "هيومان رايتس ووتش"، الحقوقية الدولية، تقريرها بعنوان "حسب الخطة.. مذبحة رابعة والقتل الجماعي للمتظاهرين في مصر"، ذكرت أن "حجازي عقد اجتماعات أمنية رفيعة المستوى للتخطيط لفض اعتصامي رابعة والنهضة، كما أطلق القناصة في أثناء فض الاعتصام النار من أعلى مبنى المخابرات العسكرية الذي كان تحت إشراف حجازي".
رئاسة الأركان
في 29 مارس/ آذار 2014، أصدر الرئيس المعين من قبل قادة الانقلاب العسكري، عدلي منصور، قرارا بترقية اللواء محمود حجازي إلى رتبة الفريق، وتعيينه رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة.
وذكرت مصادر خاصة لموقع مدى مصر، في تقرير نشر بتاريخ 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017: أن "اختيار الرجل قائدا للأركان، كونه محل ثقة السيسي، الذي يعاديه في الداخل تيار سياسي أوسع من الإخوان، يشمل الإسلاميين، بما في ذلك قواعد سلفية رفضت الانضواء، بحسب شهادة أحد قيادات حزب النور، المتحالف حتى الآن مع رأس السلطة التنفيذية، إضافة إلى القطاع الأكبر من المنتمين والمتعاطفين مع ثورة يناير 2011".
ونقل التقرير، أن محللا سياسيا قريبا من الدوائر العسكرية قال: "حجازي كان الرجل الأقرب للسيسي وكان يلتقيه منفردا على الأقل مرة كل أسبوع، مما كان يثير غيرة الجميع". واتفق مع هذا التقدير سفير أوروبي قال: "الرجل أقوى من وزير الدفاع في ما يتعلق بعلاقته مع الرئيس، يمكنني أن أؤكد ذلك بدون تردد، وهذا يتضح في الكثير من التعاملات المباشرة".
الملف الليبي
وفور تعيينه بمنصب رئاسة الأركان في 2014، تولى حجازي العديد من الملفات الحساسة على الصعيد الإقليمي، وتحديدا في الجارة الغربية المتأزمة ليبيا، حيث رأس اللجنة المصرية الليبية المشتركة المعنية بالملف الليبي، وخلال ذلك الوقت، سعى لدعم حفتر.
في مارس/آذار 2015، كشفت قناة "بانوراما ليبيا" عن تسجيل صوتي بين محمد دحلان القيادي المفصول من حركة فتح ورجل محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي وبين محمود حجازي (مدير المخابرات الحربية آنذاك) تحدثا خلاله عن الوضع في ليبيا وسبل دعم حفتر ومواجهة جماعة الإخوان المسلمين هناك.
ظهر ذلك التوجه أكثر وضوحا في اجتماع القاهرة في فبراير/شباط 2017 مع حفتر ورئيس حكومة الوفاق فايز السراج. وفي عهده حاولت مصر بلورة سياسة الدعم لحليفها العسكري حفتر.
وفي مايو/آيار 2017، زار حجازي (رئيس الأركان)، برفقة مدير المخابرات الحربية اللواء محمد الشحات، حفتر في الاحتفالات المقامة بمناسبة الذكرى الثالثة لإطلاق عملية الكرامة.
كما بحث حجازي في ذلك الوقت، مع المبعوث الأممي إلى ليبيا، مارتن كوبلر، نتائج الاجتماعات التي استضافتها القاهرة خلال تلك الفترة.
حادثة الواحات
في أكتوبر/تشرين الأول 2017، قرر السيسي إقالة حجازي بشكل مفاجئ، ما أثار العديد من التساؤلات عن السبب في ظل الحديث عن صراعات داخلية، وحديث البعض عن أن السيسي وحجازي طيلة الأربع سنوات الماضية لم يكونا على قلب رجل واحد.
التوتر في علاقة الرجلين ظهر عند وفاة والدة حجازي في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، ولم يشارك السيسي في تشييع الجنازة، وأوفد ممثلا عنه، كما لم يشارك أيضا صدقي صبحي مع العلم أنهما (السيسي وصدقي) كانا داخل مصر، ولم يكن أي منهما في زيارة خارج البلاد وقتها.
وتواردت الأخبار تعليقا على الإقالة أن "الشيء الوحيد المؤكد أن حجازي يشعر بالإهانة من الطريقة التي انتهت بها مهمته، والتي بدت كعقاب على ردة فعل متراخية في التعامل مع حادثة طريق الواحات (التي قتل فيها 16 شرطيا يوم الجمعة 20 أكتوبر/تشرين الأول 2017)، أو بتحديد أكثر كعقاب لقيام القوات التابعة للداخلية بمهمة على طريق الواحات دون تنسيق مسبق مع القوات المسلحة".
عبر عن هذا كلمات كتبها معتز نجل محمود حجازي على حسابه بفيسبوك، عبر خلالها عن افتخاره واعتزازه بوالده، لافتا إلى أن والده "لا يسبح مع التيار"، دون أن يوضح ما الذي يقصده تحديدا، وهو الأمر الذي أثار التساؤلات حول حقيقة الخلافات والصراعات داخل المؤسسة العسكرية.
ولكن بعد شهرين من الإقالة، ظهر السيسي مع حجازي للمرة الأولى بالزي المدني، حيث كرم الجنرال صهره، وقلده وسام الجمهورية من الطبقة الأولى، بعدما عينه مستشارا لرئيس الجمهورية للتخطيط الإستراتيجي وإدارة الأزمات، وبقي حجازي منذ ذلك الوقت بعيدا عن الأضواء والأحداث.
دفعة السيسي
وُلد محمود حجازي في العام 1953، وتخرج في الكلية الحربية عام 1974، ضمن الدفعة 65 حربية، وهي نفس دفعة السيسي، ثم تدرج في الوظائف القيادية داخل القوات المسلحة، في سلاح المدرعات من قائد فصيلة إلى قائد كتيبة، مرورا بقائد لواء مدرع حتى تولى قيادة الفرقة التاسعة المدرعة في المنطقة المركزية العسكرية.
كما عُيّن ملحقا للدفاع في لندن، وعمل مساعدا لقائد المنطقة المركزية العسكرية، ثم رئيسا لأركان المنطقة الغربية العسكرية، ثم قائدا لها، وكان أحد أبرز قادة القوات المسلحة خلال مسؤولية المشير حسين طنطاوي عن وزارة الدفاع المصرية، ليترأس بعد ذلك هيئة التنظيم والإدارة في الجيش، خلال ثورة يناير.
كون السيسي، وحجازي أبناء دفعة عسكرية واحدة، وطد العلاقات بينهما بشكل كبير، ولكن علاقة مصاهرة تكللت بزواج ابن السيسي (حسن الموظف بشركة بترول حكومية) بابنة حجازي (داليا العضوة في النيابة الإدارية) في العام 2010، وهو ما فتح الباب أمام حجازي للتدرج في المناصب العسكرية سريعا.
المصادر
- محمود حجازي.. المعلوم والمفهوم من عملية تهميش الرجل الثاني
- الجنرال محمود حجازي.. صهر السيسي الذي يدير "القصر" من خلف الكواليس
- حفتر هو الخاسر الأكبر بعد إقالة حجازي من رئاسة أركان مصر السيسي
- لماذا خصّ السيسي صهره بأخطر منصب عسكري؟
- All According to Plan The Rab’a Massacre and Mass Killings of Protesters in Egypt
- محمود حجازى ..صهر السيسى الذى ادار عملية الاطاحة بمرسى و أصبح رئيسا للاركان
- لماذا أقال السيسي محمود حجازي من رئاسة الأركان؟ .. 5 احتمالات وراء القرار
- السيسي يعيد حجازي إلى الملف الليبي لمواجهة غضب المؤسسة العسكرية
- هل غيّر السيسي سياسته بعد أزمة محمد علي؟ 5 مشاهد تكشف تأثير فيديوهات المقاول المتمرّد على الجنرال