"التوافق المصري".. هل تنجح مبادرة محمد علي فيما فشل فيه الآخرون؟

محمد سراج الدين | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تباينت ردود أفعال المعارضة المصرية، حول الوثيقة التي أطلقها المقاول المصري محمد علي، تحت عنوان "التوافق المصري"، ففي الوقت الذي أعلنت فيه "جماعة الإخوان المسلمين" ترحيبها بالوثيقة، أكد رئيس حزب "غد الثورة" دعمه لها، بينما نظر إليها آخرون بشيء من الترقب، في حين انتقدها فريق ثالث، واعتبرها أنها لم تقدم جديدا، ولن تكون سببا في اختراق الحالة المصرية، وأنها مثل المبادرات السابقة التي أطلقها معارضون في الداخل والخارج.

إلا أن جديد وثيقة محمد علي، في كونها الأولى التي لم تصدر عن جهة أو رموز سياسية محسوبة على مربعي 25 يناير 2011، أو 30 يونيو 2013، كما أنها جاءت بعد حلحلة واضحة في المشهد، كانت إحدى نتائج الحراك الذي انطلق بدعوته للتظاهر في 20 سبتمبر/ أيلول 2019.

ورغم أن الوثيقة قدمت رؤية للحكم لما بعد السيسي، إلا أنها لم تحدد جدولا زمنيا لتنفيذ ما جاء فيها من خطوات، كما أنها لم تكشف عن الجهات الداعمة لها، أو التي وافقت على بعض أجزائها، كما أشار محمد علي في الفيديو الذي أعلن من خلاله بنود الوثيقة.

المبادئ الحاكمة

حسب ما جاء في بيان الوثيقة، فإن المشاركين في صياغتها، قسموها لقسمين، الأول يضم المبادئ الحاكمة، والثاني كان متعلقا بأوليات العمل، وفيما يتعلق بالمبادئ الحاكمة، كانت بنودها كالآتي:

  1. نظام الحكم في مصر مدني ديمقراطي يقوم على العدل وسيادة القانون، الشعب فيه مصدر السلطات، مع ضمان الفصل بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، بالإضافة إلى استقلال الإعلام، ورقابة بعضهم البعض، والتداول السلمي للسلطة.
  2. تعزيز حق المواطنة، المواطنون والمواطنات، والأقليات والمهمشون جغرافيا وتاريخيا، مثل سكان سيناء والنوبة والبدو، متساوون في الحقوق والواجبات، ومنع التفرقة بسبب الجنس أو اللون أو العرق أو الأصل أو العقيدة أو الطبقة الاجتماعية.
  3. احترام حقوق الإنسان المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقا للمواثيق الدولية والقانون الدولي كحد أدنى، مع ضمان حرية الرأي والفكر والتعبير والعقيدة والعبادة والتنقل، وحرية التواصل والتجمع السلمي والتظاهر والإضراب.
  4. ضمان حرية إنشاء وإدارة الأحزاب السياسية، والنقابات المهنية والعمالية، والاتحادات الطلابية، والمؤسسات الدينية، وكافة منظمات المجتمع المدني غير الحكومية بالإخطار، من خلال قوانين تكفل استقلالها وتنظم العلاقة بينها وبين الدولة. والأحزاب السياسية برامجها قابلة للنقد دون الاحتجاج بأسباب دينية أو عقائدية أو غيرها.
  5. إعادة هيكلة علاقة الدولة مع كافة المؤسسات الدينية، بما يكفل استقلال هذه المؤسسات المالي والإداري عن الدولة، وعدم تدخل المؤسسات الدينية في أمور الدولة، بحيث لا يتدخل طرف في إدارة أو تمويل الطرف الآخر.
  6. محاربة وتجريم العنف ضد المرأة، وتفعيل مشاركة المرأة في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والمساواة في الفرص لضمان وصولها إلى مختلف المسؤوليات في جميع المجالات، من أجل استغلال كافة القدرات البشرية ولتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة وتحقيق الأمن.
  7. العدالة الانتقالية ضمانة لتحقيق المصالحة المجتمعية، وتقوم على أساس الوفاء العادل بحقوق الشهداء والمصابين والمعتقلين، وعلى المصارحة وكشف الحقائق عن جرائم حقوق الإنسان المرتكبة منذ ثورة 25 يناير عبر لجان تتمتع بالاستقلالية والخبرة، وتشمل تلك الإجراءات آليات فعالة لجبر الضرر، والتعويض، والاعتذار العلني، وضمان عدم تكرار تلك الجرائم، وإنشاء آليات للمحاسبة والتقاضي عبر قضاء ومحاكم مستقلة لا تجنح للانتقام.        
  8. الحفاظ على الاستقلال الوطني الكامل، ورفض التبعية، والتأسيس لاسترداد الإرادة الوطنية، والحفاظ على المصالح القومية المصرية.

أولويات العمل

ووفقا لما جاء في الوثيقة، فقد حدد المشاركون فيها 11 بندا اعتبروها، تمثل الأولوية في المرحلة الحالية، وهي:

  1. التوافق في ظل مشروع وطني جامع يشمل كافة التيارات المصرية لتحقيق مبادئ ثورة 25 يناير 2011 (عيش، حرية، عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية).
  2. تغيير النظام الحاكم المسؤول عن كل ما جرى من قمع وفساد وبيع للأرض، وتفريط في المياه والثروات الطبيعية، وانهيار اقتصادي واجتماعي، وصولا لتدهور غير مسبوق في عهد النظام الحالي.
  3. إطلاق سراح كافة السجناء السياسيين والمعتقلين على ذمة قضايا ملفقة ومعتقلي قضايا الرأي، وإسقاط هذه القضايا، وإلغاء كافة قرارات الفصل التعسفي الجائرة وقرارات مصادرة الأموال والممتلكات، والعمل على تحقيق العدالة الانتقالية.
  4. الدخول في مرحلة انتقالية على أسس توافقية وتشاركية بين جميع التيارات الوطنية المصرية. من أجل إنقاذ الوطن، عن طريق المشروع الوطني الجامع الذي يشمل اتخاذ إصلاحات اقتصادية عاجلة، وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة، والعمل على الانتقال الديمقراطي، وإصلاح دستوري شامل، وصولا إلى انتخابات ديمقراطية تنافسية في نهاية المرحلة الانتقالية.
  5. رفع معدل النمو الاقتصادي لتحسين مستوى المعيشة وعلاج الفقر، والتعامل مع ملف الديون، مع ضمان عدالة توزيع الثروة من خلال إصلاح المنظومة الضريبية والانحياز للتنمية البشرية عن طريق منظومة تعليمية وصحية حديثة لتحقيق العدالة الاجتماعية، وتمكين الشباب وتعزيز قدراتهم.
  6. رفض الانقلابات العسكرية وتجريمها، وحصر دور المؤسسة العسكرية في حماية حدود الوطن والحفاظ على وحدة وسلامة أراضيه، ولا يجوز لها التدخل في الحياة المدنية أو السياسية أو الاقتصادية، وتخضع المؤسسة العسكرية لرقابة الهيئات النيابية المنتخبة، وكذلك تخضع ميزانيتها وإنفاقها ومشروعاتها وحسابات كبار ضباطها لرقابة الهيئات الرقابية والمالية.
  7. الاستقلال التام للسلطة القضائية بما في ذلك النائب العام، وإعادة هيكلة قوانين تنظيم القضاء، بحيث تخضع لموافقة السلطة التشريعية ورقابتها، ووقف إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية، وتنحصر ولاية القضاء العسكري فقط على الجرائم العسكرية التي تقع من أفراد من القوات المسلحة.
  8. إعادة هيكلة الشرطة، وإخضاع وزارة الداخلية لرقابة القضاء والهيئات النيابية المنتخبة.
  9. وضع منظومة شاملة لمكافحة الفساد المالي والإداري والسياسي داخل مؤسسات الدولة.
  10. مراجعة الاتفاقات الخارجية التي أبرمها النظام الحالي، والتي من شأنها التنازل عن أرض مصر والتفريط في ثرواتها الطبيعية و إهدار مياه النيل.
  11. وضع قوانين الانتخابات بحيث تضمن المساواة بين كافة المرشحين في الإمكانات المالية والظهور الإعلامي، ومنع الحصول على أي تمويل من الخارج في العملية الانتخابية لضمان عدم تدخل جهات أجنبية في الشؤون الداخلية المصرية.

فقد حدد المشاركون فيها 11 بندا اعتبروها تمثل الأولوية

دعم الإخوان

يعد "الإخوان المسلمين" من أبرز المؤيدين للوثيقة، وجاء تأييد الجماعة من خلال ثلاثة مسارات متزامنة، الأول بتصريحات أطلقها نائب المرشد العام للجماعة إبراهيم منير من خلال عدد من المنابر الإعلامية القريبة من الجماعة أبرزهم قناة "وطن"، ثم من خلال تصريحات لعضو مجلس شورى الجماعة مدحت الحداد، الذي أعلن من خلال الموقع الرسمي للجماعة ترحيبهم بالمبادرة، وأخيرا البيان الرسمي الذي وقعه المتحدث باسم الجماعة في مصر، طلعت فهمي.

وحسب ما أشار إليه إبراهيم منير، فإن الوثيقة حملت الكثير من النقاط التي يمكن التوافق حولها، وهي خرجت من شخصية ليس لها علاقة بجماعة الإخوان المسلمين، ما يتطلب من جميع القوى السياسية المعارضة الاقتراب منها، والعمل تنفيذها على أرض الواقع.

ووصف منير بنود الوثيقة بأنها مناسبة لجميع الأطراف الوطنية، وتمثل الرؤية المبدئية "التي نأمل أن تلتف حولها كل مكونات الجماعة الوطنية المصرية على اختلاف أطيافها"، متوقعا استجابة مكونات الجماعة الوطنية المصرية، التي شارك معظمها بشكل ما أو بآخر في صياغة الوثيقة التي سيكون لها ما بعدها، وتمثل نقطة هامة وفارقة في مسار الاصطفاف الوطني المنشود.

واعترض منير وصف الوثيقة بأنها "وثيقة الإخوان"، مؤكدا أنها خرجت من طرف ليس من الممكن أن يقال إنه من "جماعة الإخوان" أو التيار الإسلامي، بل هو شخص لا علاقة له بـ"الإخوان" لا من قريب أو بعيد، بل إنه كان ابنا للنظام حتى وقت قريب، وبالتالي لا يمكن لعاقل أن يقبل وصفها بـ"وثيقة الإخوان".

وأكد نائب المرشد العام للإخوان، أن جماعته مثل باقي القوى السياسية الأخرى، أرسلت إلى محمد علي خلال الأيام الماضية وثيقة ومقترحات تعبر عن رؤيتها لمشروع الاصطفاف، وقد قام علي بالتوفيق والجمع بين كل الوثائق المختلفة إلى أن خرجت وثيقته بشكلها الأخير.

"نور" يؤيد

وفي موقف مماثل لموقف جماعة الإخوان، أعلن السياسي المصري ورئيس حزب "غد الثورة"، أيمن نور ترحيبه بالوثيقة، مؤكدا أنها كانت نتاج لمشاركات من قوي المعارضة المختلفة.

وقال نور من خلال حسابه على "تويتر": إن "الوثيقة الوطنية التي عرضها محمد علي، تعبر بشكل واسع عن قضايا توافقت عليها الجماعة الوطنية المصرية خلال السنوات الماضية، ويمكن البناء عليها في المرحلة المقبلة"، وأضاف نور قائلا: "أؤيد ما ورد في الوثيقة من نقاط وقضايا تعبر عن مستقبل مصر بعد رحيل السيسي ونظامه.

 

آخرون معارضون

وفي مقابل المؤيدين للوثيقة، تحفظ آخرون على الترحيب بها، أو الإعلان عن موافقتهم عليها، وكان من أبرز الذين عارضوها واعتبروها ماتت قبل أن تولد، عضو "جبهة الضمير الوطني"، عمرو عبدالهادي، والكاتب الصحفي وائل قنديل، وأعضاء "المجلس الثوري المصري"، وعدد من قيادات "الإخوان المسلمين" أنفسهم من بينهم عزة الجرف عضو البرلمان المصري السابق، بينما أكد الصحفي المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، قطب العربي، أن الأهم ليس في التوافق في النصوص، وإنما في النفوس، في إشارة إلى أن الأزمة التي يعيشها مكونات المعارضة المصرية في الخارج.

وفي مقال مطول لها، أكدت مها عزام رئيس "المجلس الثوري المصري"، أن هناك مبادئ أساسية يجب أن تكون حاضرة، لأي اتفاق وطني بهدف تأسيس دولة ديمقراطية، من بينها رفض الاعتراف بالانقلابات العسكرية، وهو ما جاء خلال وثيقة محمد علي.

ووفق عزام فإن رفض الانقلابات العسكرية وتجريمها والإقرار بأن ما حدث في ٣ يوليو هو انقلاب عسكري متكامل الأركان على الرئيس الشرعي والحكومة الشرعية التي استمدت شرعيتها من سيادة الشعب، متمثلة في أول انتخابات حرة ونزيهة في تاريخ مصر الحديث في ٢٠١٢، وعلى ذلك، فإن الانقلاب العسكري يمثل جريمة ضد الشعب المصري بجميع فئاته واختلاف عقائده لأنه تعدى على سيادة الشعب المصري.

صمت دولي

على جانب آخر، لم تتفاعل وسائل الإعلام الدولية مع مبادرة محمد علي، بنفس القدر الذي تفاعلت به مع دعواته السابقة بالتظاهر ضد السيسي، وعلقت شبكة "سي إن إن"، على الوثيقة بتقرير مطول قالت: إن "المقاول محمد علي الذي فشل في حشد مليونية ضد السيسي"، يصدر وثيقة باسم "التوافق المصري" مجددا هجومه على السيسي".

ونقلت "سي إن إن" عن عمرو عبدالهادي، تأكيده على اعتراف الوثيقة بدستور 2012، وإسقاط دستور 2014، مع الحفاظ على هوية مصر الإسلامية.

وحسب الشبكة الأمريكية، فإنه لم يتفاعل مع الوثيقة أي حزب سياسي أو جماعة سياسية من داخل مصر، كما تجاهلها الإعلام المصري المحسوب على نظام السيسي.

اختراق الصمت

آخرون نظروا للوثيقة من منظور مختلف، حيث اعتبروها واحدة من وسائل تحريك المياه الراكدة في المشهد المصري، والذي بدأه محمد علي بسلسلة فيديوهاته التي انتقد فيها السيسي، ودعا للتظاهر ضده، وهو ما كان سببا في تغييرات سياسية وأمنية واقتصادية قام بها السيسي، لتخفيف حدة الغضب الجماهيري.

وحسب تقرير مفصل لصحيفة "نيويورك تايمز" فإن محمد علي، كسر حاجز الخوف، عندما خرج بسلسلة الفيديوهات التي كشفت فساد السيسي ونظامه، ودعا المواطنين للتعبير عن رفضهم لهذه السياسات من خلال التظاهر يوم 20 سبتمبر/ أيلول 2019، وهو ما مثَّل وقتها علامة تحول بارزة في عدم استقرار نظام السيسي، الذي فرض حصارا أمنيا على السياسيين والإعلاميين المخالفين له في الرأي.

وعلقت مدير الأبحاث في مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط "إيمي هوثورن" للصحيفة، على ظاهرة محمد علي قائلة : "إنه أمر غريب .. من هو هذا الشخص، الذي يرتبط به، ما الذي دفعه إلى الخروج بهذه المزاعم الآن؟ من الواضح أنه مرتبط جيدا، لكن من هي بالضبط روابطه؟.

وقال محللون أخرون: إن ما ميز محمد علي، أنه لا يتكلم مثل أي ناشط ديمقراطي أو سياسي، ولكن كان واحدا من عموم الشعب المصري، ولذلك انتشر حديثه بين قطاعات واسعة من المصريين بشكل لم يفعله أحد قبله، كما جاء في تعليق رباب المهدي، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة.

وفي مقال آخر للكاتب السياسي باتريك وينتور، في صحيفة "الجارديان" البريطانية، فإن المقاول المصري الذي ظهر على سطح الأحداث قبل ثلاثة أشهر فقط، أطلق "خريطة طريق شاملة للإصلاح لإنقاذ مصر".

وحسب "الجارديان" فإن محمد علي، أخبرها قبل أسابيع أنه يسعى لإعادة توحيد معارضة مصرية متباينة وراء برنامج مشترك لإنقاذ اقتصاد البلاد ومؤسساتها.