فوزي السعيد.. سلفي هاجم حزب النور ووصف السيسي بـ"الخائن الأكبر"

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"قليلون احتفظوا بضمائرهم حية، ولم يسبحوا مع التيار. من هؤلاء، وفي المقدمة منهم، كان الداعية السلفي، الشيخ فوزي السعيد، الذي سمّى الانقلاب انقلابا، وعرَّف الجريمة بأنها جريمة، ورأى الأبيض أبيض فقال إنه أبيض، ورأى الأسود أسود فلم يقل إنه أبيض، كما فعل شيوخ السلطان من أصحاب العمائم المتسخة بالزيف والكذب وقول الزور".

كلمات نعى دونها الكاتب الصحفي المصري وائل قنديل، بحق الشيخ فوزي السعيد، الذي وافته المنية الأحد 8 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، إثر تدهور حالته الصحية عن عمر تجاوز السبعين عاما.

بعد وفاة الشيخ بيومين فقط، وفي مقاله المعنون بـ "فاز فوزي السعيد" بصحيفة العربي قال قنديل: "كان الدم يُراق في الطرقات والميادين، وكان الذين من المفترض أن يكونوا ضمير الأمة وعينها مشغولين بتمكين من يُريق الدم، يصنعون له البريق، مبتهجين بصعوده فوق جثث وأشلاء من اعتبروهم خصومهم".

وأضاف: "كان الحق غريبا ومحاصرا، وخافتا، في ضجيج الهتاف الصاخب للجريمة الكاملة، لا يجرؤ أحد على الدفاع عنه أو إعلانه.. كيف والأمة تقيم الاحتفالات، وتمد موائد الكلام الزور ابتهاجا بميلاد الزعيم المخلص والقائد الضرورة؟ (في إشارة لعبد الفتاح السيسي قائد انقلاب 3 يوليو/تموز 2013)".

الشيخ فوزي السعيد، ومجموعة من العلماء داخل محكمة الانقلاب العسكري

"الخائن الأكبر"

الشيخ فوزي السعيد، كان من أبرز المشاركين في ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وفي مظاهرات "محمد محمود"، مطالبا القوى السياسية بالتضامن مع الثوار ضد قمع قوات الداخلية والجيش، مهاجما بطش المجلس العسكري.

السعيد عارض انقلاب يوليو/تموز 2013، وشارك في اعتصام رابعة العدوية (شرقي القاهرة)، بعد عزل الدكتور محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا بالبلاد.

وفي 10 أغسطس/ آب 2013، قبل 4 أيام فقط من فض اعتصام رابعة، وصف الشيخ فوزي السعيد، السيسي، من فوق منبره: بـ "الخائن الأكبر، وألد أعداء الإسلام على الأرض"، قائلا: "الأموال التي يدفعها ملك السعودية (الملك عبدالله بن عبد العزيز في ذلك الوقت) للانقلاب مسروقة من مصر".

وأضاف: "إسرائيل لا تتمنى أكثر من أن ينشغل الجيش المصري بالأوضاع الداخلية فتطمع فينا". رافعا أكف الضراعة بالدعاء: "اللهم عليك بخونة الدعاة والمشايخ.. اللهم أخرس الصامتين واقتل المخذلين.. اللهم إنا نسألك بأن تعيد إلينا ولي أمرنا (مرسي)".

وبسبب موقفه الرافض للانقلاب، تم اعتقاله من منزله في 5 يوليو/ تموز 2014، وأودع في سجن العقرب شديد الحراسة، سيء السمعة، وبعد 4 أيام من حبسه فى العقرب، نقل إلى العناية المركزة بعد تدهور حالته الصحية، ولم يتم الإفراج عنه إلا في 23 مارس/ آذار 2016، وابتلي بوفاة ابنته عام 2015 أثناء حبسه.

في 17 فبراير/ شباط 2015، روت عائشة خيرت الشاطر (معتقلة حاليا)، ابنة نائب المرشد العام للإخوان المسلمين، معاناة الشيخ فوزي السعيد داخل معتقلات الانقلاب وثباته، عند تلقيه خبر وفاة ابنته "منة الله"، التي منعه النظام من حضور جنازتها.

عائشة قالت عبر حسابها على "فيسبوك": "ولما جلست أفكر في حال الشيخ ‫‏فوزي السعيد وأنا أسمع أحدهم، يروي كيفية معرفته بخبر وفاة ‫‏ابنته.. وقد استقبله بصبر، وثبات مرددا (إنا لله وإنا إليه راجعون، لقد استرد الله وديعته فالحمد لله على كل حال)".

وفي العام 2016، تم إخلاء سبيل السعيد، وتدهورت حالته الصحية بشدة بعد اعتقاله على مدار عامين، حيث أصيب بعدة أمراض منها، السكر، وقصور الكلى، وضغط الدم المرتفع، واضطرابات القلب، ثم أصيب بالفشل الكلوي، وكان يعيش بربع كلية فقط، وظل متأثرا بمرضه حتى وفاته.

حزب الظلام

"السلف كانوا رجالة، لا كانوا عِرة، ولا كانوا خونة، ولا كانوا عملاء" بهذه الكلمات، وصف الشيخ السعيد، حزب النور ، الذراع السياسي للدعوة السلفية بالإسكندرية، معترضا على نهجهم، الذي اتبعوه في التآمر ضد الرئيس مرسي، والتعاون مع جبهة الإنقاذ، وقيادات المجلس العسكري، حتى أطاحوا به في انقلاب 3 يوليو/ تموز 2013 المشؤوم.

موقف الشيخ الراحل من حزب النور ظل عالقا في أذهان قادة الحزب حتى بعد وفاته، حيث علق الداعية السلفي سامح عبد الحميد حمودة، قائلا: "كان السعيد يُسمي حزب النور بــ (حزب الظلام)، وتطاول على الحزب والعاملين فيه، والعجيب أنه بعد خروجه من السجن، استسلم والتزم بيته، ولم يُكمل رحلة نضاله، فلماذا توانى عما يراه حقا"، حد زعمه.

عبدالحميد نسي أن الشيخ فوزي ظل يصارع المرض بعد خروجه من السجن، وتدهورت حالته الصحية بشكل بالغ، ودخل أكثر من مرة في غيبوبة، كما حدث في 16 فبراير/ شباط 2017، وتم نقله إلى المستشفى. 

الباحث والكاتب المصري أحمد فريد مولانا، قال لـ"الاستقلال": "الشيخ فوزي السعيد، ومجموعة من علماء المدرسة السلفية بالقاهرة، استندوا في وصفهم حزب النور، وقادة الدعوة السلفية بالإسكندرية بالخيانة، إلى موقفهم الداعم للانقلاب العسكري ومشاركة حزب النور في صفوفه، ووقوف الأمين العام للحزب جلال المرة، على منصة الانقلاب بجوار، السيسي، والبرادعي، وبقية المجموعة التي أصدرت بيان الانقلاب". 

وأضاف مولانا: "موقف الشيخ السعيد، ليس وليد الحالة الانقلابية فقط، بل هو ممتد لما قبلها، حيث وقوف حزب النور، ونائبه الشيخ ياسر برهامي، بجوار جبهة الإنقاذ، التي قادت الاضطرابات التي أسقطت الرئيس مرسي، وما بعدها من الولوج في الدم، ومقتل الآلاف في المذابح التي بدأت من الحرس الجمهوري، إلى المنصة، مرورا بفض ميداني رابعة العدوية، والنهضة، فهذه الأحداث رسمت بوضوح الخط الذي اتخذه العلماء ضد حزب النور". 

وأردف الباحث: "أما الشيخ فوزي، فعلى الصعيد الدعوي، استطاع أن يكون مدرسة متفردة بذاتها، وأن يجعل من مسجد التوحيد بوسط القاهرة، مركزا دعويا وعلميا، من خلال اهتمامه بقضايا حاكمية الشريعة، وشرح أسماء الله الحسنى، وصفاته، والارتكاز إلى مخالفة الأنظمة المستبدة والقمعية على طول المدى".

مولانا أكد أن "الفترة الأخيرة في حياة الشيخ جاءت متسقة مع حياته رحمه الله، فقد وقف في وجه الظلم، ورفض القمع والاستبداد، ولعل هذا ما تسبب في التنكيل به على كبر سنه، ودخوله إلى السجن، دأبه دأب كبار العلماء، والدعاة إلى الله في التاريخ الإسلامي".

رائد مدرسته

ولد الداعية الإسلامي فوزي السعيد، عام 1945 بقرية عرب الرمل، بمركز قويسنا، بمحافظة المنوفية (شمالا)، وتخرج من قسم الكهرباء، بكلية الهندسة، في جامعة القاهرة.

يعد الداعية الراحل من كبار مشايخ السلفية في مصر، كما أنه مؤسس وخطيب سابق لمسجد "التوحيد" الشهير بشارع رمسيس، وسط القاهرة.

الباحث في العلوم السياسية محمد جلال القصاص، يروي في شهادته التي دونها على صفحة الشيخ الرسمية على فيسبوك قائلا: "من القصص التي غيَّرت مجرى التاريخ الفكري في مصر، شاء من شاء وأبى من أبى. ولن يمحوها إرهاب النظام، لكل من انتسب لمسجد التوحيد أو (فوزي السعيد)، أو تسلط بعض المغرضين الحاقدين".

ويؤكد القصاص: "لم يكن المسجد فقط للعلم والتعلم، بل كان للحضُّ على إطعام المساكين، إذ يكفل المسجد ما يزيد على 5 آلاف فرد، كان هذا قبل أن انقطع (اعتقاله) عن المسجد ويقينا زاد العدد بعد ذلك، والمسجد يطبع بعض الكتب بسعر التكلفة، والمسجد يقيم محاضرات في الإعجاز العلمي ويستخدم وسائل متطورة في عرضها".

مضيفا: "المسجد يقام أمامه كل جمعة، وكل يوم بعد الدرس، سوق للكتب وشرائط الكاسيت الإسلامية، بل والملابس التي تعارف الناس على أنها ملابس شرعية للمرأة، والمسجد يسير في طرحه للقضايا هو والمساجد التي تتبعه في خطط مدروسة لا تخطئها عين، ويكاد يذهب بعقلك حسن التدبير والإفادة من كل ممكن في أيديهم، وحسن العشرة بينهم".

ويضيف الباحث المصري: "كل هذا والقيم على المسجد (الشيخ فوزي السعيد) مهندس يعمل طول يومه، وربُّ أسرة، ومريض يكاد يقتله السكري وضغط الدم المرتفع، فأي همة هذه؟".

خلال عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، تم ضم بعض النشاط الملحوظ لمسجد التوحيد، بإشراف الشيخ فوزي السعيد، للأوقاف، وإزاحة الشيخ منه، ثم قبض على الشيخ، في القضية العسكرية لسنة 2001 جنايات، وكانت معروفة إعلاميا في ذلك الوقت، باسم قضية "تنظيم الوعد".