الأزمة الخليجية.. ما الذي يدفع دول الحصار لإنهاء الخلاف مع قطر؟

آدم يحيى | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يبدو أن الأزمة الخليجية باتت في طريقها للانفراج، بعد أن تحدثت مصادر دبلوماسية وصحفية، من بينها وكالة بلومبيرغ الأمريكية، أن الخلاف الخليجي بدأ يتلاشى، وأن موافقة كل من السعودية والإمارات والبحرين على المشاركة في بطولة كأس الخليج العربي لكرة القدم لهذا العام في قطر، تشير إلى ذوبان الجليد.

تلك المعلومات عن المصالحة الخليجية يجرنا للحديث عن قائمة المطالب التي كانت دول الحصار (السعودية، الإمارات، البحرين، مصر) قد وضعتها كشروط أساسية من أجل إنهاء الحصار السياسي والاقتصادي على قطر، وما إذا كانت تلك المطالب، قد تحققت كلها أو بعضها، وأسهمت في التمهيد لإنهاء الحصار المفروض على قطر منذ أكثر من عامين. 

في يونيو/حزيران 2017، وضعت دول الحصار قائمة مكونة من 13 مطلبا، من بينها إغلاق قناة الجزيرة وخفض مستوى العلاقات مع إيران، بالإضافة إلى إغلاق القاعدة العسكرية التركية في قطر، وتسليم الدوحة جميع المصنفين بأنهم إرهابيون ممن يوجدون على أراضيها، ووضعت دول الحصار مدة زمنية قدرها 10 أيام غير قابلة للتمديد، كشرط لإنهاء الحصار.  

قطر رفضت كل تلك المطالب، وردت بأن الادعاءات بأنها ترعى إرهابيين غير صحيحة، وردت بأن أي حديث عن حل الأزمة يجب أن يقوم على 4 أسس، هي الاحترام المتبادل، والمصالح المشتركة، وعدم الإملاء في السياسة الخارجية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وأكدت أنها لن تفرط في قرارها الوطني المستقل ولن تقبل الحديث في أي موضوع ينال من سيادتها.

وضعت دول الحصار 13 مطلبا كشروط أساسية لإنهاء حصار قطر وعودة العلاقات

المطالب المستحيلة

وبعد مضي نحو شهر من تلقي الرد القطري حول قائمة المطالب والشروط لإنهاء الأزمة، خفضت دول الحصار المطالب إلى 6 فقط، وقال مندوب السعودية الدائم في الأمم المتحدة، عبدالله المعلمي: إن وزراء خارجية الدول الأربع اتفقوا على 6 مبادئ، و"سيكون من السهل على قطر الالتزام بها".

صحيفة نيويورك تايمز ذكرت أن المبادئ الستة تتضمن مكافحة الإرهاب والتطرف، وقطع التمويل عن الجماعات الإرهابية وعدم توفير ملاذات آمنة لها، ووقف التحريض على الكراهية والعنف والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.

وشدد المعلمي أنه لا "مجال للتنازل" عن المبادئ الستة، لكن الطرفين سيتفقان على كيفية تنفيذها.

الموقف القطري ظل ثابتا في رفض تلك المطالب الذي رأت أنها تنال من سيادتها في سياستها الخارجية وتدخلا في الشؤون الداخلية، وعدم قيامها على قاعدة الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.

بالعودة إلى قائمة المطالب والشروط، فإنه لا شيء من المطالب الـ 13 قد تحقق، ولم يتم تسجيل موافقة قطرية على تنفيذ شروط ومطالب إنهاء الحصار، باستثناء الاتفاق على تخفيض التصعيد الإعلامي، وحل هذا الشرط محل إغلاق قناة الجزيرة، وهو اتفاق متبادل بحيث يخفض الجانبان من التصعيد الإعلامي.

وعكس ذلك، حسب مسؤولين قطريين، فإن الدوحة استفادت من الحصار ببناء طرق وبدائل جديدة، حلت محل الشراكة الخليجية السابقة، وافتتحت ميناء بقيمة 7.4 مليار دولار صُمم ليصبح مركزا للنقل البحري الإقليمي.

ويبدو أن دول الحصار قد اتخذت قرار المصالحة بعد أن استنفدت كل أدواتها في فرض الحصار على قطر، من دون القدرة على تحقيق الغرض في التأثير على الدوحة، وحسب وكالة بلومبيرغ الأمريكية، فإن الدوحة أثبتت نفسها خلال الأزمة، وكانت مثيرة للدهشة، ولم تتأثر رغم الحصار.  

ضغوط أمريكية

كشفت تقارير صحفية أن الولايات المتحدة مارست ضغوطا على دول الخليج، وعلى السعودية على وجه الخصوص، لإنهاء الحصار، وتحدث مسؤولون أمريكيون عن ضرورة التوصل لحل عاجل لإنهاء الأزمة، ودعا وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، دول مجلس التعاون الخليجي إلى ضرورة حل الأزمة الخليجية من أجل مواجهة نشاط إيران المزعزع للاستقرار في المنطقة.

وقال ديفيد غولدفين رئيس أركان القوات الجوية الأمريكية: إن أفضل فرصة للدفاع عن الإمارات قد تكون من قطر أو من سلطنة عمان، ودعا غولدفين دول الخليج إلى توحيد قدراتها العسكرية في ظل احتدام التوتر مع إيران، وقال: إن "الخلاف القائم بين الدول الخليجية يعد تهديدا لجهود احتواء نفوذ إيران".

وأصدرت الولايات المتحدة وبريطانيا والكويت، بيانا مشتركا يعرب عن "قلق" الدول الثلاثة من استمرار الأزمة في منطقة الخليج بين قطر والدول المقاطعة لها، مشددا على "الحوار" كسبيل لإنهائها في "أقرب وقت".

وتخشى واشنطن من استفادة طهران من المساحات التي وفرها الخلاف الخليجي، واستثمار خلاف دول مجلس التعاون الخليجي في استقطاب بعض الأطراف لصالحها، وانعكاس ذلك على الجهود الأمريكية الخليجية في احتواء نفوذ إيران في المنطقة.

وتقود الكويت منذ أشهر وساطة لإنهاء الأزمة الخليجية، وكان أمير الكويت قد طالب في القمة الخليجية في مكة بوضع حد لتلك الأزمة، وقاد جهودا إقليمية ودولية، في محاولة للتقريب بين وجهات النظر وإنهاء الأزمة.

وعقب زيارة أمير الكويت صباح الأحمد الصباح، إلى الولايات المتحدة، في مطلع سبتمبر/أيلول الماضي، ناقش مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، سبل إنهاء الأزمة الخليجية، وتكثيف جهود الوساطة من أجل التوصل لحل بين كل الأطراف.

كثف أمير الكويت من جهود الوساطة بعد زيارة أجراها لواشنطن في سبتمبر المقبل

إلى جانب ذلك تقود سلطنة عمان وساطة مبكرة من أجل إنهاء الأزمة، وشهدت عمان حراكا دبلوماسيا مكثفا منذ مطلع يناير/كانون الثاني 2019 يقودها وزير الشؤون الخارجية بسلطنة عُمان يوسف بن علوي مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن، والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبداللطيف بن راشد الزياني، من أجل التوصل لحل الأزمة.

وعرضت سفيرة عمان في واشنطن حنان المغيري استعداد بلادها لإجراء وساطة خليجية من أجل التوصل لإنهاء الحصار والأزمة الاقتصادية والسياسية.

تقليص الجبهات 

يأتي الحديث عن إنهاء الأزمة الخليجية في وقت تعيش السعودية ظروفا سياسية واقتصادية سيئة، حيث تورطت بحرب في اليمن، ولم تكن قادرة على الحسم، أو حتى الخروج بماء الوجه، فضلا عن استنزاف الحرب لاقتصاد المملكة.

وتعرضت مطارات المملكة وشركاتها النفطية للاستهداف من قبل طائرات حوثية مسيرة، كما تعيش توترا هو الأشد مع إيران، خصوصا مع ورود تقارير تقول إن الصواريخ التي استهدفت شركة أرامكو النفطية كان مصدرها العراق وليس اليمن، ما يشير إلى وقوف إيران خلف تلك الهجمات.

بالإضافة إلى ذلك، مازالت ارتدادات جريمة مقتل خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول تقض مضجع ولي العهد محمد بن سلمان، الذي يشتبه تورطه بحادثة الاغتيال، وتسببت بسمعة سيئة لحقت بالأمير الشاب في ملف حقوق الإنسان.

تأتي تلك الأزمات التي حاصرت السعودية وإحاطتها من كل جانب، في وقت استطاعت قطر من مضاعفة الأثر السلبي على دول الحصار من خلال وسائل الإعلام التابعة لها، وعلى رأسها شبكة الجزيرة، التي كان إغلاقها أحد الشروط الرئيسية لإنهاء الحصار وعودة العلاقات.

قناة الجزيرة التي سلطت الأضواء على الحراك الثوري المنادي بإسقاط رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، ما أزعج النظام المصري وجهازه الإعلامي.

كل تلك العوامل، ربما أسهمت بانفتاح دول الحصار على القبول بمبادرة لإنهاء الأزمة، ووضع حد لذلك التوتر.

تسبب اغتيال خاشقجي بأزمة سياسية مازال بن سلمان يعيش ارتدادتها حتى اللحظة
تطورات مهمة

التراجع عن قرار رفض المشاركة في بطولة كأس الخليج في قطر(في الفترة بين 24 نوفمبر/تشرين الثاني و6 ديسمبر/كانون الأول 2019)، مؤشر قوي على حدوث انفراجة في جدار الأزمة الخليجية، ويعكس رغبة في تهيئة الأجواء للمصالحة، في قرار يعد سياسيا أكثر من كونه رياضيا.

قبل ساعات قليلة من قرار المشاركة في بطولة الخليج، غرد الإماراتي المقرب من دوائر الحكم في أبوظبي عبدالخالق عبدالله، على تويتر، قائلا: "أبشركم بتطورات مهمة لحل الخلاف الخليجي بأقرب مما تتوقعون".

وشدد على أن هناك "نية ورغبة صادقة لحل الخلاف الخليجي عبر دبلوماسية كرة القدم والمشاركة في كأس الخليج 24 في الدوحة، إضافة إلى اتخاذ قرارات شجاعة لطي صفحة كانت من أصعب الصفحات، وربما من أسوأ السنوات التي مرت على مجلس التعاون".

وعلى صعيد الاتفاق على تخفيض التصعيد الإعلامي من قبل الجانبين، قال في تغريدة أخرى: "هناك قرار آخر يتعلق بوقف الحملات الإعلامية المسيئة التي تراجعت كثيرا مؤخرا"، مشيرا إلى أن "تفعيل اللجان الوزارية الخليجية واجتماعها بزخم وبشكل دوري، بما فيها اجتماع وزراء داخلية مجلس التعاون".

وأكد أن التحضيرات جارية على قدم وساق لاجتماع وزراء الخارجية والاستعداد لقمة خليجية خلال ديسمبر/كانون الأول المقبل، مؤكدا أن انعقادها "سيشكل منعطفا مهما وسيعيد الحياة والحيوية للأخوة الخليجية"، حد قوله.

ومع كل المؤشرات التي تدلل على قرب انفراج الأزمة الخليجية، إلا أن الغموض مازال يكتنف الموقف بين الأطراف الخليجية حول الخطوات القادمة، خصوصا في ملف إيران، وانعكاس المصالحة الخليجية على طبيعة العلاقة بين الدوحة وطهران، بالتزامن مع توتر العلاقات بين السعودية وإيران، ما يضع الحديث عن عودة المياه لمجاريها على سابق عهدها أمرا خاضعا للتطورات وتقاطعات القضايا في المنطقة والإقليم.