مجرمو إسرائيل العابرون للحدود.. لماذا يختارون المغرب كملاذ آمن؟

12

طباعة

مشاركة

تشهد غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف في مدينة الدار البيضاء بالمغرب أطوار قضية يتابع فيها 28 متهما ضمن "شبكة تجنيس الإسرائيليين"، بتهمة استفادة 7 إسرائيليين من جنسية مغربية مزورة.

تعتمد الشبكة "أسلوبا متفردا"، بحسب وسائل إعلام مغربية، يتمثل في تزوير شهادات ميلاد لفائدة أجانب يحملون جوازات سفر إسرائيلية، بدعوى أنهم يهود مغاربة.

وكشفت التحريات الأمنية: أن عددا من الإسرائيليين حصلوا على وثائق الهوية المغربية بهذه الطريقة الاحتيالية، مقابل مبالغ مالية كبيرة. 

التحقيقات الجنائية بينت: أن بين المستفيدين من الجنسية المزورة محاكمون في قضايا إجرامية عابرة للحدود، وأنهم يلجؤون إلى المغرب للتهرب من الأحكام الصادرة في حقهم بإسرائيل. فهل تصبح المملكة ملاذا آمنا لمجرمي إسرائيل؟ ولماذا يختارون المغرب؟.

استثمار التاريخ

في حوار سابق مع "الاستقلال" قال رئيس الطائفة اليهودية في مدينة مراكش (جنوب المغرب)، جاكي كدوش: إن "عودة مغاربة إسرائيل للاستقرار في المغرب لا يحدث إلا بنسبة قليلة تكاد تكون منعدمة".

أشار رئيس الطائفة إلى: حوالي 60 حالة من الإسرائيليين من أصول مغربية يعودون للاستقرار هنا، دافعهم التهرب من حكم قضائي، والسبب في هذا هو انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل بعد عام 2000، رغم العلاقات التجارية المستمرة بين البلدين، حسب المتحدث.

لفت كدوش إلى: أن الأحداث التي تعيشها أوروبا وفرنسا بشكل خاص وتزايد حوادث معاداة السامية، يصعب على الراغبين في الخروج من إسرائيل التوجه إلى هناك، فيمكن أن تكون وجهتهم المغرب، بفضل الأمن والاستقرار الذي يعيشه البلد"، خاتما بالقول: "حينها يمكننا إحياء الطائفة اليهودية في المغرب من جديد".

وفي السنوات الاخيرة سجل إقبال كبير من الشباب الذين ولدوا في "إسرائيل" من والدين مغاربة، توافدوا على المغرب للحصول على أوراق تثبت جنسيتهم المغربية، بدعوى أنهم يرغبون بتفادي ما يواجهونه في كل زيارة لهم إلى المغرب، إذ تمنحهم السلطات تأشيرة أقصاها 15 يوما، غير قابلة للتمديد، وفي حال خرق المدة يضطرون إلى الدخول في دوامة من الإجراءات تصل إلى تقديمهم أمام المحكمة.

ويعيش في إسرائيل 700 ألف مغربي يهودي، سبق للملك السابق الحسن الثاني الترحيب بعودتهم، وأكد لهم حينها: أن "الجنسية المغربية لا تسقط عنهم وأن يمكنهم العودة إلى بلدهم متى ما رغبوا بذلك".

التسهيلات التي يمنحها المغرب لليهود المغاربة تجعله مطمعا لكل راغب في التهرب من العدالة، خصوصا وأنهم الدولة الوحيدة وسط المنطقة العربية التي تجنس اليهود الذين هجروا منها سابقا. 

الكاتب العام للمرصد المغربي لمناهضة التطبيع عزيز هناوي، قال لـ "الاستقلال": "ما يجعل هؤلاء يعتبرون المغرب ملاذا آمنا أن الدولة تمنح اليهود من أي جنسيات رعاية وعناية خاصة، وهو الوضع الاعتباري الذي يستثمرونه سواء من حيث الحماية أو الوضع الآمن عبر الاختباء خلف صفة يهود مغاربة".

المتحدث أضاف: أن "منتمين للجريمة المنظمة في الكيان (إسرائيل) يلجؤون للمغرب وينشئون بعض الاستثمارات ثم يستقرون به رغم أنهم متابعون هناك. معتبرا: أنه "استثمار للمافيا الإسرائيلية للوضع المستقر في المغرب. نحن نعتبره اختراقا صهيونيا سواء من طرف اليهود من أصل مغربي أو الصهاينة من غير أصل مغربي".

علاقات سرية

في عام 2000، بعد أحداث الانتفاضة الثانية، قطع المغرب العلاقات الدبلوماسية الرسمية مع إسرائيل. وعام 2009، قالت صحيفة "هارتس" العبرية: إن العلاقات العلنية قطعت، إلا أن الملك محمد السادس حافظ على استمراريتها سرا، سواء عن طريق مستشار أبيه للشؤون الإسرائيلية أندريه أزولاي، أو عن طريق رئيس الطائفة اليهودية في المغرب سيرجي برديجو".وفي العام نفسه الذي قطعت فيه العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، أصدر اتحاد الصناعات الإسرائيلي تقريرا عن حجم العلاقات الاقتصادية، التي كانت قائمة بين البلدين، قال فيه: إن المغرب من أقرب الأصدقاء لإسرائيل.

اتفاقية تبادل المجرمين تدخل ضمن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، لكنها غير مفعلة، نظرا للضغط الذي يمارسه الشارع والبرلمان لقطع هذه العلاقات، فقد ناقشت إحدى الغرف في عام 2013، مشروع قانون يجرم التطبيع مع إسرائيل، وينص على معاقبة كل من يساهم أو يشارك في التطبيع أو يحاول ارتكابه.

الكاتب العام للمرصد المغربي لمناهضة التطبيع قال: "الأمر يسهله عدم وجود اتفاقية تبادل المجرمين بين المغرب والكيان الصهيوني على اعتبار أن المغرب لا يعترف بإسرائيل وليست له علاقات رسمية ولا قضائية أو أمنية مباشرة حتى يتم تسليم المطاردين". 

وأردف مؤكدا: أن المرصد يعتبر "حتى ما يسمى باليهود المغاربة في الكيان الصهيوني أيضا إرهابيون صهاينة، فالأصل المغربي لا يعفي من المتابعة بالجرم الصهيوني وبالانتماء لكيان الاحتلال". 

وتساءل عزيز هناوي عن الهدف من تجنيس صهاينة من غير أصل مغربي: "بغض النظر عن كونهم متابعين لدى الكيان، الذي يعتبر كله مجرم وبالتالي فالجرم مزدوج، أي أن هؤلاء مجرمون من داخل الكيان المجرم". قبل أن يفسر الأمر بوجود "مافيات إسرائيلية تبحث عن ملاذات آمنة، يبدو أن المغرب مصنف لديهم كأحدها ويكفي لأجل ذلك الحصول على بطاقة هوية".

وأضاف المتحدث: "نحن إزاء مستوى متقدم تجاوز الصهاينة من أصل مغربي إلى صهاينة من أصل غير مغربي".

إسكات إسرائيل

يعيش في المغرب 1200 يهودي أغلبهم في الدار البيضاء 850، طنجة 60، مكناس 50، مراكش 120، أكادير 70. وهناك أكثر من 500 "ولي صالح" يأتون اليهود المغاربة لزيارتهم سنويا، في موسم "الهيلولة" السنوي -مزار ديني- ويقارب عددهم الـ50 ألفا، لكن الزيارات تتواصل طيلة السنة.

ويسهل المغرب لهؤلاء الحصول على الجنسية، حيث لا يحتاجون فقط لاستخراج بطاقة هوية حتى وإن ولدوا وعاشوا خارج المغرب. وهي الإجراءات التي نشطت فيها الشبكة التي ضمت 28 فردا بينهم رجال أمن وموظفو مصالح حكومية مختصة في إصدار الوثائق الثبوتية.

وبما أن الباب مفتوح على مصراعية أمام اليهود المغاربة- واللغة ليست شرطا ولا حتى الاسم العائلي- فإن المجال كان مفتوحا أمام تزوير هوية من ليست لهم علاقة بالمغرب.

 

وترأست الشبكة يهودية مغربية وزوجها استعانوا بموظفين حكوميين عن طريق رشوتهم لتزوير شهادات ميلاد لفائدة حاملي جوازات سفر إسرائيلية، عبر استخراج شهادات بعدم القيد في سجلات الحالة المدنية، وتقديمها ضمن دعاوى قضائية لالتماس التصريح بالتسجيل في أرشيف الحالة المدنية، وبعدها استخراج شهادات ميلاد بهويات مواطنين مغاربة معتنقين للديانة اليهودية. 

الشبكة ليست الأولى، لكن ظهرت أخرى تزامنا مع الكشف عن خطة إسرائيلية أعلنت عنها وسائل إعلام عبرية في بداية السنة، تطالب من خلالها تل أبيب إيران و7 دول عربية أخرى من ضمنها المغرب بتعويضات عن ممتلكات وأصول فقدها اليهود عندما أجبروا على الفرار من ديارهم في تلك البلدان، منذ الإعلان عن قيام دولة إسرائيل عام 1948.

أثارت مطالب إسرائيل باستخلاص أموال من المغرب بدعوى "طرد اليهود والاحتفاظ بممتلكاتهم" موجة غضب في صفوف الجالية اليهودية المغربية عبر العالم. ووقع مواطنون مغاربة عريضة تطالب إسرائيل بـ"الكف عن ترويج الأكاذيب بشأن مطالبها بتعويضات مالية من عدد من الدول، من بينها المغرب، جراء طرد اليهود".

واعتبر اليهود المحتجون: أن "مثل هذه الأكاذيب ستكون في خدمة الكراهية والتطرف"، مشيرين إلى: أن "إسرائيل بدمجها البلدان العربية بتواريخها المختلفة وظروفها الخاصة، تسعى بكل وقاحة إلى طمس الواقع التاريخي المغربي".