"الأوليغارشية".. وصفة لاستمرار الأحزاب السياسية في العمل

12

طباعة

مشاركة

نشرت صحيفة "ديرليش بوستاسي" التركية، مقالا للكاتب أكرم باغجي، تحدث فيه عن أسرار بقاء الأحزاب السياسية على الساحة، ومدى اهتمام الجماهير بالفكر السياسي للحزب، وهل يشكل سلوك الحزب في الحياة الرسمية والحياة العامة الأولوية لدى الجماهير؟

وبدأ الكاتب مقالته بقوله: إنه "وبعد ظهور الأحزاب السياسية في الولايات المتحدة، تشجع الناس من جميع أنحاء العالم على تبني فكرة الديمقراطية وبالتالي انتشرت فكرة الأحزاب، بعدها، في شتى أصقاع المعمورة. جميع هذه الأحزاب هي لتنفيذ مهمات محددة منوطة بها؛ وبعد الانتهاء منها تتلاشى من الوسط السياسي تمامًا بشكل أو بآخر وهذا شيء معروف سياسيًا بالضرورة".

وتابع: إضافة إلى التاريخ السياسي التركي، هناك العديد من الأمثلة على الأحزاب التي ولدت أو نشأت في العديد من البلدان حول العالم أو ماتت قبل أن تولد.

"الأوليغارشية"

وأوضح الكاتب، أن الأحزاب بالعادة لديها أساليب واضحة من أجل تقريب الجماهير منها، والحصول على أصواتها في المعارك الانتخابية المتنوعة، ومن أهم ذلك هو تعيينهم في المستويات الإدارية المختلفة، وكذلك الوعود التي تدغدغ مشاعرهم وتحوز على اهتمامهم وهذا الأمر قد يكون قريبا من مفهوم الحكم بطريقة "الأوليغارشية" (حكم الأقلية) ويمكن اعتباره ممارسة لإثبات تطبيق القانون البرونزي لـ"الأوليغارشية" في كل بلد. ومع ذلك هناك أجيال لا ترى في هذه الوسيلة وهذه الأساليب أمرا مريحا وهذا الأمر "يبدو رائعا".

والأوليغاركية (Oligarchy) الأوليغارشية أو حكم الأقليِّة، هي شكل من أشكال الحكم بحيث تكون السلطة السياسية محصورة بيد فئة صغيرة من المجتمع تتميز بالمال أو النسب أو السلطة العسكرية. وعُرِّفَتْ "الأوليغارشية" في القاموس السياسي الفرنسي على أنَّها: "النظام السياسي الذي تكون فيه معظم القوى في أيدي عدد قليل من الأفراد، كبعض العائلات أو جزء صغير من السكان، وعادة ما تكون الطبقة الاجتماعية أو الطائفة، تكون مصدر قوتهم الثروة، التقاليد، القوة العسكرية، القسوة.. إلخ.

ويعتبر أفلاطون أوَّل مفكِّر سياسي في تقسيمه إلى أنواع الحكومات محددا أنماطها وسماتها، حيث الجمهورية المثالية، الديمقراطية، الأوليغارشية والتي تعني حكم القلة، وهي امتداد للحكم الأرستقراطي، وذلك في كتابه الجمهورية.

واستطرد الكاتب في مقالته، قائلا: "الأجيال اللاحقة والتي اعترضت على هذه الطريقة من الحكم، باتت منتشرة تقريبا في كل بلد". وأضاف: "ليس من الخطأ أن نقول إن الأجيال التي تحدت مؤخرا رداءة قانون الأوليغارشية، خاصة مع تأثير ما بعد الحداثة، جعلت نفسها تشعر بالدعم والتأييد في كل بلد؛ وهذا الأمر مختلف بالطبع من بلد لآخر".

ومضى باغجي يفصّل ذلك بالقول: "كيفما تختلف مستويات المحسوبية ومحاباة الأقارب في كل بلد، يختلف قانون الأوليغارشية ودرجة التصدي له؛ وبالتالي، حتى في أكثر الدول معاصرة أو ديمقراطية أو حضارية، لا يمكننا القول إن المحسوبية قد اختفت".

ولفت إلى أنه على عكس ما كان مسبقا، يبدو أن الوضع قد تغير، خاصة في البلدان النامية والمتقدمة؛ جراء عوامل مختلفة، وباتت هذه القوانين وهذه الظواهر التي تعد من ظواهر الفساد، تكافح من أطراف عدة، ومنها وسائل الاتصال الجماهيري وتأثيرها وكذلك الأحزاب السياسية والانتخابات التي تخوضها بشكل مستمر ومستويات الرقابة المختلفة وبلا شك الرأي العام وسطوته.

وأضاف الكاتب، أن هذه الوسائل مجتمعة باتت سيفا مسلطا على ممارسي الواسطة والمحسوبية، وهي من الممارسات غير العادلة في المجتمع، وما أن تخرج للإعلام والرأي العام، حتى يبيت المجتمع يتناولها لسنين لاحقة، ما يجعل الأحزاب والأطراف الحكومية تفكر جيدا قبل الإقدام على مثل هذه التصرفات.

سر بقاء الأحزاب

وانتقل باغجي إلى الموضوع الرئيسي لمقالته وهو ما وصفه بـ"سر بقاء الأحزاب"، مشددا على أنه إذا ما أرادت هذه الأحزاب البقاء والاستمرارية فعليها أن تزيل أهم المسببات التي تهددها وعلى رأسها إلى جانب المحسوبية؛ الفساد في البلديات أو المؤسسات العامة.

وتابع قائلا: هذا السر ليست وصفة خاصة بالأحزاب الحاكمة، بل تشمل أحزاب المعارضة، التي قد تتولى مناصب في الدولة والمؤسسات العامة كالبلديات على سبيل المثال.

وزاد: "إذا لم يتم تصحيح الوضع ليس فقط في الأحزاب الحاكمة ولكن أيضا في البلديات أو المؤسسات المختلفة التي تهيمن عليها أحزاب المعارضة، فليس هناك احتمال لبقاء الأحزاب السياسية المستقبلية على قيد الحياة".

وختم الكاتب مقاله بالقول: إن الأفكار الإيدلوجية، لم تعد تثير اهتمامات الناس، تماما كما حدث ذلك مسبقا في دول أخرى، وباتت الجماهير تركز على تصرفات الحزب، وسلوك عناصره وعلى الأحزاب أن تأخذ هذه النقاط في دائرة الاهتمام إذا ما إرادات البقاء والاستمرارية.

ووفقا لمؤشر مدركات الفساد لعام 2018، الذي أعلنته منظمة الشفافية الدولية- مقرها برلين- فإن تركيا تراجعت ثماني نقاط تباعا خلال السنوات الخمس الماضية، وعشر نقاط في سبعة أعوام، لتصبح واحدة من بين خمس دول هي الأكثر تراجعا على المؤشر منذ عام 2012، وتحتل المرتبة 78 من 180 دولة برصيد 41 نقطة.

وقال تقرير المنظمة، إن مستويات الفساد في تركيا ازدادت في ظل تراجع الحقوق السياسية والمدنية ومحاولات إضعاف مؤسسات المحاسبة. وانتقلت تركيا في مؤشر الحرية للتقرير الأخير، من تصنيفها كدولة "حرة جزئيا" إلى "غير حرة".