"ناشونال إنترست": هل أخطأت أمريكا في الحرب التجارية مع الصين؟

تسببت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في إطلاق العديد من التعليقات، إذ أن الرواية الرسمية التي يتم تداولها بين أروقة مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية، هي أن الولايات المتحدة كانت قد تعاملت مع الصين بطريقة خاطئة عبر عقود طويلة، ومفادها أن التجارة سوف تضعف حكومة البلد الشيوعية، كما أنها ستجلب المزيد من الحريات السياسية للصين.
لكن الخبيرة في السياسة والاتصالات، وعضو مجلس المستشارين لمعهد "كلير بوث لوس" للسياسات، يانج ما، أفادت بأن الولايات المتحدة الأمريكية كانت قد ساعدت الصين على الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، الأمر الذي أدي في النهاية إلى زيادة الروابط التجارية والاقتصادية بين البلدين بشكل جذري.
الانتقال إلى الليبرالية
وقالت الكاتبة في مقال لها على صحيفة "ناشونال إنترست" الأمريكية، إنه بات من المؤكد أن الصين قد خيبت آمال الولايات المتحدة سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي، إلا أنه من الواضح أنه لكي تصل أمريكا إلى حلول جذرية للمشكلة مع الصين، يتطلب من صانعي السياسة الأمريكيين أن لا يُصابوا بفقدان الذاكرة.
وفي هذا السياق شددت الكاتبة على أنه بات من الواضح أن هناك توافقا كان قد برز جلياً بين اليمين واليسار، يفيد بأن الصين لم تعد المسؤولة عن النظام العالمي الجديد، كما أوضح نائب وزير الخارجية الأمريكي، روبرت زوليك، في عام 2005، حين قال: "إن السياسة المغلقة لا يمكنها أن تدوم للأبد ولا أن تكون ملمحا أساسيا"، وأضاف زوليك ملخصا كل آمال الساسة الأمريكيين: "مما لا شك فيه أنه في حال استمرارا النمو الاقتصادي، فإن الأثرياء الصينيين سيرغبون في أن يكون لهم رأي ودور في صنع سياسة بلدهم وبناء منظمات ضغط للوصول إلى الإصلاح السياسي".
وفي الوقت الراهن، أوضحت الخبيرة، أن الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ترى أن كل هذه الرهانات والفرضيات السابقة أثبتت خطأها، ففي إستراتيجتها القومية لعام 2018، عبرت الإدارة الأمريكية عن إحباطها من المردود من العلاقات الصينية الأمريكية. وأضافت الكاتبة أنه لعقود طويلة كانت الإستراتيجية الوطنية الأمريكية المتجذرة في أعماق السياسة الأمريكية تجاه الصين تقول أن دعم نمو الصين الاقتصادي، واندماجها في النظام العالمي الجديد ما بعد الحرب من شأنه أن يحرر الصين ويحولها إلى دولة ليبرالية، بدلاً من ذلك.
فإن الصين الأقوى والأغنى تريد تأسيس نظام عالمي جديد متناقض شكلاً وموضوعاً مع القيم والمصالح الأمريكية، فهي تسعى إلى إقصاء الولايات المتحدة من منطقة المحيط الهادي الهندية، وصبغ اقتصاد هذه المنطقة بصبغة الاقتصاد الصيني الذي تديره الدولة، بالإضافة إلى إعادة تشكيل المنطقة وفقا للقيم والمصالح الصينية.
وأوضح المقال، أنه في حين يبدو كل ما ذُكر صحيحاً، إلا أن التحرر وتحويل الصين إلى النموذج الليبرالي لم تكن وعوداً قطعتها الصين على نفسها للولايات المتحدة، ففي الوقت الذي تبنى فيه الحزب الشيوعي الصيني إصلاحات ضرورية للنمو الاقتصادي وتحديث الدولة، لم يذكر أو يعد أبداً بأنه سيتخلى عن الحكم في حال النمو الاقتصادي والثراء.
وخلصت يانج ما، إلى أن الولايات المتحدة يجب ألا تكون متفاجئة من عدم حدوث التغيير الجذري في الصين، ويجب أن يتذكر الساسة الأمريكيون أنه قبل مساعدة الولايات المتحدة للصين على أن تصبح عضواً في منظمة التجارة العالمية، دارت نقاشات موسعة مستفيضة حول إذا كان هذا الأمر سيحقق المصالح الأمريكية أم لا.
وذكرت الكاتبة في مقالها أن لجنة المراجعة الأمنية والاقتصادية للعلاقات الأمريكية الصينية، وهي هيئة تابعة للكونجرس الأمريكي مكونة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، كانت قد تأسست بعدما ساعدت الولايات المتحدة الصين في الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، وكانت قد لخصت تقريرها الأول في عام 2002، الذي قالت فيه إن أسس السياسة الأمريكية تجاه الصين كانت خاطئة، وأن الخبراء باتوا مقتنعين بأن الصين تواجه مشكلات على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وأن قادتها معادون للديمقراطية.
الربح التجاري
ويشكل العداء للولايات المتحدة أساس فكرهم، فإن دور الصين الأساسي يتمحور حول آسيا، وإن الولايات المتحدة تعزز دور دولة يمكنها تشكيل تهديد سياسي واقتصادي وعسكري للولايات المتحدة. وقالت الخبيرة السياسية، إن الصين أصبحت غنية ولكنها تظل غير حرة، وقد تضطر الولايات المتحدة إلى أن تواجه أمة قوية وغنية، تكن العداء لقيم الديمقراطية وللولايات المتحدة، ومنافس قوي لبلادنا في آسيا وما ورائها.
وشددت الكاتبة على أن العديد من صانعي السياسة الأمريكيين قد توصلوا لحقيقة أن هذا هو ما حدث بين الصين والولايات المتحدة، ولكنهم في غمار هذا البحث المضني لعلاقات شائكة بين البلدين قد تناسوا الهدف الرئيسي من العلاقات الأمريكية الصينية، ألا وهو الربح التجاري نفسه.
وفي هذا السياق، أضافت الكاتبة، أن الإدارت الأمريكية المتعاقبة حتى الإدارة الحالية، كانت المأوى للآمال الصينية، وكانوا مقتنعين أيضا أن التجارة مع الصين ستفيد المصالح التجارية الأمريكية، وهذا ما حدث فعليا، وأنها ستؤدي إلى مزيد من الحرية الاقتصادية في الصين.
ورأت الكاتبة أنه للضغط على الكونجرس للموافقة على اتفاق التجارة بين الصين والولايات المتحدة ذكر الرئيس الأمريكي آنذاك، بيل كلينتون، أن تعزيز التجارة مع الصين من شأنه تعزيز المصالح الاقتصادية الأمريكية، إلا أن هذه المقولة في الشأن الاقتصادي تمثل شارعاً أُحادي الاتجاه، ولكي يتحقق تعزيز المصالح التجارية الأمريكية، لابد للصين أن تفتح أسواقها، التي تشكل خُمس السوق العالمي للبضائع والخدمات الأمريكية بشكل غير مسبوق.
وأفادت الكاتبة أنه للمرة الأولى، وعد بيل كلينتون بأن الشركات الأمريكية ستكون قادرة على توزيع بضائعها التي صُنعت في الولايات المتحدة، على أيدي عمالة أمريكية في الأسواق الصينية أو البيع من خلال الحكومة الصينية، أو تقديم الخدمات التكنولوجية للحكومة الصينية، وللمرة الأولى، وفقا لكلام بيل كلينتون ستكون الولايات المتحدة قادرة على تصدير البضائع لا الوظائف.
هل يدركون خطأهم؟
وعلى عكس توقعات بيل كلينتون، كما ذكرت الكاتبة، لم يتم تحقيق كل تلك الوعود، فمن جانبها، خفضت الصين التعريفات الجمركية، لكنها سرقت الملكية الفكرية الأمريكية وأجبرت الشركات الأمريكية على نقل التكنولوجيا في مقابل الوصول إلى الأسواق، إلى الحد الذي يُقدر فيه الممثل التجاري للولايات المتحدة أن سرقة الملكية الفكرية الأمريكية من جانب الصين يكلف الاقتصاد الأمريكي ما بين 225 مليار دولار و600 مليار دولار سنويًا بالإضافة إلى فقدان ملايين الوظائف الصناعية بسبب النمو الاقتصادي في الصين.
ولفت المقال إلى أن إدارة الرئيس دونالد ترامب مُحقة في مساءلتها الصين عن ممارساتها التجارية غير العادلة والشفافة.
وفي سياق مغاير، قالت الكاتبة إنه سيكون من الكذب التظاهر بعدم وجود فوائد تجارية من العلاقة بين الولايات المتحدة والصين، ودللت على ذلك بقولها إنه وفقًا لخدمة أبحاث الكونجرس -في عام 2018- كانت الصين أكبر شريك تجاري للبضائع في الولايات المتحدة بإجمالي 660 مليار دولار، وثالث أكبر سوق تصدير بما يوازي 120 مليار دولار، وأكبر مصدر للواردات بقيمة 540 مليار دولار بالإضافة إلى كونها أيضا أكبر دائن للولايات المتحدة.
الكاتبة أشارت إلى ما ذكره الخبراء بأن التجارة مع الصين أدت إلى زيادة الصادرات الأمريكية، وخلق فرص عمل محلية، وسلع استهلاكية أرخص للأمريكيين، بالإضافة إلى ربحية عالية للشركات الأمريكية العاملة في الصين، إلى جانب التوسع الكبير في القطاع الخاص في البلد.
وأوضحت يانج ما فكرتها، عبر القول، إنه عندما أعرب الخبراء عن أسفهم لأن الصين لم تصبح أكثر تحررا أو مسؤولية، فإن الشخص الوحيد الذي لم يغفل حقيقة أن قرار أمريكا بالتجارة مع الصين كان على الأقل جزئيا بشأن التجارة هو الرئيس دونالد ترامب، الذي شن -على ما يبدو بسعادة- حربًا تجارية ضد الصين لأنه يعتقد أنها اغتصبت الولايات المتحدة بسياساتها التجارية، لقد أبدى القليل من الاهتمام أو عدم الاهتمام بما إذا كانت الصين قد حررت في العقدين الماضيين أو ما إذا كانت ستصبح صاحبة مصلحة أكثر مسؤولية في العالم.
وخلصت الكاتبة إلى أن السؤال الأهم لمؤسسة صناعة السياسة الخارجية الأمريكية هو ماذا سوف يفعلون بعد ذلك؟ هل سيستغرقون بعض الوقت في التفكير حول إذا ما كانت سياساتهم تجاه الصين كانت خاطئة؟ وهل يدركون أن هناك فوائد ملموسة من العلاقات التجارية الصينية الأمريكية، وأنه يمكن النظر إلى السعي نحو الحرية الاقتصادية بشكل مستقل كسلعة أخلاقية ومادية، وليس مجرد وسيلة لتحقيق الحرية السياسية؟
واختتمت الكاتبة مقالها قائلة إن صانعي السياسة الأمريكيين سيحتاجون إلى تقييم هذه المصالح والفوائد مقابل عيوب أخرى لوضع سياسات أفضل، سيكون ذلك أفضل بكثير من خداع أنفسهم على أخطاء الماضي والنجاحات.