في "الريف" المغربي.. ما زال كيماوي الاستعمار يحصد الأرواح

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تسجل المملكة المغربية أرقاما مفزعة لعدد المصابين بالسرطان، حيث كشفت الوكالة الدولية لأبحاث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية عن أرقام مخيفة تخص تزايد نسبة الإصابة بالمرض في المغرب، التي بلغت ما مجموعه 233 ألفا و88 إصابة عام 2018، بينها أكثر من 52 ألف إصابة جديدة.

وتثبت تقارير لمنظمات غير حقوقية أن منطقة الريف الخالية من مستشفى خاص لعلاج السرطان، تعرف أكبر عدد من المرضى بنسبة تبلغ 80% من جملة المصابين في المغرب، وهو ما يفتح التساؤلات مجددا حول قضية "الغازات السامة" التي استخدمها الجيش الإسباني للقضاء على المقاومة الريفية في حقبة الاستعمار.

أصل الحكاية

تعود قصة الكيمياوي شمالي المغرب إلى حوالي قرن من الزمن، وبالتحديد ما بين عامي 1921 و1925، بعد تعرض القوات الإسبانية المحتلة للشمال المغربي لهزيمة كبرى أمام المقاومة التي قادها عبد الكريم الخطابي، ما دفعها للرد بقصف المنطقة بأسلحة كيمياوية من أجل حسم المعركة وإجهاض ثورة الريف.

وهو ما أكده الدكتور محمد الحمداوي أستاذ علم النفس المرضي وعلم الإجرام العيادي في حديث مع الجزيرة أن قوات الاستعمار الإسباني ارتكبت أكبر جريمة ضد الإنسانية في التاريخ المعاصر؛ عندما استعملت 9 أنواع من الغازات السامة تسلمتها من خبير صناعة الأسلحة الكيمياوية الدكتور الألماني شتوتنبرغ.

شتوتنبرغ الذي أشرف على بناء معمل بمدينة مليلية المحتلة، اعترف سنة 1928 في مذكراته قائلا: "لقد سلمت إسبانيا 110 أطنان من غاز الإيبريت أو اللوست، لاستعمالها في حرب المغرب، فتم لها بذلك القضاء على التمرد الريفي".

جدل التعويضات

عاد ملف قضية الهجوم الكيمياوي على سطح الأحداث في المغرب، بعد أن تداولت عدد من الصحف الإسبانية خبر عزم حكومة بيدرو سانشيز دعم جميع العائلات الريفية التي تضررت من الحرب، وذكرت الصحف التي نقلت عنها صحف مغربية بدورها أن الحكومة الإسبانية تعتزم منح مبلغ قدره 100 مليون يورو لصالح منطقة الريف كإجراء تعويضي عن الجرائم التي أقدمت عليها آلتها العسكرية.

لكن في المقابل نفت صحف مقربة من اليسار الإسباني الحاكم الأمر، مؤكّدة أن نقاش ملف التعويضات ظهر إلى العلن منذ العام 2011، لكن دون معطيات رسمية. وأضافت: "أن الريف لم يكن في تلك الفترة مغربيا، بقدر ما كان قبيلة متمردة على السلطة المركزية".

وعود قديمة

كل الأدلة الميدانية في منطقة الريف تثبت أن الإسبان ارتكبوا جريمة حرب كبرى في المنطقة لاتزال آثارها مستمرة إلى حدود هذه اللحظة، وهو ما دفع الحكومة الإسبانية منذ العام 2011 إلى الإعلان عن استعدادها لطي صفحة الماضي وتعويض المتضررين.

وهو ما جاء على لسان وزير الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون، جوسيب بوريل، عام 2016، الذي أكّد استعداد مدريد للاعتراف وجبر الضرر وتضميد الجراح وطي صفحة مآسي حرب الريف ما بين 1920 و1928، التي لا زال سكان الريف يعانون ويلاتها إلى حدود الساعة، بسبب انتشار وباء السرطان في المنطقة الناتج عن القصف بالغازات السامة كرد فعل على انتصار مقاومي الريف في معركة "أنوال المجيدة" (1921) بقيادة الأمير عبد الكريم الخطابي.

اعتراف متبادل

في المقابل يصر الإسبان على دعوة المغاربة للاعتراف بالأضرار التي مست الإسبان في معركة "أنوال"، إذ اعتبر وزير الخارجية الإسبانية أن ما وقع هو حادثة مأساوية ذهب ضحيتها أكثر من 10 آلاف إسباني.

ويبدو أن هذا التوجه للحكومة الإسبانية يأتي في إطار تنافس سياسي ما بين اليسار الحاكم واليمين المتطرف الشعبوي الذي تتصاعد أسهمه في الساحة السياسية الأوروبية، حيث ذكرت "أخبار اليوم" المغربية بأن الحكومة الإسبانية تبحث عن صيغة تحفظ بها ماء وجهها أمام تصاعد اليمين المتطرف، الذي يرفض الاعتراف بالأخطاء المرتكبة في الريف.

تقاعس حكومي

من السهل على المغاربة من مختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم ومواقعهم في السلطة أو المعارضة توجيه الاتهام للدولة الإسبانية لارتكاب جرائم حرب خلال الحقبة الاستعمارية، ولكن من السهل كذلك على المملكة المغربية أن تثبت هذه الاتهامات وترغم إسبانيا على الاعتذار وجبر الضرر ماديّا ومعنويا.

حيث يقول عبد الإله الخضري، مدير المركز المغربي لحقوق الإنسان: "موضوع هجمات الجيش الإسباني على مناطق الريف بالأسلحة الكيمياوية، وبالتحديد بغاز الخردل، وتحديداً في العام 1924، لم ينل الاهتمام السياسي الكافي".

الريف المنسي

رغم المعاناة التي عاشها أهالي الريف المغربي طيلة فترة الاستعمار، وخوضهم أحد أبسل معارك التحرر في القرن العشرين ومساهمتهم في دحر الاحتلال الثنائي الإسباني - الفرنسي عن المغرب.

إلا أن دولة الاستقلال لم تنجح في إحداث توازن بين المناطق في المغرب، ما دفع بأهالي الريف إلى الخروج في حركة احتجاجية استمرت لأشهر مطالبة بالكرامة والعدالة الاجتماعية والتوازن بين الجهات؛ وذلك إثر مقتل بائع السمك محسن فكري  طحنا في شاحنة حمل القمامة في مدينة الحسيمة شمال المغرب يوم 28 أكتوبر/تشرين الثاني 2016.

مطالب المحتجين

منذ انطلاق الاحتجاجات في منطقة الريف، رفع المحتجون جملة من المطالب كان من بينها بناء مستشفى لعلاج السرطان في المنطقة، فرغم تصدرها لنسب المصابين بالمرض الخبيث إلا أنها تفتقد لمؤسسة صحية للعلاج منه سوى من مركز طبي بمدينة الحسيمة، تم افتتاحه في العام 2008 لكنه يفتقد للتجهيزات اللازمة حسب ما أكّده رئيس بلدية المنطقة.

هذا الغياب للمؤسسات الاستشفائية في منطقة الريف يجعل المصابين أمام خيارين إما التنقل لمسافات طويلة إلى المدن الكبرى أو الاستسلام للمرض القاتل، حيث قال مهدي، أحد سكان المدينة لوكالة الأنباء الفرنسية: "أحد جيراني توفي بسرطان الدم، رغم الوسائل المحدودة، كان يستقل الطائرة إلى الدار البيضاء مرة كل شهر للعلاج". وتحدث عن جار آخر توفي بسرطان المعدة "كان يستأجر سيارة إسعاف مرة كل شهر ليتوجه إلى فاس".

وأمام التقاعس أو التأخير أو اللامبالاة التي تمارسها السلطة المركزية في الرباط تجاه الأزمة الحقيقية التي يعيشها أهالي الريف بسبب السرطان، اتجه الأهالي مع عدد من المنظمات الأهلية والجمعيات ساندتهم في ذلك حملات إلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي؛ من أجل إنشاء مستشفى لعلاج السرطان يغني المرضى من أعباء التنقل مئات الكيلومترات من أجل الحصول على العلاج، وأطلق النشطاء حملة تحت عنوان "أوقفوا السرطان" في محاولة للتعريف بخطورة الوضع الذي وصلت إليه منطقتهم.

الاستعمار المستمر

في الوقت الذي تعيش فيه الأمة العربية لحظة تحررية فارقة في تاريخها، حيث تنتفض الشعوب في محاولة لاسترجاع حقوقها وسيادتها الفعلية وممارسة قرارها السيادي، إلا أن المغرب الأقصى لا زال يحمل تبعات الفترة الاستعمارية.

فإسبانيا لا تزال تحتل مدينتي سبتة ومليلة شمالي المغرب، التي تعيش أزمة مستمرة في صحرائها حيث تقاتل قوات انفصالية تحظى باعتراف دولي (جبهة البوليساريو)، ولا تزال تتحمل تبعات جرائم الاستعمار دون أن تتجه إلى المطالبة الجدية بحقوقها مغلّبة ضرورة الحفاظ على علاقات جيدة مع جارتها الشمالية.