"بروكنجز: "هكذا تطورت الطموحات الإقليمية لإيران منذ 1979

منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أصدر معهد "بروكنجز" الأمريكي للدراسات تقريرا، سلّط فيه الضوء على الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وتمددها فيما بعد إلى بلدان عدة في منطقة الشرق الأوسط.

وقال التقرير الذي ترجمته "الاستقلال": إن "الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، لم تكن شأنا محليا فحسب. فقد صمّم قادتها ونخبتها الحاكمة على تصدير ثورتهم إلى الخارج، ولكن الأوضاع لم تكن مساعدة لهم في البداية؛ فقد كان النظام في الداخل محتاجًا إلى وقت للتوطيد، وللتعامل مع الصراعات الداخلية، كما أن الحرب العراقية الإيرانية التي طال أمدها لم تتبين نهايتها بعد".

وذكر المعهد: "في وقت مبكر من عام 1982، لمعت فرصة في لبنان لتعبئة وتجنيد المجتمعات الشيعية في الشرق الأوسط، واستعانت إيران في هذا المشروع بالحليف الإقليمي الأول للجمهورية الإسلامية، سوريا حافظ الأسد، البلد الذي يهيمن عليه أعضاء طائفة من الطوائف الشيعية".

وأوضح التقرير أن "إيران كانت تسعى إلى الهيمنة الإقليمية. واحتشادها لتحقيق تلك الغاية أنتج هزة عنيفةً في الشرق الأوسط، وأصبح من الواضح للجميع في السنوات الماضية كيف تجلت تلك الطموحات بشكل خاص في الثورة السورية".

العراق وتركيا

وبحسب "بروكنجز"، فقد "أسدى الأمريكان للمشروع الإيراني هديةً غالية بغزوهم للعراق عام 2003؛ حيث  أزالوا العقبة الغربية (صدام حسين) التي تعترض طريق إيران، ونقلوا السلطة في العراق إلى الشيعة، مهيّئين بذلك المجال للتحرك الإيراني".

وبيّن أنه "خلال تلك السنوات، حدث تطور آخر كان له تأثير عميق على السياسة الإقليمية في الشرق الأوسط؛ وهو ظهور نظام رجب طيب أردوغان في تركيا. لسنا نقول إن إيران وتركيا حليفان، كما أنهما ليسا عدوين، ولكن بروز السعي الموازي بين إيران إلى الهيمنة الإقليمية وتركيا بعودتها إلى موقع مركزي في الشرق الأوسط ألقى بظلاله على سياسة المنطقة، وغيّرها بشكل كبير".

وأشار التقرير إلى أنه "خلال معظم القرن العشرين، لعبت الدولتان اللتان خَلَفَتا الأمبراطوريتين العثمانية والفارسية دورا محدودا في سياسة الشرق الأوسط؛ لقد كان لدى شاه إيران طموحات خارجية، وكان له تأثير على السياسات في شرقي المنطقة وفي سياستها البترولية".

وتابع: "لكن قدرة إيران على عرض القوة والنفوذ في بيئتها المحلية والإقليمية كانت محدودة ومقيدة بالضغوط السوفييتية والمشاكل الداخلية. أما تركيا، فكانت تحت إدارة نخبة علمانية تميل كل الميل نحو أوروبا. وعلى هذا النحو، كانت السياسات الإقليمية للشرق الأوسط (خلال معظم النصف الأخير من القرن العشرين) تتشكل في الغالب من ديناميكية العلاقات بين الدول العربية والنزاع العربي الإسرائيلي.

وأكد التقرير أن "حال المنطقة تغير بالكامل؛ من خلال سعي إيران إلى الهيمنة الإقليمية بعد عام 1979، وتحوّل تركيا عن سياسة التقارب مع أوروبا إلى التقارب مع جيرانها من العرب. وبرزت في الشرق الأوسط الآن دولتان مسلمتان كبيرتان وقويتان، يتزايد تأثير أدوارهما الجديدة بسبب ضمور النظام العربي، وتضاؤل نفوذ الدول العربية الرئيسية مثل مصر والعراق".

ولعل أكثر الأمثلة تعبيرا عن الواقع الإقليمي الجديد هو "منتدى أستانا - المؤلف من روسيا وإيران وتركيا- المنعقد في عام 2017 والذي شكّل أكبر منتدى للجهود المبذولة لحل الأزمة السورية، والذي شهد غيابا كاملا للعرب؛ فلم تشارك فيه أي دولة عربية"، بحسب التقرير.

ورأى المعهد، أن "من بين هاتين القوتين الجديدتين، فإن إيران هي الأكثر طموحا والأكثر نشاطا. حيث يقودها الحماس الديني، والطموحات الجيوسياسية لدولة تحن إلى ماضٍ إمبراطوري عظيم، كما يدفعها القلق القديم من عداوة الولايات المتحدة وأعداء إقليميين مثل إسرائيل، والسعودية، والعراق حتى عام 2003؛ قد تبرر القيادة الإيرانية بعض تصرفاتها على أنها تصرفات دفاعية، ولكنها بتصرفاتها تفاقم في الواقع القلق لدى منافسيها، وبالتالي فإنها تخلق حلقة مفرغة من الفعل وردة الفعل اللامتناهية".

مصر ولبنان وإسرائيل

وعلى صعيد آخر، وفقا للتقرير: "يتجلى ظهور إيران كقوة شرق أوسطية من خلال قدرتها على اقتناص الفرص؛ ولنضرب مثالا لهذه القدرة على اقتناص الفرص، فقد لاحت واحدة منها من خلال إسقاط نظام حسني مبارك في مصر وصعود حكومة محمد مرسي إلى السلطة. ولاقتناص هذه الفرصة أرسلت إيران - وللمرة الأولى - سفنا حربية عبر قناة السويس إلى البحر الأبيض المتوسط، ومع أنه فعل واحد فقط، إلا أنه قدّم مؤشرا واضحا على رغبة إيران في التوسع وتجاوز موقعها في شرق المنطقة والوصول إلى البحر الأبيض المتوسط".

وعاد تقرير المعهد إلى فترات سبقت الثورة الإيرانية، بالقول: "قبل وصولها إلى البحر الأبيض، كانت إيران قد رسخت حضورها بالفعل في لبنان (من خلال حزب الله)، وتعود جهود إيران لتعبئة وتسخير الطائفة الشيعية في لبنان إلى عام 1982 (رغم أن الاستثمار في المجتمع الشيعي في لبنان بدأ في أيام الشاه) ومن بين الاستثمارات الإيرانية الثورية المبكرة في السياسة الخارجية، أثبت الاستثمار في لبنان أنه الأكثر جدوى وفعالية".

وذكر أن "حزب الله أصبح تدريجيا أقوى ممثل في لبنان، متفوقا على الحكومة والجيش اللبناني. كما مكّنت سمعة "(حزب الله) الجمهورية الإسلامية من المطالبة بالتصدر وقيادة الصراع ضد إسرائيل في الوقت الذي دخلت فيه الأنظمة العربية، بما في ذلك حلفاء إيران من السوريين، في عملية سلام مع إسرائيل".

ولقد بنت إيران من خلال تزويدها حزب الله بترسانة ضخمة من الصواريخ والقذائف "رادعا ضد أي هجوم إسرائيلي أو أمريكي محتمل على برنامجها النووي، كما قد أثبتت مجريات ونتائج حرب إسرائيل الثانية في لبنان عام 2006 نجاح طهران في اختيار شركائها من السوريين وحزب الله، وفقا للتقرير.

من جهته، قال كريم سجادبور من مؤسسة كارنيجي: إن "إسرائيل لم تكن، بالنسبة للقيادة الإيرانية، مجرد منافس للنفوذ الإقليمي أو امتداد للعدو الأمريكي اللدود أو "الشيطان الصغير" فحسب، فيقول: "إن جوهر دعم طهران الثابت للأسد لا يكمن في المصالح الجيوسياسية والمالية للأمة الإيرانية، ولا في المعتقدات الدينية للجمهورية الإسلامية، وإنما بسبب الكراهية العميقة التي يبدو أنها لا يمكن تجاهلها لدولة إسرائيل".

ونقل سجادبور تصريحات سابقة لمسؤولين إيرانيين كبار مثل علي أكبر ولايتي قوله: إن "سلسلة المقاومة ضد إسرائيل، والتي تتشكل من إيران وسوريا وحزب الله والحكومة العراقية الجديدة وحماس، تمر عبر الطريق السريع السوري، وإن سوريا هي الحلقة الذهبية لسلسلة المقاومة ضد إسرائيل".

وأضاف: "رغم أن إسرائيل ليس لها أي تأثير مباشر على الحياة اليومية للإيرانيين، إلا أن معارضة الدولة اليهودية كانت الدعامة الأمتن للإيديولوجية الثورية الإيرانية. وسواء كان خامنئي يلقي خطابا حول مواضيع الزراعة أو التعليم، فإنه دائما ما يعود إلى التذكير بشرور الصهيونية".

وتطرّق تقرير المعهد الأمريكي إلى أن "الربيع العربي (الذي كان له صدى في العالم العربي)، وفّر لإيران فرصا إضافية: مثل الثورة ضد الحكومة البحرينية (نظام سني يسيطر على الأغلبية الشيعية) والتي قمعت من المملكة العربية السعودية، والثورة في اليمن التي خلقت مساحة لإيران لتقوم بعملها، وما تزال السعودية عاجزة عن هزيمة أعدائها".

الثورة السورية

وعلى صعيد الشأن السوري، قال تقرير "بروكنجز": إن "سوريا كانت ممثلا لتداعيات الربيع العربي التي واجهت إيران في بداية الأمر كتحد، ثم استحالت بعد ذلك لفرصة كبرى".

ولفت التقرير إلى أن "إيران وجدت في الثورة السورية التي تطالب برحيل الأسد، تحديًا شديدًا لسياستها الإقليمية؛ فسقوط النظام السوري - أقدم تحالف إقليمي في إيران - سيكون ضربة قوية لطهران وحزب الله في لبنان. ومن ثم، فقد احتشدت إيران لدعم النظام، أولا من خلال تقديم المساعدات العسكرية، ثم إرسال حزب الله والميليشيات الشيعية الأخرى (من العراق وأفغانستان وباكستان)، ثم انتهت بإرسال جنودها في عام 2014. وفي عام 2015، عندما واجه النظام احتمال الانهيار والسقوط، بادر الإيرانيون إلى إقناع روسيا بإرسال قواتها الجوية إلى سوريا، وتعهدوا بإرسال قواتهم المقاتلة على الأرض".

قاتل نظام الأسد - المدعوم من روسيا وإيران - وبمشاركة مباشرة من مقاتلين إيرانيين، ضد مجموعة متنافرة من قوى المعارضة المسلحة والممولة من قبل الدول السنية الإقليمية (تركيا والمملكة العربية السعودية وقطر والأردن) إضافة إلى الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة، وقد حقّقت الجهود الإيرانية الروسية المشتركة نجاحا وقادت، في ديسمبر/كانون الثاني 2016، إلى الاستيلاء على حلب واستعادتها من قوى الثورة، وكانت هذه نقطة التحول التي أشارت إلى انتصار النظام في الثورة السورية.

وأدت طموحات إيران في سوريا، بحسب التقرير إلى "صراع عسكري مباشر مع إسرائيل في عام 2018، حيث عقدت إسرائيل العزم على منع تكرار نجاح إيران في تأسيس بنيّة تحتية عسكرية في سوريا ضد إسرائيل (كما فعلت في لبنان من قبل). أما قبل عام 2018 فكانت إيران وإسرائيل تخوضان حربا غير مباشرة في لبنان ونزاعا مستمرا على برنامج إيران النووي".

وأضاف: "أدى نجاح إيران في مشروعها السوري إلى تعزيز ثقتها بنفسها، وأخذت طهران الآن في السعي إلى الاستفادة من نجاحها في سوريا وتوسيع نفوذها الإقليمي. كما تغيرت نظرتها إلى سوريا؛ فقبل عام 2011 كانت طهران تنظر إلى سوريا كحليف وشريك يوفر لها الوصول إلى لبنان وحزب الله فحسب، لكن بدايةً من عام 2016 أخذت إيران ترى سوريا كمجال نفوذ وجبهة ثانية ضد إسرائيل بالإضافة إلى لبنان".

وفيما يتعلق بطموح إيران في الوصول إلى البحر المتوسط وتشكيل حضور مباشر لها؛ فقد "سعت إيران إلى الحصول على موافقة سورية لبناء قاعدة بحرية على الساحل السوري، وتعزيز حضورها في سوريا ببنية تحتية استراتيجية (كالصواريخ بعيدة المدى، ومصانع إنتاج الصواريخ) وبهذا تمكنت إيران من بناء ما أصبح يعرف بـ(جسر بري) عبر العراق وسوريا إلى لبنان، وقد كانت إيران تواجه تحديات في الطرق الجوية والبحرية، ولذا فإن المعبر الأرضي الآمن سيكون بمثابة تحسّن كبير في قدرة إيران على الوصول إلى البحر المتوسط".

في شهر نوفمبر من عام 2016، أعلن رئيس أركان الجيش الإيراني الجنرال محمد حسين باقري أمام قادة البحرية الإيرانية التالي: قد تقوم إيران في المستقبل ببناء قواعد بحرية طويلة المدى، أو بناء جُزر عسكرية عائمة، على سواحل اليمن وسوريا.

واختتم المعهد تقريره: "هكذا، تجد إيران نفسها مع احتفالها بالذكرى الأربعين للثورة الإسلامية، عنصرا فاعلا رئيسيا في نظام شرق أوسطي ساهمت من خلال سياساتها في تحويله إلى حد كبير. كما أنها تستثمر بعمق في أزمتين حاليتين، هما سوريا واليمن. ولا تزال الجمهورية الإسلامية وبعد 40 عاما من ولادتها، يقودها مزيج من الحماسة الدينية والطموحات الجيوسياسية والمصالح الخاصة".