تحدٍّ كبير.. لماذا وضع مقتل مهندس عراقي حكومة السوداني في الزاوية؟

"المهندس العراقي قتل تحت التعذيب بعد مشاجرة غامضة مع لواء بالشرطة"
في قضية ليست بالجديدة، لكن ظهورها إلى العلن أحدث هزة كبيرة في الرأي العام العراقي، شرعت الحكومة بتوجيه من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في إجراء تحقيق في حادثة مقتل المهندس بشير خالد الهيتي، بعد تعذيبه ومقتله داخل أحد مراكز الشرطة في بغداد.
وما يجعل الحكومة أمام تحدٍ حقيقي، هو أن الضحية ينتمي إلى المكوّن السني، بينما الشخص المتهم بالوقوف وراء تعذيبه وقتله هو اللواء في الشرطة الاتحادية عباس التميمي، من الطائفة الشيعية، ويحسب على مليشيا "عصائب أهل الحق" بقيادة قيس الخزعلي.
التحدي الذي تواجهه حكومة الإطار التنسيقي الشيعي بالعراق، طرح تساؤلا ملحا عن مدى قدرتها على تحقيق الشفافية في قضية المهندس الهيتي، وكشف الحقائق أمام الرأي العام ومحاسبة المتسببين في مقتله وعدم التستر عليهم لأسباب طائفية كما جرت العادة منذ عام 2003.
تحقيقات متعددة
بعد إعلان وفاة الهيتي في 7 أبريل/ نيسان 2025، عقب أيام من موته سريريا جراء تعرضه للتعذيب داخل مركز شرطة حطين في بغداد، أوعز رئيس الحكومة بتشكيل لجنة عليا للتحقيق في وفاة المهندس الهيتي.
وقال الناطق العسكري باسم السوداني، صباح النعمان، في بيان، إن "السوداني، وجه بتشكيل لجنة تحقيقية عليا برئاسة وكيل وزارة الداخلية لشؤون الشرطة ووكيل جهاز الأمن الوطني وضابط برتبة عليا من جهاز المخابرات الوطني للتحقيق في جميع ملابسات القضية".
وأضاف النعمان أن اللجنة مطالبة "بتقديم تقرير مفصل عمّا حدث منذ بداية وقوع الحادث لحين وفاة المواطن بشير، وسيتم إعلان نتائج التحقيق في الحادث أمام الرأي العام حال اكتماله".
وأردف: "في الوقت الذي نعزي فيه ذوي ومحبي المواطن بشير خالد لطيف، نؤكد على أن هذا الحادث وما جرى لن يمر دون محاسبة المقصرين والوقوف على الأسباب الحقيقية التي أدت إلى وفاته".
وختم المتحدث العسكري باسم السوداني، قائلا: "نؤكد أننا لن نتهاون مع كل من تسول له نفسه إيذاء العراقيين والتعامل خارج السياقات القانونية، بعيدا عن مبادئ حقوق الإنسان وكرامته".
وفي السياق ذاته، شكل البرلمان، لجنة تحقيق لتقصي الحقائق بشأن حادث الاعتداء الذي تعرض له المهندس بشير خالد لطيف، بعد توقيفه من قبل جهات أمنية، ووقوع انتهاكات بحقه خلال احتجازه".
وأفاد بيان لنائب رئيس البرلمان محسن المندلاوي، في 5 أبريل، بأن "السلطة التشريعية، ممثلة بمجلس النواب، لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي تجاوز على المواطنين أو إساءة استغلال السلطة من قبل بعض العاملين في مؤسسات الدولة".
وشدد المندلاوي على أن “البرلمان سيظل صوت الشعب وسلطته التي تراقب وتحاسب من ينحرف عن المسار القانوني والأخلاقي”.
وأكد أن "ما حدث للمهندس بشير لطيف هو مؤشر خطير على وجود ثغرات تتطلب المعالجة العاجلة، فالدولة لا تُبنى على استقواء أفراد بمناصبهم، بل تُبنى على العدالة والمحاسبة وسيادة القانون".
وأوضح المندلاوي، أن "اللجنة التحقيقية ستعمل على جمع الأدلة والاستماع إلى الأطراف ذات العلاقة وتقديم تقرير مفصل إلى رئاسة مجلس النواب خلال فترة زمنية محددة؛ بهدف اتخاذ الإجراءات التشريعية والرقابية اللازمة بحق كل من يثبت تورطه في التجاوزات".
وقبل ذلك بيوم واحد، أجرى وزير الداخلية، عبد الأمير الشمري، زيارة إلى المهندس بشير خالد عندما كان راقدا في المستشفى وميتا سريريا نتيجة نزيف في الدماغ إثر التعذيب الذي لقيه في مركز الشرطة.
واستمع الشمري، بحسب بيان للداخلية في 4 أبريل، من الطبيب المشرف على حالة المهندس بشير إلى شرح موجز عن وضعه الحالي، كما التقى بذويه وأكد لهم أن الإجراءات القانونية سيتم اتخاذها وفق السياقات المعتمدة للوصول إلى حقيقة ما جرى.
وخلال زيارته "مركز شرطة حطين الذي حصل فيه الحادث، شدد الشمري على "أهمية إعطاء الحق إلى أصحابه ومحاسبة المقصرين في أداء واجباتهم في حال ثبت تقصير أي شخص مهما كان منصبه أو الرتبة التي يحملها، كون القانون فوق الجميع من دون استثناء".
حادثة غامضة
نتيجة للتعذيب الذي تعرض له المهندس بشير خالد، فارق الحياة بعد غيبوبة تامة استمرت لمدة أسبوع من ثم فشل كلوي أدى إلى لفظ أنفاسه الأخيرة؛ إذ انتشرت صورة على مواقع التواصل، تظهر جثمانه مغطى وعلى ساقه التي كانت مكشوفة بدت آثار التعذيب واضحة.
وبحسب أسرة الراحل، لا تزال تفاصيل التعذيب الذي تعرض له المهندس الشاب متضاربة وغامضة، في أعقاب دخوله إلى شرطة "حطين"، وتحويله إلى سجن مركزي تابع لوزارة الداخلية، إثر سجال كبير وقع بينه وبين لواء في الشرطة الاتحادية.
في البداية خرجت وزارة الداخلية في مؤتمر صحفي لوكيل الوزير لشؤون الشرطة هادي رزيج، تلى فيه بيانا عن تفاصيل حادثة الاعتداء على بشير خالد المهندس، واعتقاله وإيداعه في مركز الشرطة.
وأوضح البيان أن القضية أساسه مشاجرة في مجمع الأيادي السكني ببغداد، بين المهندس بشير خالد، واللواء في الشرطة الاتحادية عباس التميمي، بعدما أراد الأول الدخول إلى شقة الأخير عنوة رغم عدم معرفته به، وهذا ما تسبب في سجال بين الطرفين، دون معرفة أسباب المشكلة بينهما.
وجرى اصطحاب الطرفين إلى مركز شرطة حطين، وتدوين أقوال اللواء عباس ضد المهندس بشير بدخول دار عنوة وعلى هذا الأساس جرى توقيفه، وبعدها تعرض الأخير إلى ضربة في الرأس وكانت هناك دماء تسيل من رأسه نقل على أثرها للمستشفى.
وبعدها أحيل إلى مركز شرطة مركزي في بغداد، وجرى إيداعه في إحدى القاعات السجنية وتصرف بحالة هستيرية، وحصل عليه اعتداء من الموقوفين داخل السجن بعد يومين من وصوله، بعدها تم إرساله إلى مستشفى الكرخ المركزي ومازال في المستشفى فاقدا للوعي.
من جانبه، قال رئيس اللجنة التحقيقية المشكلة من قبل الوزارة، اللواء وليد خالد خلال المؤتمر، إن اللجنة تؤيد وقوع الاعتداء من اللواء عباس وأولاده أثناء حادثة الشجار خلال محاولته دخول الدار لغرض التفاهم والتفاوض، الذي لا نعرف حتى الآن ما الموضوع المراد به".
واعترف 6 من الموقوفين بتعديهم المبرح على المهندس بشير، مدعين أنه قام بأخذ ملابس أحد النزلاء، ولكن خرجت بعض الأخبار تقول إن النزلاء كانوا يريدون سرقة ملابسه، وأدانت اللجنة، حرّاس الموقف بسبب عدم قيامهم بالسيطرة على المعتدين.
وظهرت مقاطع فيديو، أنه مقيد اليدين داخل قاعة السجن ويجرى الاعتداء عليه بالضرب على يد رجال أمن والسجناء، فيما تسرب مقطع آخر قبل تعذيبه وهو يغلق باب محبسه الانفرادي بقدمهِ ويقول "أخي أنت مو (ليست) شرطي"، الأمر الذي يثير الشكوك عن الأشخاص الذين عذبوه.
تحدّ كبير
في أول تبرير لوزارة الداخلية عن قضية تعذيب المهندس بشير، أعلن المتحدث باسمها، العميد مقداد ميري خلال مقابلة تلفزيونية في 7 أبريل، أن "منتسبي الداخلية ليسوا ملائكة، ومن الممكن أن تحدث حالات تعذيب"، لكن الوزارة عادت في اليوم نفسه وقالت إنه جرى اقتطاع حديثه.
وأكدت مصادر خاصة لـ"الاستقلال"، طالبة عدم الكشف عن هويتها، أن “اللواء عباس التميمي ينتمي إلى مليشيا عصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي، بعدما كان جزءا من التيار الصدري، بزعامة مقتدى الصدر”، لافتة إلى أن “الحديث يجرى عن مبلغ من المال طالب به المغدور في ذمة التميمي”.
وأوضحت المصادر أن "المهندس بشير خالد الهيتي من سكنة بغداد لكن أصله من محافظة الأنبار، وبالتالي هو من المكون السني، ومن عائلة عرفت بالنزاهة وخدمة الوطن، خصوصا أن جده لأمه اللواء نشأت بهجت البكري، هو أحد أهم مؤسسي كلية الشرطة العراقية".
وأشارت إلى أن "البعد الطائفي في التعامل مع القضية لايزال حاضرا، فإنه لو كان من عشيرة شيعية لحسب له ألف حساب لحظة دخوله مركز الشرطة، لذلك الحكومة اليوم أمام تحد كبير إما أن تنصف الشاب المغدور بعيدا عن هويته الطائفية أو أنها تنحاز للقاتل وتتستر عليه لأنه شيعي".
وفي السياق ذاته، قالت الناشطة العراقية، زينة الصعب، عبر تدوينة على "إكس" في 7 أبريل، إن "المغدور المهندس بشير، مدني سنّي هيتي، والغادر عباس علي التميمي، ضابط مليشياوي شيعي ينتمي لعصابة العصائب، هل ستتحقق العدالة لبشير خالد، في عراق الحاكم الجعفري".
وعلى الوتيرة ذاتها، كتب الناشط عثمان الظفيري على "إكس"، متسائلا: "لو بشير خالد شيعي لكان الآن حيا، ويجرى تكريمه ويعدونه وطنيا، لكن لأنه سني تعذّب ومات تحت التعذيب. ذنبه الوحيد أنه لا ينتمي للمكون الحاكم (الشيعي). بشير انقتل لأنه سني فقط".
وكتبت الناشطة أمية التكرتي عبر "إكس" قائلة: "قتلوه واسترخصوا حياته فقط لأنه سُني مستضعف لا حول له ولا قوة ألا بالله. رحم الله الشهيد بإذن الله المهندس بشير خالد".
وفي تأكيد على غياب القانون، حذر النائب في البرلمان، حسين عرب، عبر مقطع فيديو تناقله ناشطون في 7 أبريل، العراقيين من المشاجرة من أي ضابط، لأنه عندما يقتادون الشخص إلى مركز الشرطة سيتم إدخاله مع السجناء ويأمرونهم بقتله.
المصادر
- السوداني يتدخل في قضية وفاة مهندس عراقي.. عائلته: نريد العدالة والمحاسبة
- رئيس الوزراء يوجه بتشكيل لجنة تحقيقية بشأن وفاة المواطن "بشير خالد لطيف"
- “المهندس بشير” يلفظ أنفاسه الأخيرة بعد أسبوع من الغيبوبة
- وزير الداخلية لذوي بشير خالد: محاسبة المقصرين مهما كان منصبه او رتبته
- المندلاوي يعلن تشكيل لجنة تحقيقية بشأن الاعتداء على مواطن في بغداد
- الداخلية تكشف نتائج التحقيق بشأن الاعتداء على المهندس بشير خالد
- بشير خالد لطيف.. وفاة المهندس الذي هزت قضية تعذيبه العراق