سقوط عشرات الشباب المغاربة بيد عصابات إجرامية بميانمار.. أين حكومة بلدهم؟

2 months ago

12

طباعة

مشاركة

عشرات الشباب المغاربة وجدوا أنفسهم بيد عصابات مسلحة في ميانمار، وسط دعوات أهاليهم لسلطات البلاد لأجل مسارعة الخطا للإفراج عنهم، وكذا ضمان سلامتهم.

ومنذ أسابيع، أثيرت في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، قضية احتجاز مواطنين مغاربة في ميانمار "في ظروف لا إنسانية"، بعد أن غادروا البلاد بحثا عن فرص عمل لتحسين أوضاعهم.

مغامرة خطيرة

وفي هذا الصدد، عبر رئيس الحكومة الأسبق، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، عن “ألمه الشديد للأخبار المتعلقة بوقوع عدد كبير من المغاربة ضحية لعصابة منظمة بميانمار، حيث تعرضوا للاختطاف هناك”.

ولفت بنكيران، وفق موقع حزبه في 27 مايو/أيار 2024، إلى أن “هذا الاعتقال الذي تعرض له هؤلاء الشباب تم بطريقة غير قانونية ومن لدن جهة غير معروفة، وهو أمر غير متخيل، داعيا الله أن يكون في عون هؤلاء الشباب وأسرهم، لأن ما قد يتعرضون له قد يكون رهيبا”.

ودعا بنكيران السفارات المغربية ووزارة الخارجية إلى أن تقوم بجهودها لحل هذه الأزمة، مبرزا أن "هناك مناطق في العالم لا يتحكم فيها أي أحد، ومنها بعض أجزاء ميانمار التي توجد فيها مأساة رهيبة لعدد كبير من المسلمين، ممن كانوا من قبل أصحاب دولة قبلَ أن يدور الزمان عليهم دورته".

ونبه إلى أن ما تعرض له مسلمو ميانمار يؤلم و"يقطع القلوب"، وهو ما يستدعي تدخل الأنظمة العربية والإسلامية للوقوف إلى جانبهم، "ليس من باب الإنسانية فقط ولكن لأننا أمة واحدة، وهذا حقهم علينا".

واستطرد: "أذكِر وزير الخارجية (ناصر بوريطة) بأن يؤكد على السفارات التفاعل مع هذا الموضوع، لأن دور السفارات الحقيقي هو الاهتمام بالمغاربة، سواء حين قضاء أغراض عادية أو خلال مشاكل استثنائية، لكي يشعر المواطن بأن دولته تحترمه وتقدره وتحبه".

وخلص بنكيران إلى أن "علاقة الدولة بالمواطن قائمة على الاهتمام، ويجب أن يشعر المواطنون بهذا"، داعيا المسؤولين إلى أن يعطوا لهذا الموضوع الأهمية الأكبر، كما دعا الصين إلى إبداء حسن علاقتها مع المغرب بإبداء دور إيجابي في هذا الملف، والعمل على إطلاق سراح الشباب المختطفين.

وفي الإطار نفسه، قال رئيس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، نبيل الأندلوسي، إن "وزارة الخارجية المغربية مطالبة ببذل مجهودات أكبر لإنقاذ هؤلاء الشباب، وإطلاق سراحهم".

وشدد الأندلوسي لـ"الاستقلال"، على أن "⁠هؤلاء الشباب هم ضحايا أوضاع اقتصادية واجتماعية في البلاد، دفعتهم إلى الوقوع بين يدي هذه الشبكات الإجرامية".

وأضاف "من المؤسف أن نجد أن شبابنا يغامر نحو المجهول، لا لشيء سوى ارتفاع نسب البطالة، وقلة فرص الشغل، وانسداد الأفق"، داعيا الجهات الحكومية والمسؤولة إلى "القيام بما يلزم لمعالجة هذا الوضع غير المرضي".

تحركات رسمية

وبدأ التفاعل بشكل كبير مع قضية الشباب المختطفين عقب بيان صادر عن النيابة العامة، في 15 مايو 2024، والذي تضمن أمرا من النائب العام لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء بفتح تحقيق في الموضوع عُهد به للشرطة القضائية.

وأكدت النيابة العامة أنه "تم الاستماع لبعض الضحايا وعائلات البعض الآخر منهم، لا سيما الذين تقدموا بشكايات في الموضوع، حيث أظهرت نتائج الأبحاث الأولية عن كون الأمر يتعلق بوجود شبكات إجرامية متخصصة في الاتجار بالبشر تنشط بالمناطق الحدودية لميانمار".

وأوضحت أن "هذه الشبكات، توهم ضحاياها بإبرام عقود عمل بالمناطق المذكورة، تحت غطاء عمل بشركات دولية للتجارة الإلكترونية، مقابل أجرة مغرية، غير أنه تبين أن ذلك كان فقط من باب النصب والتغرير بهم واستغلالهم عن طريق احتجازهم وإرغامهم على العمل في ظروف قاسية".

ودعت النيابة العامة إلى "توخي الحيطة والحذر تجاه محاولات الاستقطاب التي ماتزال جارية عبر الشبكة الإلكترونية، وكذا بعض الوسطاء في المغرب والخارج".

وأكدت أنها "تواكب الأبحاث التي تقوم بها الشرطة القضائية المعنية، من أجل الكشف عن كل الحيثيات والظروف التي صاحبت هذه الوقائع، وضبط كل شخص مشتبه تورطه في هذه الأفعال، وترتيب ما يجب قانونا على ضوء ذلك".

وقبل بلاغ النيابة العامة، سبق للنائبة البرلمانية، فاطمة التامني، أن قالت إن المعطيات المتوفرة كشفت عن احتجاز عشرات الشابات والشباب المغاربة في أماكن مغلقة، وإجبارهم على العمل بدون مقابل وبأساليب تفتقد للإنسانية، وذلك بعد وصولهم إلى تايلاند.

وأضافت التامني في سؤال كتابي موجه لوزير الخارجية ناصر بوريطة، في 3 مايو 2024، "حيث تم اختطافهم واحتجازهم في مجمعات سكنية على الحدود مع ميانمار، حيث يُجبرون على العمل في شبكات للاحتيال الإلكتروني في ظروف قاسية".

واسترسلت: "هؤلاء الشباب يجبرون على العمل يوميا لمدة لا تقل عن 17 ساعة أمام الحواسيب، ويُحرمون من الراحة والنوم الكافيين، كما يتعرضون للتعذيب من قِبل أفراد المليشيات عند محاولتهم التواصل مع عائلاتهم".

وشددت التامني على أن هذا الوضع "بات مدعاة لقلق عميق تجاه سلامة هؤلاء الشباب، بعدما أوهموهم في وقت سابق أنهم سيتكفلون بهم بعد إيهامهم بفرصة عمل، وذلك إثر انتشار التجارة الإلكترونية التي باتت منفذا لعدد كبير من المغاربة من أجل الاستثمار فيها، لا سيما في مجموعة من الدول الآسيوية".

ودعت النائبة البرلمانية وزير الخارجية إلى الكشف عن الخطوات التي اتخذتها الحكومة لمعالجة هذه القضية، وهل هناك أي اتصالات مع السلطات التايلاندية والميانمارية من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة لإنقاذهم من هذه المحنة.

من جانبها، وفي سؤال مماثل، طالبت النائبة البرلمانية عائشة الكوط، الحكومة بالكشف عن الإجراءات التي اتخذتها والتي ستتخذها من أجل إنقاذ الشبان المختطفين من أيدي عصابات ميانمار.

وأوضحت الكوط في سؤال كتابي وجهته لوزير الخارجية، في 21 مايو 2024، أنه تم استدراج العشرات من الشبان المغاربة من الباحثين عن العمل لتحسين أوضاعهم (أزيد من 200 شخص)، من طرف عصابة دولية تنشط في الاتجار بالبشر والجريمة الإلكترونية.  

وأضافت أنه "تم احتجاز هؤلاء الشبان في معسكرات غير شرعية في مناطق التمرد في حدود تايلاند وميانمار، ويتم إجبارهم على العمل قسرا وفي ظروف لاإنسانية، مقترنة أحيانا بمختلف أنواع التعذيب في حالة رفض الانصياع للأوامر، وطلب أداء الفدية بالعملة الرقمية لإطلاق سراحهم".

وأشارت الكوط إلى أن "عائلات المختطفين تعيش، بدورها، الرعب والألم والحزن على المصير المجهول لأبنائها".

تفاعلات واسعة

تفاعلا مع الحدث، وَجهت منظمات حقوقية مغربية، مراسلة مشتركة إلى مسؤولين مغاربة، للمطالبة بتدخل عاجل لتحرير المواطنين والمواطنات المحتجزين بميانمار، والذين قالت إن عددهم يتجاوز 200.

وقال الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان، والذي يضم عشرين جمعية ومنظمة حقوقية، في 26 مايو 2024، إنه "توصل من لجنة عائلات ضحايا الاتجار بالبشر بميانمار، بشكاية تفيد تعرض ما يفوق مائتي مغربي للاحتجاز بأحد المعسكرات بميانمار، على الحدود التايلاندية الصينية".

وذكر أن "شهادات من استطاع النجاة والرجوع للمغرب، تؤكد أن الباقين هناك يعيشون في جحيم الاحتجاز والتعذيب وسوء المعاملة، وسوء التغذية وغياب الرعاية الصحية، والتعنيف والعمل الإجباري، والاستغلال في النصب والاحتيال الإلكتروني، وهي وضعية يوجدون فيها قسرا، ما داموا يخضعون للاحتجاز من طرف عصابات صينية، بالمعسكرات المذكورة".

وتفيد العائلات في شكايتها، أنها وضعت العديد من الشكايات، لدى كل من وزارة الخارجية، وكذا لدى سفارة المغرب بتايلاند، ولدى مصالح الإدارة العامة للأمن الوطني، ولدى المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إلا أنهم "لا يلحظون أية نتائج ملموسة تخفف من القلق والخوف على المصير المجهول لذويهم".

وأضافت الشكاية، و"ذلك باستثناء البلاغ الصادر عن النيابة العامة بالدار البيضاء، والذي تخبر فيه هذه الأخيرة الرأي العام، أنها أحيطت علما بالوقائع المذكورة، وأنها بصدد مباشرة التحقيق لاتخاذ الإجراءات اللازمة".

وتفيد العائلات في شكايتها أنها "تواجه هذه الوضعية الصعبة وحدها، متحملة أعباء كبيرة مادية ومعنوية، حيث تمكنت من تحرير مغربية وثلاثة مغاربة بوسائلها الخاصة، تارة بتدخل منظمات دولية إنسانية، وتارة بدفع فدية للعصابات الصينية".

ونظمت العائلات وقفتين احتجاجيتين في 16 مايو، الأولى أمام فرع لوزارة الخارجية وسط الرباط، والثانية أمام سفارة الصين بالرباط.

كما نظمت العائلات في اليوم نفسه ندوة صحفية بمقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، لإسماع صوتها للمسؤولين، للتحرك العاجل قبل أن يتم ترحيل أبنائها من طرف تلك العصابات، إلى معسكرات لها بكمبوديا، وهو ما ستصبح معه مهمة تحرير أبنائها أكثر صعوبة.

وفي تصريحات صحفية على هامش الوقفة، قال منسق الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان، عبد الإله بنعبد السلام، إن مراسلة الائتلاف "تأتي من أجل إنقاذ حياة هؤلاء الشباب المغاربة المحتجزين".

ورأى بنعبد السلام أنهم "ضحايا للسياسات العمومية للدولة المغربية"، موضحا أن "سبب ثقتهم في هذه المكائد التي تدبرها هذه العصابات هو عدم احتضان السياسات العمومية لهؤلاء الشباب، من خلال توفير مناصب شغل كريمة، وبالتالي يأسهم وسقوطهم ضحايا في أحضان هذه العصابات الإجرامية".

وتابع: "هؤلاء الشباب يتوفرون على كفاءات ومؤهلات في مجالات متعددة، والتي كان من الممكن استثمارها في بلادهم، عوض وقوعهم في فخ الاحتجاز والتعذيب والاستعباد".

وأضاف المتحدث ذاته "إننا كائتلاف حقوقي نتوجه إلى جميع المسؤولين من أجل العمل على إنقاذ حياة هؤلاء الشباب المغاربة، انطلاقا من علاقتهم بالدول التي تجاور دولة ميانمار وبذل جهود لتحرير هؤلاء الضحايا".

وألحَّ الناشط الحقوقي على تحرُّك الجهات الرسمية قائلا: "ندق ناقوس الخطر، وننبه المسؤولين إلى ضرورة التحرك العاجل من أجل القيام بواجبهم تجاه مواطني هذا البلد".

كما انتقد "عدم تفاعل الجهات الرسمية مع الرسائل التي وجهتها لجنة عائلات ضحايا الاتجار في البشر في ميانمار، باستثناء فتح النيابة العامة بالدار البيضاء تحقيقا لاتخاذ ما يلزم".

بدوره، قال سفير تايلاند بالرباط، فابيو شيندا، إن "السلطات المغربية والتايلاندية تنسق، حاليا، بشكل مشترك من خلال قناة تواصل مفتوحة من أجل بحث سبل الإفراج عن محتجزين مغاربة على الحدود مع ميانمار، حيث يتم حاليا مباشرة التحقيق في القضية من قبل سلطات إنفاذ القانون".

وأضاف شيندا، ضمن تصريح صحفي لمواقع مغربية في 5 مايو 2024، أن "احتمال تدخل أمني ميداني للسلطات التايلاندية من أجل تحرير المحتجزين أمر صعب للغاية؛ نظرا للوضع الأمني المتردي في الجارة ميانمار".

وشدد السفير التايلاندي على "غياب معلومات أو تأكيدات حول مواقع المحتجزين، والأمر ذاته بالنسبة لإمكانية تعرضهم للاحتجاز"، كاشفا أن "الإنتربول على علم بهذه القضية".

وأبرز شيندا أن "سلطات تايلاند تأخذ الأمر بجدية، وستقوم بكامل طاقتها لتحرير المحتجزين"، مبينا أن "سفارة المغرب في بانكوك تقوم بعمل كبير حاليا وتحت ضغط هائل لحل المشكلة".