أزعجها خطابه.. لماذا انفجرت إسرائيل غضبا من الأمين العام للأمم المتحدة؟

اتخذت الأمم المتحدة موقفا مغايرا للولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي فيما يخص العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة.
فبعد بدء عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن ما جرى "لم يحدث من فراغ، ولكن في بيئة من 56 عاما من الاحتلال الذي خنق الشعب الفلسطيني".
وأشار غوتيريش في 24 أكتوبر، إلى مصادرة الأراضي الفلسطينية وهدم منازل المواطنين وتهجيرهم، وهي تصريحات دفعت إسرائيل لاتهامه "بتبرير هجوم حماس" داعيا إياه إلى الاستقالة.
إستراتيجية إسرائيل
وقال مركز دراسات السياسات الاقتصادية الإستراتيجية "تاسام" التركي إن غوتيريش "أدان تصرفات حماس بعبارات لا لبس فيها، ولكن ما أزعج إسرائيل هو أن الأمين العام أشار إلى حقيقة لا يمكن إنكارها".
وأوضح: "دعمت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وفرنسا والمملكة المتحدة وهولندا وإيطاليا واليونان والدول الكبرى بشكل أعمى مبادرة إسرائيل في غزة (العدوان) وأصبحت صوتاً لها من خلال تقديم دعم كامل ومفتوح للإبادة الجماعية".
وقد وقعت هذه الدول على صفحة العار من تاريخها بدماء فلسطين الملطخة بأيديهم، وفق ما قال الكاتب "بولانت كارادينيز".
وبالاعتماد على دعم هذه الدول، استخدمت إسرائيل هجمات حماس كذريعة لإجبار جميع سكان غزة علنا على الاختيار بين الموت أو التخلي عن أراضيهم ومنازلهم.
وكان هذا إرهابا مفتوحا يهدف إلى التطهير العرقي، إلا أن هذا الإرهاب هو باسم دولة وليست منظمة، يقول الكاتب.
وتابع: "إذا نظرنا إلى الصورة التي تشكلت بدعم من هذه البلدان، جرى إسقاط 18 ألف طن من القنابل على غزة - أي ما يعادل 1.5 مرة من القنبلة النووية التي أسقطت على هيروشيما - وتم تدمير 22000 مبنى، أي نصف المباني، وجرى تشريد الآلاف.
وعلق: "برأيكم، هل هذه صورة للقتال ضد حماس والرد على هجومها، أم أنها صورة لأبشع إبادة جماعية عرفتها البشرية؟ هذا عار على الإنسانية".
وأضاف: رفضت هذه القوى الكبرى الدعوة إلى وقف إطلاق النار على أساس أن إسرائيل لم تنته بعد من ردها.
وبين أن "هؤلاء متعطشون لرؤية دماء الرضع والأطفال الذين يتعرضون للقصف، حيث تتصرف هذه القوى مثل المتفرجين في المدرجات".
تبرير للجرائم
وهكذا ترفض إسرائيل تطبيق قوانين الحرب لأنها ترى أن بإمكانها مواصلة عمليات القتل بحرية متى شاءت، وبإمكانها استكمال إسقاط القنابل الفوسفورية على المدنيين وقصف المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس.
وتابع: "الدول الغربية تبرر ما تفعله إسرائيل على أنه نتيجة طبيعية للحرب، لقد تم تسجيل هذه الدول العظيمة في التاريخ مع هذا العار من الإبادة الجماعية".
وعلى الرغم من ذلك تعمل وسائل الإعلام الغربية حاليا على تشكيل رأي الجمهور الغربي بأن هذا العدد من القتلى هو رد فعل على "هجمات إرهابية من قبل حماس".
وبالتالي، يجرى تجاهل حقيقة أن هذا الهجوم ليس فقط على حماس ولكنه على الشعب الفلسطيني الذي يقاتل ضد الاحتلال بشكل مشرّف من خلال مجموعات سياسية مختلفة.
وأردف الكاتب: "يتم تجاهل سبب عدم تسليم إسرائيل للفلسطينيين أراضيهم وعدم إعلان استقلال فلسطين حتى الآن، حتى إنه يتمّ التعامل مع الشعب الفلسطيني كشعب يجب نزع جذوره وتدميره".
ولفت إلى أن إسرائيل تخلق واقعا مصطنعا ووهميا في العقول من خلال مساواة الشعب الفلسطيني بحماس، تماما مثل الوهم العقلي الذي تشكل من خلال الادعاء بأن الانتقاد الصادق لتل أبيب هو بمثابة معاداة لليهود.
في هذه الحالة، ينشأ الارتباك في الأذهان بأن الدفاع عن الشعب الفلسطيني هو دفاع عن حماس، وأن أولئك الذين يدافعون عن الفلسطينيين ويشاركون معاناتها يتهمون بدعم الإرهاب أو معاداة السامية، أو يتم استبعادهم كأفراد غير مؤهلين عقلياً.
خطاب غوتيريش
وواصل الكاتب: "نجد أن الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش، أدان في خطابه أمام مجلس الأمن الدولي بشكل لا لبس فيه أعمال حماس في 7 أكتوبر 2023، وذكر أنه لا شيء يمكن أن يبرر الخطف التعسفي للمدنيين وقتلهم وإصابتهم أو إطلاق الصواريخ على أهداف مدنية".
وفيما يتعلق بالأسرى الذين تحتجزهم حماس، دعا الأمين العام إلى معاملتهم معاملة إنسانية والإفراج عنهم فورا ودون قيد أو شرط.
وأعرب غوتيريش أيضا عن قلقه إزاء الانتهاكات الصارخة للقانون الإنساني الدولي في غزة وكرر دعوته إلى وقف إطلاق النار الإنساني.
بينما شدد بقوة على أنه "لا يمكن لأي طرف في نزاع مسلح أن يعد نفسه فوق القانون الدولي لأن الحرب أيضا لها قواعد".
ومضى يقول إنه "ينبغي على جميع أطراف النزاع احترام التزاماتها بموجب القانون الدولي، وإيلاء اهتمام مستمر لحماية المدنيين في إدارة العمليات العسكرية، واحترام وحماية المستشفيات، وحرمة مرافق الأمم المتحدة حيث يوجد حاليا أكثر من 600 فلسطيني".
وبين أن "حماية المدنيين ضرورة قصوى في أي صراع، وبالتأكيد لا تعني بأي حال من الأحوال استخدامهم كدروع بشرية".
فحماية المدنيين لا تعني أمر مليون شخص بإخلاء منازلهم والانتقال جنوبا دون مأوى أو طعام أو وقود، وفق غوتيريش.
كما ذكر بموظفي وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) البالغ عددهم 35 موظفا والذين قتلوا في غزة خلال القصف.
وشدد على أن الشعب الفلسطيني يعاني بانتظام من تجزئة أراضيه وتدمير منازله وإجباره على تركها بالإضافة إلى أنهم ضحايا أعمال عنف، واقتصادهم يعاني من تدهور.
وأشار الكاتب التركي إلى أنه وبسبب هذه التصريحات من قبل غوتيريش تدعي إسرائيل بأنه يدافع عن حماس، بل حتى إنها طالبت باستقالته.
وتابع: "كما يمكننا أن نرى في ضوء الدعاية القوية التي تقوم بها إسرائيل، يتم قمع أصوات الجماعات الديمقراطية التي تعبر عن الحقائق وتشويه صورتها وشيطنتها".
وختم الكاتب مقاله قائلاً: أنا شخص يتبنى قيم الديمقراطية المتعددة الأصوات والقيم الغربية ومعايير حقوق الإنسان والحريات ولا يمكنني التخلي عن هذه القيم والمعايير.
لذلك، "عندما أعبر عن انتقاداتي، فأنا لست معاديًا للغرب ولا عدوا لليهود، ومع ذلك، في هذه المرحلة التي وصلنا إليها، اكتشفت الجانب الآخر للغرب بدهشة كبيرة، وهو أنه هو الذي يرتكب الإبادة والنهب ويثير الاشمئزاز".