أرض الحزام الأخضر.. كيف كشفت إمبراطورية "كبير الجلادين" في عهد مبارك؟

منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

كانت عقارب الساعة تشير إلى الساعة التاسعة والنصف من صباح 3 أغسطس/ آب 2011، عندما وقف الشعب المصري يتابع بترقب وعن كثب البث المباشر لوقائع أول محاكمة لرموز نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، في أعقاب "ثورة 25 يناير".

لم يصدق كثيرون أنفسهم وهم يرون سدنة النظام يساقون إلى قفص الاتهام، لكن رجلا واحدا بعد الرئيس خطف الأنظار إليه بوصفه "كبير الجلادين" حسب توصيف وسائل إعلامية ونشطاء سياسيين. 

هو وزير الداخلية، حبيب العادلي، أحد أشرس صناع الدولة البوليسية في تاريخ مصر، والذي نشط في عهده جهاز أمن الدولة "القمعي"، وسجلت السجون معدلات مرتفعة من الانتهاكات والتعذيب. 

ونسب إلى العادلي أنه السبب الرئيس وراء اندلاع "ثورة 25 يناير"، نتيجة فساد وقمع منظومته الأمنية، ومن دلالات ذلك قيام الثورة في نفس يوم عيد الشرطة.

حملت محاكمات العادلي حينئذ شقين، الأول ما يتعلق بقتل المتظاهرين وحكم عليه بالمؤبد، والثاني خاص بالاستيلاء على المال العام وحكم عليه بـ7 سنوات. 

مضت مسارات محاكمة العدلي ورجال مبارك في طريقها حتى الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013، لتنقلب جميع معادلات الثورة، وتبدأ وقائع إنقاذ هؤلاء على يد النظام العسكري الجديد بقيادة عبد الفتاح السيسي. 

ما هي إلا سنوات قليلة وحصل العادلي على براءة من جميع التهم الموجهة إليه بما فيها قتل المتظاهرين والاستيلاء على المال العام. 

وأكثر من ذلك أنه طالب بالحصول على 17 مليون جنيه (346 ألفا و592 دولارا) من أمواله المتحفظ عليه، وزاد بطلب تعويض 100 ألف جنيه (2000 دولار) جراء الأضرار التي لحقت به. 

كومباوند العادلي 

لم تنته القصة هنا، بل تفجرت مفاجأة جديدة أثارت الرأي العام في 15 فبراير/ شباط 2024، عندما نشرت الجريدة الرسمية، قرار وزير الإسكان والمجتمعات العمرانية، باعتماد تعديل تخطيط وتقسيم قطعة أرض، بمنطقة "الحزام الأخضر" في مدينة 6 أكتوبر التابعة لمحافظة الجيزة، مخصصة لحبيب العادلي، وذلك لإقامة مشروع سكني عليها.

وكانت أراضي الحزام الأخضر مخصصة لأنشطة زراعية، ولا يسمح رسميا إلا بالبناء على 3 بالمئة من مساحة الفدان، وذلك حتى فبراير/ شباط 2017، عندما أصدر السيسي قرارا بتحويل أراضي الحزام الأخضر لنشاط سكني.

حيث خصصها لهيئة المجتمعات العمرانية، لاستخدامها في التوسعات العمرانية في مدينتي 6 أكتوبر والشيخ زايد، وإقامة مشروعات الإسكان الاجتماعي.

لكن قبل قرار تحويل الحزام الأخضر لأراض سكنية كشفت تحقيقات قضائية، وجهات رقابية مثل الجهاز المركزي للمحاسبات، عن وقائع فساد بمليارات الجنيهات، فضلا عن التعدي على مئات الملايين من الأمتار من الأراضي.

وكشفت تحقيقات نيابة الأموال العامة خلال العام 2013، مع وزير الإسكان الأسبق (في فترة حكم مبارك) محمد إبراهيم سليمان أنه سهل مع مسؤولين سابقين حصول 12 مستثمرا على مساحات مختلفة في منطقة الحزام الأخضر بأقل من السعر الحقيقي، إذ قاموا بالبناء على 60 بالمئةمن مساحة الأراضي وحولوها لمنتجعات سكنية.

وبحسب ما جاء في العدد الخاص بالجريدة الرسمية والمنشور في 15 فبراير 2024، فإن العادلي خصص له في أكتوبر 2021 قطعتا أرض (م 2 وم 3) تابعتان لمشروع الحزام الأخضر، بإجمالي مساحة 17.2 فدانا، مع الاتفاق على تغيير نشاط الأرض من زراعي إلى سكني، وذلك بمقابل عيني يتمثل في تنازله عن قطعة أرض بموقع بديل أقل سعرا وأهمية.

وفي يونيو/ حزيران 2022، وافق قطاع التخطيط والمشروعات بهيئة المجتمعات العمرانية، للعادلي، على استقطاع 12 ألف متر مربع (نحو 2.85 فدان) لإقامة نشاط تجاري، وباقي الأرض (14.33 فدانا) لإقامة المشروع السكني.

وفي 27 أكتوبر 2022، اعتمد وزير الإسكان عاصم الجزار تخطيط وتقسيم قطعة الأرض، وقدم العادلي مخططا لمشروعه حينها قبل أن يطلب التعديل عليه.

ويتضمن المشروع السكني حسب المنشور في الجريدة الرسمية، إقامة 51 فيلا منفصلة ومتصلة (تاون) وشبه متصلة (توين هاوس)، ونماذج سكنية (دوبلكس) على مساحة 27.2 ألف متر مربع،  تمثل 45 بالمئةمن إجمالي مساحة الأرض،  فيما تخصص باقي الأرض للطرق الداخلية والخارجية، والمناطق الخضراء والمفتوحة. 

ثروة العادلي 

التطرق إلى أرض الحزام الأخضر فتح ملف ثروة العادلي وإمبراطوريته الاقتصادية وتربحه من وظيفته لسنوات طويلة، وهو الملف الذي شغل الرأي العام خلال فترة محاكمته في أعقاب "ثورة يناير". 

ففي 25 مايو/ أيار 2012، كشف تقرير لجنة الفحص بجهاز الكسب غير المشروع أن العادلي يمتلك وعائلته 18 مليار جنيه (367 مليون دولار) و42 قصرا وفيلا وأسطول سيارات فارهة و75 فدانا و13 قطعة أرض للبناء.

وأشار تقرير لجنة الفحص عن الثروات غير المشروعة أن العادلي كان يقيم بالقصر الكائن بجانب منطقة الخمائل ومجمع فيلات بالم هيلز بمدينة 6 أكتوبر، رفقة زوجتيه "إلهام سيد سالم شرشر" و"كارولين رود سرابيل"، وأولاده جيهان، وداليا، ورانيا، وشريف.

تقرير اللجنة كان ضمن كتاب رقم 1222 (سري للغاية)، ووقتها أمر رئيس جهاز "الكسب غير المشروع" (رسمي)، عاصم الجوهري، بمنع العادلي وكل أفراد أسرته من التصرف في أموالهم وجميع ممتلكاتهم السائلة والمنقولة والعقارية، بتهمة "استغلال نفوذه وصفته الوظيفية لتحقيق ثروة طائلة غير مشروعة، بما لا يتناسب مع مصادر دخله المقررة قانونا".

في ذلك الوقت، فتحت صحيفة "دنيا الوطن" المحلية ملف فساد العادلي، واستطاعت الحصول على مصادر حصرية نقلت لها فصول استجواب وزير الداخلية. 

وقالت إنه تمت مناقشة العادلي حول تضخم ثروته وتحقيقه كسبا غير مشروع، مستغلا وظيفته فيالت   تحقيق منافع مالية كبيرة له ولأفراد أسرته (زوجته وأبناؤه).

وأوردت أن العادلي حاول خلال التحقيقات أن يؤكد أن كل ما حصل عليه من أموال هو كسب مشروع ناتج عن عمله وزيرا للداخلية لمدة 14 عاما، إضافة إلى عمله مساعدا للوزير لمباحث أمن الدولة ومديرا لأمن القاهرة ومساعدا للوزير لمنطقة شمال سيناء.

إضافة إلى قضائه أكثر من 30 عاما ضابطا بوزارة الداخلية، لكن المحقق واجهه بأن عمله طوال هذه السنوات لا يستطيع من خلاله جمع تلك الأموال الطائلة التي قدرت بمئات الملايين من الجنيهات.

لكن كل تلك المحاكمات توقفت، حتى الحكم الذي صدر عليه بالسجن 7 سنوات تم نقضه في مارس/ آذار 2015، عندما برأت محكمة الجنايات العادلي من تهمة الكسب غير المشروع واستغلال النفوذ.

وذكرت في حيثيات حكمها أن اللائحة العقارية الخاصة بتملك العاملين بالدولة لوحدات بـ"الحزام الأخضر"، صدرت بعد تملك العادلي وبالتالي لا تنطبق عليه.

وأضافت الحيثيات أن العقارات والأراضي التي حصل عليها العادلي كانت بوصفه ضابط شرطة عضوا في جمعيات تعاونية لضباط الشرطة للنشاط الزراعي والعقاري، وله الحق أن يكون له نصيب من تلك الجمعيات.

وهو الحكم الذي عد لدى الشارع المصري بمثابة "طوق إنقاذ" من السيسي للعادلي وغيره من كبار لواءات وزارة الداخلية الذين اتهموا بقضايا فساد واستيلاء على المال العام.

العادلي "ميتر" 

وتعليقا على قرار تخصيص أرض الحزام الأخضر وإقامة مشروع سكني للعادلي، قال أحد نشطاء ثورة 25 يناير والعضو المؤسس بحزب مصر، عبد الرحمن الشرقاوي، إن "مصر اليوم تسير بما يمكن أن نسميه (العادلي ميتر) وبه نعرف لأي مدى وصلنا ووصلت الدولة، فنحن هنا لا نتحدث عن ثورة مهزومة أو حكم عسكري، بل عن وطن ضائع وأجيال تائهة".

وأضاف الشرقاوي لـ"الاستقلال" أن "النظام الذي يستأسد حاليا على الغلابة والكادحين، ويخرج المواطنين من منازلهم في ضاحية الجميل بمحافظة بورسعيد، ونكل بأهالي الوراق وعزبة الصفيح، يخصص للعادلي الذي استولى على ملايين الدولارات من المال العام آلاف الأفدنة ليقيم عليها مشروعه السكني".

وتساءل: "هل يستطيع لأحد أن يجيب ما هو راتب ودخل وزير الداخلية أو حتى رئيس الجمهورية الذي يكفل له كل هذه الملايين والمليارات؟ ما هو الدخل الذي يمكنه من شراء أرض كهذه وبناء مشروعات سكنية ضخمة وحديثة عليها، نحن هنا لا نتكلم عن رجل أعمال فاسد، ولكن نتحدث عن موظف عمومي حتى ولو اندرج تحت منصب وزير الداخلية". 

وشدد الشرقاوي على أن "مصر تعيش انتكاسة حقيقية أشبه ما تكون بانتكاسة الثورة الفرنسية، التي سعت لسحق الملكية والإقطاع، لكن بعد الثورة بسنوات عاد النظام القديم بشراسة وقوة وأعدم الثوار وعاد الإقطاع وتم تسمية العودة بعصر الاستعادة".

واستطرد: "ذلك وبوضوح أننا في مصر نعيش نفس ظروف عصر الاستعادة الفرنسي، حيث استعاد النظام القديم عن طريق الجنرالات النفوذ والأموال المنهوبة من الشعب، واستعاد نفسه على المستويات كافة".

واختتم الشرقاوي: "لكن الأمل للشعب في تحدي النظام الحالي أن عصر الاستعادة في فرنسا انتهى، وانتهى بثورة جديدة أقوى وأكثر تحصينا، فمن الممكن للسيسي أن يكون قادرا على إنقاذ حبيب العادلي وأمثاله، لكنه لن يكون قادرا إلى الأبد، وسيدفعون الثمن باهظا".