البرتغال بعد هزيمة اليسار.. نحو حكومة يمينية متطرفة أم انتخابات جديدة؟

منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

أطاحت نتائج الانتخابات البرلمانية البرتغالية التي جرت في 10 مارس/ آذار 2024 بالحزب الاشتراكي الحاكم بعد 8 سنوات في السلطة، فيما حقق حزب تشيغا (كفاية) اليميني المتطرف تقدما كبيرا.

وحصل التحالف الديمقراطي الذي يمثل يمين الوسط على 29.5 بالمئة من الأصوات، متقدما بفارق ضئيل على الحزب الاشتراكي الذي يمثل يسار الوسط والذي حصل على 28.7 بالمئة.

وتحسن أداء حزب تشيغا الذي أسس قبل 5 سنوات، بقيادة الناقد الرياضي التلفزيوني السابق أندريه فينتورا، ما يزيد قليلا على 7 بالمئة من الأصوات في عام 2022 إلى حوالي 18 بالمئة في هذه الانتخابات.

وفي هذا السياق، رأت هيئة الإذاعة البريطانية، في نسختها البرتغالية، أن هذه الانتخابات تمثل تحولا نحو اليمين في البرتغال، غير أن "عملية تشكيل الحكومة باتت أمرا معقدا". 

وفي المقابل، توضح "بي بي سي" أنه "لا يمكن تحقيق الأغلبية المطلقة إلا إذا قام التحالف الديمقراطي بتشكيل تحالف مع حزب تشيغا، الذي يمثل اليمين المتطرف".

وبشكل عام، يمكن القول إن "السيناريو الذي خلفته صناديق الاقتراع معقد، وستكون الأشهر القليلة المقبلة ضرورية لمعرفة ما إن كان هناك مجال لتشكيل حكومة مستقرة، أو ما إذا كان يتعين على البلاد إجراء انتخابات مبكرة جديدة".

وفي هذا التقرير، تفصل الهيئة نتائج الانتخابات وانعكاساتها على المشهد السياسي في 10 نقاط أساسية.

1. انتصار التحالف الديمقراطي

يوضح التقرير أن "التحالف الديمقراطي، بفارق أقل من 1 بالمئة ونائبين، تمكن من التغلب على الحزب الاشتراكي والفوز بالانتخابات في البرتغال بحصوله على 79 نائبا".

مشيرا إلى أن "الخلاف أشد مما أشارت إليه استطلاعات الرأي، لكن حزب يمين الوسط تمكن من تحقيق النصر". 

وكان لويس مونتينيغرو، زعيم التحالف، قد طلب من البرتغاليين الحصول على أغلبية تسمح له بالحكم بمفرده، لكن النتيجة المتقاربة أجبرت زعيم يمين الوسط على التفاوض.

وتوضح الـ"بي بي سي" أنه "لم يتبق أمام التحالف سوى تشكيل ائتلاف مع حزب تشيغا".

وكما تنقل الهيئة البريطانية، في إشارة إلى موقفه بشأن تشيغا، قال مونتينيغرو: "لقد قطعت التزاما وسأفي به. إننا جميعا نخدم مصالح البلاد".

ثم ألقى المسؤولية على عاتق الحزب الاشتراكي، مشيرا إلى أن "المطلوب منه هو أن يحترم إرادة الشعب البرتغالي"، ولفت إلى أن "الحزب الاشتراكي وتشيغا لن يشكلا تحالفا سلبيا يعيق ما قرره البرتغاليون".

2. الحزب الاشتراكي في المعارضة

أما النقطة الثانية التي استخلصها التقرير من نتائج الانتخابات، فهي أنه "بعد ما يقرب من تسع سنوات من توليه قيادة الحكومة، خسر الحزب الاشتراكي الانتخابات وانضم إلى المعارضة". 

وفي هذا السياق، تذكر الهيئة الإذاعية بأن الاشتراكيين، الذين فازوا في انتخابات 2022 بنسبة 41.3 بالمئة و120 نائبا، فازوا الآن بنسبة 28.7 بالمئة و77 مقعدا في البرلمان.

وبعد نتائج الانتخابات، صرح بيدرو نونو سانتوس، زعيم الحزب الاشتراكي، بأن"حزبه سيكون معارضا ولن يستسلم للضغوط".

وفي هذا الصدد، دعا سانتوس البرتغاليين أن "لا يعتمدوا على الحزب الاشتراكي في الحكم"، مشددا على أنهم "لن يكونوا داعمين لحكومة التحالف الديمقراطي".

وأعلن في نهاية حديثه أن "الحزب الاشتراكي سيقود المعارضة، وأنه لن يترك أبدا قيادة المعارضة لحزب تشيغا أو لأندريه فينتورا".

3. صعود اليمين المتطرف

بناء على نتائج الانتخابات، توضح هيئة الإذاعة البريطانية أن حزب تشيغا اليميني الراديكالي هو "الرابح الأكبر في تلك الليلة بحصوله على أكثر من مليون صوت". 

وكانت استطلاعات الرأي قد أظهرت أن حزب اليمين المتطرف سيحصل على نسبة تتراوح بين 16 و20 بالمئة، لكنه في النهاية فاز بنسبة 18.1 بالمئة. 

جدير بالإشارة إلى أن هذه النسبة أكثر من ضعف النسبة التي حصل عليها في انتخابات 2021، والتي فاز فيها بنسبة 7.2 بالمئة.

ونتيجة لذلك، بحسب الهيئة الإذاعية، فإن الحزب اليميني المتطرف يعزز نفسه بوصفه القوة السياسية الثالثة، وهو ما يكفي لمحاولة تحديد تشكيل الحكومة القادمة.

وبعد ليلة النتائج، وفي معرض انتقاده لرئاسة الجمهورية، قال أندريه فينتورا: "إن هذا النصر يجب أن يُستمع إليه في قصر بيليم، حيث حاول رئيس الجمهورية تقييد التصويت البرتغالي في اللحظة الأخيرة". 

وتابع زعيم الحزب: "لكن هؤلاء البرتغاليين الطيبين كانوا يعرفون ما يريدون، ويصممون على أن من يختار حكومة البرتغال هم البرتغاليون وليس غيرهم".

ووفقا لما ورد عن الهيئة، فقد صرح فينتورا بأن "تشيغا كان الحزب الأكثر تعرضا للاضطهاد على مدار التاريخ". 

موجها بذلك انتقاده الثاني لوسائل الإعلام، حيث أعرب عن أمله في أن "يبتلع الكثير من الصحفيين والمعلقين بعض الكلام الذي قالوه قبل سنوات قليلة عن الحزب". 

4. التعاون بين التحالف الديمقراطي وتشيغا

خلال الحملة الانتخابية، كان لويس مونتينيغرو، زعيم التحالف الديمقراطي، مصرا على القول إن "اليمين المتطرف لن يصل إلى الحكومة البرتغالية". 

كما أنه كرر في مرات عديدة أن "حزب اليمين المتطرف يفتقد للنضج والقدرة على الحكم".

ولكن مع نتائج يوم الأحد، 10 مارس/ آذار 2024، تنوه الـ "بي بي سي" أن "استبعاد تشيغا قد يعني عدم القدرة على تشكيل حكومة، وهو ما قد يولد ضغوطا حتى داخل الحزب نفسه".

وفي المقابل، تعكس الهيئة خطاب أندريه فينتورا الذي وصفته بأنه "وضع ضغوطا على لويس مونتينيغرو".

حيث صرح بشكل واضح أنهم "لن يكونوا مسؤولين أبدا عما سيحدث إذا لم يشاركوا في تشكيل الحكومة".

ورغم ذلك، قدم لويس مونتينيغرو مرة أخرى وعدا بأن "الحزب اليميني المتطرف لن يدخل الحكومة".


 

5. إرث أنطونيو كوستا

ومن ناحية أخرى، تقول هيئة الإذاعة البريطانية إنه "لا يمكن تحليل هذه الانتخابات دون ذكر أنطونيو كوستا، رئيس الوزراء الاشتراكي الذي قاد البلاد لما يقرب من عقد من الزمان". 

وتلفت الهيئة إلى أن الائتلاف اليساري، الأول في البلاد، هو الذي حكم البرتغال حتى عام 2022 محققا الأغلبية المطلقة.

لكنه انتهى فجأة في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2023، عندما استقال كوستا بعد تحقيق قضائي في مزاعم فساد طالت وزراء الحكومة.

وفي هذا الإطار، تذهب الـ "بي بي سي" إلى أنه "إذا كانت الأغلبية المطلقة التي تحققت في عام 2022 ترمز إلى موافقة البرتغاليين على الحكومات اليسارية بقيادة أنطونيو كوستا، فإن نتيجة هذه الانتخابات تعكس استياء البلاد من السنوات الأخيرة من قيادة الحزب الاشتراكي". 

ومن وجهة نظر الهيئة البريطانية، فإن "هزيمة الاشتراكيين تُعد بمثابة عقاب لإرث أنطونيو كوستا، الذي اضطر في الأشهر الأخيرة إلى حل العديد من الفضائح داخل الحكومة، والتي انتهت آخرها بإقالته".

وعلى الرغم من النتائج الجيدة على مستوى الاقتصاد الكلي، ومع نمو الاقتصاد بنسبة 2.3 بالمئة، فإن البرتغال تشهد أزمة واضحة. حيث تظل الأجور منخفضة للغاية وتواجه الخدمة الصحية الوطنية العديد من المشاكل، بالإضافة إلى وجود أكثر من 1.7 مليون برتغالي دون طبيب أسرة.

وبعد نتائج الانتخابات، قال أنطونيو كوستا: "فيما يتعلق بهذه النتيجة، إذا كانت هناك حاجة إلى شخص ما ليكون مسؤولا، فأنا هنا لتحمل المسؤولية".

6. أعلى نسبة مشاركة في 20 سنة

ومقارنة بالانتخابات خلال العشرين عاما الماضية، تلفت هيئة الإذاعة البريطانية إلى أن الانتخابات هذه المرة شهدت أعلى نسبة إقبال للناخبين. 

حيث بلغت نسبة الامتناع عن التصويت، يوم 10 مارس/ آذار 2024، 33.8 بالمئة فقط. 

وكانت النسبة قد بلغت في الانتخابات التي تسبقها 48.5 بالمئة، بينما بلغت في انتخابات عام 2019 النسبة الأعلى على الإطلاق؛ 51.4 بالمئة.

وتعكس لنا الهيئة الإذاعية أن "نسبة المشاركة المرتفعة تفصح عن الأخطاء التي أبرزتها استطلاعات الرأي، خاصة فيما يتعلق بحزب تشيغا، الحزب الأكثر استفادة من زيادة نسبة المشاركة". 

7. التصويت عن طريق البريد

كذلك تسلط الـ "بي بي سي" الضوء على الأربعة مناصب التي لا تزال شاغرة للنواب، وهي المناصب التي يصوت لها البرتغاليين في الخارج عن طريق البريد. 

ومن المفترض -بحسب الهيئة- أن تظهر نتيجة هذه الأصوات خلال الأسبوعين المقبلين. ولكن رغم ذلك، ومع الأخذ في الحسبان الفارق بين الحزبين الرئيسين، لا ينبغي أن يكون لهذه الأصوات وزن كاف لتغيير نتيجة الانتخابات، وفق التقرير.

8. دور رئيس الجمهورية

وبالنسبة لدور رئيس البرتغال في المشهد الانتخابي، توضح الهيئة أن مارسيلو ريبيلو دي سوزا هو المسؤول عن تحديد أي من المرشحين يجب أن يشكل الحكومة. 

ولتحديد ذلك، سيستمع الرئيس إلى جميع الأطراف، ثم سيتعين عليه الإعلان عن أحد المرشحين. 

وتتوقع هيئة الإذاعة البريطانية أنه "في جميع الاحتمالات، سيكون المرشح المختار هو لويس مونتينيغرو؛ فبالإضافة إلى فوزه في الانتخابات، لا توجد أغلبية بديلة في اليسار".

ومن جانبه، استبعد زعيم الحزب الاشتراكي، بيدرو نونو سانتوس، نفسه من هذا الاحتمال، قائلا إن "أي حل كهذا سيرفضه اليمين بأكمله". 

ومن ناحية أخرى، ذكر مونتينيغرو أنه ينتظر الدعوة من رئيس الجمهورية، متوقعا "أن يرشحه رئيس الجمهورية لمنصب رئيس الوزراء في ضوء فوزه الانتخابي".

وقال زعيم التحالف الديمقراطي: "إذا ما حدث ذلك، فإن واجبي هو الامتثال للتغيير. وسوف يتحقق ذلك من خلال رئيس وزراء جديد وحكومة جديدة وسياسات جديدة".

9. القدرة على الحكم

في ضوء نتائج ومواقف الأحزاب المختلفة، تثير الهيئة البريطانية العديد من الشكوك حول إمكانية حكم البرتغال واستقرارها.

وفي رأيها، من الضروري أن تشمل الأغلبية الوحيدة الممكنة في البرلمان حزب تشيغا اليميني المتطرف. 

بالإضافة إلى ذلك، تحذر الـ "بي بي سي" من أن "لويس مونتينيغرو إذا أوفى بالوعد الذي قطعه خلال الحملة الانتخابية بأن "تشيغا لن يدخل الحكومة"، فلن تكون هناك أغلبية محتملة في البرلمان".

وفي حال تحقق هذا السيناريو، تقول الهيئة إن "الخيار الوحيد هو أن يحاول التحالف الديمقراطي الحكم كأقلية، والتفاوض مع مختلف الأحزاب حول كل إجراء". 

وبهذا الشأن، قال مونتينيغرو: "من أجل الحصول على القدرة على الحكم والاستقرار، يجب علينا أن نناشد حس المسؤولية لدى كل من سيجلس في مجلس الجمهورية. والمطلوب من الجميع أن يوفروا للبلد شروط الحكم". 

مؤكدا بعد ذلك أنه "لا يعفي نفسه من الدور الرئيس وحس المسؤولية"، لكنه يطالب الآخرين بـ "الوفاء بالتزاماتهم أمام الشعب البرتغالي".

ومع ذلك، على الجانب الآخر، يلفت التقرير إلى موقف بيدرو نونو سانتوس الواضح، والذي دعا فيه البرتغاليين بألا يعتمدوا على الحزب الاشتراكي في الحكم. 

10. انتخابات جديدة؟

في النهاية، وفي ظل هذا الوضع، تتحدث الهيئة البريطانية عن "سيناريو محتمل لإجراء انتخابات جديدة". 

وبحسب النظام السياسي البرتغالي، بعد تعيينه من قبل رئيس الجمهورية، يتعين على مونتينيغرو تشكيل فريقه الذي من المحتمل أن يتولى منصبه في أبريل/ نيسان 2024. 

وبعد ذلك، وفق ما ورد عن الهيئة، يُقدم برنامج الحكومة، ثم تُقدم ميزانية الدولة الجديدة في أكتوبر/ تشرين الأول 2024. وإذا لم يحظ الحزب بثقة المجلس، فقد يكون الحل هو إسقاط الحكومة والاتجاه إلى انتخابات مبكرة.