سلم معظم مواقعه للجيش.. هل انتهى وجود حزب الله في الجنوب اللبناني؟

منذ ١٢ يومًا

12

طباعة

مشاركة

يعمل حزب الله اللبناني على إظهار حالة من التعاون مع الجيش في مسألة تسليم مواقعه العسكرية جنوب لبنان؛ التزاما بتطبيق وقف إطلاق النار الأخير وقطع الطريق على ذرائع الاحتلال الإسرائيلي للبقاء في مواقع إستراتيجية يحتلها هناك. 

وأفاد مصدر مقرب من حزب الله لوكالة الصحافة الفرنسية في 12 أبريل/نيسان 2025 بأن معظم المواقع العسكرية التابعة للحزب جنوب الليطاني باتت تحت سيطرة الجيش اللبناني.

الجيش بديلا

وذكر المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته أن هناك "265 نقطة عسكرية تابعة لحزب الله، محددة في جنوب الليطاني، سلم الأخير منها قرابة 190".

وبحسب ما نقلت الوكالة المذكورة عن مصدر أمني، فكك الجيش "معظم" المواقع العسكرية التابعة لحزب الله في منطقة جنوب الليطاني بالتعاون مع قوة الأمم المتحدة “اليونيفيل”.

وأشار المصدر الأمني إلى أن الجيش بات "في الخطوات الأخيرة لإنهاء السيطرة الأمنية على كل المواقع الحزبية الموجودة في جنوب الليطاني".

وقد سلم حزب الله منطقة زوطر الشرقية على نهر الليطاني، التي تعد من أضخم معسكرات التخزين والتصنيع التابعة له.

وفي 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، دخل حيز التنفيذ اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حزب الله" اللبناني، بعد شهور من عمليات عسكرية متبادلة بين الطرفين بسبب إسناد الأخير لجبهة غزة عقب عملية "طوفان الأقصى" .

ونص اتفاق وقف إطلاق النار على انسحاب "حزب الله" إلى شمال نهر الليطاني على بُعد 30 كيلومترا من الحدود مع فلسطين المحتلة وتفكيك ما تبقى من بنيته التحتية في الجنوب وانتشار الجيش اللبناني فيها.

كذلك نص الاتفاق على تطبيق القرار الأممي 1701، وحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية.

لكن وقف إطلاق النار، لم يمنع الاحتلال الإسرائيلي من تنفيذ هجمات بين الحين والآخر تستهدف قيادات من "حزب الله" اللبناني في عدد من المدن، لا سيما في الضاحية الجنوبية، إضافة إلى منعه لعمليات إعمار في لبنان، وذلك إلى حين التخلي عن سلاحه.

ورغم اتفاق وقف إطلاق النار، مازالت إسرائيل تنفّذ غارات على أهداف تقول: إنها تابعة لحزب الله في الجنوب، بينما أبقت على وجودها العسكري في خمسة مرتفعات "إستراتيجية" عند الحدود.

وتزعم قوات الاحتلال الإسرائيلي أن وجود جيشها في هذه النقاط "مؤقت لحين تراجع حزب الله إلى ما بعد نهر الليطاني وفرض الجيش اللبناني مسؤوليته في جنوب لبنان".

وتزامن ذلك مع تحذير الرئيس اللبناني جوزيف عون في 12 أبريل 2025 من أن أي سلاح خارج إطار الدولة "يعرّض مصلحة لبنان إلى الخطر"، وذلك على وقع الجدل المرتبط بعتاد حزب الله.

وقال عون في خطاب من بعبدا بمناسبة مرور 50 عاما على اندلاع الحرب الأهلية في بيروت: "طالما أننا مجمعون على أن أي سلاح خارج إطار الدولة أو قرارها من شأنه أن يُعرّض مصلحة لبنان للخطر لأكثر من سبب، فقد آن الأوان لنقول جميعا: لا يحمي البلد إلا دولته وجيشه وقواه الأمنية الرسمية".

"فرصة للدبلوماسية"

ومن هنا فإن انسحاب حزب الله من بعض النقاط في الجنوب يهدف إلى إعطاء الدولة اللبنانية “فرصة دبلوماسية”.

كما يهدف إلى إجبار إسرائيل على تنفيذ شروط اتفاق وقف إطلاق النار التي ألزمت حزب الله بالتراجع شمالا.

وأيضا تريد هذه الخطوة أن تمهد لانسحاب إسرائيل من النقاط الخمس التي ما يزال يحتلها جنوب لبنان ويربط انسحابه منها في ملء الجيش اللبناني كامل مواقع حزب الله هناك.

والمواقع هي في منطقة اللبونة، وجبل بلاط، وجبل الدير التي تشرف على مستوطنات إسرائيلية، وتل الحمامص وتنبع أهميتها من إشرافها على إصبع الجليل، أما النقطة الخامسة فهي حولا.

ويشير فيصل عبد الساتر المحلل السياسي اللبناني، في تصريحات تلفزيونية، إلى أن "عدم إدانة اللجنة الخماسية الخاصة بلبنان لحزب الله يعني أن الأخير ملتزم بتفكيك بنيته التحتية العسكرية في الجنوب وتسليمها للجيش".

واللجنة الخماسية الخاصة بلبنان تضمّ ممثلين عن الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر.

وضمن هذا السياق نقل موقع "جنوبية" المحلي عن مصادر قولها في 10 أبريل 2025: إن "حزب الله أمام نسخة جديدة لا تشبه سابقاتها وهو مرغم على ولادة جديدة، فالجيش اللبناني بالتعاون مع اليونيفيل أصبح على وشك الانتهاء من تفكيك كامل البنية العسكرية للحزب جنوب الليطاني". 

وتضيف المصادر إلى أن "حزب الله رغم تجاوبه في تسليم المراكز والمنشآت الصغيرة، فقد نفى في السابق تسليم منشأة ضخمة في وادي جيلو بالبداية قبل الرضوخ لتوثيق المسيرات الإسرائيلية لها بالصور ودخول الجيش إليها وتفكيكها". 

وتكشف أن “بعض المنشآت على ضفاف مجرى الليطاني خصوصا لناحية يحمر الشقيف كادت أن تفجر العلاقة بين الجيش اللبناني وحزب الله مطلع أبريل 2025”.

وجاء ذلك "بعد إصرار الجيش على الدخول إليها واعتراض حزب الله لأن النفق يقع شمال الليطاني وليس جنوبه، وأن معالجة هذه المواقع مرتبط بالحوار الثنائي الذي تحدث عنه رئيس الجمهورية". 

كما تلفت المصادر إلى أن "الجيش اللبناني عازم على تنفيذ مهمته شمال الليطاني بعد الانتهاء نهائيا من جنوبه وانسحاب إسرائيل من النقاط التي احتلتها ووقف خروقاتها، وهذا ما ترفضه إسرائيل وتشدد على بقائها في لبنان حتى نزع سلاح حزب الله وبسط (المؤسسة العسكرية) سيطرتها".

وتشير إلى أن "الجيش اللبناني لم يكتف بالاقتراب من بسط سلطته جنوب الليطاني، فقد نفذ عدة مداهمات في الضاحية الجنوبية ودخل مناطق كانت محرمة عليه سابقا للبحث عن مخازن أسلحة لحزب الله". 

وتضيف أنه "رغم وجود تنسيق بين الجيش اللبناني ووحدة التنسيق والارتباط في حزب الله، فإن انتشار الأول في مكان وقوع غارة إسرائيلية أو حصول أي حادث أو إشكال يرافقه منع أي عنصر أو مسؤول من الحزب الوجود بسلاحه في المكان وإلا يقع تحت طائلة الاعتقال". 

تجنب العقوبات

ويواجه لبنان تلويحا أميركيا حاليا بفرض عقوبات عليه، إن بقي حزب الله يحتفظ  بأي وجود عسكري له في البلاد، وهو ما يشير إلى التزام بيروت الرسمية بتخلي الأخير عن مواقعه لصالح الجيش.

فقد وضعت الموفدة الأميركية إلى لبنان مورغان أورتاغوس، الحكومة اللبنانية في أجواء إقرار الكونغرس الأميركي في 5 مارس 2025  قانونا يضم مجموعة عقوبات وتحتاج إلى توقيع من سيد البيت الأبيض.

ولهذا فقد سلمت المبعوثة الأميركية بيروت حزمة من المطالب، ودعت قيادات لبنان إلى التحرّك، وإلا فستكون عصا العقوبات الحاضر الأكبر، حسبما نقل موقع "نداء الوطن" المحلي في 14 أبريل 2025.

وأكدت أورتاغوس للمسؤولين أن هذا القانون صارم، ولا يسمح بتخصيص أي أموال للقوات المسلحة اللبنانية إلا عندما يعلن وزير الخارجية الأميركي أمام لجنة الكونغرس أن حكومة بيروت ومجلس النواب، لم يعودا يعترفان بشرعية "حزب الله" وحلفائه.

ولا يسمح للوزراء أو غيرهم من المسؤولين على مستوى الحكومة بأن يدّعوا التحالف مع "حزب الله" وكتلته وحركة “أمل”.

ووفق القانون، فإنه لا يجب أن يحتفظ "حزب الله" بأي وجود عسكري في لبنان بموجب إجراءات القوات المسلحة اللبنانية وقوى الأمن الداخلي لتنفيذ بنود قرار مجلس الأمن 1559 (الصادر عام 2004).

ويدعو الأخير إلى حل المليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ونزع سلاحها، وطرد قوات "حزب الله" العسكرية من معاقلها المعروفة، وتعزيز وجود القوى الشرعية ومنع عودة ظهور الحزب عسكريا.

ويشترط القانون عدم السماح للقوات المسلحة اللبنانية بأي تنسيق أو تعاون أو دعم لـ "حزب الله" أو الشركات التابعة له أو أي جماعة أخرى صنفتها الولايات المتحدة منظمة إرهابية أجنبية ومع النظام الإيراني، أو العكس.

كما يجرى تدمير أو نزع أي سلاح وصل سابقا من إيران، سواء في شكل أسلحة أو ذخائر أو معدات عسكرية، وفق تفاصيل القانون.

وهذا ما يفسر تنفيذ الجيش بشكل مستمر عمليات تفجير ذخائر وأسلحة يسيطر عليها في جنوب الليطاني أو في أي نقطة بدل شحنها إلى مخازنه.

وذلك "لأن القرار الأميركي واضح في هذا الشأن والجيش اللبناني لن يتسلح من مخلفات أسلحة إيران، على أن تعمل واشنطن على إعادة تسليحه فور الانتهاء من تفكيك البنية العسكرية للحزب".

وكان الرئيس اللبناني جوزيف عون أكد على التزامه بحصر السلاح بيد الدولة، مشددًا في الوقت ذاته على "أهمية اللجوء الى الحوار" لتحقيق ذلك. وأضاف: "سنبدأ قريبا في العمل على صياغة إستراتيجية الأمن الوطني".

ويؤكد مراقبون أن حزب الله لا يريد أن يتجاوز مؤسسة الجيش اللبناني في مسألة الانتشار جنوبا، بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، خاصة في هذه المرحلة التي جرى فيها إضعافه بعد المواجهة الأخيرة مع إسرائيل.

إلا أن حزب الله يترك مناقشة مسألة سلاحه في باقي المناطق اللبنانية في سياق "إستراتيجية دفاع وطني" والمرتبط بانسحاب إسرائيل من المواقع الخمسة في جنوب لبنان.

ويرفض حزب الله تسليم ترسانته شمال نهر الليطاني، ما يثير تساؤلات حول وجهة هذا السلاح، خصوصا في ظل سجل سابق من استخدامه داخليًا، عندما اجتاح الحزب شوارع العاصمة بيروت في 7 مايو 2008 وفرض نفوذه السياسي بقوة السلاح حتى عام 2024.