أحكام قاسية ضد الغنوشي وسياسين آخرين.. وناشطون: قيس سعيد يعبث بقضاء تونس

“تطور خطير يعكس استخدام قيس سعيد القضاء كسلاح لتصفية الخصوم السياسيين”
استنكر ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي أحكاما قضائية مشددة صادرة بحق شخصيات سياسية تونسية، بينهم رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي ورئيس وزراء سابق، وصحفيون، إثر اتهامهم بـ"المساس بأمن الدولة".
الدائرة الجنائية 2 بالمحكمة الابتدائية بتونس، قضت في 5 فبراير/شباط 2025، بأحكام تتراوح بين 5 سنوات و35 سنة سجنا وخطايا مالية في حق المتهمين في قضية التي تعرف إعلاميا بـ "إنستالينغو" وبينهم الغنوشي وعدد من الوجوه السياسية والإعلامية.
وحكمت بالسجن حضوريا ضد الغنوشي 22 سنة، وغيابيا على وزير الخارجية الأسبق رفيق عبدالسلام بـ35 سنة سجنا، والسيد السيد الفرجاني 13 سنة مع 50 ألف دينار غرامة، ومصادرة أملاكه، والصحفية شهرزاد عكاشة 27 سنة سجنا.
كما حكمت ضد الصحفية شذى بالحاج مبارك بخمس سنوات، والناطق السابق باسم وزارة الداخلية محمد علي العروي وحوكم بـ 13سنة سجنا، والوزير السابق رياض بالطيب 8 سنوات سجنا.
وشملت الأحكام القاسية، الوزير السابق لطفي زيتون وحوكم بـ 35 سنة سجنا، ورئيس الحكومة السابق هشام المشيشي 35سنة سجنا، ووضاح خنفر 35 سنة سجنا مع غرامة قيمتها بـ80 ألف دينار تونسي، مع مصادرة أملاكه.
وقضت بسجن زهر لونغو 15 سنة مع غرامة مالية تقدر بـ300 ألف دينار وعدم الترشح للانتخابات لمدة 10 سنوات، إضافة إلى عدد آخر من الناشطين السياسيين.
بدروها، أدانت حركة "النهضة"، الأحكام الصادرة ووصفتها بالـ"القاسية والظالمة"، قائلة: إن هذه المحاكمة "تمثل اعتداء صارخا على استقلالية القضاء وحياديته وتسييسا فاضحا لإجراءاته وأحكامه".
وأكدت أن هذه الأحكام "تتناقض بشكل تام مع حاجة البلاد للحوار والوحدة الوطنية في مجابهة التحديات الخطيرة" التي تمر بها المنطقة.
وتعود القضية إلى أكتوبر/تشرين الأول 2021، حين أوقفت السلطات موظفين في شركة "أنستالينغو" وحققت مع صحفيين ومدوّنين ورجال أعمال وسياسيين بتهم بينها "ارتكاب أمر موحش ضد رئيس الدولة قيس سعيد، والتآمر ضد أمن الدولة الداخلي".
وأعرب ناشطون عبر تغريداتهم وتدويناتهم على منصتي "إكس"، "فيس بوك" حساباتهم الشخصية ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #راشد_الغنوشي، #غنوشي_لست_وحدك، #أنستالينغو، #الحرية_لراشد_الغنوشي، #لا_للقضاء_المسيس، عن تضامنهم مع الغنوشي وباقي المحكوم عليهم.
وصبوا جام غضبهم على قيس سعيد، واتهموه باستخدام القضاء لتصفية الخصوم والانتقام منهم لرفضهم انقلابه، بإصدار أحكام قاسية ضد عدد كبير من الوزراء السابقين والناشطين والسياسيين، مستنكرين تحول القضاء التونسي إلى لعبة بيد الرئيس.
مفكر معتدل
والغنوشي مفكر وسياسي إسلامي تونسي، من مؤسسي حركة الاتجاه الإسلامي، التي غيرت اسمها لاحقا إلى حركة النهضة، حوكم أكثر من مرة بسبب نشاطه الدعوي والسياسي زمن الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي.
عاش نحو عقدين في المنفى بالعاصمة البريطانية لندن، ثم عاد إلى تونس بعد سقوط نظام بن علي عام 2011، وأسهم مع حركته في تذليل عقبات المرحلة الانتقالية بعد فوزها في انتخابات المجلس التأسيسي.
وأسهمت حركة النهضة برئاسته في تشكيل المشهد السياسي التونسي الجديد عقب ثورة 2011، وتولى منصب رئيس مجلس النواب التونسي في 2019، لكن قرار الرئيس قيس سعيد بتجميد البرلمان في 2021 ثم حلِّه، أعاده إلى صفوف المعارضة.
وأسفر عن ذلك التحقيق معه ثم إيقافه في 17 أبريل/ نيسان 2023 على ذمة جملة من القضايا التي أثارتها ضده السلطة التنفيذية للبلاد، إلى أن قضت محكمة تونسية بسجنه 22 عاما.
وأسهم الغنوشي بخطبه ودروسه ومقالاته وكتبه ومحاضراته في دعم الخط المعتدل والوسطي في الحركة الإسلامية داخل تونس وخارجها.
إدانة شديدة
وتفاعلا مع الأحكام، عدت الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ، القرارات الصادرة “تطورا خطيرا يعكس استخدام القضاء كسلاح لتصفية الخصوم السياسيين”، وخطوة تؤكد استمرار حملة القمع السياسي التي يقودها النظام الحالي ضد المعارضة.
وأكدت أن هذه الأحكام الجائرة تأتي في سياق حملة قمع ممنهجة يقودها النظام التونسي الحالي ضد خصومه السياسيين، بهدف إسكات أي صوت معارض وإحكام قبضته على المشهد السياسي، مستخدمًا القضاء كأداة للانتقام وتصفية الحسابات.
ومضت متسائلة: إلى متى سيظل القضاء التونسي أداة بيد السلطة لتصفية المعارضة؟ وأين المنظمات الحقوقية من هذه الانتهاكات الصارخة؟"
من جانبها، أعربت مؤسسة مرسي للديمقراطية، عن إدانتها الشديدة للحكم الجائر الصادر بحق الغنوشي، مؤكدة أنه يمثل انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان واستهدافا ممنهجا للرموز الوطنية التي دافعت عن الديمقراطية والحرية في تونس.
بدوره، قال رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين علي القرة داغي: "نستنكر الأحكام الجائرة الصادرة بحق الشيخ راشد الغنوشي، القائد المسلم الكبير، ونرى فيها استمرارية لنهج الاستبداد الذي أثبت فشله عبر التاريخ، من بورقيبة وزين العابدين إلى مبارك وحافظ الأسد ومعمر القذافي وبشار الأسد."
وأضاف أنّ هذه الأنظمة زالت أو ضعفت، بينما بقيت إرادة الشعوب متمسكة بحقها في العدل والحرية. إن التضييق على العلماء والمصلحين لا يزيد الأمة إلا وعيا وإصرارا على مواجهة الظلم، مستطردا: “نسأل الله أن يفرّج عن الشيخ الغنوشي ويحفظه من كيد الظالمين.”
فيما كتب الرئيس التونسي الأسبق منصف المرزوقي: "لا تثير الأحكام بالنسبة لمن أمر بها أي المنقلب المغتصب، ومن نقلها أي وزيرة الظلم بالقانون، ومن نطق بها أي القضاة الذين مصير نصفهم جهنم والنصف الآخر النار -بانتظار وقوفهم يوما أمام محاكم الديمقراطية وكنسهم إلى الأبد من كل مهنة لها علاقة بالعدالة إلا شعورا واحدا: الازدراء".
تنديد واستنكار
من جهته، قال الأكاديمي محمد المختار الشنقيطي: إن الحكم الجائر على الغنوشي حكم على أفضل ما في تونس: تاريخا، وقيما، وشهامة، وصلابة في وجه الظلم، وحملا لهمِّ الشعب والأمة.
ورأى أن الحكم على الغنوشي جاء على يد أسوأ ما في تونس: خيانةً، وفسادا، واستبدادا، وانحلالا، وتبعيةً، ورأى أن الوقت الحالي هو وقت الاختيار، وعلى شعب تونس أن يختار.
وتساءل أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية عصام عبدالشافي: “أما آن لهذا العملاق النائم أن يتحرك؟ نظم الفساد والاستبداد والظلم والقهر ترتع في بلادنا لأنها لم تجد من يردعها فهل آن أوان النهضة لردع المجرمين ونصرة المظلومين؟”
ووصفت زينب بنت رحومة، الحكم الصادر ضد الغنوشي بأنه حكم "جائر بالسجن 22 سنة ظلمًا وعدوانًا!"، مستنكرة أن يحكم على رمز الديمقراطية في تونس بالسجن 22 سنة في قضية ملفقة.
واستهجنت أن راشد الغنوشي، الذي ناضل لعقود من أجل الحرية والديمقراطية، يجد نفسه اليوم في زنزانة سياسية، ليس لجرم ارتكبه، بل لموقفه الرافض للانقلاب والانفراد بالسلطة.
وأكدت بنت رحومة، أن القضاء المسيس أداة للقمع، وأن المحاكمة بلا أدلة، فقط بتهم جاهزة لإقصاء الخصوم، وتستهدف المعارضةَ وكتمَ أي صوت مخالف، قائلة: "لكن، مهما طالت المحاكمات الجائرة، فالأفكار لا تسجن، والإرادة لا تُكسر!".
مستبد وديكتاتور
وهجوما على قيس سعيد واستنكارا لاستخدامه القضاء التونسي للانتقام من خصومه ووأد الديمقراطية وإسكات المعارضين، أكد الصحفي نظام المهداوي، أن الإنجاز الوحيد الذي حقّقه قيس سعيّد طوال فترة حكمه هو حبس راشد الغنوشي وعائلته وقمعهم ومطاردتهم.
وأشار إلى أنه حتى شعار فلسطين الذي تشدّق به، وشدّد بلسانه على مخارج الحروف أثناء حملته الانتخابية، كان استغلالا قميئًا للقضية الفلسطينية، حيث رفض استقبال أسير فلسطيني واحد، وكان صوت تونس مغيّبًا طوال حرب الإبادة على غزة.
وأكد المهداوي، أن قيس سعيّد غيّب صوت تونس تمامًا، حتى تكاد تنسى أن هذا البلد موجود، وأنه كان يوما ملهما للشعوب بثورات الربيع العربي.
وأضاف أن قيس سعيّد لا يملك أي رؤى لنهضة البلاد أو حلّ أزماتها، بل جعلها تترنّح بين الجمود والتراجع، إذ عطّل البرلمان، وسجن معارضيه، ونكّل بكل منافسيه في الانتخابات، واصفا سعيّد بأنه “مستبدٌ وديكتاتورٌ، لكنه ديكتاتورٌ سقيمٌ وأرعنٌ وغبيّ.”.
ووصف أمين حسن عمر عبدالله تحت عنوان "البهلوان والمهزلة"، القضاء التونسي بأنه "قضاء البهلوان".
وقال: “لا يتعلم الطغاة السفهاء المنتفشون من دروس التاريخ وعبره شيئا حتى يأخذهم الطوفان... أما راشد ففي خلوة قدرها الله له ولن تكون عاقبتها له إلا خيرا كثيرا بإذن الله.”.
وقال فتحي غاريس: "بعد تلقي قيس سعيد المدح السخي من قبل صديقه عبد المجيد تبون القضاء التونسي يتجاوب مع هذه الرسالة الإيجابية ويصدر حكما بـ 22 سنة حبسا نافذا في حق راشد الغنوشي".
وتهكم قائلا: "هذه هي الديمقراطية الحقة في قاموس السلطة.. كارتل المستبدين يتحكم في الجزائر وتونس والمغرب ونجم شعوب شمال إفريقيا عليه أن يسطع".
فيما عد رئيس الهيئة العالمية لأنصار النبي محمد الصغير، الأحكام تطورا خطيرا يعكس استخدام القضاء كسلاح لتصفية الخصوم السياسيين، وخطوة تؤكد استمرار حملة القمع السياسي التي يقودها النظام الحالي ضد المعارضة.
ورأى أن الأحكام سابقة قضائية تكشف عن نية واضحة لإقصاء الشخصيات السياسية المؤثرة وتدمير مستقبلها السياسي.
وأكد الصغير، أن الأحكام الجائرة تأتي في سياق حملة قمع ممنهجة يقودها النظام التونسي الحالي ضد خصومه السياسيين، بهدف إسكات أي صوت معارض وإحكام قبضته على المشهد السياسي، مستخدمًا القضاء كأداة للانتقام وتصفية الحسابات.
وقال: “بينما تستمر هذه المحاكمات ذات الطابع السياسي، يطرح التساؤل: إلى متى سيظل القضاء التونسي أداة بيد السلطة لتصفية المعارضة؟ وأين المنظمات الحقوقية من هذه الانتهاكات الصارخة؟”
من جانبه، وصف الكاتب والناشط السياسي حسن بناجح، الأحكام الصادر بأنها "أحكام سياسية جنونية في تونس".
دعم وتضامن
وتضامنا مع الغنوشي، قال الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية بالمغرب سعدالدين العثماني: "كل التضامن مع أخينا راشد الغنوشي ومع كل محاكم أو مسجون دون وجه حق"، محذرا من أن هذه مُحاكمات لا تخدم تونس، ولا تنقذ الأوضاع المتردية بل تزيدها صعوبة.
وأعلن الصحفي المصري قطب العربي، تضامنه مع الغنوشي بعد صدور حكم وصفه بالعبثي من قضاء قيس سعيد بحبسه ٢٢ عاما في تهم ملفقة انتقاما منه ومن أسرته وحزبه، بل من الثورة التونسية نفسها حيث شمل الحكم رموزا آخرين من القيادات التونسية المحترمة".
وأكد أن ضمن الانتقام القيسي صدرت أحكام حبس تتجاوز الثلاثين عاما بحق ابنة الشيخ (سمية الغنوشي) وشقيقها (معاذ) وزوجها الدكتور رفيق عبد السلام.
وذكر العربي، أن الشيخ راشد هو أحد قادة الاعتدال والتسامح في منطقتنا العربية، بل في العالم أجمع، وهو جدير بكل تكريم وتقدير وليس بالحبس والتكدير، قائلا: "ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر".
بطل شامخ
فيما قال وزير خارجية تونس الأسبق رفيق عبدالسلام، المحكوم عليه أيضا: إن الغنوشي توج حياته السياسية بطلا شامخا في وجه انقلاب فاشل وغادر بعد سنوات مديدة من النضال والتضحيات.
وبشر بأن "قيس سعيد سينهي حياته السياسية، كما بدأها، قزما تافها ولن يذكره التاريخ إلا كما ذكر مراد بوبالة برعونته وصلفه وهو يجوب أسواق توتس بهراوته."
وأشار السياسي والكاتب محمد جميل منصور، إلى أن الغنوشي، مفكر إسلامي أصيل، ديمقراطي بشهادة دارسيها ومراكزها، وتاريخه وسلوكه وعلاقاته تؤكد ذلك وتعززه، مناضل شاب في النضال، ورجل دولة حكيم، رئيس البرلمان الشرعي المنتخب.
واستنكر أن زعيم أكبر حزب سياسي في تونس، يحكم عليه بالسجن 22 عاما في مسرحية لم تقنع ممثليها، معربا عن استيائه من أن "تونس مهد الربيع، وصاحبة الإشعاع، تنقلب فيها الأمور على هذا النحو."
بينما استنكر محمد هندو، أن يقبع في السجن حتى الموت الغنوشي الذي نظّر وأصّل لمنهج التشاركية السياسية، والحريات العامة والخاصة، والتداول السلمي على السلطة، وقيم المواطنة، والتمييز بين الدعوة والسياسة، وأفكار أخرى تعد جريئة بالنسبة للمألوف إسلاميا وتراثيا إدراكا عميقا منه أن تجسيد هذه الأفكار في مسارها الموضوعي، والشفاف والنزيه، سيوفر مجالا خادما للهوية والمصلحة الوطنية، وليس العكس.
وقال: “لكن النظام الدولي الذي لا يؤمن بهذه القيم إلا في الاتجاه الذي يحقق غلبته وهيمنته الشاملة، وإدراكا منه أن فكر الغنوشي وأمثاله يستطيع وضع القيم المدعاة للغرب، في مسارها الصحيح، الذي لا يفرز هيمنته بالضرورة، بل يفرز المشاريع الوطنية الأصيلة، المتمسكة بهوية ومصالح شعوبها، لم يقبل بمشروعه.”.
وأشار هندو إلى أن النظام الدولي يدعم معاقبة الغنوشي على وطنيته وإخلاصه، قائلا: "إذا رأيت نموذجا ما تفتح له الأحضان، على أساس أنه معتدل، فأمعن في الشك، ولا تأخذ الأمور بسطحية! ".