السودان يمنع بث قنوات إماراتية وسعودية على أراضيه.. ما الأسباب والتداعيات؟

12

طباعة

مشاركة

في 2 أبريل/نيسان 2024، أعلنت وكالة الأنباء السودانية الرسمية تعليق عمل قنوات "العربية" و"الحدث" السعوديتين، و"سكاي نيوز عربية" الإماراتية على أراضي السودان.

المبرر الرسمي المعلن لوقف عمل هذه القنوات الإخبارية السعودية والإماراتية هو "عدم التزامها بالمهنية المطلوبة والشفافية وعدم تجديد تراخيصها".

لكن السبب الحقيقي يتمثل في دعم وانحياز تغطيتها الإعلامية لمليشيات الدعم السريع الممولة إماراتيا ضد الجيش السوداني، وفق مصادر سودانية تحدثت لـ"الاستقلال".

أما الأخطر الذي شجع على اتخاذ هذا القرار، هو شكوك السودان في تحول هذه القنوات إلى أداة استخبارية لإرشاد قوات محمد حمدان دقلو (حميدتي) إلى أهداف معينة أو تحريضه وتوجيهه لقصفها، وفق المصادر ذاتها.

وجاء القرار بالتزامن مع توتر غير مسبوق بين الجيش السوداني وحكومة الإمارات، حيث اتهمت الخرطوم أبو ظبي رسميا بمساعدة قوات الدعم السريع، وعرضت أدلة على ذلك.

كما قدمت حكومة السودان شكوى رسمية في مجلس الأمن ضد الإمارات تتهمها بالتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد ومد الدعم السريع بـ "مختلف أشكال الدعم السياسي والإعلامي والدبلوماسي والمالي، إلى جانب الإمداد بالسلاح والعتاد وجلب المرتزقة من شتى الدول لدعمه".

ما القصة؟

وزير الثقافة والإعلام السوداني جراهام عبد القادر، أصدر قرارا يقضي بوقف عمل هذه القنوات الثلاث في السودان، وعدم تجديد تراخيصها.

وقال في بيان إنه استنادا إلى موجهات ومطلوبات المهنية والشفافية في العمل الإعلامي ومصلحة المواطن السوداني وقيمه، فقد تقرر إيقاف عمل القنوات المعنية في السودان، وذلك لعدم التزامها بالشفافية والمهنية المطلوبة، كما أنها لم تجدد تراخيصها لممارسة العمل الإعلامي في البلاد.

ونقلت قناة "العربية" عن مديرة مكتبها في السودان لينا يعقوب، أن مكتب العربية والحدث في السودان يجدد تراخيصه بشكل دوري، ما يعني أن المشكلة لا تتعلق بجوانب إدارية أو قانونية.

وقبل هذا القرار، اتهمت وزارة الخارجية السودانية، يوم 31 مارس/آذار 2024 القنوات الثلاث بعدم التزام الموضوعية في تناولها الأحداث المرتبطة بالبلاد.

واتهمت الخارجية السودانية، الإمارات بتمويل وتسليح مليشيا الدعم السريع وجلب المرتزقة وتوفير خدمات الدعاية الحربية وشراء الولاء السياسي لها.

وهاجمت الوزارة قناة “سكاي نيوز عربية” الإماراتية، واتهمتها بالتزوير وافتقاد المهنية والموضوعية في تغطية أخبار السودان، وقالت إنها "تسعى لإخفاء رعاية الحكومة الإماراتية لمليشيا إرهابية".

مصادر سودانية أرجعت القرار لقيام هذه القنوات خاصة الإماراتية ببث معلومات وتقارير تخدم قوات الدعم السريع وتحرض ضد الجيش السوداني لاستعانته بمليشيات شعبية محلية إسلامية في حربه ضد قوات حميدتي.

أكدت لـ"الاستقلال" أن هذه القنوات تورطت في تحديد أماكن ومناطق تتجمع فيها القوات السودانية والمليشيات الداعمة لها ليضربها طيران مسير قدمته الإمارات لحميدتي.

أشارت، كمثال، إلى حادثة قصف طائرة مسيرة لإفطار نظمته "كتيبة البراء" الإسلامية بمدينة عطبرة يوم 2 أبريل 2024 وقتل 15 من المتطوعين الإسلاميين، وإصابة 50، بعد سلسلة تقارير نشرتها هذه القنوات حول هذه الكتيبة ومناطق عملها.

المصادر رأت أن عملية القصف أظهرت وجود أو تسريب معطيات محددة مرتبطة بالعملية نفسها، وأن درجة التعقيد خلفها والتي تتطلب توافر إمكانات كبيرة وتسريب معلومات ربما تشير لتورط عناصر استخبارية إماراتية ضمن أطقم سكاي نيوز في السودان.

لكن دبلوماسيا سودانيا قال لـ"الاستقلال" إنه بصرف النظر عن تورط هذه القنوات في أمور أمنية تضر الجيش السوداني والقوى الشعبية المتحالفة معه، إلا أن قرار إيقاف قنوات سكاي نيوز والعربية والحدث، له أيضا أسباب سياسية.

أوضح أنه "ليس من المعقول أن تدعم الإمارات الدعم السريع بالسلاح وتتحول لحليف رئيس لقوات حميدتي ثم يتم السماح لقناتها التي تبث وجهة نظرها ضد الجيش بالبث من داخل السودان بصورة عادية، بصفتها قناة معادية".

وأوضح أن "السودان يبعث برسائل للإمارات والسعودية عبر وقف بث قنواتها العربية والحدث وسكاي نيوز من أراضيه"، رغم استمرارها في البث عن شؤون السودان من الخارج.

وبرزت كتائب "البراء بن مالك" بعد اندلاع الحرب السودانية منتصف أبريل/نيسان 2023 كمجموعة مسلحة محسوبة على الإسلاميين تقاتل إلى جانب الجيش في مواجهة قوات الدعم السريع.

وتخشى الإمارات عودة الإسلاميين للحكم في السودان في أعقاب الانقلاب على نظام الرئيس السابق عمر البشير، وظهور قوى شعبية إسلامية تحارب مع الجيش ضد قوات حميدتي التي تدعمها الإمارات، وتحرض فضائياتها مع قنوات السعودية ضد الإسلاميين وتبث تقارير معادية لهم.

وقد دعا مساعد القائد العام للقوات المسلحة ياسر العطا، الرجل الثالث في الجيش، إلى عدم الاكتراث لما يقال حول المقاومة الشعبية الإسلامية.

وقال في خطاب 30 مارس/آذار 2024 إن أي حديث سلبي حول "المستنفرين" – في إشارة للإسلاميين-لا يساوي شيئا، وأنه مجرد كلام تذروه الرياح، مطالبا كل الفاعلين في البلاد بالانخراط في المقاومة الشعبية".

إعلام مدلس

في 29 مارس/آذار 2024 بثت قناة "سكاي نيوز عربية"، الإماراتية تقريرا مصورا يحرض ضد الجيش السوداني ويزعم وجود عناصر لتنظيم الدولة في السودان ومشاركتهم في القتال إلى جانب القوات المسلحة السودانية.

وتعليقا على ذلك قالت الخارجية السودانية في بيان إن سكاي نيوز عربية أعادت بث فيديو لقناة "يورو نيوز" عام 2016 بشأن هجوم تنظيم الشباب بالصومال على مطار مقديشو، وزعمت أنه لعناصر من تنظيم الدولة يقاتلون إلى جانب الجيش السوداني ضد مليشيا حميدتي.

وأضافت الوزارة: "لا يحتاج نهج القناة في تغطية أخبار السودان والذي يفتقد لأدنى أسس المهنية والموضوعية إلى بيان غير أن الانحدار لدرك التزوير المكشوف أمر لا سابقة له، ولا بد من التوقف عنده".

وأشار إلى تزامن بث التقرير مع الشكوى التي تقدّم بها السودان لمجلس الأمن ضد الإمارات لعدوانها المستمر ضد البلاد وشعبها “مستخدمة المليشيا وعشرات الآلاف من المرتزقة من عدة دول”.

ووصفت الخارجية السودانية ما قامت به القناة بأنه "محاولة يائسة للتغطية على المعلومات المفصلة والأدلة الدامغة على الدور الرئيس لدولة الإمارات في الحرب المفروضة على السودان".

وقالت إن الرعاية الإماراتية لمليشيا حميدتي تشمل التمويل والتسليح وجلب المرتزقة وتوفير خدمات الدعاية الحربية، على نحو ما تقوم به قناة سكاي نيوز، وشراء الولاء السياسي، موضحا أن تقرير خبراء الأمم المتحدة حول قرار مجلس الأمن 1519 فصل ذلك بشكل كاف".

وجاء في نص الشكوى السودانية التي أوردتها وكالة الأنباء الرسمية أن الإمارات قدمت "مختلف أشكال الدعم السياسي والإعلامي والدبلوماسي والمالي، إلى جانب الإمداد بالسلاح والعتاد وجلب المرتزقة من شتى الدول".

وردت قناة سكاي نيوز عربية بالقول إنها أجرت مراجعة للتقرير الذي تطرقت له الخارجية السودانية، وأكدت أنها تتمسك بالتقرير وأنها استقت معلوماتها من مصادر موثوقة.

لكنها عادت وأكدت أنه بعد المراجعة تبين "وجود خطأ مونتاج تمثل في استخدام لقطات فيديو أرشيفية لا تتجاوز ثوانٍ معدودة من تقرير بطول أربع دقائق عن تنظيم الدولة جاءت في غير محلها".

وأضافت: “نؤكد أن الخطأ غير المقصود لا يؤثر على الأساس الواقعي والصلب لتقريرنا”.

وفي 19 يناير/كانون الأول 2024، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز الأميركية أن الإمارات أنشأت مستشفى وهميا في تشاد لتُهرب منه السلاح لقوات الدعم السريع.

ذكرت أن الإمارات عززت دعمها لحمدان في يوليو/ تموز 2023 إذ ظهر مستشفى جديد بنته الإمارات في أم جرس، وهي مدينة نائية تقع شرقي تشاد، وذلك لتوفير العلاج الطبي للاجئين السودانيين. 

لكن أجهزة الاستخبارات الغربية سرعان ما أدركت أن طائرات الشحن، التي تحط على مهبط الطائرات القريب، كانت تحمل في الواقع أسلحة في طريقها إلى قوات الدعم السريع عبر هذا المستشفى الوهمي.

بجانب طمع حكام الإمارات في ذهب السودان والرغبة في الحصول على ميناء بحري سوداني على البحر الأحمر، قالت نيويورك تايمز إن الدوافع الإماراتية لدعم حميدتي غامضة.

نقلت عن خبراء وجود رغبة للإمارات في صفقات الموانئ والأراضي الزراعية، في هذه الدولة العربية الإفريقية، فضلا عن عدائها القديم للقوى الإسلامية.

مساواة غريبة

وفي سياق متصل، لفت محللون إلى أن قناتي السعودية (العربية والحدث)، على عكس قناة سكاي نيوز الإماراتية، لا تنتهجان، في تغطيتهما من الخرطوم، نفس النهج المعادي لجيش السودان صراحة.

وهو ما يطرح تساؤلات حول هذه المساواة الغامضة لقناتي العربية والحدث مع "سكاي نيوز عربية".

حيث كانت قد بثت "العربية" تقارير في برامجها عن دعم سودانيين للجيش ولم تبث ما يدعم الدعم السريع.

فريق منهم رأى أن السبب ربما يرجع لتحريض القناتين ضد القوى الشعبية الإسلامية التي تحارب مع الجيش وتشويه صورة الجيش بتصويرها يضم بين مقاتلين "متطرفين إسلاميين".

فيما رأى فريق آخر أن الأمر له علاقة بنهج قناة العربية عموما والبعيدة كل البعد عن المصداقية والموضوعية.

ويري فريق ثالث أن السبب ربما له علاقة برسائل غاضبة يوجهها الجيش السوداني إلى السعودية لدورها المحدود في أزمة السودان.

حيث يقتصر على استضافة مؤتمرات بين ممثلي الجيش والدعم السريع للوصول لوقف إطلاق النار، دون وقوف واضح مع جيش البلاد ودعمه، وهو موقف يساوي بين الجيش والمليشيا.

وذلك على عكس ما يفعله إعلام نظام عبد الفتاح السيسي في مصر الذي يدعم الجيش السوداني إلى حد كبير ويأخذ مسافة من مليشيا الدعم السريع.