كوابيس وتكتيكات.. هكذا انتصرت حماس في معركة الحرب النفسية ضد إسرائيل

منذ ٤ أشهر

12

طباعة

مشاركة

بعد أسابيع من القتال المضني في غزة ضد فصائل المقاومة الفلسطينية، مكث جنود من لواء المظليين الإسرائيليين، تحديدا "الكتيبة 890"، داخل معسكر للجيش في عسقلان بهدف "الاستراحة". 

كان الجنود يمنون أنفسهم بليلة هادئة بعيدا عن معارك غزة، لكن الجحيم جاءهم من حيث لا يحتسبون، عندما استيقظ جندي منهم مذعورا بعد أن داهمه "كابوس"، ليطلق النار على رفاقه.

وقالت القناة 12 العبرية في 27 ديسمبر/كانون الأول 2023، إن "الجندي رأى حلما سيئا، ففتح النار على جدار الغرفة وأصاب عددا من رفاقه بالخطأ".

عبرت تلك الحادثة عن الحالة النفسية السيئة التي يعيشها الجنود الإسرائيليون، والتي لا تنفصل عن الوضع العام داخل دولة الاحتلال. 

لا سيما أن هذه المعركة التي بدأت بعملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، شهدت تفوقا في تكتيكات الدعاية والحرب النفسية من قبل حركة المقاومة الإسلامية "حماس". 

ونجحت الأخيرة عبر الصوت والصورة واستخدام الألفاظ والمقاطع المرئية وتوقيت إخراج المواد الدعائية، في مباغتة العدو وإظهار أكاذيبه أو هزائمه وخسائره الفادحة.

وتسبب ذلك في وضع حكومة الاحتلال و"كابينت (مجلس) الحرب" بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، تحت ضغوطات مستمرة.

دعاية قاسية 

في 30 أكتوبر 2023، وبينما كان يواجه نتنياهو ضغوطات هائلة من ذوي الأسرى لدى حماس، فوجئ بمقطع فيديو نشرته الحركة وتظهر فيه 3 سيدات من الأسرى. 

وأظهر الفيديو النساء الثلاث يجلسن جنبا إلى جنب أمام جدار فارغ، وتوجه إحداهن رسالة غاضبة إلى نتنياهو بالعبرية، تطالبه فيها بإعادتهن إلى منازلهن مقابل إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين.

أحدث هذا المقطع هزة عنيفة داخل حكومة نتنياهو، وقد وصفه بأنه "دعاية نفسية قاسية" من قبل الحركة الفلسطينية. 

وخلال عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر، أسرت حركة حماس وفصائل أخرى ما بين 200 - 250 إسرائيليا واقتادتهم إلى قطاع غزة.

وفي إطار المعركة نفسها استخدمت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، العديد من الأساليب النفسية في توجيه ضرباتها للكيان. 

فمثلا، استخدم جيش الاحتلال صواريخ مدون عليها أسماء ناشطين أجانب وعرب عرفوا بانتقاد تل أبيب، كـ "أندرو تيت، وجاكسون هينكل، ومحمد حجاب"، ورسموا إلى جانب كل اسم "قلبا" كنوع من السخرية والدعاية النفسية السلبية ضد المقاومة.

وبدورها، نشرت كتائب القسام صورا لمجموعة من القذائف الصاروخية التي جرى تجهيزها ضمن رشقة أطلقت باتجاه المدن المحتلة، وقالت في بيان إنها "إهداء لأرواح شهداء الضفة الغربية".

وعلى القذائف الصاروخية، وضعت الكتائب لافتات دونت عليها أسماء عدد من شهداء الضفة الذين عرفوا بتنفيذ عمليات ضد القوات الإسرائيلية بالضفة من بينهم "إبراهيم النابلسي، ووديع الحوح، ومحمد الجعبري".



"وصلتم متأخرين"

ومن اللقطات البارزة في الحرب النفسية، ما عرف بـ "وصلتم متأخرين"، وهو فيدو نشرته كتائب القسام بعد اكتشاف جيش الاحتلال نفقا ضخما قرب معبر بيت حانون أقصى شمال قطاع غزة. 

ففي 17 ديسمبر 2023، أعلنت كتائب القسام أن النفق الضخم الذي كان أحد أهم نقاط القوة في عملية "طوافان الأقصى" لم يتمكن جيش الاحتلال من العثور عليه إلا بعد 70 يوما.

ونشرت في فيديو لها عبارة: "لقد وصلتم متأخرين، المهمة تمت بالفعل"، حيث استخدمته الكتائب فقط من أجل اقتحام المعبر المذكور.

وكان الجيش الإسرائيلي قبلها قد أعلن أنه عثر على النفق الكبير الذي يمتد كيلومترات داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وصورت الأمر على أنه نجاح كبير.

لكن المقطع المضاد الذي نشرته حماس هدم سردية الاحتلال، وأثار تساؤلات حول الوضع الاستخباراتي والأمني لإسرائيل قبل العدوان.

خاصة وأن المقاومة لم تكتف بالرسالة فقط، بل تتابعت مشاهد نوعية من عملية "طوفان الأقصى" داخل المواقع العسكرية والبلدات المحتلة المحيطة بقطاع غزة.

وتضمنت المشاهد التي نشرت من تلك المنطقة عمليات تفجير ضد قوات إسرائيلية واختطاف جنود إسرائيليين واستهداف آليات عسكرية بقذائف مضادة للدروع، في إشارة إلى أن المهمة التي كان هذا النفق مخصصا لها "قد أنجزت". 

شواء الميركافا 

بعدها لعبت إسرائيل على خطة أخرى لزعزعة ثقة الفلسطينيين في المقاومة، ولتحسين نفسية المجتمع الإسرائيلي والجنود، بعد الخسائر الفادحة التي تكبدوها في غزة.

وفي 10 ديسمبر 2023، ألقت قوات الاحتلال منشورات على السكان في غزة تعرض فيه مكافآت لمن يدلي بمعلومات تفيد في الكشف عن أماكن قادة حماس.

المنشور ادعى أن المقاومة فقدت قوتها، وأن قادتها "لم يتمكنوا من قلي بيضة"، متوعدا بقرب نهايتهم. 

وأضاف: "من أجل مستقبلكم، قدم المعلومات التي تمكننا من القبض على الأشخاص الذين جلبوا الدمار والخراب للقطاع".

ثم  قدم عرضه بالقول إن من يقدم معلومات سيحصل على مكافأة مالية بقيمة: "(زعيم حماس في غزة) يحيى السنوار 400 ألف دولار، و(شقيقه) محمد 300 ألف دولار، (القيادي في كتائب القسام) رافع سلامة 200 ألف دولار، (القائد العام للكتائب) محمد الضيف 100 ألف دولار".

 لكن عضو المكتب السياسي لحماس عزت الرشق رد في منشور ساخر على حساب الحركة في منصة تلغرام بقوله "لا وقت لقلي البيض، مقاومونا منشغلون بشواء الميركافا (الدبابة الإسرائيلية الشهيرة)".

ومنذ بداية توغل الاحتلال في غزة تعلن كتائب القسام بشكل مستمر عن استهداف وتدمير آلياتهم القتالية، على رأسها دبابة الميركافا، التي كانت تعد فخر الجيش الإسرائيلي.
 


الأثر النفسي 

وعن الأثر النفسي لتكيكات المقاومة الخاصة بتلك الجزئية، نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية تقريرا في 24 ديسمبر 2023، عن الانهيار النفسى في إسرائيل، لا سيما في صفوف الجيش. 

وذكرت أن العمليات العسكرية على الأرض والحالة القائمة في غزة، تصيب قوات الاحتلال بالأمراض العقلية، مبينة أن الانتحار ينتشر بين الجنود.

كما نشرت رسالة لمنتدى مديري مستشفيات الأمراض النفسية الإسرائيلية، أرسلها لمراقب الدولة دعا فيه إلى إعلان حالة الطوارئ.

وحذر المنتدى من ارتفاع عدد حالات الإصابات النفسية والعقلية في صفوف الإسرائيليين.

الصحيفة نقلت عن مسؤولين قولهم، إنه سيجرى تشكيل فرق من ممرضين وأطباء نفسيين، يستطيعون التعامل مع الميول الانتحارية من أجل إجراء تقييم للجنود وأسرهم الذين يعانون من أوضاع نفسية متدهورة أو اضطرابات ما بعد الصدمة. 

وأضافت أن الحزن والأسى يظهران على الجنود بطرق مختلفة مثل أعراض جسدية ونفسية، تشمل صعوبات في النوم والتنفس وضعف الشهية.

وأشارت إلى أن جنود الاحتياط العائدين من المعارك إلى عالم العمل قد يعانون من إصابات نفسية نتيجة الأحداث التي كانوا حاضرين فيها.

وكانت صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية قد أوردت في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أن حماس هي التي تحدد مسار الحرب النفسية منذ اليوم الأول للعدوان على غزة.

وقالت: "إن حركة المقاومة الفلسطينية تأخذ زمام المبادرة في هذا المضمار، في حين تتخلف إسرائيل عن الركب". 

وأوضحت أنه في ظل ميل ميزان القوة العسكرية بوضوح لصالح إسرائيل، لم يكن أمام حماس خيار سوى الاستثمار بشكل أكبر في الحرب النفسية.

ونقلت الصحيفة على لسان "جال يافيتز" من قسم علوم المعلومات بجامعة بار إيلان الإسرائيلية، أن "حماس تتفهم نقاط ضعف إسرائيل وتستخدمها بطريقة ساخرة ومتلاعبة". 
 


توازن الرعب 

في حديثه لـ"الاستقلال" يقول أستاذ علم الاجتماع محمد غبور، "إن علم النفس العسكري والحربي جزء لا ينفصل عن المعارك ويوازي في صعوبته التخطيط الحربي والدفاعي".

لذلك فإن الشؤون المعنوية وجيش الأطباء النفسيين، جزء أساسي للقوات المسلحة بأساليبها الحديثة. 

وأضاف: "اهتمام المقاومة الفلسطينية بتلك التفاصيل في حد ذاته مرعب للعدو، فهي ليست وحدات ومجموعات قتالية مبتدئة، نحن أمام جيش حقيقي محترف".

وبين أن المقاومة "تمتلك خبرات مهمة في العلوم العسكرية، بداية من الإعداد البدني والعسكري، مرورا بالتجهيز العلمي والتقني، وصولا إلى استخدام آليات الدفاع النفسية، بل وشن حرب نفسية موازية لا تقل شراسة عن الصمود في وجه جيش الاحتلال الإسرائيلي".

واستطرد: "الحرب النفسية كانت تستخدم من قديم الأزل بوسائل مختلفة، لكن اليوم علم النفس العسكري يؤكد أن الذي يتفوق فيها ينتصر بنسبة 70 بالمئة على الأرض وفي الميدان والعكس صحيح".

وشدد على أن "الحرب النفسية لها أيضا بعد آخر بأنها لا تنتهي بانتهاء المعركة بل يمتد أثرها لسنوات، وكما يسقط قتلى في المعارك الميدانية، يسقط ضحايا في الحروب النفسية، ويظل قطاع من المجتمع يعالج ويعاني من أثرها، وهو ما يظهر بوضوح في إسرائيل".

وأتبع: "كثير من الإسرائيليين باتوا يعانون من اضطرابات الصدمة، ويصابون بالهلع وقلة النوم وانعدام الثقة، وهو ما يترتب عليه أشياء كثيرة منها صب جام غضبهم تجاه الحكومة، ويصل الأمر إلى الهجرة نحو الخارج".

وأردف: "كل ذلك نتيجة ما فعلته المقاومة وفصائلها من دعاية قوية ومركزة، مثلت توازنا للرعب في وجه العدوان وقنابله على المدنيين".