تزايد طردي بين الديون والبطالة.. ما الحلول المتاحة لإنقاذ المغاربة والخزانة؟

طارق الشال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

وصلت البطالة في المغرب معدلات مرتفعة، مع استمرار تبعات تفشي فيروس "كورونا" التي تؤثر بشدة على اقتصاد البلاد وتزيد من أزمة الديون الداخلية والخارجية، وسط مطالبات الخبراء بحلول عاجلة لوقف تفاقم نزيف البلاد.

نسب البطالة صعدت إلى 12.8 بالمئة بالربع الثاني من 2021، وارتفع عدد العاطلين عن العمل بالسوق المحلية بمقدار 128 ألفا، ليبلغ الإجمالي مليون و605 آلاف عاطل، بينهم 30.8 بالمئة شباب بين 15 إلى 24 عاما.

تلك المؤشرات تأتي نتيجة مجموعة من العوامل الاقتصادية؛ أبرزها انكماش الاقتصاد المغربي بنسبة 6.3 بالمئة، وفقدان 432 ألف فرصة عمل عام 2020.

يعاني اقتصاد المغرب تفاقم عجز الميزانية إلى 7.6 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، فيما تزايدت نسبة الدين العمومي إلى 76.4 بالمئة من الناتج الإجمالي، نتيجة تراجع الموارد الجبائية، ومجهود الاستثمار الذي بذلته خزانة الرباط.

تسريح العمالة

هذه المعطيات تعيق الاقتصاد المغربي وتزيد من صعوبة معالجة تلك الأزمات بشكل سريع، عبر خلق فرص عمل جديدة والدفع باستثمارات تقوم النشاط الاقتصادي، خاصة وأن العالم يعاني من أزمة كورونا، ولا يعرف متى ينتهي هذا الوباء كليا.

الباحث الاقتصادي في المعهد المغربي لتحليل السياسات، رشيد أوراز، يرى أن "أهم المخاوف منذ تفشي (كورونا) هي تفاقم معدلات البطالة نتيجة تسريح بعض العمال في القطاع الخاص، وبعض القطاعات التي تشتغل بشكل موسمي، مثل قطاع السياحة والخدمات والنقل".

يضيف أوراز، لـ"الاستقلال"، أن "القطاع العام لن يكون قادرا على خلق فرص عمل لأن ميزانية الدولة لا تسمح".

"هذا التفاقم في معدل البطالة سيؤدي إلى مشاكل كثيرة مثل تراجع القدرة الشرائية للأسر المغربية بالإضافة إلى أنه يزيد من الإحباط بين الشباب ويخلق حالة من التوتر المجتمعي"، وفق الباحث.

سوق العمل المغربي فقد 589 ألف فرصة عمل خلال 2020، بعدما استحدث 64 ألف فرصة عمل سنويا، بأعوام 2017 و2018 و2019 التي سبقت الجائحة.

المندوبية السامية للتخطيط بالمغرب، قالت 22 أبريل/ نيسان 2020: إن 57 بالمئة من مجموع الشركات في البلاد، أوقفت نشاطها بشكل مؤقت أو دائم بسبب "كورونا".

هنا يوضح أوراز، أن "البطالة بصفة عامة مؤشر على وضع الاقتصاد، فكلما ارتفعت يدل ذلك على معاناته، وكلما انخفضت دليل على أن الاقتصاد وصل لحالة اتزان نسبية".

"هذا المعدل الذي وصل إليه المغرب؛ تحصيل حاصل نتيجة الصدمات التي واجهها الاقتصاد"، وفق رؤية الباحث.

أبرز القطاعات الاقتصادية المتضررة هي السياحة، والنقل، وصناعات النسيج، والسيارات، والصناعات، والتي وجدت جميعها صعوبات للحصول على المدخلات بسبب ارتباك التجارة الدولية الناتجة عن أزمة "كورونا".

من جانبه يرى الخبير الاقتصادي، الطيب أعيس، أن "كورونا مستمرة بالمغرب ووصلنا للموجة الثالثة منها، ما يعني أن تداعياتها تواصل الضغط على اقتصاد العالم والمغرب، رغم أن المغرب شهد بعض تحسن طفيف".

أعيس، يشير لـ"الاستقلال"، إلى أن "البطالة تنامت نتيجة، تسريح العمالة مع الانكماش الذي يشهده الاقتصاد، ولأن شركات القطاع الخاص والعام لا تستقبل عمالة جديدة، ما يشكل معضلة اقتصادية واجتماعية".

تقرير للبنك الدولي، كشف أن 82 بالمئة من الشركات المغربية تراجع الطلب على منتجاتها وخدماتها، وخسرت نحو 47 بالمئة من مبيعاتها خلال الجائحة.

وذكر التقرير، الصادر ديسمبر/ كانون الأول 2020، أن تراجع نشاط الشركات أدى إلى تقليص أعداد العمالة، وأن 50 بالمئة منها أعلنت تخفيض إجمالي ساعات العمل الأسبوعية.

وأشار أيضا إلى أن "14 بالمئة من الشركات قلصت العدد الإجمالي للعمال الدائمين، ليسفر ذلك في المتوسط عن تقليص عدد العمال الدائمين بنسبة 4 بالمئة".

وهنا يلفت أعيس، إلى أن "المغرب أجرى عدة تدابير؛ منها توزيع منح على العمال الذين جرى تسريحهم جراء (كورونا) خلال 2020، مع دعم القطاعات الحيوية المتضررة، ما أثر على مالية الدولة ودفعها للاستدانة ليرتفع مستوى الدين بشكل كبير".

المغرب، وفي أبريل/ نيسان 2020، حصل على قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، لمواجهة تداعيات "كورونا" على الاقتصاد.

بينما تلقى المغرب من مؤسسة البنك الدولي ثلاثة قروض خلال يونيو/ حزيران 2020، بلغت قيمتها الإجمالية مليار دولار.

استمرار الديون

ومع ارتفاع المديونية التي تلقي بظلالها على المواطن، وتحجم مقدرات الدولة، وتمنعها من تقليص حدة الصعوبات المعيشية، كتوفير فرص عمل للعاطلين؛ ليس أمام الرباط سوى الاستمرار في الاستدانة خاصة مع تراجع إيراداتها.

بحسب هيئة الإحصاءات الرسمية فإن المجتمع المغربي تأثر بتداعيات "كورونا"، وتضاعف معدل الفقر 7 مرات بفترات الحجر الصحي لينتقل من 1.7 بالمئة إلى 7 بالمئة.

وذلك على الرغم من تقديم الحكومة مساعدات استفادت منها نحو 5 ملايين أسرة خلال الفترة ذاتها.

في هذا الشأن يرى الباحث أوراز، أن "تراجع الأنشطة الاقتصادية وأعمال الشركات يؤثر على الأرباح والاستهلاك وبالتالي على حجم الضرائب وإيرادات الدولة، ما يشكل تحديا أمام المغرب رغم التزامه ببعض السياسات التقشفية".

ويشير إلى أن "هناك بعض القطاعات التي ستكون الدولة ملزمة بأن توفر لها الموارد والميزانيات المتعلقة بالتسيير وتوفير الخدمات الاجتماعية مثل الصحة والتعليم".

"أيضا استثمارات في البنية التحتية وهي قطاعات لا يمكن أن تتوقف، مما سيضطر المغرب مستقبلا إلى مزيد من الاستدانة"، وفق تقدير الباحث.

في يونيو/ حزيران 2021، أعلن البنك الدولي عن قرض جديد للمغرب بقيمة 100 مليون دولار، ليتبعه في نفس الشهر، إعلان البنك موافقته إقراض الرباط 450 مليون دولار.

بدوره، يقول الخبير الاقتصادي أعيس: "مديونية المغرب الداخلية أكبر من الخارجية"، مشيرا إلى أن "معدل زيادة أو تراجع الدين يتوقف على أمرين، أولهما: مستوى الجفاف في 2021، والذي يلقي بظلاله على القطاع الزراعي الذي يعتمد عليه اقتصاد المغرب".

الأمر الثاني الذي يتوقف عليه أمر ارتفاع الدين المغربي هو "القدرة على التعامل مع (كورونا)، ومدى انتشارها وسرعة تطعيم المواطنين"، وفق أعيس، الذي توقع استقرار مستويات الدين الفترة القادمة.

الدين الداخلي لخزانة الدولة المغربية حتى الثلث الأول من 2021 بلغ حوالي 70 مليار دولار، بزيادة 2.9 بالمئة مقارنة بنهاية 2020، بحسب الخزانة العامة للمغرب.

بينما بلغ الدين الخارجي العمومي نحو 41.55 مليار دولار بالربع الأول من 2021، وفق مديرية الدراسات والتوقعات المالية التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية.

وارتفعت فوائد الدين الداخلي والخارجي في إبريل/ نيسان 2021، حسب الخزانة العامة للمغرب، بنسبة 4.7 بالمئة، ووصلت 1.2 مليار دولار، ويتوقع أن تصل 3.2 مليار دولار بنهاية 2021.

دعم الاقتصاد

لذا لابد من اتخاذ سياسات تعمل على استقرار معدلات الدين بشقيه الخارجي والداخلي دون زيادة، على ألا يتأثر المواطن، بل وتقديم سبل تمكنه من مواجهة الصعوبات الاقتصادية، وتوفر فرص عمل، ودعم الشركات للحفاظ على العمالة.

وبحسب أوراز، فإنه "من الصعب وضع سيناريوهات معينة، ولكن مع سرعة تلقي اللقاحات وإجراء إصلاحات بالمؤسسات الحكومية وحماية حقوق الملكية وحقوق المستثمرين فإن هذا يعطي الثقة".

ويجزم بأن ذلك يمثل "الضمان للمستثمرين والشركات والمقاولات لكي تستثمر مواردها، وبالتالي إعادة الديناميكية للاقتصاد وعودة توظيف العمالة".

بعض الخبراء يقترحون نقاطا سريعة للعبور من الأزمة بإلغاء صرف العلاوات، ووضع حد أقصى للأجور والمعاشات للموظفين العموميين، وإلغاء معاشات الوزراء السابقين، ما يتيح للدولة متنفسا لدعم الشركات والعاطلين.

يأتي المغرب في المرتبة الـ24 عالميا بين الدول التي تشتري لقاح "كورونا"، بإجمالي 30.13 مليون جرعة، حصل خلالها 48.5 بالمئة من السكان على جرعة واحدة، و36.2 بالمئة على الجرعتين، بحسب وكالة "بلومبيرغ".

في نهاية حديثه، توقع الخبير الاقتصادي الطيب أعيس، أن "يستعيد الاقتصاد المغربي مستوياته إلى ما قبل جائحة كورونا مطلع 2023".