خصص الملايين ضد منتقدي إسرائيل.. كيف يدير "إيباك" الصهيوني انتخابات أميركا؟

12

طباعة

مشاركة

يتعرض اللوبي الصهيوني الأميركي ممثلا بـ "لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية" (إيباك)، إلى هزة كبيرة بسبب العدوان المستمر على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وهز العدوان الوحشي وعمليات الإبادة الجماعية وجدان الأجيال الجديدة من الشباب الأميركي، وزاد حالة العداء لإسرائيل والمطالبات بإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية، لتسود تخوفات من خروج مراكز الحكم في أميركا عن السيطرة الصهيونية.

وهو ما دفع "إيباك"، التي تشكل أهم لوبي صهيوني أميركي، لقرع أجراس الخطر، وإطلاق حملة دعم ضخمة لمرشحي انتخابات الكونغرس المقررة في نوفمبر/تشرين ثان 2024. 

وAIPAC أو الـ American-Israel Public Affairs Committee، هي اللجنة الأميركية – الإسرائيلية للشؤون العامة، منظّمة تدافع عن السياسات الأميركية الداعمة لإسرائيل. 

تأسست في عام 1963، وتعد واحدة من أكثر جماعات الضغط تأثيراً في الانتخابات والإعلام ومراكز صنع القرار السياسي في الولايات المتحدة الأميركية.

ولم تكتف "إيباك بدورها الروتيني، الذي تمارسه منذ تأسيسها عام 1954، كمنظمة أميركية يهودية هدفها التأثير في السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط بحيث تتفق مع المصالح الصهيونية.

ولكنها ألقت بثقلها وأموال اليهود لخوض معركة شرسة، لإنجاح مرشحي الكونغرس الموالين لإسرائيل، بتقدير أنهم طوق النجاة لحماية دولة الاحتلال في ظل حالة الرفض الدولي المتصاعدة لها ونبذها ومحاكمتها دوليا.

ومن المتوقع أن تجرى انتخابات مجلسي الشيوخ والنواب في الولايات المتحدة في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، تزامنا مع انتخابات الرئاسة.

أرقام ضخمة

وفي 14 مايو/أيار 2024، نجح اثنان من الجمهوريين الأقوياء في الانتخابات الابتدائية في كل من ولايتي ميريلاند وفيرجينيا الغربية بعد دعمهما من قبل اللوبي الصهيوني بقوة.

وعدت صحف أميركية هذا "مؤشرا قويا على اقتراب الجمهوريين الداعمين لإسرائيل من الأغلبية في مجلس الشيوخ".

وبالتالي، بات الوضع مقلقا للحزب الديمقراطي، لسببين، الأول هو أموال اللوبي الصهيوني التي تذهب لخصومهم.

والثاني، عزوف نسبة من الديمقراطيين عن التصويت لحزبهم أو تكاسلهم أو تحولهم لما يسمي "الصوت الثالث المحايد (غير الملتزم بالتصويت)، عقابا للرئيس الأميركي جو بايدن لدعمه الإبادة الإسرائيلية في غزة. 

وقد رصد موقع "إنترسيبت" الاستقصائي الأميركي في 11 مايو/أيار 2024 ما قال إنها أموال استثنائية ضخمة لإنجاح مرشحة اللوبي الصهيوني "سارة إلفريث" بولاية ميريلاند.

وذلك لإسقاط منافسها وهو ضابط شرطة الكونغرس السابق "هاري دن" الذي شارك في صد عدوان أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب عليه في 6 يناير/كانون ثان 2021.

واحتفت صحيفة "هآرتس" العبرية في 15 مايو 2024 بفوز "سارة إلفريث" بالانتخابات التمهيدية في ولاية ميريلاند وعدته انتصارا لمجموعة الضغط المؤيدة لإسرائيل (إيباك).

قالت إن إيباك حققت أكبر فوز لها في الدورة الانتخابية لعام 2024 حتى الآن مؤكدة أنها "فازت في الانتخابات التمهيدية بولاية ميريلاند، بعدما دعمها هذا اللوبي بأكثر من 4 ملايين دولار".

مثال آخر على نفوذهم، هو تخصيص إيباك 24 مليون دولار لهزيمة عضو الكونغرس الحالي "جمال بومان" الذي يدعو لوقف إطلاق النار في غزة وذلك في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي بنيويورك.

وهو ما جعل مقعده التشريعي هو الأغلى في تاريخ أميركا والعالم، وفق صحف أميركية، وسيتم حسمه يوم 25 يونيو/حزيران 2024 مع مرشح اللوبي الصهيوني "جورج لاتيمر"، المدير التنفيذي للوبي "إيباك" بمقاطعة ويستتشستر.

ودفع هذا "مجموعات خارجية" لدعم "بومان بـ 285 ألف دولار للصمود ضد أولى الحملات التي أطلقتها إيباك ضده وتكلفت ما يقرب من مليوني دولار لمهاجمته، حسبما أوردت صحيفة "إنترسيبت" 16 مايو 2024.

وكان النائب جمال بومان قد ساند طلبة جامعة كولومبيا الداعمين لفلسطين بعد محاولة تفريقهم بالقوة واعتقال العشرات منهم، وانتقد "وحشية" الشرطة ضدهم وتساءل: "هل نحن في دولة بوليس؟ وهل هذه ديمقراطية؟".

وكانت صحيفة "الغارديان" البريطانية كشفت 17 أبريل/نيسان 2024 أن (إيباك) رصدت 100 مليون دولار لهزيمة المرشحين الديمقراطيين التقدميين، الذين تعدهم غير داعمين لإسرائيل بشكل كافٍ في عام 2024، بخلاف ما ستنفقه على من تدعمهم.

وتشير تقديرات أميركية أخرى أن إيباك تنفق ما بين 200 إلى 300 مليون دولار سنوياً لشراء السياسيين الأميركيين.

وغردت ناشطة أميركية أن إنفاق إيباك ما لا يقل عن 100 مليون دولار لإزالة أي شخص من الكونجرس الأميركي ينتقد إسرائيل أو التمويل الأميركي لحروب إسرائيل، "يعني إن إسرائيل تمتلك وتحكم أميركا".

ووصف الناشط الأميركي "بيلهام" إنفاق "إيباك" 100 مليون دولار على نواب موالين لإسرائيل عام 2024 بأنها "رشا سياسية" و"تدخل في الانتخابات على نطاق لم تشهده أميركا من قبل"، مطالبا بمحاكمة من يتلقون هذه الرشا بتهمة الخيانة وسجنهم.

وكان تأثير "إيباك" في انتخابات عام 2022 واضحاً، حيث كانت من بين أكبر 20 مانحاً في الانتخابات بتبرعات مالية ضخمة.

وقد دعمت 365 مرشحاً ديمقراطياً وجمهورياً مؤيداً لإسرائيل في عام 2022، بأكثر من 17 مليون دولار، بحسب ما جاء على موقعها الرسمي.

زعمت أن 98 بالمئة من المرشحين المدعومين من إيباك في الانتخابات العامة (الكونغرس)، نجحوا، بينما ساهمت المنظمة الصهيونية في هزيمة 13 مرشحاً لا يؤيدون إسرائيل.

وممن أطاحت بهم إيباك ممثل ميشيغان السابق في مجلس النواب، آندي ليفين، عام 2022، بعدما أنفقت 4 ملايين دولار ضده بسبب انتقاداته لإسرائيل.

وسبق أن حصل كل سيناتور أميركي هدد المحكمة الجنائية الدولية كي لا تحاكم إسرائيل على 7 ملايين دولار من اللوبي الصهيوني.

أيضا جرى الكشف عن أن اللوبي الصهيوني دفع أكثر من 12 مليون دولار لشراء 47 عضو كونغرس لسن قانون "التوعية بمعاداة السامية".

ويفرض القانون المذكور رقابة على حرية التعبير، بربط نقد إسرائيل بمعاداة السامية.

وبجانب التدخل المباشر، تتدخل لجنتا العمل السياسي التابعتين لـ "إيباك" و"سوبر باك" في المعركة الانتخابية.

فقد أنفق "مشروع الديمقراطية المتحدة"، وهو التحالف الكبير الذي أطلقته إيباك عام 2022، ما يقرب من 33 مليون دولار في الدورة الانتخابية لنفس العام.

كما تلعب مجموعة الضغط الأخرى وهي "الأغلبية الديمقراطية لإسرائيل" Super Pac على وتر تحقيق بعض الانتصارات حيث أطاحت بعضو الكونغرس التقدمي آندي ليفين من ميشيغان، في الانتخابات التمهيدية الحالية.

كما نجحت في منع مرشحين مثل دونا إدواردز من ماريلاند ونينا تورنر من أوهايو من التقدم إلى الانتخابات العامة بفعل الضغوط السياسية والمالية.

إخفاقات ونفوذ

رغم الحشد السياسي والإنفاق المالي بجنون، فقد خسر مرشحون دعمهم اللوبي الصهيوني.

وتفوقت النائبة المسلمة إلهان عمر من مينيسوتا، وسمر لي من بنسلفانيا، على منافسيهما الأساسيين بفارق كبير، وكلتاهما واجهتها إنفاقا ماليا باذخا من اللوبي لإسقاطهما.

كما تفوقت رشيدة طليب، النائبة الديمقراطية عن ولاية ميشيغان وهي مسلمة من أصل فلسطيني، رغم إثارة انتقادها الصريح لإسرائيل حفيظة خصومها السياسيين، ومواجهتها منافسا قويا من اللوبي.

وضخت "إيباك" أكثر من 4.5 ملايين دولار في الانتخابات التمهيدية التي جرت في مارس/آذار 2024 في الدائرة 45 للكونغرس في كاليفورنيا لدعم مرشحها جوانا فايس، لكنها خسرت في نهاية المطاف أمام المرشح التقدمي ديف مين.

وبعد فشله في إقالة النائبة سمر لي، الديمقراطية من ولاية بنسلفانيا، تعد الأهداف الرئيسة التالية لـ "إيباك" هي جمال بومان والنائبة كوري بوش، الديمقراطية من ولاية ميسوري.

وقد جمع المنافس الأساسي لـ "إلهان عمر"، دون صامويلز، الذي تغلبت عليه بفارق ضئيل في الانتخابات التمهيدية لعام 2022، قرابة 750 ألف دولار.

في حين أن حملة عمر قد جمعت بالفعل ما يقرب من 5 ملايين دولار نقدًا، قبل الانتخابات التمهيدية في أغسطس/آب 2024.

كما جمعت "طليب" التي انتقدت إسرائيل بعنف في الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون 6.5 ملايين دولار وفقًا لآخر تقاريرها، ولم تواجه أي معارضة في سباقها لعام 2024 حتى الآن.

وقد شكلت بالفعل لجانًا مشتركة لجمع التبرعات مع كل من المرشحين بومان وبوش للمساعدة في تعزيز وضعهما المالي.

وكان رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون، وهو الرجل الثالث في السلطة بعد الرئيس ونائبته، والذي يأتي اسمه كأول شخص مدعوم من إيباك على موقعها الرسمي، أظهر قوة اللوبي في حماية إسرائيل ولو على حساب عزل أي رئيس أميركي يتأخر عن ذلك.

قال لقناة "CNBC" في 9 مايو/أيار 2024، إنه اتصل برئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ليتأكد من أن الرئيس الأميركي جو بايدن علق بعض الأسلحة للاحتلال من عدمه.

"جونسون" قال إنه فوجئ بجرأة (رئيسه) بايدن على تحدي إسرائيل، وأنه اتفق مع نتنياهو على "ضرورة بدء عزل بايدن" لأنه تجرأ ومنع نوعا من السلاح لتل أبيب.

دفع هذا أميركيين لوصف ما جرى بأنه إما "تآمر وخيانة عظمى من جونسون"، أو أنه مؤشر مهم وواضح على أن إسرائيل هي من تحكم أميركا فعليا.

قالوا إن التشاور مع زعيم أجنبي لتقويض السياسة الخارجية الأميركية، مجرد دليل قوي آخر على أن النخبة السياسية بأكملها في الولايات المتحدة تخضع لسيطرة تل أبيب، وأن "أميركا محتلة".

وبمتابعة صحيفة سوابق "جونسون" وعلاقته باللوبي الصهيوني يتبين أنه زبون دائم على موائد أموال "إيباك".

فقد قدمت "إيباك" مجموع تبرعات بقيمة 104 آلاف دولار لجونسون عام 2023، غالبيتها بعد بدء العدوان على غزة وبعد انتخاب الشخص المذكور كرئيس لمجلس النواب أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وهذا المبلغ يزيد أربع مرات تقريباً عن نحو 25 ألف دولار قدمتها المنظمة اليهودية لحملته الانتخابية النيابية السابقة، عندما كانت أيضاً أكبر متبرع له، كما أفاد تحقيق "إنترسيبت" السابق.

أيضا حصل مايك جونسون على مبلغ إضافي قدره 95 ألف دولار من إيباك وذلك بعد دعمه لمشروع قانون المساعدات لإسرائيل بقيمة 14 مليار دولار، وفق تحقيق لموقع "إنترسيبت" 20 يناير/كانون ثان 2024.

لذا عقب أميركيون على تآمره مع نتنياهو لعزل الرئيس الأميركي بقولهم: من الطبيعي أن يتصل بنتنياهو "ليسمع صوت سيده".

تأثير ممتد

وبالتزامن مع تصعيد إيباك نشاطه، كشفت مديرة المخابرات الوطنية أفريل هاينز، في جلسة استماع أمام مجلس الشيوخ، أن "عددا متزايدا" من الجهات الأجنبية تسعى للتأثير في الانتخابات، بحسب وكالة "رويترز" البريطانية 16 مايو 2024.

تحدثت فقط عن "رصد تزييف من قبل الصين وإيران وروسيا بهدف التأثير على الناخبين الأميركيين" دون ذكر دور اللوبي الصهيوني الداخلي (إيباك).

وسبق هذا قول السيناتور ليدنسي غراهام إنه يثق بإسرائيل أكثر من ثقته بوزير الدفاع الأميركي، وذلك بعد شكوى إسرائيل من حجب بادين نوعا معينا من السلاح عنها. 

وظهر خلاف بسيط بين بايدن ونتنياهو بسبب استخدام الاحتلال آلاف القنابل الثقيلة لقتل ألاف المدنيين في غزة ما شوه صورة أميركا عالميا.

وأوقف البيت الأبيض إرسال شحنة أسلحة تضم قنابل زنة 2000 طن تبيد المئات، وأخرى ذكية.

وفي حواره مع "سي إن إن" اعترف بايدن أن القنابل التي قدمتها أميركا لإسرائيل وأوقفتها الآن "استخدمت في قتل المدنيين".

لكن بايدن، ذكر في المقابلة مع شبكة "CNN" في 8 مايو 2024، أن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بالدفاع عن إسرائيل وستزودها بصواريخ اعتراضية وأسلحة دفاعية أخرى، "لكن إذا ذهبت إلى رفح، فلن نزودها بالأسلحة".

وبعد تهديد اللوبي الصهيوني ومسؤولين يتلقون أموالا من اليهود، وقعت المفاجأة وكشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" 15 مايو، أن إدارة بايدن، أخطرت الكونغرس، أنها ستعطي إسرائيل صفقات أسلحة جديدة تزيد قيمتها عن مليار دولار. 

وليس اللوبي الصهيوني فقط من ينفذ حملات دعم لمرشحي إسرائيل وتشويه أي معارض لتل أبيب بما في ذلك طلاب الجامعات، فهناك رجال أعمال كبار تآمروا على المظاهرات الجامعية بأميركا ويدعمون مرشحين مناصرين لتل أبيب.

تحقيق استقصائي نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية في 16 مايو 2024 كشف عن الدور الذي لعبته مجموعة من المليارديرات وعمالقة الأعمال في الولايات المتحدة، في التحريض والقمع الذي تعرضت له المظاهرات في الجامعات. 

التحقيق اعتمد على تسريب وصل الصحيفة من مجموعة واتساب، وأظهرت فيها المحادثات أن رجال الأعمال الداعمين للاحتلال هؤلاء، يعملون على تشكيل الرأي العام الأميركي حول الحرب في غزة.

وتوسعت المجموعة التي تحمل عنوان "الأحداث الجارية في إسرائيل"، حيث وصل عدد الأعضاء فيها إلى حوالي 100، كما يظهر سجل الدردشة.

وتظهر بالمجموعة أكثر من عشرة أسماء من رجال الأعمال تشملهم قائمة فوربس السنوية للمليارديريات، وآخرون يعملون في العقارات والتمويل والاتصالات.

وهؤلاء الأثرياء الداعمون لإسرائيل استخدموا أموالهم وسلطتهم في محاولة لتشكيل وجهات النظر الأميركية حول حرب غزة.

من بينهم الرئيس التنفيذي السابق لشركة "ستاربكس" للقهوة هوارد شولتز، ومؤسس شركة "ديل" للحاسبات، ومديرها التنفيذي مايكل ديل ومدير صندوق التحوط بيل أكمان، الملياردير اليهودي الذي طلب عدم تشغيل هؤلاء الطلبة حال تخرجهم.

ومؤسس شركة Kind للوجبات الخفيفة دانييل لوبيتزكي، والملياردير لين بلافاتنيك والمستثمر العقاري جوزيف سيت، إضافة إلى جوشوا مؤسس Thrive Capital وهو شقيق جاريد كوشنر، صهر الرئيس السابق دونالد ترامب.

ووصف "وضاح خنفر" المدير السابق لقناة الجزيرة هذه المجموعة بأنها "دليل آخر على فساد النخبة الأميركية وفزعها من صمود مقاومة غزة وتراجع سردية الاحتلال.

قال عبر إكس إن مجمع السلطة والمال يرتجف رعبا من ملامح مستقبل يرسمه طلبة الجامعات، والنخبة تدافع عن هيمنتها واحتكاراتها.