إحباط وحسرة وغضب.. موقع أممي يرسم صورة قاتمة للأمل في لبنان

قسم الترجمة | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يعاني اللبنانيون أوضاعا سياسية نقلت البلد العربي إلى وضع اقتصادي هو الأسوأ الذي يمر به منذ انتهاء الحرب الأهلية التي ضربته في القرن الـ20، ما رفع الأصوات المطالبة بإنقاذ لبنان من أزمته.

وفي يونيو/ حزيران 2021، قال البنك الدولي إن لبنان يعاني من كساد اقتصادي حاد ومزمن، ومن المرجح أن تصنف هذه الأزمة ضمن أشد 10 أزمات، وربما إحدى أشد ثلاث أزمات على مستوى العالم منذ منتصف القرن الـ19.

الصحفي والباحث اللبناني المقيم في بيروت كريم شهيب، كشف وجه الأزمة القاسية والمعقدة في لبنان وذلك عبر تقرير في موقع "ذا نيو هيومانيتريان The New Humanitrian"، الذي أسسته الأمم المتحدة.

شهيب، كتب يقول: "عشت في لبنان معظم حياتي، وعلى مدى السنوات الخمس الماضية كصحفي، قمت بتقديم تقارير عن كل شيء من الجمود السياسي ومحنة اللاجئين، إلى حقوق الإنسان والاقتصاد".

الباحث الذي يرتكز عمله على جانب حقوق الإنسان والمجتمعات المهمشة، يضيف: "لم يكن موطني الأصلي صورة الاستقرار أبدا".

ويتابع: "ولكن ما زال من المثير للصدمة مشاهدة الكثير من الناس يسقطون في براثن الفقر بهذه السرعة، إذ ينهار الاقتصاد تماما وتتبخر مدخرات (اللبنانيين)".

"منذ نهاية العام 2019، بدأت العملة في الاهتزاز، واتضح أن البنوك تعاني نقص الاحتياطيات، وارتفعت أسعار المواد الغذائية بشدة، وأصبح التزود بالوقود والأدوية مهمة صعبة"، وفق وصف شهيب.

الذي يؤكد أن "هذا ما أدخل لبنان في كارثة إنسانية شبيهة بكارثة طبيعية".

نتاج الحرب الأهلية

ويعتقد أن "ويلات لبنان من صنع الإنسان؛ فمنذ نهاية الحرب الأهلية عام 1990، مع تدفق المساعدات والقروض من أنحاء العالم، تحول قادة المليشيات إلى سياسيين ورجال أعمال".

"واتسمت العقود القليلة الماضية بالهدر في الإنفاق، والفساد المستشري، وعدم وجود خدمات اجتماعية قابلة للحياة، والافتقار التام للشفافية"، يوضح الباحث اللبناني.

يلفت إلى أزمة أخرى ويقول: "لطالما كانت المساعدات الإنسانية ضرورة لـ1.5 مليون لاجئ سوري، ومئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في لبنان".

"لكن مع وجود أكثر من نصف سكان هذا البلد الآن في حالة فقر، ​​وهو رقم مذهل يتوقع الاقتصاديون أن يرتفع، تضاعف عدد العائلات التي تطلب المساعدة".

الصحفي اللبناني يشير إلى حجم معاناة اللبنانيين ويوضح أنه تحدثت إلى شابة في منتصف العشرينيات، تعمل في ثلاث وظائف؛ وتكافح لدفع الفواتير".

ويرى أن "هؤلاء الأشخاص يحتاجون إلى المساعدة، لكنهم يحتاجون إلى أكثر من المساعدات النقدية أو الطرود الغذائية".

ويوضح أنه "إذا جرى الاستمرار في التعامل مع الأزمة الاقتصادية في لبنان على أنها أزمة لا تستحق سوى استجابة إنسانية، فسيتم تجاهل القضايا الهيكلية الرئيسة التي أوصلت لهذا الوضع".

شهيب، يلفت إلى أنه "مع سقوط لبنان في الهاوية، تمتلئ صفحاتي بمواقع التواصل الاجتماعي بمبادرات إنسانية لأجله".

"كيف يمكنني أن أقدم المساعدة؟"، سؤال طرحه طوال صيف 2021، أصدقاء وغرباء حول العالم وأفراد من الشتات اللبناني.. ".

يقول لهم الصحفي اللبناني: "استمروا في حشو حقائبكم بالمال، والأدوية، لكن اعلموا أن ذلك وحده لن يعيد الاستقلال الاقتصادي والاستقرار لمئات الآلاف من العائلات".

ويؤكد أنه "بدون تغييرات بالجملة في لبنان، أخشى أن ما سيأتي بعد هذا الصيف القاسي هو شتاء قاس".

هكذا يعانون

ويتابع الصحفي اللبناني في وقت سابق من يوليو/ تموز 2021، أعددت تقارير في طرابلس، ثاني أكبر مدينة لبنانية، ومركز التفاوت الاقتصادي الفظيع الذي طال أمده.

ويوضح أنه على الرغم من تاريخ طرابلس المليء بالفقر واندلاع العنف، أخبرني سكان المدينة أنهم "يتألمون أكثر من أي وقت مضى".

ويضيف: "أخبرني أحد أعضاء المجلس البلدي في طرابلس أن حوالي 85 بالمئة من المدينة تعيش حاليا تحت خط الفقر، في زيادة حادة بنحو 30 بالمئة عما كانت عليه قبل خمس سنوات". 

الاقتصاد اللبناني، ومنذ أن بدأ في الانهيار في سبتمبر/ أيلول 2019، تسبب في نقص الوقود مما زاد في معاناة معظم الأسر من انقطاع التيار الكهربائي الدائم.

شهيب، يعلق: "لحسن الحظ، في يوم زيارة لعائلة في حي باب التبانة، كان لدى علياء وعلاء ما يكفي من الكهرباء لتشغيل مروحة".

ويضيف: "بجانبهم كان وليد، زوج علياء ووالد علاء، مستلقيا على أريكة غير مريحة، ويجري توصيل خزان أكسجين له، وبالكاد يبدو واعيا بما يحدث".

ويوضح أن "وليد، نجا من السرطان منذ 10 سنوات، لكن العائلة لا تملك المال الكافي لإجراء الفحوصات لتشخيص وعلاج مرضه الآن، إذ يعاني من ألم شديد لدرجة أنه بالكاد يستطيع أن يأكل، ونومه القليل يحدث بفضل المسكنات".

أما علاء الذي يبلغ من العمر 20 عاما ولم يذهب المدرسة منذ منتصف سن المراهقة، كي يعمل ويرعى والده، فهو يتحمل عبئا أكبر مما يمكن أن يتخيله الآخرون في سنه، يصف شهيب الواقع الأليم.

ويؤكد أن  علاء، "في هذه الأيام، سئم من لبنان لدرجة أنه يفكر في ركوب قارب في منتصف الليل للقيام برحلة تتحدى الموت عبر البحر المتوسط​​، للوصول إلى جزيرة قبرص".

"في مخاطرة اضطر لها الكثير من اللبنانيين اليائسين خلال 2020 و2021"، وفق وصف الصحفي اللبناني

ونقل عن علاء، قوله عن حلم هذه الرحلة: "لم لا؟ إذا كان ذلك يعني أنني أستطيع إعالة أسرتي من خارج البلد، سأغادر بالطبع".

وعن مخاطرته بالغرق مثل كثير من اللبنانيين والسوريين الذين سلكوا نفس الطريق، أوضح الشاب اللبناني اليائس: "نعم الأمر يستحق كل هذا العناء.. إذا لم أتمكن من الحصول على الدواء لأبي في بلدي ، فلماذا إذن أبقى؟".

إحباط وحسرة وغضب

"بينما تضررت طرابلس بشدة، فإن بقية البلاد تعرضت للدمار الاقتصادي أيضا"، ويشمل ذلك العاصمة بيروت حيث يعيش كريم شهيب.

الباحث اللبناني يواصل وصف الحالة في بلاده عبر مقاله ويقول: "لم يعد الأمر مجرد حالة استثنائية لعائلات ضعيفة وفقيرة مثل أسرة علياء التي تعيش في ظروف معيشية سيئة".

ويضيف، أن "ما تبقى من الطبقة الوسطى تجد نفسها الآن غير قادرة على التقاعد كما هو مخطط له، وتضطر للبحث عن وظائف جديدة".

ويؤكد أن "البنوك تحولت من أماكن مملة تنتظر فيها في طابور إلى بؤر القلق والغضب والإذلال".

ويضيف: "مثل كثيرين آخرين، جربت حظي كل أسبوع لمعرفة عدد الدولارات التي سيسمح لي مصرفي بسحبها حتى لا تختفي مدخراتي بسبب التضخم"، لافتا لإحباطه الشديد بسبب القيود التي يفرضها البنك.

ويبين أنه "بينما كان الأمر محبطا لي، كانت مشاهدة كبار السن مؤلمة لي وهم في حيرة من أمرهم بسبب عدم السماح لهم بما يكفي من أموالهم لتغطية نفقاتهم".

ويقول: "رأيت مدير بنك يحاول تهدئة امرأة سبعينية، وأخبرها أن اللوائح لن تسمح لها بسحب ما تحتاجه، وبالطبع لم يخبرها أن البنك يحاول إنقاذ نفسه على حسابها".

"عادة ما تندلع المشاجرات في بعض البنوك، إلا أن بعض اللبنانيين جلبو أسلحة لإجبار الموظفين على السماح لهم بالسحب".

وفي هذا السياق يقول الباحث اللبناني: "رأيت صورة لأحد البنوك في عكار، (شمال لبنان)، إذ كان رجل ينتظر في طابور بنكي وعلى كتفه معول".

دولة فعالة

كان من الممكن وقف كل هذه المعاناة، في الوقت الذي ترسل فيه الحكومات والوكالات الإنسانية مئات الملايين من الدولارات من المساعدات إلى لبنان للغذاء.

وكذلك إرسال المعدات الطبية للمستشفيات العامة التي تعاني من نقص التمويل، والاحتياجات المتزايدة التي ظهرت بعد الانفجار المميت في ميناء بيروت في أغسطس/ آب 2020.

لكن، الصحفي اللبناني، يقول: "أخبرتني العديد من الجمعيات الخيرية ومجموعات الإغاثة أنها تحاول زيادة قدرتها على مساعدة المواطنين اللبنانيين، بعد سنوات من التركيز في الغالب على احتياجات السوريين والفلسطينيين".

"كما يوفر الشتات الكبير في البلاد شريان حياة لعائلاتهم عن طريق إرسال الأموال والإمدادات إلى الوطن".

وعلى الرغم من أن هذه المساعدة مهمة للغاية، كما لو كانت مسألة حياة أو موت للعديد من العائلات، إلا أنها لا تستطيع سد الاحتياجات المتزايدة.

ناهيك عن حقيقة أنه وبينما قد يتمكن أشخاص مثل علياء وعلاء ووليد من الحصول على بعض المساعدة من المنظمات غير الحكومية، فإنهم لا يريدون الاعتماد على الصدقات إلى الأبد.

"بل يريدون دولة فعالة مع فرص عمل وخدمات اجتماعية"، يواصل الباحث اللبناني توصيف الأوضاع في بلاده عبر مقاله.

ويبين أنه "بالإضافة إلى المساعدات الطارئة، يحتاج لبنان إلى مساعدات تنموية واقتصادية".

وكلاهما تم التعهد بهما بالفعل قبل الانفجار في مؤتمر عام 2018 في باريس، عندما تعهد المجتمع الدولي بتقديم 11.1 مليار دولار في شكل قروض وائتمان لمشاريع التنمية.

وكان الشرط آنذاك وكذلك شرط الوعود اللاحقة من الدول الأجنبية والبنك الدولي، هو أن يسن لبنان إصلاحات هيكلية أساسية لتنشيط اقتصاده الراكد.

لكن الحكومة لم تكن قادرة على الوفاء بوعودها لإعادة اقتصادها للازدهار، ولم يتم الاتفاق فعليا على تشكيل حكومة، بعد استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، إذ يتنازع القادة السياسيون غنائمهم بدلا من تمهيد طريق جديد أمام لبنان.

ويعلق شهيب: "وسواء كان الأمر يتعلق بتشكيل الحكومة، أو إدارة الكهرباء والنفايات، والبنية التحتية وأنظمة المياه، لا يبدو أن القيادة قادرة على تحقيق أهدافها، إذ تستخدم معاناة العائلات مثل عائلة علياء في طرابلس كأوراق مساومة".

ويوضح أنه "نتيجة لذلك، لا يثق الكثير من اللبنانيين في المؤسسات العامة، وهذا أمر مفهوم، فعندما هزت الاحتجاجات البلاد في نفس الوقت الذي بدأ فيه الاقتصاد يتعثر، التزم المجتمع الدولي بوعده ولم يتدخل للمساعدة".

"وحتى بعد انفجار الميناء المدمر (مرفأ بيروت)، أرسل فقط مساعدات إنسانية، بدلا من المساعدة في إعادة بناء البنية التحتية والاقتصاد اللبناني".

ويضيف شهيب: "عندما أقوم بإعداد بعض التقارير، غالبا ما تسألني العائلات التي أتحدث إليها عما إذا كان بإمكاني الدفع لهم مقابل مقابلة، أو ربطهم بمؤسسة خيرية لمساعدتهم على الوقوف على أقدامهم مرة أخرى".

"وفي أغلب الأحيان، يسألونني إذا كان بإمكاني مساعدتهم في العثور على وظيفة"، يتابع عبر مقاله.

ويضيف: "منذ انفجار بيروت، اقترح العديد من اللبنانيين أن تمر الأموال والإعانات عبر وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والجماعات المحلية". 

ويعتقد أن ذلك "يرسم صورة قاتمة لحالة الأمل في لبنان".

ويتابع: "وبعد أن تجرأ اللبنانيون في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول 2019، على الحلم بفصل جديد ونزلوا إلى الشوارع للمطالبة بالتغيير؛ لكن وبعد أقل من عامين، يبحث هؤلاء الآن عن الخيار الأقل سوءا".

الصحفي اللبناني، يتساءل: "لكن أي خيار؟، بعض العائلات فقدت منازلها وأعمالها في الانفجار ولم تحصل على أي مساعدة حكومية، مما راكم ديونها".

ويؤكد أن آخرين لجؤوا "للجماعات التابعة للأحزاب السياسية وشبكات المحسوبية سيئة السمعة".

لبنانيون، يوجهون أصابع الاتهام إلى "هم"، ويقصدون بذلك القيادة السياسية والمصرفيين الذين حرموهم من مدخرات حياتهم، واستخدموا أموال الضرائب لتحقيق مكاسب شخصية بدلا من تحسين ظروف وواقع بلد منهار.

ويميل معظم الناس، بمن فيهم علياء وعلاء، إلى الحصول على نفس قائمة التوقعات بالنسبة للحكومة: "فرص العمل، والوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم، والشفافية"، وفق شهيب، الذي شدد في خضم هذه الأزمة المعقدة على  دور المجتمع الدولي.

ويؤكد، أنه يجب أن "تكون مبدعا إذا أراد إيجاد طريقة لمساعدة هذا البلد على إعادة البناء على مستوى أعمق مما يفعله حاليا".

ويوضح أن "هذا لا يعني أن المساعدات الإنسانية يجب أن تتوقف بالنسبة للكثيرين في لبنان، فهو شريان حياة، لكنها أيضا مجرد ضمادة على جرح يحتاج إلى جراحة".