رغم اعتذار بعضهم.. كيف يمنع فنانو السيسي التئام جراح المصريين؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تغريدة فنان مصري شهير عن ندمه لتأييده السابق مجزرة فض اعتصام ميداني رابعة العدوية والنهضة بالقاهرة في 14 أغسطس/آب 2013، أحيت في نفوس الكثيرين "مأساة وألما" لحظة عصية على النسيان، خاصة بعد انزلاقات زملائه في تجسيد الحادث بنظرة نظام الانقلاب.

"كنت عبيط (ساذج) ومصدق كلامهم، إن العنف كان سببه ضرب النار على الجيش"، بهذه العبارة وصف الفنان عمرو واكد، طبيعة موقفه من تأييد فض الاعتصامات السلمية بميداني رابعة العدوية والنهضة، في أعقاب الانقلاب العسكري بقيادة قائد الجيش آنذاك عبد الفتاح السيسي، والذي أصبح رئيسا للنظام.

موقف واكد آنذاك كان يتماهى مع كثيرين انخدعوا بالآلة الإعلامية، واستجابوا لمعارك الاستقطابات حامية الوطيس، لكنه تراجع كما تراجع الذين استيقظت ضمائرهم بعدما شاهدوا "حقيقة المأساة وحجم الفاجعة"، نتيجة قمع أجهزة السيسي الأمنية للأبرياء. 

على الجانب الآخر، اتخذ أشخاص آخرون موقفا رماديا خلال السنوات الماضية، لكنهم انزلقوا مؤخرا إلى "نسق فج"، عبر أعمال درامية شوهت الاعتصامات، وبررت سفك دماء المصريين، كما فعل الفنان أحمد مكي وزميله كريم عبد العزيز في مسلسل "الاختيار 2" الذي تناول مذبحة "رابعة العدوية" بجملة من الأكاذيب وتحريف التاريخ، كما أقر كتاب ومؤرخون.

اعتذار واكد 

في 25 مايو/أيار 2021، غرد الفنان واكد عبر حسابه على "تويتر" قائلا: "أعتذر وبشدة لكل ضحايا رابعة والنهضة الأبرياء عن كلامي".

وأضاف: "بعدما قرأت تقرير لجنة تقصي الحقائق بتاعهم (منظومة الانقلاب) الذي ورد فيه أن عدد السلاح المحرز كان حوالي 15 قطعة أرى أن قتلهم لقرابة الألف مواطن يجعل هذه أسوأ مذبحة للأبرياء في تاريخ مصر".

وأشار واكد إلى تصريحات سابقة له في مقابلة تلفزيونية برر فيها مذبحة رابعة، ومؤيدا السيسي فيما أقدم عليه. 

وعلق على هذا المقطع: "سيظل كلامي في هذا الفيديو وصمة عار علي ما تبقى لي من العمر".

واختتم حديثه مبديا الندم الشديد: "أتمنى أن يسامحني الضحايا وأهاليهم وأن ربي يقبل توبتي".

كلمات عمرو، لاقت تفاعلا كبيرا في الأوساط الإعلامية والعامة، ومن أبرز الذين تفاعلوا معه الناشطة ياسمين عبد الفتاح، زوجة أحمد عمار، أحد شهداء فض رابعة، قائلة في تغريدة ردا على واكد: "أنا زوجي استشهد في رابعة وأكيد اعتذارك أقبله، وعلى راسي كمان".

وأضافت: "أشكرك على موقفك وأتمنى كل شخص يراجع مواقفه من الدم، لأن الاستمرار في الشماتة والظلم نتيجته مرعبة يوم القيامة".

هذا الموقف دفع صانع الأفلام الوثائقية المصري، أسعد طه، للتعليق قائلا: "من لديه شجاعة عمرو وتسامح ياسمين". 

وبسبب مواقفه المعارضة من رئيس النظام، يواجه واكد أحكاما عسكرية بالسجن تصل إلى 8 سنوات، ففي 9 سبتمبر/أيلول 2019، شن هجوما على السيسي مشاركا عبر هاشتاج "كفاية بقى يا سيسي". 

وتساءل واكد حينها عن جدوى الضرائب التي يدفعها المواطن لـ"تبددها مجموعة من الضباط دون رقابة".

كما اتهم السيسي بارتكاب 5 جرائم منذ وصوله إلى حكم مصر، أبرزها على حد تعبيره، خسارة السيادة على جزيرة تيران وصنافير، وخسارة السيادة على نهر النيل.

وأضاف واكد: "خسرنا أبسط حقوقنا وحرياتنا، وخسرنا كفاءات وشخصيات وطنية إما محبوسة وإما منفية، وكسبنا الفساد والتخوين والحبس والاعتداء على كل من يحارب الفساد".

مواقف حاسمة

يعتبر واكد واحدا من أشد وأشرس الفنانين المعارضين لحكم السيسي، مع مجموعة أخرى من زملائه إضافة إلى سياسيين، وشخصيات عامة. 

ومن أبرز المعارضين الفنان خالد أبو النجا، الذي كان مؤيدا بشدة للانقلاب العسكري، والإطاحة بالسلطة المنتخبة عام 2013. 

وقال أبو النجا في 13 أغسطس/آب 2015، إن "ما حدث في رابعة العدوية مثل نقطة تحول أساسية في الأحداث بعد الانقلاب على الرئيس محمد مرسي"، مضيفا: "رغم اختلافي في الرأي مع المتظاهرين في رابعة العدوية، إلا أن فض الميدان بالقوة مثّل خطوة إلى الوراء، وأنه لا حل حاليا إلا بتنحي السيسي".

وذكر في تصريحات صحفية أنه "لا يرى ضوءا في آخر هذا النفق المظلم الذي جرنا إليه السيسي، سواء بالفض أو الفكر الأمني الفاشل، ثم بلوى تكميم الأفواه لأي رأي مخالف"، مشددا في الوقت ذاته أن "على السيسي التنحي، والاعتراف بفشل فكرة رجوع العسكر إلى سدة الحكم". 

ويعتبر السياسي حازم عبد العظيم، أحد أبرز المتراجعين عن تأييد الانقلاب العسكري، ودعم فض الاعتصامات، حيث إنه كان من المفوضين للسيسي، وطالبه صراحة بفض رابعة، وأعلن أن الاعتصام كان مسلحا، وشارك بقوة في حملته الانتخابية للترشح للرئاسة عام 2014.

عبد العظيم فاجأ الجميع عندما تراجع عن موقفه السابق في تصريحات صحفية، وقال إن "الاعتصام لم يكن مسلحا"، وأضاف "لو كنت رأيت المستقبل لن أدعم 3 يوليو/تموز 2013 (الانقلاب) ولا تفويض 26 يوليو/تموز، ولن أدعم نهائيا أي بديل من المؤسسة العسكرية".

وهاجم عبد العظيم، السيسي والحكم العسكري بضراوة حين صرح أن السيسي "قضى على السياسة، وأمم الإعلام، وكمم الأفواه، وخالف الدستور، وحبس الشباب، وشكل برلمانا منبطحا، وأخلف وعوده، وأفقر الشعب، وفرط في الأرض، وورط الجيش في صراع سياسي" مشددا على أن "نظام السيسي فرط بوضوح في الأرض، والتفريط خيانة". 

موغلون في الدم

وعلى النقيض من النماذج السابقة، فرغم انزلاق كثير من الفنانين إلى حالة الاستقطاب القصوى إبان أحداث 30 يونيو/حزيران 2013، ودعمهم للانقلاب العسكري، ووجودهم في طليعة المفوضين للسيسي لفض الاعتصامات السلمية، لكن بعضهم اتخذ موقفا متحفظا ولم يبد تصريحات استفزازية، وكان منهم مكي المحبوب جماهيريا، وكذلك عبد العزيز. 

واستمر الوضع على ما هو عليه طوال السنوات الماضية، وفي رمضان 2021، صدم مكي وعبد العزيز الجماهير بالمشاركة في مسلسل "الاختيار 2" من إنتاج "المتحدة للخدمات الإعلامية" التابعة لجهاز المخابرات.

المسلسل تناول فض الاعتصامات وقتل المدنيين وفقا لرواية النظام، ومبررا للمذبحة الدموية التي راح ضحيتها نحو ألف مواطن في ساعات معدودة. 

وأثار تحول مكي في موقفه ودعمه للقتل بعد سنوات من الصمت، حفيظة الجماهير، التي أطلقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاج "مكي عميل العسكر". 

وفي نفس السياق يأتي عبد العزيز الذي حمل قصة متناقضة تماما، حيث شارك بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، في مسلسل "الهروب"، مجسدا شخصية شاب مصري، ضحية لانتهاكات أمن الدولة المريعة، وتعرض للتعذيب والتنكيل على يد الضباط، وكان كريم آنذاك يقدم تجسيدا لمعاناة آلاف المواطنين الذين كانوا ضحايا سراديب أمن الدولة. 

وخلال فض ميادين رابعة والنهضة، لم يظهر عبد العزيز الشماتة أو التبرير في قتل المئات، واستمر مقدرا في عيون الجماهير لعدم انجراره إلى الانقسام المجتمعي، أو الخطاب التحريضي.

غير أن انضمامه رفقة زميله مكي، في لعب بطولة مسلسل "الاختيار 2"، عبر دور ضابط أمن الدولة، صاحب البعد الإنساني الهادئ، أثارت سخرية قطاع واسع من الجماهير، نظرا لمعرفتهم بأساليب ضباط الأمن الدموية، وطرقهم الاستثنائية في الجلد والتعذيب. 

محاباة عبد العزيز لنظام السيسي، والمشاركة في تزييف التاريخ، والانقلاب على مواقفه السابقة، نحو الأسوأ، ساهم في تراجع شعبيته، وانتقاده على صفحات منصات التواصل الاجتماعي، ومن شخصيات فنية وعامة.

الباب مفتوح

ويرى الباحث الحقوقي المصري، مصطفى عزالدين، أن "الحل الوحيد لإنقاذ مستقبل مصر، ولئم جرح سيستمر لأجيال قادمة، هو تحقيق مصالحة مجتمعية، لتجاوز حالة الاستقطاب الدموية التي تمت منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز 2013، عندما وقف السيسي وطلب من الشعب تفويضا وأمر بفض الاعتصامات السلمية، مخلفا آلاف القتلى".

وأضاف عزالدين في حديثه لـ"الاستقلال"، أن "أول طريق العودة هو الاعتذار الشجاع الصادق الذي لا لبس فيه، مثل الذي فعله الفنان واكد".

وشدد على أن "أهمية موقف واكد تتجاوز حالته الفردية، بكونه نموذجا للمصريين، يفتح الطريق أمام آلاف الأشخاص الذين أيدوا الجنرال في لحظة غفلة، ونتيجة للحالة الجنونية الناجمة عن الخطاب الإعلامي التحريضي الذي مهد للتفويض، وساهم في إراقة دماء المصريين".

وأكد عزالدين أن "هناك الكثير مثل واكد من مثقفين وأصحاب رأي وفكر، ولكن مع الأسف لا يملكون شجاعة الاعتذار التي امتلكها الفنان ومن هم على شاكلته".

من جانبه، قال الأستاذ بجامعة الأزهر، محمد أبوزيد، إن "مؤيد الدم كمن قتل، وذلك مصداقا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم (إذا عملت الخطيئة في الأرض، كان من شهدها فكرهها، كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها، كان كمن شهدها)، ولا توجد خطيئة أكبر من قتل المسلم بغير وجه حق إلا الكفر بالله، والتأييد والدعم هو جريمة مماثلة".   

وأضاف لـ"الاستقلال"، أن "رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيضا في ذلك الأمر (من قتل مؤمنا فاغتبط بقتله، لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا) فالذي يؤيد ويفرح بإراقة دم المسلمين، ولا يتوب عن ذلك، لا يقبل منه شيء من الخير ولا العدل بحسب الحديث النبوي".

وفي تعليقه على موقف واكد، والذين تراجعوا عن دعم المذابح في رابعة والنهضة أثناء الانقلاب العسكري، قال أبوزيد: "نسأل الله أن يتقبل توبتهم بقبول حسن، ويحسب لهم الموقف، على ألا يرجعوا لمثل هذا أبدا، ويوضحوا ويبينوا للناس الحقيقة، كما أفاء الله عليهم بالرؤية والبصيرة، فغيرهم لا يعلم أو يجبن عن إعلان موقف مماثل". 

وشدد الداعية الإسلامي على أن "الأمر يحتاج إلى توبة، ويحتاج إلى تفكير أيضا، بالسعي إلى رفع الظلم وإزالته، ومحاولة نصرة المظلومين، ومساعدة أهالي الشهداء قدر المستطاع، ودعمهم نفسيا وماديا، فهذا من حسن التوبة، وإظهار صدقها".