كعكة روما وباريس في ليبيا.. هل تتغير ملامحها بعد عملية حفتر؟

محمد العربي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

الحرب التي يشنها الجنرال المتقاعد خليفة حفتر على العاصمة الليبية طرابلس، كشفت عن حرب أخرى تشهدها الساحة الليبية لكن في الخطوط الخلفية حيث تدور رحاها بين كل من إيطاليا وفرنسا، وتتخذ أشكالا سياسية واقتصادية وعسكرية.

باريس (بجانب مصر والإمارات والسعودية) لا تخفي دعمها القوي لحفتر الذي يخوض حاليا معركة من أجل الاستيلاء على العاصمة، لفرض أمر واقع، يقضي على آمال إنهاء الاقتتال الليبي، والتوصل لأهم مراحل الحل السلمي السياسي، بإجراء الانتخابات التشريعية، في إطار الجهود الدولية لإعادة ضبط الأمور في هذا البلد مرة أخرى، بعد سنوات من الصراع المسلح.

على الجانب الآخر كانت إيطاليا واضحة بتحريك الاتحاد الأوروبي من أجل وقف الاقتتال الذي بدأه حفتر ضد حكومة التوافق الوطني بقيادة فايز السراج، كما أنها تناغمت مع المحور المضاد والذي تقوده قطر وتركيا.

ورغم أن إيطاليا تتحرك حتى الآن ضمن المسارات الدبلوماسية والسياسية، إلا أن تقارير صحفية وإعلامية غربية، أشارت إلى أن روما ربما تجاوزت الدعم السياسي لآخر عسكري لدعم حكومة الوفاق، حتى لا تقع طرابلس في يد حفتر، أو بالأحرى لا تقع في يد باريس.

أوراق إيطالية

إيطاليا من جانبها استخدمت ورقة المهاجرين والنازحين من ليبيا نتيجة المعارك الدائرة، للضغط على الاتحاد الأوروبي من أجل التحرك لإيقاف قوات حفتر، وهي الورقة التي استخدمها رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، خلال مؤتمر صحفي جمعه مع وزير الخارجية القطري، بالعاصمة الإيطالية روما قبل عدة أيام.

كونتي أعلن رفضه القاطع لحملة حفتر وطالبه بسحب قواته المشاركة في الهجوم على العاصمة طرابلس، مؤكدا أن الأعمال العسكرية ليست سبيلا لتحقيق الاستقرار، محذرا في الوقت نفسه من حدوث أزمة إنسانية، سيكون لها تأثيرات مدمرة، على بلاده وعلى دول الاتحاد الأوروبي، وكذلك تأثيراتها على مصلحة الشعب الليبي نفسه.

وبعد أقل من يومين على هذا المؤتمر الذي كان أول إعلان رسمي للموقف الإيطالي من الحملة الراهنة، التي بدأت في الرابع من أبريل/ نيسان الجاري، مارس نائب رئيس وزراء إيطاليا، ضغطا جديدا على الاتحاد الأوروبي من أجل التحرك لوقف الحملة العسكرية ضد طرابلس، بإعلانه رسميا أن حكومته سوف تتصدى بكل حزم لقوارب الهجرة القادمة من ليبيا، محذرا من أن قوارب المهاجرين يمكن أن يكون على متنها كثير من الإرهابيين الذين يهددون بلاده وكذلك باقي دول الاتحاد الأوروبي.

دعم مخابراتي

على الجانب الآخر نقلت وسائل إعلام عالمية عن مصادر عسكرية وسياسية ليبية، قيام الطائرات الفرنسية بالتحليق في سماء طرابلس، لتقديم الدعم لقوات حفتر، للسيطرة على العاصمة، بالإضافة للدعم المخابراتي والآخر الخاص بالاستطلاع، ووصول خبراء فرنسيين عسكريين لتقديم الدعم لقوات حفتر على الأرض، من أجل حسم المعركة لصالحه.

ورغم نفي فرنسا تنسيقها المسبق مع حفتر، وإصدارها بيانات تستنكر العملية العسكرية الجارية، ومطالبتها بسحب قواته حرصاً على العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة، إلا أن وكالة رويترز نقلت عن دبلوماسيين فرنسيين تأكيدهم أن فرنسا عطلت صدور بيان الاتحاد الأوروبي الذي دعا حفتر لوقف زحف قواته باتجاه العاصمة الليبية.

ونقلت مواقع صحفية، عن مقربين من رئيس حكومة الوفاق الليبية، فايز السراج، انزعاجه من الموقف الفرنسي الداعم لحفتر ضمن داعمين آخرين في الرياض وأبو ظبي، استطاعوا إفشال صدور قرار من مجلس الأمن الدولي يلزم حفتر بوقف عمليته العسكرية.

النفط الليبي

وحسب التقارير الدولية المتابعة للوضع الليبي فإن رئيس الوزراء الإيطالي لم ينكر قبل أسبوعين من بدء عملية حفتر الأخيرة، وجود نشاط مخابراتي إيطالي في ليبيا، وهو ما كشفه تقرير لموقع ilsole24ore الإيطالي والذي أكد أن رئيس الوزراء كونتي، أكد ذلك أمام البرلمان في حضور عدد من رجال المخابرات والقيادات العسكرية الإيطالية.

وتشير تحليلات أخرى إلى أن إيطاليا تتحرك في الشأن الليبي انطلاقا من عدة مصالح، جزء منها اقتصادي وجزء آخر سياسي وأمني، حيث ترتبط إيطاليا بليبيا بعقود نفط وغاز طويلة المدى تم توقيعها خلال حكم القذافي، ما جعلها أكبر مستفيد من النفط الليبي.

تحصل روما على ما لا يقل من 25% من إنتاج النفط الليبي، وهو ما يمثل 80% من احتياجات إيطاليا من النفط، بالإضافة لاعتمادها على الغاز الليبي في توفير ما لا يقل عن 12% من احتياجاتها عن طريق الامتيازات التي حصلت عليها شركة إيني الإيطالية في الأراضي الليبية.

وتمثل قضية الهجرة هاجس آخر تعيشه إيطاليا نتيجة انفلات الأوضاع في ليبيا، حيث تعد الشواطئ الليبية نقطة انطلاق للهجرة غير الشرعية التي تتلقاها الشواطئ الإيطالية التي لا تبتعد عن مثيلتها الليبية سوى 300 كيلو ميل بحري، ما جعل إيطاليا قبلة للمهاجرين الأفارقة والعرب، بالإضافة لتخوفها الذي كشفه نائب رئيس الوزراء الإيطالي من أن هذه القوارب تحمل على متنها مئات العناصر المنضمة لتنظيم الدولة، وهو ما يمثل خطرا على إيطاليا وكل أوروبا.

مصالح فرنسية

فرنسا التي اعترفت بوجودها العسكري والمخابراتي في ليبيا على لسان رئيس الوزراء السابق أولاند، بعد مقتل 3 من جنودها في يوليو/ تموز 2016، دعمت قوات حفتر في عملية بنغازي، وعدد من العمليات الأخرى بحجة محاربة تنظيم الدولة، إلا أن صحيفة لوموند الفرنسية أكدت أن الوجود العسكري لفرنسا، له أهداف أخرى، وهو حماية المصالح الاقتصادية لشركة توتال الفرنسية التي استطاعت مزاحمة شركة إيني الإيطالية في حقول النفط والغاز الليبيين.

استطاعت شركة "توتال" الفرنسية، وبعد جهود عديدة، أن تحصل في عام 2018 على حصة شركة "ماراثون أويل" الأمريكية بشركة الواحة الليبية، لاستغلال موارد نفطية بليبيا، مقابل 450 مليون دولار، وهو الاتفاق الذي وصفته توتال بأنه تعزيز لقوتها التاريخية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وفي تحليل لقناة فرانس 24، فإن فرنسا تهتم بشكل خاص بمنطقة الساحل الإفريقي، ليس من أجل النفط فقط، وإنما من أجل اليورانيوم المستخرج من هذه المنطقة، كما أن الحكومة الفرنسية ترى في الجنوب الليبي امتدادا لمستعمرتها القديمة الغنية بالنفط والموارد الطبيعية، حيث ترى حصتها غير عادلة مقارنة بإيطاليا.

وترى القناة الفرنسية أن خطوات الرئيس الفرنسي الحالي، إيمانويل ماكرون، بمحاولة التوسط بين الفرقاء الليبيين، وخاصة في الجنوب والغرب، هى محاولة لإعادة الدور الفرنسي في ليبيا، الذي بدأه الرئيس الأسبق ساركوزي مع معمر القذافي، قبل ترحيب ساركوزي بالثورة الليبية ضد صديقه القديم.

وحسب المحللين فإن ماكرون يعول على حفتر في استعادة الدور الفرنسي بليبيا، القريبة من مناطق النفوذ الفرنسي السابقة في منطقة شمال إفريقيا، بالإضافة لرغبة ماكرون في استعادة حصة بلاده من الغاز في حوض "نالوت" بغرب ليبيا، وهي الحصة التي ألغاها القذافي قبل ثورة فبراير/شباط 2011 بعدة أشهر.

هذه التحركات الفرنسية، دفعت وزير الخارجية الإيطالي، للإعلان صراحة أن الدور الفرنسي في ليبيا يهدد الأمن القومي الإيطالي نفسه، في ظل قناعة روما بأن باريس تعمل بكل طاقتها لتهميشها ليس في ليبيا فقط، وإنما في المغرب العربي ككل.

تأثيرات الصراع

المتابعون للصراع الإيطالي الفرنسي، اتفقوا على أن الخاسر الأساسي هو الشعب الليبي، كما أن تنظيم الدولة الذي تزعم الجارتين الأورويبتين أنهما تحاربانه، يعد من أكثر المستفيدين من هذا الصراع والتسابق على ثروات الشعب الليبي.

وتشير تحذيرات أطلقها راديو "صوت أمريكا"، إلى أن الخلاف الإيطالي الفرنسي، الذي خرج إلى العلن، يساعد في عودة تنظيم الدولة للظهور مرة أخرى بعد أن توارى عن الأنظار خلال السنوات الماضية.

ونقلت الإذاعة الأمريكية عن المحلل الليبي مصطفى الفيتوري، قوله إن "النزاع الفرنسي الإيطالي سيواصل جعل الليبيين يختلفون بين بعضهم البعض، وهذا الخلاف سيفتح الطريق أمام الجماعات المتشددة مثل تنظيم الدولة  والقاعدة والمجموعات المحلية والمتطرفين الآخرين".

بينما أكد دايفيد جارتينشتاين روس، الخبير بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات بواشنطن، في نفس التقرير "أن التوترات المستمرة بين إيطاليا وفرنسا حول ليبيا من شأنها أن تقوض جهود أوروبا لمكافحة الإرهاب في ليبيا في وقت حرج"، موضحًا أنه "من المحتمل أن يؤدي هذا الصدام الفرنسي الإيطالي إلى سياسات أوروبية أكثر تعارضًا مع مكافحة التطرف تجاه ليبيا".

وفي تحليل آخر للباحث الليبي جبريل العبيدي، في سلسلة مقالات بجريدة الشرق الأوسط اللندنية، فإن هذا الصراع على الكعكة الليبية، "يقوض جهود مكافحة الإرهاب والفوضى في ليبيا، ويمكّن تنظيم الدولة وأخواته من التمدد، ويزيد من معاناة الشعب الليبي، الذي ضاق بالفوضى والإرهاب وضنك العيش، وسوء إدارة الموارد الطبيعية، رغم أنه يطفو على بحيرة نفط تكالبت الأمم عليها، وتسببت في عودة المستعمر لها من أبواب شتى".