جماعات الهيكل المتطرفة في الانتخابات: ربح نتنياهو وخسر اليمين

عبدالله معروف | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لا يكاد يشك محلل أو مراقب أن اليمين الصهيوني قد فاز بالانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، وإن كان فوزاً بنكهة غير واضحة المعالم، فحزب الليكود حصل في النتائج النهائية على 35 مقعداً في الكنيست، في الوقت الذي حصل المنافس الأقوى له الذي يمثل اليسار وهو تكتل (أزرق أبيض)، بزعامة بيني غانتس على 35 مقعداً أيضاً!

وبذلك تتجه بيضة القبان لتستقر مرة أخرى في سلة الأحزاب الصغيرة التي ستصيغ شكل الحكومة الإسرائيلية القادمة، وإن كانت أغلب التوقعات تشير إلى تمكن بنيامين نتنياهو من تشكيل الحكومة المقبلة من خلال أحزاب اليمين التي تمتلك حالياً أغلبية مريحةً نسبياً في الكنيست الإسرائيلي، بواقع 8 مقاعد لحزب (شاس)، و8 لحزب (يهدوت هتوراه)، و5 مقاعد لحزب (اتحاد اليمين)، و5 لحزب (إسرائيل بيتنا)، و4 لحزب (كلنا)، بمجموع يصل إلى 65 مقعداً، بينما حصل اليسار على ما مجموعه 55 مقعداً موزعةً على 35 مقعداً لحزب (أزرق أبيض)، و6 لحزب العمل، و4 لحزب (ميريتس)، إضافةً إلى 10 مقاعد للأحزاب العربية.

لكن ما لفت نظري في هذه الانتخابات في الحقيقة لم يكن متعلقا بنسب اليمين واليسار في الكنيست الصهيوني بقدر ما كان متعلقا بنتائج جماعات المعبد المتطرفة، وهي المتخصصة –إن صح التعبير– في تنفيذ الاعتداءات على المسجد الأقصى المبارك وتحشيد الشارع الصهيوني ضد المسجد لإيجاد موطئ قدم دائم لليهود داخل المسجد الأقصى بصيغة الاقتطاع.

وكانت هذه الجماعات قد وضعت ثقلها في هذه الانتخابات في ثلاث خانات: حزب الليكود، وحزب (اتحاد اليمين)، وحزب زيهوت "الهوية" المتطرف بزعامة موشيه فيغلين. وجميع أعضاء هذه الجماعات المعروفين تقريباً ترشحوا على قوائم هذين الحزبين باستثناء أوري أريئيل وزير الزراعة السابق الذي لم يترشح للانتخابات أصلاً، كما أن شخصيتين من أقوى الشخصيات التي كانت تدعم هذه الجماعات في الحكومة الإسرائيلية، وهما وزير التعليم السابق نفتالي بينيت ووزيرة العدل السابقة آيليت شاكيد، أسسا حزباً جديداً باسم (اليمين الجديد) بعد انشقاقهما عن حزب (البيت اليهودي) ولكن حزبهما فشل في الوصول إلى الكنيست.

من بين أهم شخصيات هذه الجماعات المتطرفة الحاخام المتطرف (يهودا غليك) الذي ترشح للانتخابات على قائمة حزب الليكود، ويعد أهم شخصية متطرفة بين جماعات المعبد، ويعد عراب فكرة اقتحامات المسجد الأقصى المبارك وتغيير الوضع القائم فيه بالقوة، وكذلك ترشح (أورون حازان)، وكلاهما فشل في الوصول إلى الكنيست. كما أن حزب الهوية بزعامة موشيه فيغلين فشل في تأمين الحد الأدنى من الأصوات للوصول إلى الكنيست، وهذا يعني أن أهم الشخصيات الدينية التي تتزعم حركات الاقتحامات والاحتجاجات الصهيونية الداعية إلى تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى المبارك والسيطرة على أجزاء منه في الوقت الحالي على الأقل قد فشلت.

يبقى من بين الشخصيات المؤيدة لهذه الجماعات المتطرفة وزير الأمن الداخلي جلعاد أردان الذي فاز بمقعد في الكنيست عن حزب الليكود، وهو الآن يمكن أن يعتبر الشخصية الأقوى من بين أنصار هذه الجماعات، فهو الشخصية التي غيرت في الحقيقة من عقيدة الشرطة الإسرائيلية في المسجد الأقصى المبارك وعدلت من طبيعة عملها لتتحول إلى حماية الاقتحامات الصهيونية وتأمين كل ما يلزم لتصل هذه الجماعات المتطرفة إلى مبتغاها، وهو المسؤول عن تحويل الشرطة الصهيوينة في منطقة المسجد الأقصى المبارك لتصبح طرفاً واضحاً في الصراع داخل المسجد بعد أن كانت تتباهى سابقاً أنها "تنفذ القانون" وأنها تقف على "الحياد" في منطقة المسجد!

وبالتالي أصبحت صورة قوات الاحتلال في المسجد الأقصى المبارك –باعتبارها طرفاً معادياً بالكامل للمسلمين في المسجد– واضحةً وضوح الشمس، ولا يمكن لأحد أن يدافع عنها من بعض الأصوات النشاز الذين كانوا إلى الأمس القريب يجادلوننا في الإعلام في كون هذه الشرطة ليست طرفاً مباشراً أو ليست مسؤولةً مسؤولية مباشرةً عن الاعتداءات على المسجد الأقصى المبارك، وأنه يفترض بالمسلمين "عدم استفزازها" حسب ادعاءات بعض الأصوات بين الحين والآخر.

إلا أن جلعاد أردان يبقى محسوباً على المعسكر العلماني لا الديني، فهو ليس حاخاماً، وليس من المحسوبين على التيار الديني الحريدي مثلا، وإنما يمكن القول أن تقربه من هذه الجماعات ليس أكثر من استفادةٍ من دعمها، وهو ما تحقق له في هذه الانتخابات، فقد كسب أصوات هذه الجماعات فيما فشلت هي في إرسال أغلب ممثليها للكنيست! ونفس الأمر يمكن قوله في حالة الوزيرة ميري ريغيف التي فازت عن حزب الليكود، وكانت قد أعلنت أكثر من مرة دعمها لجماعات المعبد المتطرفة.

هذا يعني أن كتلة أعضاء هذه الجماعات المتطرفة أو الشخصيات المؤيدة لها قد انخفضت في الكنيست الإسرائيلي إلى حوالي 8 شخصيات في الوقت الحالي بعد أن كانوا ممثلين في الكنيست الماضي من خلال 13 عضواً يعتبرون جزءاً أو مؤيدين لهذه الجماعات، وهؤلاء الثمانية المعروفون الآن في الكنيست هم: وزير الأمن الداخلي جلعاد أردان، والوزيرة ميري ريغيف، والمتدين إيلي بن دهان، وتسيبي حوطبلي، والوزير تساحي هنغبي، وزئيف ألكين عن حزب الليكود، إضافةً إلى كل من بتسلال سموطريتش وموطي يوغيف عن حزب اتحاد اليمين.

يمكن هنا أن يقول قائل إن هناك شخصيات يمكن أن تدعم لاحقاً هذه الجماعات ممن دخلوا حديثاً للكنيست وهم غير معروفي التوجهات بوضوح فيما يتعلق بقضية المسجد الأقصى المبارك مثل شلومو قرعي عن حزب الليكود، وعيديت سيلمان عن حزب اتحاد اليمين، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن قوة هذه الجماعات في الكنيست بقيت كما هي! فالحقيقة الناصعة اليوم في الكنيست الإسرائيلي فيما يتعلق بهذه الجماعات المتطرفة بالذات هي أن رموز هذه الجماعات التاريخية –وعلى رأسهم الحاخام يهودا غليك– خارج الكنيست، وبالتالي فهم لم يعودوا يستفيدون من حصانة الكنيست التي استغلوها في الشهور الماضي خلال اقتحامات المسجد الأقصى.

كما أن عدداً من أهم الشخصيات التي شكلت غطاءً لهذه الجماعات في الحكومة الإسرائيلية (مثل نفتالي بينيت وآيليت شاكيد وأوري أرئيل) باتوا جميعاً خارج الكنيست وبالتالي خارج تشكيلة الحكومة الإسرائيلية، ولم يبق إلا التعويل على شخصيات مثل جلعاد أردان وتساحي هنغبي وزئيف الكين، وهؤلاء جميعاً في الحقيقة علمانيون لا يحملون الانتماء الديني الذي تنادي به هذه الجماعات وإن كانوا يشكلون لهم الغطاء الأقرب لالتقاء المصالح!

ويمكن القول هنا إن حالة التشظي في التيار المتدين الذي تمثله هذه الجماعات المتطرفة قد لعب ضدها هذه المرة حتى وإن كان لمصلحة اليمين الصهيوني عموماً، وكانت المحصلة أن نتنياهو فاز بالفعل، لكن جماعات المعبد المتطرفة خسرت.