رغم خلافاتها مع الأسد.. لماذا تهتم روسيا بطائفة الدروز في سوريا؟

مصعب المجبل | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لا يزال النظام السوري يقلب ملف محافظة السويداء، وإن كان عبر كفة روسيا في محاولة لتحديد مصير المحافظة ذات الغالبية الدرزية وتسوية القضايا العالقة فيها منذ تسع سنوات، وسط صراع خفي على النفوذ بين طهران وموسكو في الجنوب السوري.

تبدو روسيا أكثر حماسا في كسب ورقة السويداء إلى صفها، ويظهر هذا جليا من خلال التكثيف غير المسبوق لاجتماعات ضباط روس مع قادة ووجهاء طائفة الدروز في المحافظة والتي يقتصر نفوذ النظام السوري فيها على مبان حكومية، وقطع عسكرية بريفها.

وشكل لقاء السفير الروسي لدى إسرائيل، أناتولي فيكتوروف، في قرية جولس بالجليل الغربي، مع الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في فلسطين المحتلة، الشيخ "موفق طريف"، في الأول من مايو/أيار 2021، محاولة من موسكو للضغط على الدروز من خارج المحافظة.

خاصة أن بيان الشيخ "طريف" أكد على أن السفير الروسي بحث معه عدة قضايا تتعلق بأبناء الطائفة في سوريا. 

لكن اللافت في اللقاء هو تناول المسائل العالقة والتي لم تجد لها موسكو مخرجا مع شيوخ الدروز في الداخل السوري، وعلى رأسها عودة السويداء التي تنتشر فيها فصائل محلية إلى سلطة النظام السوري، وإجراء تسويات للشباب الفارين والمتخلفين عن الخدمة الإلزامية في صفوف قوات الأسد، لما في ذلك من تأثير على الأوراق التفاوضية لدى النظام.

اهتمام بالدروز

وقدم الإعلامي السوري نورس عزيز، لمحة موجزة عن بداية التحركات الروسية في السويداء، بدافع من النظام السوري بهدف كسر شوكة الفصائل المحلية التي منعت النظام من أي اعتقالات لمناهضين له أو السوق الإجباري لأبنائهم للخدمة الإلزامية وزجهم في المعارك التي يخوضها لإخماد الثورة، معتبرين أن الحرب في سوريا طائفية.

وقال عزيز المنحدر من السويداء في تصريح لـ"الاستقلال"، إن "أول زيارة للروس للسويداء كانت عام 2017 والتقوا حينها بمسؤولين من النظام.

وكان لدى الروس تقارير من النظام تفيد بوجود مجموعات إرهابية يجب القضاء عليها ويجب تسليم سلاحها، وكان المقصود هنا رجال الكرامة وهو فصيل أهلي محلي، وفق قوله.

أردف أن "الروس سرعان ما اكتشفوا أن رجال الكرامة ليس لهم أي ارتباطات، ليتوقف الروس عن المطالبة بالقضاء عليهم".

لا بل بدأوا بفتح صفحة جديدة عبر استقطاب بعض الفصائل الخارجة عن رجال الكرامة ومنها قوات الفهد وعرضوا عليهم إنشاء لواء عسكري جديد ضمن الفيلق الخامس التابع لوجستيا وعسكرياً لروسيا وينتشر في أكثر من محافظة سورية.

وأرجع عزيز أسباب تزايد الاهتمام الروسي بطائفة الدروز، إلى كون "ملف الجنوب السوري لم يحل بعد، حيث استطاع الروس حل جزء منه بدرعا المجاورة من خلال اللواء الثامن.

 وبالتالي هم مهتمون بحل ملف السويداء وخاصة مسألة الخدمة الإلزامية العسكرية ومع وجود 43 ألف شاب يرفضون منذ عام 2013 الالتحاق بصفوف قوات الأسد.

وشكل اللقاء السري الذي كشف عنه في 13 نيسان/أبريل 2021 بين وفد روسي والرئيس الروحي للموحدين الدروز بالسويداء الشيخ "حكمت الهجري"، انعطافا كبيرا وتأزما جديدا بين النظام السوري والدروز.

 خاصة أن "الهجري" وفقا للمعلومات التي رشحت عن اللقاء، أعلن رفضه لاستمرار وجود رئيس النظام بشار الأسد في الحكم، كحل نهائي لمنع انزلاق البلاد نحو التقسيم، وفتح الباب أمام عودة المهجرين، وإعادة الإعمار، حسب ما نقل موقع "حرية برس".

وكانت تربط "الهجري" علاقة قوية بنظام الأسد، وينظر إليه بصفته الأقرب له من بين مشايخ الطائفة الدرزية الكبار، قبل أن يتعرض لـ "إهانة" في 25 يناير/ كانون الثاني 2021، من قبل رئيس فرع مخابرات الأسد العسكرية بالمنطقة الجنوبية، العميد لؤي العلي، خلال سؤاله عبر مكالمة هاتفية عن مصير أحد المعتقلين من أبناء السويداء.

ويرى الصحفي نورس عزيز، تعليقا على هذه الجزئية، أن "الشيخ حكمت يتعرض لضغوط من أجل إصدار بيان ينفي فيه تصريحه برفضه بقاء بشار الأسد في السلطة".

واستدرك بالقول "ومن هنا إذا كان الروس يريدون من موفق طريف الضغط على دروز السويداء، سيواجهون إشكالية تتعلق بتمرير عدد من المشاريع هناك".

وكشف الصحفي نورس "عن محاولة الروس تمرير مشروع إدارة ذاتية بالسويداء بدعم من إسرائيل" مضيفا "أن المحاولات ما تزال جارية وعلى ما يبدو هناك موافقة أمريكية وبالتنسيق مع قوات قسد".

وأشار عزيز إلى "وجود مشروع روسي أميركي قاب قوسين او أدنى من تنفيذه في عموم سوريا وخاصة في منطقة الجنوب، حيث تسعى واشنطن لدعم بعض الشخصيات الدرزية الموجودة في خارج البلاد".

وبين أن "هناك أموالا تضخ في هذا السياق من دون معرفة ما إذا كانت تقف وراءها جهات من داخل فلسطين أو لا، لكن كل ما هو متوفر لدينا هو وجود مشروع سيتم تمريره قريبا".

خناق متعمد

وترزح محافظة السويداء تحت أوضاع معيشية واقتصادية صعبة، بسبب زيادة جرعة التضييق عليها من النظام السوري بهدف تركيعها.

وتشهد المحافظة غيابا لفرص العمل ومحدودية أماكن الزراعة، وحالة تجارية ضعيفة ورفض مستمر من الأهالي للواقع والخروج بمظاهرات متكررة تحت وسم "بدنا نعيش" وسط هتافات مطالبة برحيل الأسد.

ونظرا لحال السويداء المعيشي، بدا واضحا عرض الشيخ طريف على السفير الروسي خلال اللقاء، تقديم ونقل المساعدات الإنسانية والمادية من الدروز في فلسطين إلى "إخوانهم في سوريا بوساطة روسية مباشرة"، في إشارة واضحة لاعتراض النظام السوري على الفكرة.

إضافة إلى مناقشة الشيخ "طريف" مع السفير الروسي، إمكانية فتح معبر بين جبل الدروز والأردن.

 وذلك في دلالة واضحة على الرغبة بالتخلص من تحكم النظام السوري بمعبر "نصيب" الوحيد مع الأردن، والذي جرى إعادة افتتاحه بين منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2018.

وأرجع عزيز سبب مطالبة الشيخ "طريف" بفتح معبر جديد لما "يشكل منفسا كبيرا للسويداء وحتى لسوريا اقتصاديا في ظل رفض شباب المحافظة الانضمام للقتال ضمن صفوف قوات الأسد ورغبة النظام بخنقها وإخضاعها لسيطرته".

ونوه إلى أن "المطالبة ليست بجديدة وهي مطروحة منذ عام 2013 وتحديدا من قرية ذيبين بجنوب السويداء".

وهذه ليست المرة الأولى التي يلتقي فيها الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في فلسطين المحتلة، الشيخ "موفق طريف"، مع الروس، إذ أجرى سابقا لقاءات عدة في موسكو تتعلق بالشؤون الدرزية، مع كبار المفاوضين والمسؤولين في وزارتي الخارجية والدفاع الروسيتين، لبحث كيفية الحفاظ على أمن واستقرار الدروز في السويداء.

لكن النقطة البارزة في اللقاء الجديد والتي عبرت عن الهواجس الكبيرة التي يعاني منها أهالي السويداء هي مسألة تجنيد روسيا للشباب عبر استغلال حالة العوز المالي لديهم وزجهم للقتال بمعارك لصالحها خارج سوريا.

إذ أعرب الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في فلسطين، عن قلقه فيما يتعلق بموضوع سفر الشباب الدروز إلى ليبيا وأوكرانيا، طالبا من السفير العمل على وقف هذه الظاهرة، وإيجاد حل جذري لها مع القيادات الدرزية في سوريا.

وحول هذه المسألة ربط الكاتب والصحفي السوري حافظ قرقوط في تصريح لـ "الاستقلال"، محاولات الروس المستمرة لإقناع شيوخ ووجهاء السويداء لذهاب أبنائهم للخدمة في صفوف قوات الأسد، بهدف "الإمساك بورقة النظام من جهة وورقة الأهالي من جهة".

وبالتالي هم وجدوا جزءا من هذا البديل وهو تجنيد شباب السويداء كمرتزقة عبر الإغراءات المالية للقتال في ليبيا أو لحماية منشآت نفطية داخل سوريا وهذه سابقة في التاريخ الدرزي، وفق قوله.

ونوه قرقوط إلى أن "الشيخ طريف في حضوره الدولي خلال مؤتمرات الأديان يحاول أن يتدارك ملف تجنيد شباب السويداء".

سباق خفي

ويعتبر الجنوب السوري بمحافظاته الثلاث (درعا - السويداء - القنيطرة) إحدى القطاعات الأربع التي تطمح إيران لنشر التشيع فيها وتأسيس وجود عسكري لها هناك وعلى مقربة من حدود إسرائيل.

ولطالما شكلت الغارات الجوية الإسرائيلية على مواقع للمليشيات الإيرانية في عموم سوريا، دليلا على مدى التنسيق الروسي الإسرائيلي والتفاهم بينهما على استقرار الوضع الأمني في المناطق السورية القريبة من الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وفي هذا السياق، ذهب الكاتب قرقوط إلى أن "ورقة الدروز في السويداء مرتبطة بوجودهم وانتشارهم في إسرائيل ولبنان والأردن؛ لذلك فإن الروس غير مهتمين بعودتهم بشكل كلي إلى سلطة النظام السوري، بل هم في سباق غير معلن مع إيران للإمساك بملفات داخل سوريا".

ونبه الكاتب إلى أن "أهالي السويداء يدركون أن الأوراق التي يبحث عنها الروس لديهم هي لا تصب في مصلحتهم بل لمصلحة موسكو وأرواقها التفاوضية".

كما نوه الكاتب قرقوط إلى أن "الروس غير صادقين في مشاريعهم وبات واضحا أنهم لا يدعمون حركات التحرر الوطنية بل يدعمون من يتآمر على الشعوب ومن هنا كان تحذير الشيخ الطريف بأن الدروز لا يريدون أن يذهبوا إلى محرقة مجهولة وخاصة أنهم أقلية عددية وأي تأثير عليه سيكون له آثار مؤلمة".

ولفت كذلك إلى أن "الدروز في سوريا يمرون في مرحلة ضعف تاريخيا قياسا بحضورهم حول منطقة الشرق الأوسط خلال القرن الماضي.

 إذ أنه منذ سيطرة آل الأسد على الحكم في سوريا حاولوا تهميشهم وإبعاد أثرهم عن الحياة السياسية والاقتصادية ما دفع شبابهم للهجرة.

بدوره اعتبر مدير مركز القارات الثلاث للدراسات الباحث السوري أحمد الحسن، أن هناك أزمة ثقة باتجاه روسيا في السويداء.

وأرجع ذلك إلى "التجربة السيئة للتسويات التي عملت عليها موسكو في درعا والقنيطرة والتي ساهمت في انقسام المنطقة بين محورين واحد منهما قريب لروسيا والآخر لإيران وقيام كل محور منهما بالتنافس على حساب الاستقرار الاجتماعي والأمني والاقتصادي في المنطقة".

وأردف الحسن في تصريح لـ "الاستقلال": " يطلب الدروز من روسيا في المرحلة الأولى خطوات بناء ثقة وهذه الخطوة تشمل تمويل موسكو مشروعا عسكريا يضم كافة فصائل السويداء بدون أن يكون هذا المشروع جزءا من القوات الرديفة للنظام".

بينما تركز روسيا على تنظيم هذه الفصائل ضمن الفيلق الخامس التابع للمؤسسة العسكرية للنظام، وهو ما يرفضه أهالي السويداء حاليا بسبب فشل المشروع في درعا وفي كل مناطق التسويات.

ويتفق مدير مركز القارات الثلاث للدراسات مع التوقعات التي تشير إلى "رغبة السويداء في مشروع مشابه لمشروع قسد (قوات سوريا الديمقراطية) فيما يتعلق بمرحلة مؤقتة من الإدارة مع احتفاظ النظام بوجوده في السويداء.

لذلك يتم التفاوض مع روسيا على مشروع مشابه يراعي طبيعة مكونات المنطقة ويحسن ظروف اختبار الثقة، خاصة مع وجود تهديدات إيرانية بتغيير شكل المنطقة، وفق تقديره.