بايدن يخفق مجددا.. كيف يساهم بتقوية نفوذ روسيا في اليمن؟

12

طباعة

مشاركة

أكد معهد السياسة الإستراتيجية الأسترالي أن المقاربة الأميركية لحل الصراع في اليمن تمنح روسيا فرصة أخرى لبسط نفوذها هناك كما فعلت في سوريا.

ومنذ فبراير/شباط 2021، أوضحت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بشكل جلي مقاربتها للحرب في اليمن، وتظهر سياساتها استمرارية شبه كاملة مع سابقتها في الممارسة العملية على الرغم من بعض الاختلافات "الخطابية" فيما يتعلق بإيران. 

يمكن تلخيص هذا النهج في تحديد أولويات مهام مكافحة الإرهاب والمساعدات الإنسانية مع دعم الحل الدبلوماسي بقيادة الأمم المتحدة لتحقيق وقف إطلاق النار والتسوية السياسية لأنه "لا يوجد حل عسكري" للصراع في اليمن وفق البيت الأبيض.

مقاربات متشابهة

وتبدو المقارنة الأميركية في الملف اليمني متطابقة مع المقاربات التي اتخذتها الإدارتان الأميركيتان السابقتان تجاه سوريا، حيث رسخت روسيا نفسها بقوة كصانع ملوك بالشراكة مع حلفاء الولايات المتحدة وخصومها.

لذلك فإن النتيجة الحتمية لسياسة إدارة بايدن بشأن اليمن، مع هدفها الشامل المتمثل في إنهاء التدخل السعودي، والذي سيمنح روسيا مرة أخرى الفرصة لبسط نفوذها، كما فعلت في العديد من النزاعات والأزمات في جميع أنحاء المنطقة.

وأحد مفاتيح نجاح روسيا في هذا الصدد هو قدرتها على الحفاظ على الاتصال الودي مع كل طرف حكومي وغير حكومي متورط في الصراع، مع الاحتفاظ بهالة من الحياد العملي والموثوقية.

وكان أول شيء فعله الحوثيون بعد انقلابهم في عام 2015 هو التواصل مع موسكو. وكرروا دعوتهم للتدخل الدبلوماسي الروسي في عام 2018. 

وكعنصر أساسي فيما يسمى "محور المقاومة" الإيراني، يجب أن ينظر إلى تواصل الحوثيين مع روسيا على أنه ينبع من التحالف الروسي الإيراني واسع المطاف والذي كان مرئيا من فنزويلا إلى أفغانستان.

وعملت موسكو وطهران يدا بيد لتقويض نفوذ الولايات المتحدة عالميا مع دعم الأنظمة المتحالفة معهما. 

ساهم هذا التحالف أيضا في أن تصبح روسيا لاعبا رئيسا في السياسة اللبنانية وكذلك بين الحركات الفلسطينية. 

لكن روسيا أقامت أيضا شراكة إستراتيجية مع أحد الخصوم المفترضين لإيران، وهي الإمارات العربية المتحدة، وعملت بثبات على تعميق علاقاتها مع المملكة العربية السعودية أيضا. 

وكلا البلدين الخليجيين، مثل إيران، كانا يرغبان أيضا في جر روسيا إلى اليمن، وفق المعهد الأسترالي. 

يشار هنا إلى أن الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح مد يده أيضا إلى روسيا، وعرض على موسكو حق إنشاء قواعد عسكرية في البلاد.

وسيط رئيس

وبحلول عام 2016، أثبتت روسيا نفسها كوسيط رئيس بين صالح والسعودية، بما في ذلك العمل كوسيط لحكومة عبد ربه منصور هادي اليمنية المدعومة من الرياض. 

بدأ المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، وهو حركة انفصالية يمنية، في محاربة حكومة الرئيس اليمني عبد ربه هادي في حرب ضروس قسمت التحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين. وحينها حاولت روسيا مرة أخرى زرع نفسها كوسيط بين طرفي النزاع.

وكانت الإمارات هي التي عمقت نوعيا التدخل الروسي في اليمن، على الرغم من انسحابها من البلاد من الناحية الفنية. 

وفي أواخر أغسطس/آب 2019، بدأت في تسهيل الاجتماعات بين المجلس الانتقالي الجنوبي ومبعوث الرئيس فلاديمير بوتين الخاص للشرق الأوسط وإفريقيا، ميخائيل بوغدانوف. 

وفي نفس الفترة التقى الروس بالحوثيين وحتى نجل صالح، مع استمرار الاتصال بممثلي هادي.

كما زار أحد أغنى وأقوى اللاعبين الفاعلين في اليمن، أحمد العيسي، روسيا في العام 2020 لإجراء محادثات مع بوغدانوف ومسؤولين آخرين حول توسيع دعم موسكو لفصيله، التحالف الوطني الجنوبي. وأشاد بمواقف روسيا ووضعها إلى جانب مواقف الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.

وعاد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مؤخرا من جولة إقليمية إلى الإمارات والسعودية وقطر لتعزيز دور روسيا كمدير للصراع في الشرق الأوسط. 

ومع استمرار الحوثيين في هجومهم على مأرب، آخر معقل لحكومة هادي المدعومة من السعودية، يدعو المجلس الانتقالي الجنوبي لإجراء استفتاء على الانفصال.

وصرح رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي مؤخرا أن فوز الحوثيين قد يؤدي إلى وضع يسيطر فيه المجلس إلى حد كبير على الجنوب ويسيطر فيه الحوثيون على معظم الشمال.

 وقال إنه في هذه الحال، سيكون من المنطقي إجراء محادثات مباشرة بين الأطراف المسيطرة. 

انهيار السلام

ويبدو أن اتفاق السلام بين المجلس الانتقالي الجنوبي وهادي ينهار، لذا فإن الأشهر القليلة المقبلة قد تشهد اختفاء هادي  وبالتالي المملكة العربية السعودية ، كقوة ذات صلة في اليمن، مما يجعل نهج الولايات المتحدة بأكمله تجاه الصراع موضع نقاش.

 وستترك روسيا بصفتها شريكا وثيقا لكل من الإمارات العربية المتحدة وإيران ووكلائهما، في وضع أقوى بكثير للتوسط في تقسيم اليمن. 

وبالمقارنة مع السعودية التي يقال إنها تجري محادثات رفيعة المستوى مع إيران بشأن اليمن، فإن الإمارات أقل عداء لإيران. 

وتعد الإمارات  ثاني أكبر شريك تجاري لإيران ومركزا لخرق العقوبات الإيرانية، الأمر الذي سيجعل مناورات روسيا الدبلوماسية أبسط بكثير. 

أما النتيجة المرجحة للوساطة الروسية بين الحوثيين والمجلس الانتقالي، فستكون وضعا مشابها للكيان الكردي في شمال سوريا وتعايشه المضطرب مع نظام بشار الأسد.

وما يزيد من سهولة مهمة روسيا هو صلات إيران طويلة الأمد مع المجلس الانتقالي الجنوبي، بما في ذلك زعيمه السابق علي سالم البيض الذي يعيش في بيروت التي يسيطر عليها حزب الله والذي اتهمه سفير الولايات المتحدة السابق في اليمن جيرالد فيرشتاين في عام 2013، بتلقي دعم مالي من طهران. 

كما تحتفظ إيران بعلاقات مع ناشطي الحراك المقيمين في اليمن، بما في ذلك بعض الذين استضافتهم في طهران. 

وأخيرا، من المحتمل أن يكون لإيران تأثير على علي ناصر محمد، الذي يقيم حاليا في دمشق (المتحالفة مع إيران)، وهو، مثل البيض، زعيم سابق لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية السابقة.

وبالنظر إلى أن عداء واشنطن الخطابي تجاه السعودية ورفضها الدعم العسكري لعملياتها في اليمن، جرد الرياض من أي نفوذ قد يكون لها في المفاوضات.

إذ إنه من المرجح أن يتم إخراج المملكة العربية السعودية من الصراع  من قبل الحوثيين والمجلس الانتقالي الجنوبي.

ومن ناحية أخرى، تبدو روسيا التي أقامت علاقات ودية متساوية مع جميع الأطراف بما في ذلك السعودية، مع عدم الضغط على أي منها لتحقيق نتيجة محددة، في وضع جيد لاستمالة حلفاء الولايات المتحدة واحدا تلو الآخر وتوجيه العملية الدبلوماسية بأكملها مرة أخرى لفائدة موسكو.