أكثر دموية.. لماذا ارتفع منسوب العنف في إقليم دارفور بالسودان؟

12

طباعة

مشاركة

أكدت صحيفة "ذا نيو هيومانتيريان" الحقوقية الأممية، أن تصاعد أعمال العنف بإقليم دارفور في السودان، مدفوع بخلفيات سياسية أكثر من كونها قبلية.

ويقف مخيم النزوح الواقع على مشارف الجنينة شاهدا على ماضي دارفور، حيث توجد منازل محروقة والشوارع الفارغة تمتد على مد البصر. 

وتقدم أعمال العنف التي اجتاحت المخيم في يناير/كانون الثاني 2021 في هذه المدينة السودانية متوسطة الحجم، عاصمة ولاية غرب دارفور، لمحة عن مستقبل الإقليم.

إذ انسحبت قوات حفظ السلام وأدت عملية الانتقال السياسي في البلاد إلى إثارة المشاكل في المنطقة الغربية التي عانت طويلا من الفوضى والعنف.

تفسيرات مختلفة

وتؤكد خميسة إسماعيل التي كانت تبحث في بقايا منزلها المحترق في المخيم، الذي تم إعداده للأشخاص الفارين من الصراع في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين "كان العامان الماضيان الأسوأ منذ أن وصلنا إلى هنا".

ولقي مئات الأشخاص مصرعهم بين 15 و 17 يناير/كانون الثاني، ونزح أكثر من 150 ألفا عندما هاجمت "المليشيات العربية" مخيم الجنينة المعروف باسم كريندينغ، والذي كان يسكنه في الغالب أفراد من جماعة المساليت، تقول الصحيفة.

ومع مطلع أبريل/نيسان 2021، أدت الاشتباكات والهجمات الجديدة على المخيمات في البلدة إلى مقتل ما لا يقل عن 100 شخص وتشريد الآلاف، بعضهم إلى تشاد المجاورة. وأوقفت جماعات الإغاثة عملياتها، في حين تم إعلان حالة الطوارئ في جميع أنحاء غرب دارفور. 

وتختلف التفسيرات حول أسباب العنف، ويتهم كثيرون المليشيات بتصعيد الهجمات التي أصبحت أكثر دموية بعد انسحاب بعثة حفظ السلام المشتركة بين الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي في ديسمبر/ كانون الأول بعد 13 عاما على الأرض. 

فيما يلقي آخرون باللوم على التحول السياسي المشحون في السودان الذي ولد لديهم مشاعر لإذكاء المظالم بين الفصائل والقبائل المحلية. 

وكان سكان دارفور يأملون أن يكون الأسوأ وراءهم بعد الإطاحة بالرئيس عمر البشير في عام 2019. وقام الرئيس السابق بتسليح مليشيات عربية محلية تعرف باسم الجنجويد لسحق تمرد عام 2003 من قبل جماعات دارفور ومعظمها من غير العرب. 

وقتل مئات الآلاف من المدنيين في أعمال عنف أدت إلى اتهام البشير بارتكاب جرائم إبادة جماعية. 

لكن وفي حين أن الزعيم السابق يقبع الآن خلف القضبان في العاصمة السودانية، فإن الثقة في الحكومة المدنية العسكرية التي حلت مكانه تتلاشى بسرعة مع تصاعد الصراعات في جميع أنحاء المنطقة وارتفاع معدلات النزوح إلى مستويات غير مسبوقة منذ سنوات، وفقا لمركز مراقبة النزوح الداخلي.

إبراهيم أبكر 28 عاما الذي فقد شقيقه خلال أعمال العنف التي اجتاحت الجنينة والقرى المحيطة في يناير/كانون الثاني، يعيش الآن في مخيم مؤقت للنازحين لا يفي حتى بالمعايير الإنسانية الأساسية.

واستضافت دارفور في يوم من الأيام واحدة من أكبر عمليات الإغاثة الجارية، لكن تمويل جهود الإغاثة تضاءل منذ فترة طويلة، وهي حقيقة تظهر بشكل مؤلم في الجنينة، حيث يعيش الآن عشرات الآلاف من سكان كريندينج في مخيمات مؤقتة مكتظة في جميع أنحاء المدينة.

وقالت خديجة إسحاق التي فرت من كريندينج وتعيش الآن في مخيم خارج مبنى حكومي محلي في الجنينة: "العدالة والمساءلة بعيدان للغاية.. نحن نبحث فقط عن الدعم الأساسي". 

"المليشيات تقتلنا"

وعلى الرغم من الحريات الجديدة التي تمتعت بها جميع أنحاء السودان، فإن المليشيات نفسها التي أرهبت دارفور لا تزال تتجول بحرية الآن مع عدم وجود قوات حفظ سلام للتعامل معها. 

 ويخشى بشكل خاص من "قوات الدعم السريع"، وهي قوة حكومية تشكلت من فلول الجنجويد ومتورطة في سلسلة من الانتهاكات الأخيرة، بما في ذلك في كريندينج. 

وقالت مدينة علي محمد، وهي من سكان كريندينغ قتل شقيقها بالرصاص خلال هجوم يناير/كانون الثاني: "منذ عام 2003 كان الأمر على هذا النحو، المليشيات تواصل قتلنا".

ويعتقد والي غرب دارفور محمد الدومة، أن العنف في الجنينة متجذر في الديناميكيات السياسية المرتبطة بالانتقال المضطرب في السودان.

ويمكن لوجهات النظر المتضاربة بشأن الانتقال في السودان وما يعنيه ذلك بالنسبة لدارفور أن تلعب دورا في العنف، وفقا لعشرات المقابلات مع مسؤولين حكوميين وعمال إغاثة محليين وجماعات من المجتمع المدني في الجنينة. 

وبتمكين من عملية الانتقال، كثف قادة المساليت في المدينة دعواتهم إلى التعويض والعدالة وإعادة مساحات شاسعة من الأراضي التي انتزعتها المليشيات منهم خلال الصراع الماضي. ونتيجة لذلك شعرت المجتمعات العربية - التي يحتل بعضها الأرض - بالتهديد. 

وأدت إزاحة القبائل المحلية التي كانت جزءا من حزب المؤتمر الوطني (السلطوي الذي كان يتبع البشير) من السلطة، إلى مزيد من عدم الاستقرار في الموقف.  

وفي الجنينة، تتهم هذه القبائل على نطاق واسع بإذكاء التوترات المجتمعية لتقويض المرحلة الانتقالية. وفي هذا السياق قال محمد الدومة لصحيفة The New Humanitarian إن "العنف ليس قبليا، إنه سياسي". 

وجعلت حكومة تقاسم السلطة في السودان تأمين السلام من أولوياتها بعد توليها السلطة في عام 2019، حيث وقعت اتفاق السلام في أكتوبر/تشرين الأول 2020 مع متمردين من دارفور وأجزاء أخرى من البلاد.

إلا أن العديد من سكان دارفور يشككون في أن الاتفاقية ستحقق أهدافها، لا سيما وأن الحكومة - المنخرطة في صراع داخلي على السلطة بين عنصريها المدني والعسكري - لم تتمكن من توفير الأمن الحقيقي على الأرض.

ويتجلى الفشل بشكل أكبر في الجنينة، حيث خلفت سلسلة من الاشتباكات الدامية بين العرب والمساليت سلسلة من المعسكرات المحترقة والقرى الفارغة التي تعكس أسوأ أيام الصراع في دارفور.

وارتفع منسوب العنف على مراحل. وفي ديسمبر/كانون الأول 2019، انتهى الخلاف بين أعضاء المجموعتين بهجوم واسع النطاق من قبل المليشيات العربية على كريندينج. وبعد الفرار من المخيم، عاد السكان للهجوم مرة أخرى في يناير/كانون الثاني 2021.

وفشلت جهود الوساطة اللاحقة وتشددت المواقف. ودعا القادة العرب النازحين إلى مغادرة الجنينة، فيما اشترى قادة المساليت الأسلحة ودربوا الشباب على القتال. ولذلك كانت المرحلة الثالثة من أعمال العنف التي اندلعت في أبريل/نيسان. 

عدم ثقة

وفي هذا السياق قال المحافظ "هناك عدم ثقة عميق.. عندما تغادر النساء المعسكرات يتعرضن للمضايقات". ويقول العديد من السكان إن انسحاب بعثة حفظ السلام، المعروفة باسم يوناميد، قد فاقم الوضع. 

وكان لقوات حفظ السلام سجل متقلب في حماية المدنيين، لكن قلة منهم يعتقدون أن دورات العنف الأخيرة كانت ستصبح مميتة وطويلة الأمد لو كانت موجودة. 

وقال مسؤولون وباحثون وعمال إغاثة محليون إنه على مدار ثلاثة أيام من القتال في يناير / كانون الثاني، ربما مات أكثر من 400 شخص - معظمهم من الرجال العرب والمساليت الذين شاركوا في الاشتباكات- التي امتدت أيضا إلى المخيمات والقرى المجاورة خارج الجنينة.

وفي حين فشل الجنود السودانيون في التدخل - في أول اختبار حقيقي لهم بعد يوناميد - قال أكثر من عشرة من سكان كريندينغ لصحيفة New Humanitarian إن قوة حكومية واحدة تدخلت وهي قوات الدعم السريع. 

وقال كثيرون إن أعضاء الجماعة قدموا أسلحة ومركبات إلى رجال المليشيات العربية ، بينما اتهمهم آخرون مباشرة بالقتال. وقالت إحدى النازحات: "رأينا قوات الدعم السريع تطلق النار وتقتل وتحرق منازلنا".

وحتى بعد الهجوم، يقول سكان كريندينغ إن أعضاء قوات الدعم التي يعتبر زعيمها محمد حمدان دقلو (حميدتي) الآن شخصية بارزة في المرحلة الانتقالية في السودان، استمروا في استهدافهم. 

وفي أحد المخيمات الواقعة على أرض إحدى الجامعات المحلية، قال السكان إن رجالا يرتدون زي قوات الدعم السريع يمنعون وصولهم إلى مضخات المياه القريبة ويطلقون النار في الهواء ليلا لإخافتهم.

وفي مخيمات أخرى، أدى التهديد بالعنف الجنسي من قبل أعضاء هذه المجموعة العسكرية إلى منع النساء النازحات حديثا من جمع الحطب خارج المواقع.

 وفوضت بعض العائلات هذه الوظيفة إلى أكبر أفرادها، معتبرين إياهم أقل عرضة للخطر.

عنف ومضايقات

ويمثل سليمان عبد الله البالغ من العمر 55 عاما مجموعة قوامها ما يقرب من 6000 نازح من كريندينج في يناير/كانون الثاني، حيث قال "إذا كانت الحكومة الجديدة جادة، فلماذا لم يتدخلوا أثناء العنف؟".

وقال سليمان عبد الله وهو زعيم أحد المخيمات: "عندما تغادر النساء المخيمات، يتعرضن للمضايقة". 

ولتحسين الأمن في دارفور، يدعو اتفاق السلام الجديد إلى نزع سلاح المليشيات التي لا تعد ولا تحصى في المنطقة وإنشاء قوة قوامها 12 ألف جندي قادرة على حماية المدنيين في غياب اليوناميد.

لكن المواعيد النهائية لإنشاء القوة تراجعت. وتواجه الفكرة مقاومة من مجتمعات النازحين لأنها تضم ​​أفرادا من قوات الدعم السريع يقول النازحون إنه يجب نزع سلاحهم. 

وعلى الرغم من خوف المساليت النازحين من قوة المليشيات - وإدراكهم لعيوب اتفاق السلام - إلا أن قادتهم استخدموا الفترة الانتقالية للضغط من أجل حقوقهم.

وقال سكان الجنينة إن هذا تسبب في توترات مع أفراد من بعض المجتمعات العربية المحلية الذين يشعرون بأن ميزان القوى يتحول ضدهم، لا سيما وأن اتفاق السلام يدعو إلى إعادة الأرض لسكانها الأصليين. 

وأوضح إبراهيم موسى حسين علي، وهو ناشط في المجتمع المدني من الجنينة إن "الاتفاق يجعل العرب يشعرون بالتهديد. إنهم يتساءلون أين سنذهب؟".

وبين الطالب والناشط العربي من الجنينة، جيدو محمد آدم: "واجه العرب وصمة عار متزايدة.. لقد اتهموا بأنهم جنجويد وأنهم مستوطنون جدد. يستخدم قادتهم هذا الخطاب للحملة والتعبئة". 

وقال آدم إن العرب المحليين الذين غالبا ما كانوا مرتبطين بالنظام القديم شعروا بأنهم مهمشون من مختلف مؤسسات الثورة، لا سيما لجان مقاومة الأحياء التي نظمت الاحتجاجات التي أطاحت بالبشير.

وبعد أن أصبح واليا لغرب دارفور في العام 2020، قال دوما للصحيفة إنه أقال العديد من قادة حزب المؤتمر الوطني من مناصب في السلطة. 

ويعتقد الوالي أن هؤلاء القادة هم من يقفون وراء أعمال العنف الأخيرة، مثلهم مثل كثيرين غيرهم. 

وقال دوما "عندما انهار النظام أصبحوا عاطلين سياسيا، الآن يخططون للعودة إلى المشهد السياسي. إنهم يستخدمون القبلية".