"القرآن الكريم".. كيف حول السيسي أعرق إذاعة دينية لبوق دعائي للسلطة؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

فكرة إنشاء أول إذاعة للقرآن الكريم في مصر والعالم العربي ظهرت أوائل الستينيات من القرن الماضي، عندما انتشرت طبعة مذهبة من المصحف، بورق فاخر وتنسيق وإخراج متميز، ولكن اكتشف أن بها تحريفات مقصودة.

من هنا جاءت فكرة الإذاعة، ضمن آليات جرى اقتراحها لتوثيق القرآن الكريم، من قبل وزارة الأوقاف والشؤون الاجتماعية، آنذاك، ويوم 25 مارس/آذار 1964، تم تدشين الإذاعة، لتحتفل في مارس/ آذار 2021 بمرور 57 عاما على إنشائها.

كانت البداية بتسجيل المصحف المرتل بصوت القارئ الشيخ محمود خليل الحصري، الذي يعد أول جمع صوتي للقرآن الكريم بعد أول جمع كتابي له في عهد خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم -أبي بكر الصديق.

في عام 1966 أضيفت إليها برامج دينية بنسبة 5 بالمئة من نسبة الإرسال، ثم في عام 1967 سجلت ختمة مرتلة أخرى بصوت الشيخ محمود علي البنا.

عام النكسة 1967، وتهوينا من أثرها السلبي وتحجيم المد الاشتراكي في الإذاعة، تم إدخال القرآن المجود بأصوات كبار القراء المصريين، بحسب قناة الجزيرة 26 أكتوبر/ تشرين أول 2020.

لاحقا بدأت الإذاعة تبث برامج لتفسير القرآن، ثم إذاعة صلاة الجمعة عام 1977 ثم الإذاعات الخارجية على الهواء من مساجد مصر والعالم العربي لأمسيات دينية.

وفي عام 1973 وبعد حرب أكتوبر تم مد إرسال الإذاعة ليصل إلى 19 ساعة، ثم مده الرئيس الراحل حسني مبارك ليشمل اليوم بأكمله في الاحتفال بعيد الإعلاميين عام 1996.

ومنتصف الثمانينيات، سجلت الإذاعة مصاحف مرتلة لعدد من القراء ومنهم أحمد نعينع والشحات محمد أنور ومحمود صديق المنشاوي، وتقرر في مايو/أيار 1994 استمرار إرسال شبكة القرآن الكريم على مدار 24 ساعة.

من كبار مذيعي الإذاعة، المذيع رضا عبد السلام أول مذيع يعاني إعاقة في يديه، ويعمل بإذاعة القرآن الكريم منذ 30 عاما، ويقدم العديد من البرامج الشهيرة مثل: "قطوف من السيرة" و"مساجد لها تاريخ" و"سيرة ومسيرة"، وهو صاحب نبرة صوت مميزة.

في ظل وباء كورونا، وغلق المساجد 3 أشهر، كانت إذاعة القرآن الكريم هي الصوت الدافئ والملجأ الوحيد للمصريين والعرب لسماع الأمسيات الدينية وتغطية مناسبات قديمة لتعويض الحرمان من الذهاب للمساجد.

وعندما ردد مذيع إذاعة القرآن الكريم الآذان بصيغته الجديدة في ظل منع الصلاة في المساجد: "صلوا في بيوتكم.. صلوا في رحالكم"، كان الأمر قاسيا على كثير من المصريين.

"تطوير الخطاب"

عقب انقلاب 3 يوليو/تموز 2013 وضمن محاولات ما سمي "تطوير الخطاب الديني"، جرى التدخل في الإذاعة سياسيا، بتوجيه مذيعين لتلاوة خطاب ديني يحرض ضد جماعة الإخوان المسلمين ويمجد في الجنرال عبد الفتاح السيسي رئيس النظام.

جرى اعتقال بعض مذيعي القرآن الكريم، أبرزهم مدير عام برامج علوم القرآن وكبير مذيعي الشبكة محمود خليل في أول نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 بدعاوى الإرهاب و"تحيزه الشديد لفكر جماعة الإخوان"، وفصله بحجة غيابه عن العمل وهو معتقل!.

جرى استبعاد مذيعين عقب الانقلاب وقطع رواتبهم بسبب تغيبهم منهم المذيع عبد المنعم أبو السعود الذي قالت صحيفة "فيتو" المستقلة 24 فبراير/ شباط 2017 أنه قبض عليه.

فقد أبو السعود نجله برصاص قوات الأمن في 4 يناير/ كانون الثاني 2014 خلال الاحتجاجات على الانقلاب بمحافظة المنيا، كذلك تم إبعاد عدد من أكبر كوادر مقدمي البرامج الدينية في الإذاعة عام 2018 إلى شبكات أخرى، ما أثار غضبا عارما.

وفي 3 سبتمبر/ أيلول 2018، أصدرت مديرة الإذاعة المصرية نادية مبروك قرارا يقضي بنقل 6 مذيعين من شبكة القرآن الكريم وتوزيعهم على الإذاعات المختلفة داخل المبنى.

سبق هذا إبلاغ نادية مبروك، حسن سليمان رئيس شبكة القرآن الكريم وعدد من مذيعي الشبكة، أن اجتماعاتهم في الغرف المغلقة يتم متابعتها من جانب الأمن، الذي أبلغها بذلك!.

وحذرت المذيعين بالشبكة من تلك الاجتماعات، وطلبت منهم أن يأخذوا حذرهم في المرات المقبلة، بحسب جريدة الفجر المستقلة 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017.

نكهة سياسية

انعكست كل هذه المضايقات والاستبعادات، على تدهور مستوى المذيعين الباقين، ووقوعهم في العديد من الأخطاء الدينية والنحوية، وتحولهم لمدح السيسي وحكومته.

وصلت الأخطاء الدينية حد قول مدير إذاعة القرآن الكريم في حوار، إن إذاعته بذلت "جهودا كبيرة لتصحيح الدين"، قاصدا "تصحيح الخطاب الديني"!.

وبلغت الأخطاء، حد إذاعة المذيع وليد الحسيني أذان المغرب في يوليو/تموز 2020، قبل موعده بـ 5 دقائق، ما أثار ضجة لأنها الإذاعة التي تبثها بعض المساجد عبر ميكروفوناتها، وتعتمد عليها في مواعيد رفع الأذان.

ولم يتم معاقبة هذا المذيع لأنه أول إذاعي من هذه القناة يجري حوارا مع السيسي في مارس/آذار 2015، قال إنه "بكى خلال إجرائه مع الرئيس"!.

في هذا الحوار الأول من نوعه مع إذاعة القرآن الكريم قال السيسي: "الرسول عليه الصلاة والسلام لم يبعث للقتل وسفك الدماء، والجماعات الإرهابية شوهت صورة الإسلام أمام العالم".

تسابق بعض مذيعيها، في تقديم وصلات مدح وإشادة بالمسؤولين، واعتبار دعم الجيش والشرطة ضد "الإرهابيين" و"المتطرفين" من الإيمان بالله، بعدما وصلتهم تعليمات من جهاز المخابرات.

جرى تخصيص برامج دينية لبعض مسؤولي الأوقاف للحديث عن مخاطر الجماعات الدينية خاصة جماعة الإخوان وكيف أن هذه الجماعات تخالف صحيح الدين، مع استعراض لبعض أنشطة الإخوان السابقة وتشويه قادتهم التاريخيين مثل حسن البنا.

وفي أبريل/ نيسان 2016، قال مذيع بإذاعة القرآن الكريم وهو يزف للمصريين حلول شهر رجب: "الدين لله والوطن للجميع"!.

بعض المذيعين تحولوا لمذيعي برامج سياسية، مثل قول أحدهم كان ينقل الصلاة من جنوب سيناء عام 2017 "ربنا أنعم علينا بنعمة الأمن والأمان والسلام وعلينا أن نتعظ مما حدث لدول غيرنا مثل سوريا وليبيا".

ظلت الإذاعة تبث عدة مرات من مسجد "الفتاح العليم" الذي تم إنشاؤه بالعاصمة الإدارية، وقال ناشطون إن اسمه مرتبط بعبد الفتاح السيسي، وجرى تجاهل المساجد التاريخية الكبرى للترويح للعاصمة الإدارية.

بالمقابل، أكد مصدر بمبنى الإذاعة والتلفزيون لـ"الاستقلال" إنه تمت معاقبة ووقف مذيع بإذاعة القرآن في يونيو/ حزيران 2018 لأنه قال (بالتزامن مع انتشار هاشتاج #ارحل_يا_سيسي) في صلاة الفجر: "اللهم عليك بالظالمين، اللهم إن كنا أيدنا ظالما في هذا الدنيا فإنا نتبرأ إليك من هذا".

دعاوى التطوير

بسبب التحول في نهج إذاعة القرآن الكريم بدعاوى "التطوير"، وطريقة أداء بعض مذيعيها التقليدية، وتحول خطابهم لخطاب سياسي لا ديني، تحولت إلى مادة للسخرية لدى أحد مشاهير يوتيوب.

طريقة إلقاء مذيعي القرآن الكريم، وتحولهم لدعم الدولة، سخر منها صانع محتوى كوميدي مصري يدعى محمد أشرف، في فيديو متداول يناير/كانون الثاني 2020 لتقليد أصوات المذيعين.

محمد أشرف، برر سخريته بأنه كان يطالب بتغيير طريقة أداء مذيعي إذاعة القرآن الكريم التي لم تعد تناسب الجيل الحالي، لكنه خلط بين الإهانة كجريمة وبين السخرية كطريقة لإبداء الرأي والانتقاد.

دشن مصريون هاشتاج #ادعم_إذاعة_القرآن_الكريم الذي تصدر مواقع التواصل الاجتماعي بمصر، ردا على سخرية محمد أشرف من مذيعي إذاعة القرآن الكريم.

وهاجم المغردون الممثل الكوميدي، وطالبوا بمحاسبته، مؤكدين أنهم نشؤوا على حب صوت هذه الإذاعة، وأنها الشيء الوحيد الجيد المتبقي في الإعلام المصري الذي يستمعون لها.

وانتهى الأمر بتقديم "الهيئة الوطنية للإعلام" بلاغا ضد صاحب فيديو السخرية، وتحقيق النيابة معه بتهمة ازدراء الدين الإسلامي، وقبض عليه، ثم تم الأفراج عنه في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 بعد اعتذاره.

إعلانات تجارية

في 15 أبريل/نيسان 2014، بدأت الإذاعة بعرض إعلانات تجارية، لأول مرة في تاريخها، بدعوى عدم توافر موازنة رسمية لها، في ظل التركيز على دعم السلطة شراء صحف وفضائيات وإنشاء إذاعات تابعة للمخابرات على تردد "إف إم".

أثارت هذه الإعلانات، التي يخالف بعضها صحيح الدين مثل التأمين على الحياة، استياء مستمعي الإذاعة على مواقع التواصل، وسخروا من تحولها للإعلانات، وخروجها عن أهدافها وطالبوا بعودتها كـ"إذاعة للقرآن الكريم" وتحريرها من احتلال الإعلانات.

ولجلب مزيد من الإعلانات، قررت الإذاعة في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، وضع تسعيرة جديدة للإعلانات، وزيادة سعر دقيقة الإعلان لتصبح 7500 جنيه، بدلا من 10 آلاف جنيه.

واعترف "محمد نوار" رئيس الإذاعة، في حوار مع صحيفة أخبار اليوم مطلع فبراير/ شباط 2021 بتقليص برامجها ضمن ما سمي "تطوير منهجي" من 60 إلى 40 برنامجا فقط أغلبها عن التفسير والفقه والسنة.

نوار قال إن الإعلانات على محطة القرآن الكريم باتت 15 دقيقة يوميا بسبب الظروف المادية، وإنهم يحققون منها 10 ملايين جنيها سنويا.

ورغم استجابة درية شرف الدين وزيرة الإعلام السابقة لحالة السخط والغضب الجماهيري، وأعلنت إيقاف بث الإعلانات في المحطة قبل أن يعيد قيادات الهيئة الوطنية للإعلام الإعلانات لها بدعاوى نقص التمويل.

وأكد حسين زين، رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، أن هناك 40 مليون جنيه عجز شهري في ميزانية ماسبيرو (الإذاعة والتلفزيون) يجري تعويض بعضهم من أموال الإعلانات، 28 فبراير/ شباط 2021.

وخلال اجتماع لجنة الإعلام والثقافة بمجلس النواب، أشار "زين" إلى أن الهيئة تحصل من الحكومة على 2.6 مليار جنيه سنويا، وتحقق من 700 مليون إلى مليار جنيه عوائد وليس ربحية.

وتابع: "عندي عجز موازنة 40 مليون كل شهر، ونأخذ من وزارة المالية 220 مليونا كل شهر، ونحن نحتاج 260 مليونا، بالتالي ندفع 40 مليونا كل شهر، بقيمة 500 مليون سنويا من الـ 700 مليون إلى مليار، التي نحققها كعوائد".

ولفت زين، إلى أن قيمة الإعلانات على مستوى مصر كلها حوالي 3.5 مليارات جنيه، جزء كبير منها لإعلانات الطرق، بالإضافة إلى مواقع "السوشيال ميديا" والإعلام المرئي والمسموع والمكتوب وغيره، وأن ماسبيرو يحاول أخذ نصيب أكبر منها.

وطالب "زين" بتحصيل 5 جنيهات على القمامة لتكون الحصيلة 150 مليون جنيه شهريا يتم دعم الهيئة الوطنية للإعلام بها، قائلا: "هجيب منين وأطور الإعلام والمحطات إزاي".