مصر تهدي السودان آليات عسكرية.. ما علاقتها بحرب المياه مع إثيوبيا؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في الآونة الأخيرة تحركت القاهرة بقوة نحو الخرطوم، وذهب رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي بنفسه للقاء رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق عبدالفتاح البرهان في بلاده، وشهدت العلاقات العسكرية بين النظامين تطورات بإهداء القاهرة معدات عسكرية هندسية للخرطوم.

البعض فسر "الهدية" بأن لها ما وراءها، في ظل أحاديث الحسم والصراع مع حكومة أديس أبابا، خاصة وأن الخرطوم على علاقة متوترة بإثيوبيا بسبب قضايا أخرى غير سد النهضة، أبرزها المشكلة الحدودية في الفشقة (شرق) والاستيلاء على أراضي سودانية من قبل مزارعين إثيوبيين مدعومين من النظام.

هدية للجيش

في 19 مارس/ آذار 2021، أعلنت وكالة الأنباء السودانية الرسمية "سونا"، أن "سلاح المهندسين بالجيش السوداني، استقبل هدية مقدمة من سلاح المهندسين المصري".

وذكر البيان أنه "في إطار بروتوكولات التعاون المشترك والتوأمة بين قيادتي سلاح المهندسين السوداني وسلاح المهندسين المصري، رفد سلاح المهندسين المصري نظيره السوداني بمعدات وآليات وصلت مؤخرا إلى ميناء بورتسودان".

وأشار إلى أن "هذه المعدات تستخدم في بناء وتشييد الطرق والأعمال المدنية الأخرى، وتعتبر إضافة حقيقية لسلاح المهندسين السوداني".

قبلها أجرى السيسي زيارة إلى السودان في 6 مارس/ آذار 2021، التقى خلالها رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو "حميدتي"، ورئيس الحكومة الانتقالية عبد الله حمدوك.

"زيارة حرب"

الزيارات المتبادلة بين المسؤولين المصريين والسودانيين، استمرت خاصة على المستوى العسكري، حيث أجرى رئيس هيئة أركان الجيش المصري، الفريق محمد فريد، زيارة إلى الخرطوم وقع خلالها مع نظيره السوداني الفريق أول محمد عثمان الحسين اتفاق تعاون عسكري يغطي مجالات التدريب وتأمين الحدود بين البلدين.

أبرزت زيارة السيسي إلى السودان توجهاته بتطوير علاقته بالجارة الجنوبية إلى تحالف على المستوى العسكري أمام إثيوبيا، حتى أنه شن هجوما على أديس أبابا من قلب الخرطوم.

السيسي قال إنه "يرفض أي نهج يقوم على السعي لفرض الأمر الواقع وبسط السيطرة على النيل الأزرق، من خلال إجراءات أحادية لا تراعي مصالح وحقوق دولتي المصب".

مضيفا: "وهو ما تجسد في إعلان إثيوبيا عن نيتها تنفيذ المرحلة الثانية من ملء سد النهضة حتى إذا لم نتوصل إلى اتفاق ينظم ملء وتشغيل هذا السد، وهو الإجراء الذي قد يهدد بإلحاق أضرار جسيمة بمصالح مصر والسودان".

وفي 9 مارس/ آذار 2021، نشرت صحيفة "الرأي اليوم" اللندنية، مقالة وصفت فيها زيارة السيسي، إلى الخرطوم بـ"زيارة حرب"، حيث وجهت رسالة عدائية إلى إثيوبيا.

وأضافت الصحيفة "أن من يتابع برامج التلفزيون والفضائيات المصرية عن بطولات الجيش في جبهات القتال ضد إسرائيل، وكذلك إحياء السيسي ليوم الشهيد، يدرك أن القيادة المصرية ربما حسمت أمرها باللجوء إلى الخيار العسكري للتعاطي مع أزمة سد النهضة". 

مغازلة العسكر

السياسي السوداني الدكتور إبراهيم عبد العاطي، أكد أن السودان رغم ما يمر به من أزمات خلال المرحلة الانتقالية وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة، لكنه يحمل إرثا يجعله بلدا كبيرا ومؤثرا في الساحة الإفريقية والعربية.

وقال لـ"الاستقلال": "لسنا ألعوبة في يد الدول المجاورة مهما كانت درجة قرابتها، فالشعبان السوداني والمصري أشقاء، لكننا لا نعمل وفقا لمصلحة أحد، ولا يجب أن ندفع ثمن أخطاء الحكومات الأخرى، ولن يتم الدفع بنا في معركة لصالح طرف من الأطراف".

وأضاف: "مشكلة السودان الأساسية على مدار عقود أنه جعل حلوله الداخلية في يد الخارج، حتى بعد الثورة وسقوط حكم البشير، دخلت جميع القوى الإقليمية والدولية إلى السودان، بداية من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، مرورا بالسعودية والإمارات وتركيا وقطر، وصولا إلى مصر وإثيوبيا، حتى إسرائيل دخلت إلى الساحة السودانية، وهو أمر غير مقبول وستكون له عواقب وخيمة مستقبلا".

وذكر: "يجب أن نسأل أنفسنا هل يحتاج الجيش السوداني إلى معدات هندسية وآليات لتشييد الطرق، وما مقابل هذه الهدية، خاصة وأن السيسي يسعى إلى مغازلة قيادة الجيش وعلى رأسها البرهان، على أساس تكوين جبهة ضد إثيوبيا بعد تأزم موقف مصر الكامل في قضية سد النهضة".

واستدرك: "شعب مصر والسودان أصحاب مصلحة واحدة وما يضر المصريين بطبيعة الحال يؤذي السودانيين، لكن ليس وفقا لخطة الأنظمة، السودان على مدار عقود يشهد حروبا أهلية ونزاعات حدودية وأزمات دولية ولم تجد من يقف إلى جوارها من دول الجوار أو الدول العربية، لذلك فمصلحة السودان أولا وفوق كل اعتبار".

الوقت الضائع 

الباحث المصري الدكتور محمد غبور، قال لـ"الاستقلال": "الدبلوماسية المصرية وعلى مدار عقود تتحرك دائما في الوقت الضائع وبعد فوات الأوان، حدث هذا في قضية سد النهضة منذ البداية، فبدلا من المبادرة كنا نحن بمثابة رد الفعل". 

وأضاف: "عند الحديث عن عمق مصر الإفريقي، والأزمات الثلاثية التاريخية بين مصر والسودان وإثيوبيا، يجب أن لا نغفل عام 1995، الذي شهد محاولة اغتيال الرئيس (الراحل) حسني مبارك في أديس أبابا".

وتابع: "وقتها اتهم النظام المصري رئيس إثيوبيا حينها ملس زيناوي بالضلوع في محاولة الاغتيال، بالإضافة إلى الحديث عن تورط أجهزة أمن الرئيس عمر البشير في العملية، وهو ما أكده مستشار مبارك وقتها الدكتور مصطفى الفقي، الذي قال إن البشير من أكثر حكام السودان عداء لمصر".

وأردف: "بعد محاولة الاغتيال الفاشلة جمدت مصر علاقتها بالقارة الإفريقية تماما على المستوى السياسي والاقتصادي، وحملت الجفاء والتحدي تجاه السودان وإثيوبيا، واستمر الوضع حتى ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، ودخلت مصر في آتون أحداث سياسية داخلية متصاعدة، وعندما بدأت الإفاقة كان سد النهضة أمرا واقعا، وأصبحت مصر والسودان في وجه المدفع".

وختم حديثه بالقول: "الأعراف الدبلوماسية ومصالح الدول لا تقام على القواعد الانتقامية وتصفية الحسابات والمكايدات الصغيرة، انسحاب مصر من إفريقيا وتوتر علاقتها بالسودان وإثيوبيا، والتعامل من منطلق (البرج العالي) تسبب فيما نحن فيه الآن، وحتى محاولة إحياء علاقة خاصة بالسودان لن تغني عن مواجهة مرتقبة مع إثيوبيا باعتبارها الجهة الفاعلة في المعادلة".