زينب العدوي.. مغربية سجنت خادمتها فأصبحت حارسة للمال العام

الرباط - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

استقبل ملك المغرب، محمد السادس بالقصر الملكي لمدينة فاس، في 22 من مارس/آذار 2021، زينب العدوي ونصبها رئيسا أولا للمجلس الأعلى للحسابات، وهو جهاز رقابي يختص بالأمور الاقتصادية والمالية.

وتشغل العدوي الوظيفة الجديدة خلفا لإدريس جطو، الذي شغل المنصب منذ  9 أغسطس/آب 2012، بعد أن كان رئيسا للوزراء في الفترة ما بين 2002 و2007.

زود الملك الرئيسة الجديدة بتوجيهات قصد الحرص على قيام المؤسسة التي أنشئت عام 1979 بمهامها الدستورية، لاسيما في ممارسة المراقبة العليا على المالية العمومية، وفي مجال تدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة الجيدة والشفافية والمحاسبة.

عجت مواقع التواصل الاجتماعي لأيام بخبر تعيين العدوي في المنصب الرفيع، كما وقف عدد من الناشطين عند أبرز الأحداث التي طبعت مسيرتها، غير أنها لم تكن كلها مشرفة.

المرأة الأولى

ولدت العدوي سنة 1960 بمدينة الجديدة على ساحل المحيط الأطلسي، وتنحدر من أصول أمازيغية، كما الرؤساء الأربعة للمجلس الأعلى للحسابات، الذين سبقوها، ويتشارك الرؤساء المتعاقبون على المؤسسة، نفس الأصول بمحض الصدفة.

هي المرة الأولى التي تشغل فيها امرأة هذا المنصب الرفيع، والذي يخول مراقبة الحسابات العامة للدولة والمؤسسات العمومية والبلديات وكذلك الأحزاب السياسية المغربية.

تقلدت العدوي منصب أول قاضية للحسابات سنة 1984، ليتم تعيينها رئيسة للمجلس الأعلى للحسابات بالرباط من 1993 حتى 2004، ثم تعيينها عضو في اللجنة الاستشارية للجهوية سنة 2010.

وهي أيضا عضو في المجلس الوطني لحقوق الإنسان منذ 2011 وفي الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة منذ 2012.

وفي سنة 2013، حصلت العدوي على وسام المكافأة الوطنية من درجة ضابط كبير، وهو تكريم يمنحه الملك للشخصيات البارزة في مجالات مختلفة، وهي متزوجة ولها ابنان.

حظيت زينب العدوي بثقة الملك ليعينها في منصب محافظ جهة الغرب -شراردة- بني حسن، إقليم القنيطرة في يناير/كانون الثاني 2014، ثم محافظا على جهة سوس-ماسة، بمحافظة أغادير- إداوتنان 13 أكتوبر/تشرين الأول 2015، ثم واليا مفتشا عاما للإدارة الوطنية بوزارة الداخلية في 25 يونيو/حزيران 2017.

المهام الصعبة

وفي 2017، كانت زينب العدوي، المرأة الوحيدة من بين مسؤولين آخرين عينهم الملك للإشراف على التحقيق مع 16 من الكتاب العامين للوزارات في قضية تعطيل المشاريع التنموية بجهة الحسيمة.

وعدت تقارير صحفية اختيار العدوي لمعرفتها بتدقيقها في الأمور إضافة إلى كونها مقربة من دوائر القرار، ووضعها على رأس أقوى جهاز تفتيشي في المغرب.

كانت الحسيمة حينها بؤرة الاحتجاج الاجتماعي فيما عرف في المغرب  بـ"حراك الريف"، عندما شجب الآلاف من المتظاهرين الهشاشة الاجتماعية والتهميش، وجرى التحقيق في سبب تعثر برنامج تطوير الحسيمة، الذي تم إطلاقه عام 2015 بميزانية قدرها 600 مليون يورو، وكان من المنتظر أن يعطي المنطقة دفعة كبيرة.

خلال تحقيقها، قابلت زينب العدوي عددا من السياسيين المؤثرين وكبار المسؤولين في الدولة، وسلط التقرير النهائي، الذي تم تسليمه في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2017، الضوء على العديد من الخلل الوظيفي، ونتيجته أقال الملك العديد من الوزراء بينما منع عدد قليل من كبار مسؤولي الدولة من تولي مناصب في السلطة مدى الحياة.

حبس الخادمة

لا يثق المراقبون في أن العدوي سوف تحقق نفس النتائج على رأس المؤسسة التي تصدر ما بين 40 و 50 تقريرا سنويا، وتتعامل مع القضايا الحساسة في الدولة، التي نادرا ما يعالجها المسؤولون المنتخبون وغيرهم من المسؤولين الحكوميين بجدية. 

استحضر الناشطون بعد التعيين، قصة العدوي الشهيرة مع خادمتها، والتي أثارت ضجة إعلامية في المغرب عام 2014، بعد ما جرى اعتقال خادمة تشتغل بالسكن الوظيفي للعدوي، بتهمة "خيانة الأمانة".

الخادمة كانت متهمة بـ"سرقة كيلوغرامين من اللحم وبعض الكؤوس"، استغرب الرأي العام آنذاك سرعة صدور الحكم على الخادمة دون أن تمنح مهلة للدفاع عن نفسها طبقا للقانون، واعتبرت القضية الأولى من نوعها في تاريخ الولاة وعمال الأقاليم، والأكثر طرافة.

الصحفي المتخصص في الشأن السياسي، مصطفى الفن، كتب عبر "فيسبوك" معلقا على خبر تعيين زينب العدوي، إنها "فعلا سيدة محظوظة جدا وأعطيت لها فرص كثيرة لم تعط لنساء كثيرات يفقنها ذكاء وتكوينا (مهارة) وكفاءة".

موضحا أنها كانت أول امرأة تعين على رأس ولاية من ولايات المغرب بعد أن ظل هذا المنصب السامي حكرا على الرجال في أم الوزارات.

أكثر من هذا، يتابع الصحفي، "العدوي مرت من مسؤوليات ومناصب حساسة كان آخرها التعيين كمفتشة عامة بوزارة الداخلية، وطبعا كانت هناك أصوات كثيرة أرادت أن ترسم لزينب العدوي صورة امرأة ناجحة على مستوى المسؤوليات التي أسندت إليها، لكن يبدو أن الواقع عنيد ولا يرتفع وربما هو أكبر من الرجال والنساء معا".

ورأى الفن أنه: "لا توجد في حصيلة العدوي أي بصمة أو أي شيء ذي قيمة يمكن أن تذكرها الأجيال لبعضها البعض، وربما الشيء الوحيد الذي ارتبط به اسم زينب العدوي في أذهان المغاربة هو أنها أرسلت خادمتها إلى السجن، والسبب هو أن هذه الخادمة أعماها الجوع وسرقت قطعة لحم من ثلاجة الوالية".

وذهبت التدوينة إلى انتقاد أداء الوالية من موقع المسؤولية بالمفتشية العامة لوزارة الداخلية، الذي "اهتم بالقشور ولم يساير ربما ما هو إستراتيجي في الرؤية الملكية لمفهوم الإصلاح".

الصحفي محمد واموسي، قال عن تعيين العدوي عبر "فيسبوك": "المسؤولة التي لم تتردد في جر خادمتها إلى ساحات المحاكم إلى أن صدر ضدها حكم بالسجن النافذ تحول لاحقا إلى موقوف التنفيذ وغرامة مالية".

مضيفا: "حين امتدت أصابعها (الخادمة) إلى 2 كيلوغرام من اللحم وبعض الكؤوس الزجاجية في مطبخ بيتها قدمتها للمحاكمة، وقد أصبحت المرأة الصارمة ترأس الهيئة العليا التي تدقق في كل ما له علاقة بالمال العام، فهل ستنتهج نفس الصرامة في تطبيق القانون لردع كل المتلاعبين والفاسدين؟".

في فبراير/ شباط 2014، أفادت صحيفة "المساء" المغربية، أن المفتشية العامة للقوات المساعدة (شبه عسكرية تساعد الجيش والشرطة)، قررت طرد رتبة عسكرية ضمن فريقها الخدمي يدعى "الكولونيل ميسور"، بعد رفضه مصافحة العدوي، التي كانت تتولى منصب والي (محافظ) بمنطقة في غرب المغرب.

وفوجئ "ميسور" بقرار طرده من الوظيفة العمومية بصفة رسمية، خلافا لما ينص عليه القانون في هذا الإطار، والذي يفرض منح مهلة للمسؤول لإعداد دفاعه والاستعداد النفسي وعرضه على المجلس التأديبي.

وسبق لـ"ميسور" أن أخبر رئيس قسم الشؤون الداخلية بالولاية بموقفه من مصافحة النساء وبأن معتقداته لا تسمح له بمصافحة النساء، بحسب الصحافة المحلية، وطلب "إخبار الوالي العدوي حتى لا تسيء فهمه في حال رفضه السلام عليها".

لكن هذا الموقف دفع الولاية إلى تقديم تقرير إلى القيادة العامة لجهاز القوات المساعدة بالرباط، التي أوصت بفصل ميسور ما يؤكد قوة وضعية العدوي وسلطتها النافذة.