رغم اتفاق التهدئة.. ما أسباب استهداف الأسد وروسيا الحدود السورية التركية؟

مصعب المجبل | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لا يكاد يخيم الهدوء النسبي على الشمال السوري المحرر، بموجب اتفاق لوقف إطلاق النار بين روسيا تركيا، إلا ويخرقه نظام بشار الأسد وحليفته موسكو، في مؤشر على رغبة الأخيرة تغيير المشهد القائم في شمال غربي البلاد.

وتجدد القصف على تلك المناطق بالتزامن مع بدء وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، جولة خليجية أجراها بين 8 و12 مارس/آذار 2021.

وركز النظام السوري، وداعمته روسيا، خلال مارس/آذار 2021، قصفهما على نقاط هامة في إدلب وحلب، بعضها حيوية وأخرى تعد أهم مناطق الشمال السوري اقتصاديا من ناحية التجارة والحوالات المالية.

أولى هذه النقاط تمثلت بتدمير سوق يحتوي على سيارات محملة بالوقود في بلدة الحمران بريف حلب، في 5 مارس/آذار 2021، عبر استهدافه بصواريخ باليستية روسية، وقذائف مدفعية من مواقع قوات نظام الأسد القريبة من المنطقة.

أسفر عن ذلك سقوط قتلى وجرحى من المدنيين، واحتراق نحو 30 شاحنة وصهريج نقل للنفط، إضافة لقصف محطات تكرير النفط البدائية في قرية ترحين بريف حلب.

وجاءت موجة التصعيد الثانية، في 21 مارس/آذار 2021، مع تعرض بلدة قاح الحدودية مع تركيا، لقصف بالصواريخ البالستية، بعد ساعات من قصف مدفعي لقوات الأسد، طال مشفى "المغارة"، في مدينة الأتارب غرب حلب، أسفر عن مقتل سبعة مدنيين، بينهم نساء وأطفال.

كما استهدفت قوات النظام السوري، في 22 مارس/آذار 2021، سوقا لبيع المحروقات غرب بلدة سرمدا الحدودية مع تركيا، والواقعة شمال إدلب، بستة صواريخ خلفت حريقا بخزانات الوقود، ودمارا كبيرا بممتلكات المدنيين.

لليوم الثاني قوات النظام تقصف المناطق الحيوية في الشمال السوري، واستهدفت اليوم الاثنين 22 آذار، سوقاً لبيع المحروقات غرب...

Posted by ‎Civil Defense Idlib الدفاع المدني سوريا-محافظة ادلب‎ on Monday, March 22, 2021

وكشفت مصادر دبلوماسية تركية لوكالة الأناضول، بتاريخ 23 مارس/آذار 2021، أن وزارة الخارجية استدعت السفير الروسي لدى أنقرة ألكسي يرهوف، لبحث الهجمات الأخيرة في سوريا.

ونقلت الخارجية للسفير الروسي "مخاوف وقلق" تركيا إزاء تلك الهجمات، والهجوم على المستشفى في بلدة الأتارب.

لا هدف عسكري

وإذا ما نظر إلى طبيعة الأهداف التي جرى قصفها من قبل روسيا، فإنها مدنية وحيوية، وليست عسكرية، تابعة لمواقع الفصائل المعارضة في الشمال السوري.

لكن يبدو أنه الأمر يحمل رسالة روسية مفادها الضغط على الضامن التركي، من خلال استهداف المدنيين والمناطق الحيوية في الشمال السوري، الذي يحتضن قرابة 5 ملايين سوري.

وهذا ما يؤكد عليه مدير مركز القارات الثلاث للدراسات الباحث السوري أحمد الحسن، بقوله: "إن النظام السوري وروسيا يعتمدان حاليا على خطة استهداف النشاطات الاقتصادية في مناطق المعارضة ومنع تطورها باتجاهات تجعلها مختلفة عن مناطق النظام".

وأرجع ذلك إلى أن أي تمايز بين الجانبين يؤدي إلى نتائج سلبية على المدى البعيد وقد يهدد استقرار نظام دمشق خلال الفترة القادمة.

 وألمح الحسن في تصريح لـ "الاستقلال" إلى "أن النظام السوري يرى أن إمكانية دخول الشركات التركية في نشاطات اقتصادية بالشمال السوري تؤدي إلى توفير خدمات أفضل من خدمات دمشق في مناطقها".

وهذا الأمر يجعل الخطة السياسية المعتمدة من روسيا والنظام للعمل على إعادة مؤسسات الدولة السورية إلى كافة المناطق فاشلة، وفق قوله.

خاصة أن هذه الخطة السياسية تستند بشكل رئيس إلى تسويق عدم وجود خدمات وبنية تحتية في مناطق المعارضة، ولهذا يتم العمل من قبل روسيا والنظام على بقاء حالة عدم استقرار وتطوير الخدمات في الشمال السوري. 

ولفت مدير مركز القارات الثلاث للدراسات إلى أن الاستقرار في الشمال السوري يساهم بتأسيس حالة مؤقتة طويلة الأمد تسمح ببرلمان جديد وكذلك حكومة مؤقتة جديدة وبناء نظام إداري مؤقت قد يصبح لاحقا أقوى من النظام السوري أو يكون تهديد مباشر له في حال استمرت العقوبات (الأميركية) وزادت الضغوط على النظام وحلفائه.

وتخضع محافظة إدلب لاتفاق وقف إطلاق نار، بين تركيا روسيا، جرى توقيعه بمدينة "سوتشي" الروسية، في مارس/آذار 2020، واشتمل أيضا على تسيير دوريات مشتركة بين الجانبين على طول الطريق الدولي حلب- اللاذقية (m4).

تشابك الملفات 

لكن تشابك الملفات على خارطة السيطرة العسكرية في سوريا، كان أحد بوادر التصعيد الروسي على الشمال السوري المحرر.

وهنا يدور الحديث عن اندلاع اشتباكات بين فصائل "الجيش الوطني" المعارض، وقوات "ي ب ج" (وحدات حماية الشعب) الكردية، في محيط مدينة عين عيسى، شمال الرقة.

والتي تنبع أهميتها الإستراتيجية، من كونها تعد عاصمة سياسية لـ "ي ب ج"، في ريف الرقة الشمالي، وتشكل عقدة ربط بين مواقع سيطرتها شرق نهر الفرات وغربه، هذا فضلا عن كونها تطل على الأوتوستراد الدولي (m4).

إذ اعترف رياض الخلف، قائد "مجلس تل أبيض" العسكري التابع لقوات "ي ب ج"، في مقابلة مع وكالة "هاوار" الكردية، بتاريخ 21 مارس/آذار 2021، بالتنسيق مع القوات الروسية، حول ما سماه "عودة الأهالي إلى قرى صيدا ومعلك" قرب عين عيسى.

 في وقت تؤكد فيه وزارة الدفاع التركية، أنها تحاول "تأمين هذه المناطق للمواطنين السوريين للعودة إلى ديارهم بشكل آمن وطوعي وكريم"، وفق ما نقلت وكالة الأناضول، الأمر الذي يشي بامتعاض تركيا، من التنسيق الروسي مع وقوات "ي ب ج" في الرقة.

ويجدر التنويه، إلى أن الضبابية تسود بلدة عين عيسى، منذ إعلان روسيا عن اتفاق يقضي بنشر قواتها في البلدة، وإنشاء نقاط مراقبة مشتركة بين النظام السوري، وقوات "ي ب ج"، بتاريخ 9 ديسمبر/أكتوبر 2020.

خاصة أن السيطرة على عين عيسى، تتيح التحكم بالطريق الدولي (m4)، في المناطق التي يمر منها شرقي سوريا.

وبسطت تركيا سيطرتها على منطقة يمتد عمقها نحو 30 كيلومترا داخل شمال شرق سوريا، وذلك منذ إطلاق عمليتها العسكرية "نبع السلام" في 9 ديسمبر/أكتوبر 2019، ضد قوات "ي ب ج" الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني.

وهذا الأخير هو الفرع السوري من حزب العمال الكردستاني المتشدد (بي كا كا) الموجود جنوبي تركيا وشمالي العراق.

ضغط روسي

وحول مدى ارتباط التصعيد الروسي على الشمال السوري، بظهور خلافات روسية - تركية شرق الفرات، رأى الأستاذ في العلاقات الدولية والعلوم السياسية الكاتب التركي سمير صالحة أن "هناك محاولة روسية للضغط على الجانب التركي، للانسحاب من بعض المناطق السورية، وإفساح المجال لبعض التفاهمات الجديدة".

وأضاف صالحة في تصريح لـ "الاستقلال" أن "هذا ما بدا واضحا من خلال تصريح مسؤولين النظام السوري، حول وجود تفاهمات بين الأخير وقسد (قوات سوريا الديمقراطية) برعاية روسية في عين عيسى".

وهذا ما يؤكد وجود رغبة روسية في الضغط أمام تسهيل تقدم قوات النظام، أو تقاسم نفوذ شمال شرقي سوريا بين النظام وقسد، وفق قوله.

وتابع: "لذلك كان الرد التركي واضحا بتحريك الطيران واستهداف مواقع قسد قرب عين عيسى، لبعث رسالة إلى أكثر من طرف، بأنها لن تقبل بمحاولات تقاسم النفوذ".

وألمح الكاتب التركي إلى أن "الموقف الروسي قلق من المفاجآت الأميركية التي ستكون في كيفية التعامل مع الملف السوري من قبل إدارة الرئيس جو بايدن، لذلك تريد موسكو باكرا إعادة تموضع سياسي، وربما عسكري في أكثر من جبهة بالملف السوري".

ولا يعتقد أن "قسد" ستعطي موسكو ما تريد كونها تنسق مباشرة مع الجانب الأميركي، وخاصة أن روسيا تتخوف من تقدم تركي ولقوات المعارضة السورية تجاه عين عيسى.

ومما كان لافتا في الهجمات على الشمال السوري، استهداف الطيران الروسي، بتاريخ 21 مارس/آذار 2021، محيط معبر باب الهوى الحدودي الذي يعد شريان النقل البري بين سوريا وتركيا، ونقطة إدخال المساعدات الأممية، إذ يبعد عن مدينة إدلب حوالي 33 كيلومترا، وخاصة أن موسكو حاولت في أكثر من موقف تحويل مسار دخول المساعدات إلى النظام السوري.

 ونتيجة الفيتو الروسي الصيني، أجبر مجلس الأمن على إغلاق معبر "باب السلامة" مع تركيا، واعتماد باب الهوى وحده فقط لنقل المساعدات لمدة عام كامل منذ 12 يوليو/تموز 2020.

وفي هذا السياق، يرجع الخبير العسكري والإستراتيجي السوري، العقيد فايز الأسمر، خلال حديثه لـ"الاستقلال"، رغبة روسيا في توتير الأجواء في شمال غرب سوريا إلى عدة أمور.

أولا، للتضييق على المدنيين والنازحين معيشيا وصحيا وأمنيا وإرهابهم وجعلهم بحالة يشعرون فيها بأن لا أمان لهم إلا بالعودة إلى نظام الأسد. وثانيا، إحراج الضامن التركي وتقزيمه أمام الفصائل والمدنيين، والمجتمع الدولي، والعربي الذي ترك تركيا وحيدة تتحمل الأعباء أمام روسيا.

وثالثا، وفق الخبير العسكري، فإن "الحجة الدائمة للروس على أنقرة بأنها لم تف بالتزاماتها بإخراج بعض الفصائل الجهادية من الشمال السوري".