علاقات متطورة بين المغرب وموريتانيا.. هكذا تؤثر على ملف الصحراء الغربية

12

طباعة

مشاركة

أكدت صحيفة "مودرن دبلوماسي" أن موريتانيا تعتزم سحب اعترافها بجبهة البوليساريو كممثل وحيد للصحراء الغربية، تمهيدا للاعتراف بمغربية هذه المنطقة، كمؤشر على تطور العلاقات بين نواكشوط والرباط نحو تعاون وتنسيق قوي ووثيق.

ويشير تقرير نشرته الصحيفة الأوروبية، إلى أن العديد من السياسيين والدبلوماسيين يعتقدون أن العلاقات الثنائية بين المملكة المغربية والجمهورية الإسلامية الموريتانية على مدى العقد الماضي أو نحو ذلك، كانت ذات أهمية خاصة. 

ولا يزال هذا صحيحا اليوم، ومن المحتمل أن يتطور الوضع  إلى شراكة طويلة الأجل، حتى مع تغير نوع تلك العلاقة بمرور الوقت.

تقارب دبلوماسي

وبسبب التقارب الدبلوماسي بينهما والتعاون الثنائي على عدة مستويات، تميل موريتانيا رسميا إلى سحب اعترافها الكامل بجبهة البوليساريو (الجمهورية الصحراوية) قبل انتهاء ولاية الرئيس الحالي محمد ولد الغزواني.

وتحولت موريتانيا بشكل غير قابل للتغيير  في علاقتها بالمغرب إلى دعم الرباط في الصراع الأخير على جميع الجبهات الرئيسة تقريبا: الجغرافيا السياسية والتجارة وأمن الحدود والتمويل، وحتى وجهة النظر بشأن الحكم المحلي.

خاصة وأن موريتانيا كانت الأكثر تضررا من انتهاكات "مليشيا جبهة البوليساريو" وإغلاقها معبر الكركرات الحدودي ومنع وصول الإمدادات الغذائية إلى أسواقها المحلية. 

وقد أحبطت هذه الأزمة الشعب الموريتاني والسياسيين الذين طالبوا باتخاذ مواقف حازمة تجاه الانفصاليين. 

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أعلنت الرباط، استئناف حركة النقل مع موريتانيا، عبر "الكركرات"، إثر تحرك للجيش المغربي أنهى إغلاق المعبر من جانب موالين لجبهة "البوليساريو"، منذ 21 أكتوبر/تشرين الأول الذي يسبقه.

في اليوم نفسه، أعلنت الجبهة، أنها لم تعد ملتزمة باتفاق وقف إطلاق النار، الذي توصلت إليه مع المغرب عام 1991، برعاية الأمم المتحدة. 

ويتنازع المغرب و"البوليساريو" حول السيادة على إقليم الصحراء، منذ أن أنهى الاحتلال الإسباني وجوده بالمنطقة، عام 1975. وتحول الصراع إلى مواجهة مسلحة استمرت حتى 1991، وتوقفت بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار اعتبر "الكركرات" منطقة منزوعة السلاح.

وتصر الرباط على أحقيتها في إقليم الصحراء، وتقترح حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها، فيما تطالب "البوليساريو" باستفتاء لتقرير مصير الإقليم، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تؤوي لاجئين من الإقليم. 

وفي سياق التطور  الملحوظ في العلاقات بين الرباط ونواكشوط، صرحت الحكومة الموريتانية أن الرئيس ولد الغزواني يتجه لاتخاذ قرار بعدم الاعتراف بما يسمى الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية (SADR) وجبهة البوليساريو كممثل وحيد لها، وكذلك إلى متابعة عملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة من خلال قضية نزاع الصحراء الغربية بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي. 

وبالمثل، أعلنت الولايات المتحدة (الإدارة الأميركية السابقة بقيادة دونالد ترامب)، أن "الصحراء المغربية (الغربية) جزء لا يتجزأ من المملكة، ودعمها للإجراءات الدستورية للحكومة المغربية للحفاظ على أقاليم الجنوب المغربية قوية وموحدة. 

وسرعان ما تبعتها جميع الدول الإفريقية الكبرى، كما قدمت دول عربية عديدة في الشرق الأوسط دعمها للحكومة في الرباط. 

وفي سياق متصل يشير التقرير إلى أنه وأثناء نزاع الصحراء الغربية، تعرض المغرب "الصحراوي" للإذلال  من قبل جبهة البوليساريو، فلم تفقد هويتها فحسب، بل أدت أيضا إلى مطالبة العديد من الأعراق بـ"الاستقلال" في المناطق الحدودية في الداخل. 

 ويعد المغرب حاليا  القوة الإقليمية الوحيدة في شمال إفريقيا التي تعرضت لتحديات على صعيد الوحدة الوطنية وسلامة الأراضي. وتغطي هذه القضايا الإرهاب الإقليمي، والانفصالية السياسية ، والراديكالية القائمة على أساس الجماعات العرقية. 

خلاف الصحراء

وعلى الرغم من أن عدد سكان "البوليساريو" غير مهم مقارنة بإجمالي عدد سكان المغرب، فإن المساحة الإقليمية للأقليات العرقية في جميع أنحاء البلاد ضخمة وتتمتع بموارد طبيعية ثرية، إلى جانب أن هذه  المناطق ذات أهمية إستراتيجية، تقول الصحيفة.

وقد استخدمت الجزائر على وجه الخصوص، دائما قضية نزاع الصحراء الغربية في المنطقة الجنوبية للمغرب كملف لانتقاد الرباط بتهم تشويه سمعة حقوق الصحراويين والتمييز العرقي والظلم الاجتماعي واستغلال الموارد الطبيعية.

 لذلك، فإن الجماعات الصحراوية المحلية الراديكالية قاومت من حين لآخر سلطة المغرب عليها. وهي مقاومة تعرض الأمن الوطني المغربي للخطر على الحدود الإستراتيجية للمملكة، وفق التقرير.

وذكرت إحدى وسائل الإعلام الموريتانية (لم تذكر الصحيفة الأوروبية اسمها)، أن "جميع الرؤساء الذين تعاقبوا على موريتانيا  بعد الرئيس السابق محمد خونا ولد الهيدالة الموالي والداعم لجبهة البوليساريو، لم يكونوا راضين إطلاقا عن الاعتراف بتأسيس الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية.

 ولكنهم لم يحاولوا تغيير الوضع خوفا من أن يتسبب ذلك في حدوث ردود فعل  قاسية من الجزائر، بحسب المصدر. 

غير أن موريتانيا اليوم ليست كما كانت في 1978، حيث أصبحت دولة حسنة البناء على المستوى الإقليمي، بعد أن عززت موقعها الدفاعي العسكري وأصبحت  تصنف كقوة عسكرية تقليدية، وفق تعبير الصحيفة الأوروبية.

وبعد أن تخلصت موريتانيا من ضغوط النظام الجزائري الذي وقف في طريق التقارب مع المملكة المغربية، تبدو أن نواكشوط اليوم "مستعدة لاتخاذ القرار التاريخي الذي يسعى لتحقيق مصالحها الجيوسياسية والحفاظ على الاستقرار الإستراتيجي وأمن المنطقة بأكملها بعيدا عن التفاعلات الخارجية". 

ومن هنا فإن القرار الموريتاني، بحسب وسائل الإعلام المحلية، سيعدل موقف نواكشوط المحايد من ملف الصحراء الغربية، في الوقت الذي تنظر فيه الرباط بكثير من الأمل والتفاؤل بشأن التعاون طويل الأمد مع موريتانيا، حتى مع الأخذ في الاعتبار بعض  الصعوبات المؤقتة بينهما في نزاع الصحراء.

على سبيل المثال، اعترفت موريتانيا بالبوليساريو منذ ثمانينيات القرن الماضي، لكن هذا الاعتراف لم يتحول إلى فتح سفارة أو تعاون دبلوماسي مع الكيان الانفصالي، على اعتبار أن المغرب لديها علاقة طويلة الأمد مع نواكشوط.

وعلى الرغم من الضغط الذي تمارسه جبهة البوليساريو والجزائر على موريتانيا، حيث تعتزمان وضع معوقات تحول دون التطور الإستراتيجي لعلاقات نواكشوط مع الرباط، شهدت التفاعلات الموريتانية المغربية تطورا اقتصاديا متزايدا منذ ما يقرب من عامين. 

وكتتويج لهذا التعاون والتنسيق تلقى ملك المغرب محمد السادس دعوة لإجراء زيارة رسمية إلى موريتانيا بناء على طلب الرئيس ولد الغزواني (نوفمبر/تشرين الثاني 2020).

ولم تتأثر المغرب وموريتانيا بوباء كورونا فحسب، حيث يواجه البلدان أيضا مخاطر وتحديات مثل النزعة الأحادية والحمائية.

 ومن ناحية أخرى، ترى الرباط أن الدولتين المتجاورتين بدعم من القوى الكبرى في العالم عازمتين على تعزيز التواصل والتعاون فيما بينهما. ولتحقيق هذه الغاية، ستبذل الدولتان جهودا للتوصل إلى توافق إستراتيجي طويل الأمد مبني على الثقة والاحترام المتبادل. 

ويشير التقرير إلى أن كل من المغرب وموريتانيا وهما دولتان تتمتعان بالسيادة، لديهما رغبة قوية ومشتركة في أن يكونا بلدين متطورين. 

وقد منحتهما النجاحات والتجارب السابقة في حل النزاعات الإقليمية وغيرها من القضايا الثقة، مما دفع البلدين إلى التكاتف في النضال من أجل الاستقلال الوطني والمساواة والازدهار وتبادل الخبرات  في إدارة الدولة وحماية الوطن.