"ورقة مساومة".. كيف تستغل إيران ملف ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل؟

مصطفى العويك | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

الجولات التفاوضية الأربع بين لبنان وإسرائيل بشأن ملف ترسيم الحدود البحرية بينهما، عقّدت الملف أكثر فأكثر، رغم رعاية الأمم المتحدة ووساطة أميركية، للنزاع على منطقة غنية بالنفط والغاز في البحر المتوسط.

وكان من المفترض أن تشهد منطقة "الناقورة" جنوب لبنان، مطلع ديسمبر/كانون الأول 2020، "الجولة الخامسة" من المفاوضات غير المباشرة بين الطرفين، لكن تطورات كثيرة دخلت على الملف حالت دون انعقادها.

فأثناء الجولات التفاوضية السابقة، قدم لبنان خرائط جديدة تستند على إحداثيات ودراسات قام بها مختصون، تضمنت زيادة حصته التفاوضية من 860 كيلومترا مربعا إلى 2290 كيلومترا مربعا.

فيما تمسكت إسرائيل بالأرقام القديمة، وفقا لخطة المبعوث الأميركي فريدريك هوف عام 2012، القاضية بمنح لبنان 500 كيلومتر مربعا من المنطقة المتنازع عليها بحرا، وإسرائيل 360 كيلومترا مربعا.

وفي 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وبعد انتهاء الجولة الرابعة من التفاوض، اتهم وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس، في تغريدة على "تويتر"، لبنان، بتغيير "موقفه بشأن حدوده البحرية مع إسرائيل 7 مرات".

حرب الخرائط

ويخوض لبنان المفاوضات انطلاقا من الصفر، بينما تريد إسرائيل أن تستكملها بالرؤية التي تقدم بها "هوف" عام 2012 خاصة بعد أن تبين أن المساحة الجديدة التي تطالب بها بيروت تطال حقل "كاريش" الذي تعتبره تل أبيب ملكها الخاص.

ودخلت المفاوضات في طريق مسدود، وبدأ كثير من المتابعين يحيلون توقف المفاوضات أو تأجيلها إلى خسارة الرئيس السابق دونالد ترامب الانتخابات الأميركية، وعدم رفع الإدارة الجديدة هذا الملف إلى سلم أولوياتها.

في حين يرى البعض فيها "ورقة مساومة" تستخدمها إيران (الداعمة لأحزاب وشخصيات سياسية نافذة في لبنان) في إطار تفاوضها مع واشنطن حول ملفها النووي.

طغت الشكليات على الجلسة الأولى وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2020، وحددت قواعد التفاوض، وفي الثانية قدم كل طرف موقفه وحججه من ترسيم الحدود.

في الجلستين الثالثة والرابعة قدم الوفد اللبناني إحداثيات جديدة لمواقع تتجاوز المساحة التي يتفاوض حولها، ودراسة تقنية من إعداد المفاوض مازن بصبوص، وأخرى قانونية وتقنية عرضها الباحث نجيب مسيحي، تؤيد جميعها الدراسة التي توصل إليها الباحث جون برون الذي كلفته الدولة اللبنانية بوضع تقارير ودراسات حول الموضوع.

مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لوري هايتيان تؤكد ذلك، وأن إسرائيل لم تتقدم بخرائط خلال التفاوض، واعتبرت "خط هوف" الإطار الأساس للنقاش.

لكن الإعلام الإسرائيلي سرب خريطة مفادها أن حدود لبنان البحرية تصل إلى "البلوك رقم 5" الذي تعود ملكيته للبنان، وهو تسريب لم يترجم إطلاقا في جلسات التفاوض.

وتقول هايتيان لـ"الاستقلال": "لدينا إحداثيات جديدة بالاستناد إلى الخرائط التي قدمها الوفد اللبناني، وقد استأنست بسوابق تاريخية وقانونية، وتجد شرعيتها في قانون البحار الذي يرعى الخلاف بين الدول في البحر".

بدوره، كشف رئيس الوفد اللبناني المفاوض، بسام ياسين في 29 أكتوبر/تشرين الأول 2020، خلال تصريحات صحفية، أن لبنان "يطالب بحقه في مساحة تبلغ 1430 كيلومترا مربعا، وهي غير الـ860 المتنازع عليها سابقا، والمساحة مقاسة انطلاقا من نقطة رأس الناقورة برا، وبخط ممتد بحرا".

على الجهة المقابلة، رأى الخبير الإسرائيلي عاموس هرئي في تقرير نشرته صحيفة "هآرتس"، أن "طريقة الاحتساب التي سيستند إليها ترسيم الحدود معقدة جدا ومعرفة في مواثيق دولية، والمشكلة الأساسية هي غياب حدود برية دولية متفق عليها".

وأضاف "هرئي" في التقرير الذي نشره موقع "عربي 21"، في 11 ديسمبر/كانون الأول 2020 أن "الجانبين يستندان على اتفاقات هدنة من عام 1949 وعلى خط رسمه ضباط بريطانيون وفرنسيون في 1923، استمرارا لاتفاقات سايكس بيكو".

بازار سياسي

في عام 2007، بلور لبنان مع قبرص اتفاقا لترسيم الحدود البحرية الاقتصادية بينهما، ولكن حكومة بيروت لم تصادق عليه.

والنقطة التي تقع في أقصى الجنوب في الاتفاق بين لبنان وقبرص تسمى نقطة رقم "1"، وإسرائيل أودعت لدى الأمم المتحدة بيانا عن هذه النقطة عام 2010 وصادقت عليها بقرار حكومي.

خسر لبنان هذه النقطة ثم عاد عام 2010 وأودع خطا خاصا يبدأ في النقطة "23" الأبعد جنوبا، وعندما أصدرت إسرائيل مناقصات لخزانات غاز في "مياهها"، أخذت في الحسبان الخلاف وامتنعت عن التطرق في المناقصات للمنطقة التي تقع بين النقاط 1 وحتى 23.

ويقول هرئي: "في 2013، وأثناء مفاوضات غير مباشرة بين الطرفين، أزاح لبنان طلبه بخصوص الخط إلى نقطة أكثر جنوبا، بصورة أضافت لمنطقة الخلاف 1450 كيلومترا مربعا، وطالب أيضا بملكية على حوالي نصف خزان الغاز كريش الإسرائيلي"، وهذا التغيير في النقاط كان الدافع حول اتهام إسرائيل للبنان بأنه غيّر موقفه أثناء المفاوضات 7 مرات.

وقبل نهاية 2020 بأيام، اجتمع رئيس الجمهورية ميشال عون مع الوفد اللبناني المفاوض في قصر بعبدا، للبحث في كيفية تحريك ملف التفاوض مجددا، فطرحت مسألة "إعداد مرسوم جمهوري يحدّد مساحة المنطقة البحرية الخالصة للبنان التي يزعم العدو ملكيته لها بمساحة 2290 كيلومترا مربعا، على أن يُرسَل المرسوم إلى الأمم المتحدة لتثبيته". 

لكن سرعان ما دخل هذا الطرح في "البازار السياسي" الداخلي تحت عنوان من يوقع المرسوم؟ فرئيس الجمهورية يعتبر أنه على وزيري الدفاع والخارجية أن يوقّعاه بالإضافة إلى توقيعه، ورئيس الحكومة يتمسك بالدستور الذي ينص على أن يوقع هكذا مراسيم كل من رئيسي الجمهورية والحكومة ووزير الأشغال".

خبيرة النفط اللبنانية هايتيان قالت لـ"الاستقلال": "نحن أصحاب مصلحة في عودة المفاوضات، وإقرار المرسوم يدفع الإسرائيلي إلى العودة لطاولة المفاوضات، كما أنه يحمي لنا حقوقنا البحرية".

وتسأل:" لماذا لا يقر المرسوم؟ أدخلونا في بازاراتهم السياسية لناحية من يوقعه، وزارة الدفاع أو الأشغال العامة، والحكومة لا تجتمع كونها تصريف أعمال، هناك مصلحة عليا وهي حق ثابت للبنان، وبالتالي علينا توقيع المرسوم وتقديم المصلحة العامة على الخاصة، لكن القوى السياسية تنظر إلى الأمر من باب مصالحها الضيقة".

من جهة أخرى، لا يؤيد الكاتب السياسي منير الربيع إقرار هذا المرسوم، ويقول لـ"الاستقلال": "حق لبنان بمساحة الـ2290 كيلومترا مربعا ثابت، لكن لا يمكنه تحصيله سياسيا، بسبب الموقف الأميركي والموقف الإسرائيلي، فعندما قلنا أن لدينا مساحة إضافية أصبح الإسرائيلي يهدد بأن مساحته تصل إلى مدينة صيدا".

وتابع الربيع: "ذهبنا إلى المفاوضات على أساس اتفاق الإطار الذي يحدد المساحة المتنازع عليها بـ860 كيلومترا مربعا، وإذا أقرينا مرسوم تعديل الحدود البحرية وأصبحت المساحة 2290 نكون أمام احتمالين".

وأوضح "الأول أن لا يحدث تقدم بملف التفاوض، وفي الوقت نفسه تنقب تل أبيب عن الغاز وتستخرجه، وثانيا أن نتنازل استجابة للضغوط أو من باب المساومة فنعود إلى المساحة القديمة أي 860 كيلو مترا مربعا".

مصير الترسيم

وتنقل الصحفية ميسم رزق عن مصادر سياسية رفيعة المستوى (لم تسمهم) أن "إصدار مرسوم جديد يعدّل المرسوم 6433 لناحية حدود المنطقة البحرية، وتضمينه 1430 كيلومترا إضافيا جنوبي النقطة 23 وإبلاغ الأمم المتحدة بذلك عملا بالمادة 74 من قانون البحار، سيؤدي إلى تمسك إسرائيل بخط 310 الذي يقضُم مساحات أكثر في المياه الاقتصادية للبنان".

وأضافت في تقرير نشرته في 8 ديسمبر/كانون الأول 2020 بجريدة "الأخبار" اللبنانية: "هذا الأمر سيدفع بتحالف الشركات المنقّبة إلى تجميد عملها في المياه اللبنانية، بما ينسحب سلبا على مسار التنقيب والاستفادة من الثروة النفطية والغازية في حال وجودها".

يرى مدير "المنتدى الإقليمي للدراسات والاستشارات"، خالد حمادة، أن "المفاوضات البحرية بين لبنان وإسرائيل حصلت برضى طهران، وهي أتت من باب تخفيف الضغط عليها وعلى حزب الله، وكسبا للوقت قبل الانتخابات الأميركية".

ويضيف في حديث لـ"الاستقلال": الآن ومع تغير الإدارة في واشنطن أصبح الملف التفاوضي بعهدة إدارة تبدي إشارات إيجابية لطهران في أكثر من مكان، لذلك أعتقد أن إيران ستسخدمه كورقة للمساومة مع (الرئيس الأميركي جو) بايدن".

فيما يرى "الربيع" أن "التصعيد اللبناني في ملف الترسيم جاء بعد فوز بايدن في الانتخابات الأميركية، وهذا يشكل تصعيدا إيرانيا واضحا"، معتبرا أن "حزب الله ساير الرئيس عون بذلك، لأن له مصلحة في ربط الترسيم بالتفاوض النووي (دون مزيد من التوضيحات)".

وأشار إلى أن "عون يريد من خلاله القول أتراجع إلى المساحة القديمة إذا رفعتم العقوبات عن صهري جبران باسيل (رئيس أكبر تكتل مسيحي لبناني في البرلمان ووريث عون السياسي) أو إذا أمنتم المستقبل السياسي له (أي انتخابه رئيسا للجمهورية خلفا لعون)".

وختم الكاتب السياسي "الربيع" حديثه بالقول: إن "السير مجددا بالتفاوض مؤجل وملف تشكيل الحكومة اللبنانية مؤجل أيضا، إلى حين بدء المفاوضات النووية الإيرانية الأميركية، وبعدها سنشهد طرح العديد من الأوراق من قبل طهران".