بعد دعوة أطلقها سياسي موريتاني.. هل أفشل ولد الغزواني انقلابا على حكمه؟

12

طباعة

مشاركة

تدوينة تنبأ فيها رئيس الجبهة العربية للدفاع عن العرب في موريتانيا (أهلية) محمد سالم ولد بيب بـ"انقلاب عسكري وشيك" أثارت ضجة واسعة في الأوساط الشعبية والسياسية بموريتانيا.

التدوينة أعقبها إلقاء السلطات القبض على ولد بيب في 9 فبراير/شباط 2021، قبل أن يتم حذف التدوينة، ويطلق سراحه بعدها بنحو أسبوع لكنها أعادت إلى الأذهان ماضي وتاريخ مورتيانيا مع الانقلابات العسكرية.

رد فعل السلطة "العنيف" تجاه صاحب التدوينة، جعل مراقبين يطرحون السؤال، هل السلطة في موريتانيا صاحبة التاريخ المليء بالانقلابات تخاف من عودة هذه الانقلابات إلى نواكشوط مرة أخرى؟

"البيان رقم 1"

الهيئات التى نادت بإطلاق سراح ولد بيب، اعتبرت أن الأمر يتعلق بـ"اختطافه خارج نطاق القانون"، وقال شقيقه لوسائل إعلام محلية قبل أن يفرج عنه، إن أسرته قلقة جراء استمرار توقيفه وعدم حصولها على أي معلومة عنه أو معرفة مكان توقيفه.

في المقابل، تعرض ولد بيب لهجوم واسع مع أنصار النظام، وفي تدوينة نشرها على موقع "فيسبوك" يوم اعتقال ولد بيب، قال الوزير السابق محمد ولد محم، إن شعبية رئيس الجمهورية (محمد ولد الغزواني) "تتنامى وتتزايد بفضل البرامج الاجتماعية التي أعلن عنها، والتي ساعدت كثيرا في تحجيم الأضرار الناجمة عن الوباء (كورونا)".

وأضاف أن "الذين يهاجموننا كنظام وأغلبية بدؤوا يفقدون أعصابهم بشكل لافت، وخصوصا في هجومهم على شخص رئيس الجمهورية والتي وصلت ذروتها في استدعاء الانقلابات العسكرية".

واعتبر أنهم كأغلبية، "مقصرون في حق رئيسنا الذي انتخبنا، وفي حق هذا الأداء الذي لا ندعي له الكمال ولا العصمة، لكنه يظل أداء متميزا في أبعاده الاجتماعية والسياسية والأمنية وحتى الديبلوماسية".

وتحت عنوان "الساكنون في مزابل التاريخ"، نشر الإعلامي والسياسي الموريتاني، محمد فال سيله، مقالا على موقع "أقلام"، قال فيه: "الدستور لم يعد مجرد وريقات منتفخة نكتبها ونمحوها ونغيرها ونعدلها ونشرحها ونؤولها حسب أمزجة الطغاة وباعة الضمير، بل أضحى عقدا اجتماعيا ومنجى نلجأ إليه ونحتمي به ونحميه".

وأضاف: "لم يعد الرجوع إلى الوراء ممكنا، فالعهود الاستثنائية، بما تحمل من ويلات وأغلال وظلمات وعصي وترميل وتيتيم، ولّت لغير رجعة، ومستوى الوعي السياسي أصبح متراسا أيديولوجيا يحول دون السقوط في بئر (البيان رقم 1) وأكاذيب المناكب المزخرفة بالنياشين والأنجم".

ورأى فال أن "الجو اليوم في موريتانيا يطبعه الإجماع والتهدئة الشاملة، وأن المشهد قائم على التشاور والإشراك"، داعيا لمحاكمة كل " فاعل أو "مفعول به" وأي سياسي، فاعل أو "مفعول معه" يدعو صراحة أو ضمنا، إلى انقلاب عسكري".

فقاعة إعلامية

الصحفي الموريتاني، محمد سالم محمد، قال إن "المدعو محمد سالم ولد بيب رئيس الحركة العرقية غير المرخصة "أجعبن"، لم يكشف عن سبب اعتقاله، ولم تكشف عنه السلطات الأمنية".

ورجح سالم في حديث مع "الاستقلال"، أن يكون هذا التوقيف الذي انتهى بالإفراج عنه بسبب بعض مواقفه التي يعلن عنها بين الحين والآخر، وبعض تدويناته التي دعا فيها صراحة إلى "تفتيت الوطن، وتقطيع أوصاله، عبر خطاب عنصري وعرقي غير مقبول في ظل الدولة الديمقراطية، ومتطلبات الإخاء الوطني".

واعتبر المتحدث، أن ولد بيب "قد يكون اعتقل على خلفية دعوته للانقلاب وهو الأمر المجرم بالقانون، والذي يعني بالضرورة تحريضا على الأمن، ودعوة إلى خرق السلم العام".

ولا شك، يزيد سالم، أن "مثل هذه الخطابات العنصرية لن تقابل بالضرورة بالصمت من الجهات الأمنية، كما لن تقابل بغير الرفض والإدانة من الإعلاميين والسياسيين والمدونين، وهو ما كان بالفعل، في مواقف وتدوينات واضحة".

"لا شيء في موريتانيا يوحي بوجود انقلاب"، يقول الصحفي قبل أن يضيف: "ولا مؤشرات تدل على ذلك، وكل الانقلابات التي وقعت في موريتانيا كانت نتيجة انسداد وأزمات سياسية داخل السلطة، أو بينها مع أطراف سياسية متعددة".

أما الواقع اليوم، فهو خلاف ذلك، وفق سالم، "فهنالك رئيس منتخب بطريقة ديمقراطية وشفافة، وهنالك تواقف سياسي عام، بين النظام ومختلف أطياف المعارضة، وغابت لغة الصدام والاتهام السياسي، لصالح لغة التهدئة وخطاب التشاور، والرئيس التقى بمختلف أطراف الساحة السياسية من المعارضة التقليدية، أو المعارضة ذات المطالب العرقية".

وخلص الصحفي الموريتاني، إلى أن الحديث عن الانقلاب إشاعة ليس أكثر، من فقاعة إعلامية لا علاقة لها بالواقع ولا مؤشراته.

ويرى محمد سالم محمد، أن في تاريخ موريتانيا سلسلة من الانقلابات جاءت كلها في ظروف الاحتقان والأزمات السياسية، وآخرها انقلاب 2008، الذي واجه مقاومة واسعة من أطياف واسعة من الطيف السياسي، وانتهت أزمته بحوار سياسي موسع، وانتخابات رئاسية سنة 2011.

وأوضح المتحدث لـ"الاستقلال"، بأن موريتانيا جرمت في 2011 الانقلابات والدعوة إليها، ومختلف وسائل الوصول إلى السلطة، خارج الإطار الديمقراطي والانتخابي، واعتبرتها ضمن جرائم أمن الدولة.

مضيفا: "وهو ما يؤسس ويعمق ثقافة التداول السلمي على السلطة، ويعزز المسيرة الديمقراطية في البلد، والتي استطاعت أن تحافظ على مستوى كبير من نجاعتها رغم العقبات التي تعترضها بين الحين والآخر".

وختم سالم بالقول: "أجزم بشكل قاطع بأن النظام غير مهدد بانقلاب عسكري ولا برفض شعبي، وأن حظوظه الشعبية تتعزز بشكل دائم، بفعل أجواء التوافق السياسي، وعمق ولاء المؤسسة العسكرية التي أشرف الرئيس ولد الغزواني ووزير دفاعه على بنائها وتعزيز قدراتها، واحترافيتها العسكرية، وعليه فإن كل المؤشرات المنطقية، تجعل الانقلاب مستحيلا، وغير متوقع".

قائد الأركان

شارك قائد أركان الجيوش العامة في موريتانيا، الفريق محمد ولد بمبه ولد مكت، في عدد من الانقلابات آخرها 2008، ومنذ التحاقه بالمؤسسة العسكرية عام 1976، وعمره 19 عاما، يحمل مكت ميولا سياسية "قومية"، وإعجابا بسيرة "الضباط الأحرار" في مصر.

في 2014 عُيّن ولد مكت مديرا لجهاز الأمن الوطني، وهو ذات المنصب الذي بقي فيه حتى تعيينه مؤخرا قائدا لأركان الجيش، وخلال فترة وجوده على رأس الجهاز الأمني واجه ولد مكت أحد أكبر الملفات التي عرفتها البلاد على المستوى الأمني.

خرجت مظاهرات استمرت لسنوات أطلق المتظاهرون فيها على أنفسهم اسم "جماعة النصرة"، لأن مطلبهم الأساسي كان إعدام الشاب محمد الشيخ ولد امخيطير، الذي كان قد كتب مقالا مسيئا للرسول صلى الله عليه وسلم.

بعد تمام سنة من وصول ولد الغزواني إلى السلطة أصدرت الرئاسة بيانا، في 8 يونيو/حزيران 2020، قالت فيه: إنه "بموجب مرسوم تم تعيين الفريق محمد ولد بمب ولد مكت، قائدا للأركان العامة للجيوش (أعلى منصب قيادي ميداني للجيش)".

ولد مكت الذي تدرج بين مناصب عدة، واقترب من التقاعد عدة مرات، أصبح الضابط الأعلى رتبة في موريتانيا، بعد أن أصبح قائد الأركان العامة للجيوش، وتعتبر بعض الأصوات داخل موريتانيا، ولد مكت رجل ولد الغزواني وهذا سبب اختياره.

نائب رئيس حزب "تواصل" والبرلماني السابق، السالك ولد سيدي محمود، كان أحد هذه الأصوات، واعتبر أن "كل نظام جديد يأتي يبدأ في ترتيب أوراق المؤسسة العسكرية على مقاسه ويضع على رأسها الرجال المناسبين الذين يدينون له بالولاء، حتى ينصرف هو إلى كل ما هو سياسي".

ورأى ولد سيدي محمود، في تعيين ولد مكت سعيا من الرئاسة بأن تحيط نفسها برجال تثق فيهم، وعلى هذا الأساس تم الاختيار، حسب ولد سيدي محمود، الذي اعتبر أنه إجراء روتيني في بلد تضمن استقراره المؤسسة العسكرية.

مضيفا: "لكنه غير موضوعي، بل تحكمه العلاقات والولاء"، وأفاد سيدي محمود، أن ترقية الفريق العسكري يمكن أن يكون محل ثقة وذراعا قويا بالمؤسسة العسكرية يخدم مؤسسة الرئاسة.

ويتابع  ولد الغزواني أدق التفاصيل في المؤسسة العسكرية بسبب أنه أطول قائد فترة لها في موريتانيا، باعتبار أنه جاء إليها سنة 2007 ولم يغادرها إلا 2019، أي حوالي 12 عاما وهو يدير مؤسسة مما يعطيه خبرة كبيرة، كما تجمع علاقة قديمة بين الرئيس وولد مكت، إذ اشترك معه في الكثير من الملفات خلال 12 عاما، منذ أن كان ولد الغزواني قائدا للأركان. 

وصنعت مؤسسة الجيش في موريتانيا، خلال سنوات على يد الرئيس الحالي ولد الغزواني، وليس السابق محمد ولد عبد العزيز، وإن كان باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة، يوقع الترقيات والإعفاءات، لكن في الحقيقة ولد الغزواني كان يدير المؤسسة بتفويض وثقة كاملة من ولد عبد العزيز، وتولى فعليا جميع ملفاتها.

تاريخ الانقلابات

بدأت الانقلابات العسكرية في موريتانيا عام 1978، عندما أنهى العسكر حكم ولد داداه، ثم توالت الانقلابات 1979 و1980 و1984، ثم 2003 و2005، وكان وآخرها عام 2008.

منذ حصول موريتانيا على استقلالها عن الاحتلال الفرنسي في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 1960، لم تشهد البلاد استقرارا سياسيا يفضي إلى تنمية تشعر بها الطبقات الفقيرة.

تميز النظام السياسي الموريتاني بسيطرة العسكر على الحكم، ما جعل عدم الاستقرار هو الطابع السائد حتى وإن طالت دورة النظام كما حدث مع نظام ولد الطايع الذي استمر لنحو 20 عاما.

في رئاسيات عام 2007، فاز سيدي ولد الشيخ عبد الله بوصفه أول رئيس مدني في موريتانيا، لكن الرئيس المنتخب اصطدم سريعا بقوة العسكر، حينما أراد عزل اثنين منهم، وهما قائد أركان الحرس الرئاسي محمد ولد عبد العزيز، وقائد أركان الجيش محمد ولد الغزواني.

الخطر الذي أراد الرئيس ولد الشيخ عبد الله صرفه وقع فيه سريعا، حيث عزله من السلطة من أراد هو أن يعزلهم وتمت إحالته إلى السجن، وترشح ولد عبد العزيز بعد ذلك في انتخابات عام 2009، ونجح رئيسا للبلاد، وبعد ما حكم لفترتين، قدم صديقه محمد ولد الغزواني مرشحا للرئاسة.