من لم يمت بكورونا قتله الجوع.. هكذا وصل اللبنانيون إلى حافة الهاوية

خالد كريزم | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم تمر سوى أيام على انقضاء 2020، أسوأ الأعوام بالنسبة لبيروت منذ الحرب الأهلية (1975-1990)، حتى دخل البلد الممزق بالفساد في معترك جديد، منذراً بسنة جديدة من التحديات والصعوبات.

بدأ عام 2021، بإعلان لبنان في 11 يناير/كانون الثاني، حالة طوارئ صحية لأول مرة في البلاد لمواجهة تفشي جائحة كورونا، وذلك بدءا من 14 من نفس الشهر ولمدة 10 أيام، قابلة للتجديد.

تزامن ذلك مع إقرار وزارة الاقتصاد والتجارة رفع سعر الخبز "الأبيض" المنتج والمباع في السوق المحلية ليصبح 2250 ليرة بدلا من 2000 للربطة (كيس به 6 أرغفة).

بررت الوزارة القرار، بارتفاع سعر الطحين وسعر صرف الدولار، ونفاد منحة طحين عراقية. والليرة اللبنانية مربوطة رسميا عند 1507 للدولار، لكن يجري تداولها الآن في السوق السوداء عند حوالي 8400 ليرة لكل دولار بعد انخفاضات حادة في الأيام القليلة الماضية.

بعدها بيوم، قال رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، إن بلاده دخلت مرحلة الخطر الشديد جراء تفشي فيروس كورونا.

شبح كورونا

مؤخرا يشهد لبنان تصاعدا في منحنى إصابات كورونا، إذ سجل إجمالا حتى مساء 12 يناير/كانون الثاني 2021، 222.391 إصابة بالفيروس، بينها 1629 وفاة و144.548 حالة تعاف.‎ 

وأعلن المجلس الأعلى للدفاع حالة الطوارئ الصحية وتقليص حركة المسافرين في المطار وإجراء فحص (طبي) فوري للقادمين، وفرض حظر تجول ومنع الخروج والولوج إلى الشوارع والطرقات، مع إغلاق جميع المؤسسات العامة والحدائق والجامعات والمدارس والمحال التجارية ودور العبادة.

وبعد إعلان القرار الجديد بشأن إغلاق كورونا، بدأ اللبنانيون بالتهافت بشكل غير مسبوق على محال بيع المواد الغذائية التي شهد بعضها ازدحاماً هائلاً واختفت منها بعض المواد الغذائية. 

كما شهدت الأفران إقبالاً مماثلاً تسبب بشح الخبز في بعض المناطق. وظهرت صفوف انتظار أمام الصيدليات في ظل نفاد عدد كبير من الأدوية كالمسكّنات وأدوية خفض الحرارة.

وازدادت حالات العدوى بالفيروس بعد الأسبوع الأول من 2021 بنسبة 70 في المئة عما كانت عليه في الأسبوع الذي يسبقه وفقاً لمعطيات وكالة فرانس برس، ما جعل لبنان واحداً من البلدان التي تشهد حالياً أكبر الزيادات في العالم من حيث العدوى.

وتفاقمت الإصابات بشكل لافت بعد سماح السلطات للمقاهي والملاهي بفتح أبوابها حتى وقت متأخر خلال أعياد نهاية العام، في محاولة لإنعاش الاقتصاد المتردي.

وعن هذا يقول الصحفي اللبناني سلمان العنداري: "لا حدود لوقاحة من يحكم هذا البلد.. أغرقونا برعب كورونا فرفعوا سعر ربطة الخبز، فتحوا البلد قبل 3 أسابيع للناس والسهر وعادوا ليعبروا عن تفاجئهم ولاموا الناس على تقصيرهم وعدم التزامهم".

ووصف في تغريدة أخرى وضع البلاد بالقول: "في لبنان انتهى العالم في 4 أغسطس/ آب 2020، بعد مذبحة المرفأ وتفجير المدينة.. اليوم نعيش بعد أكثر من 5 أشهر على الجريمة في عصر ما بعد نهاية العالم في بيروت".

وتسبب انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/ آب 2020 بمقتل نحو 200 شخص وأكثر من 6000 جريح، فضلاً عن أضرار مادية هائلة في الأبنية السكنية والمؤسسات التجارية.

وحسب تقديرات رسمية أولية، فإن انفجار المرفأ وقع في عنبر 12، الذي تقول السلطات إنه كان يحوي نحو 2750 طنا من مادة "نترات الأمونيوم" شديدة الانفجار، التي كانت مُصادرة من سفينة ومُخزنة منذ عام 2014.

وقبل ذلك بشهور، بدأت في لبنان أسوأ أزمة اقتصادية منذ انتهاء الحرب الأهلية، ما فجّر في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019 احتجاجات شعبية غير مسبوقة تحمل مطالب اقتصادية وسياسية مستمرة حتى اليوم.

"جحيم المستشفيات"

بعد قرار الإغلاق بيوم، نشرت صحيفة الأخبار المحلية عنوانا يقول "إنه الجحيم"، مبينة أن "أرقام الإصابات اليومية تضخّمت بشكل كبير خلال الأيام الماضية في ظل انهيار شبه تام للقطاع الاستشفائي".

وقالت الصحيفة: "تتمدّد أزمة شح الأدوية وانقطاعها لتطال أماكن حساسة. فإلى أزمة فقدان الأدوية في الصيدليات، بدأ المرضى في المستشفيات، أيضاً، يعانون من انقطاع الأدوية وبدائلها، ما ينعكس سلباً على حالتهم الطبية، وخصوصاً لمن يرقدون في العنايات المركزة، والذين قد يفقدون حياتهم، فيما لو تأخرت "الجرعة" عن موعدها.

وفي 9 يناير/كانون الثاني 2021، قال نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة في لبنان سليمان هارون، إن جميع أسرة المستشفيات الخاصة امتلأت ولم تعد قادرة على استيعاب المزيد من المصابين بكورونا.

وقبلها بيومين، أعلن وزير الصحة حمد حسن، خلال مؤتمر صحفي، امتلاء جميع أسرة المستشفيات الحكومية في البلاد بسبب التصاعد الكبير في أعداد إصابات الفيروس.

وقال موقع "درج" المحلي إن "مرضى كثيرين ينتظرون أياماً حتى تتوفر لهم أسرة للعلاج، في مشاهد وقصص تتكرر يومياً في مختبرات ومستشفيات لبنان، خصوصاً بعد الفوضى التي عمّت البلاد في أيام الأعياد والمناسبات".

ولفت في تقرير له 11 يناير/كانون الثاني 2021، إلى أنه "بعد اللي صار بجريمة المرفأ وصولاً للجرائم اللي عم بتصير كل يوم بالمستشفيات باسم كورونا… كلو بيأكدلنا إنو حياتنا رخيصة"، خاصة في ظل ما أسمته "تلكؤ المستشفيات في استقبال المصابين".

ويجري كل هذا بالتزامن مع استمرار عدم الوضوح فيما يخص وصول لقاح كورونا إلى لبنان، "مما دفع بالسلطة إلى إعلان حالة الطوارئ في البلاد"، وفق الموقع.

وعاش اللبنانيون على أمل وصول لقاح "كوفيد- 19" إلى لبنان، وفق وعد قطعه وزير الصحة، حيث حدد سابقا وصول لقاح فايزر/ بيونتيك أوائل فبراير/شباط 2021، لكن تصريحاً جديداً للوزير أشار إلى تعثر الإجراءات مع الشركة، بحسب ما نشر موقع "درج".

ويجري الحديث في لبنان عن الحاجة لقانون عاجل لتسجيل ترخيص الاستعمال الطارئ للقاح لحماية المواطن، وتأمين الضمانات المطلوبة للشركة وبالتالي تأمين ما هو مطلوب لوصول اللقاح. وهذا يعني أنه لم يعد من تاريخ معروف لوصول لقاح فايزر/ بيونتيك.

وقالت صحيفة الأنباء المحلية في 11 يناير/كانون الثاني 2021، إن تأخير توقيع العقد مع شركة "فايزر" لاستقدام لقاح كورونا، مرده عدم وجود تشريعات تبيح استخدامه في الحالة الطارئة، والتي طلبتها الشركة.

وأوضحت أن لجنة الصحة النيابية تنشغل هذه الأيام بإقرار قانون استعمال اللقاح المخصص لفيروس كورونا بصورة طارئة. وهو يقتضي رفع مسؤولية الشركة عن الأعراض الجانبية غير المحسوبة، كما هو حاصل في الدول التي بدأت باستخدامه.

وبدوره، قال رئيس "حزب التوحيد العربي" ​وئام وهاب في تغريدة​: "تلقّيت اليوم اللقاح المجاني ضدّ وباء كورونا​ في دبي"، مضيفا: "لا أعرف ماذا يمنع ​لبنان​ من الاستعجال في الحصول على اللقاح، غير الضياع الرسمي والإصرار على سرقة آخر دولار من الاحتياط". 

"مخاوف الجوع"

وفي 12 يناير/كانون الثاني 2021، أبدت منظمة "أنقذوا الأطفال" قلقها "العميق" من أن يؤثر الإغلاق الكامل في لبنان سلباً على العائلات والأطفال الذين يعانون من أوضاع اقتصادية هشّة، ما لم يتم دعمهم بشكل فوري. 

ونبّهت المنظمة في بيان إلى أنّ من شأن "إغلاق محلات السوبر ماركت أن يزيد من أزمة الغذاء التي تفاقمت بإعلان منفصل عن زيادة أسعار الخبز".

وقالت مديرة المنظمة في لبنان جينيفر مورهاد إن "نصف السكان يعجزون عن تحمل كلفة شراء طعام يكفيهم خلال إغلاق السوبر ماركت"، مبدية الخشية من أن يعاني هؤلاء من "الجوع". 

وأضافت: "نعلم أنه سيكون هناك عدد أقل من الوجبات وخبز أقل على العديد من الموائد ما لم يصار إلى اتخاذ إجراء عاجل".

في المقابل، أعلن وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني أنه أعطى توجيهات لدفع "75 مليار ليرة كسلفة خزينة للهيئة العليا للإغاثة" لمساعدة الأسر "التي ترزح تحت أوضاع معيشية حادة" نتيجة إجراءات الإغلاق.

وقفزت نسبة الفقر في لبنان خلال 2020، لمستويات غير مسبوقة، مع ضمور الطبقة الوسطى التي كانت تشكل غالبية القوى الديمغرافية في البلاد الآيلة نحو مزيد من الصعوبات بفعل كورونا وأزمات الاقتصاد.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2020، قال المشرف العام على خطة لبنان للاستجابة للأزمة في وزارة الشؤون الاجتماعية، عصام أبي علي، لوكالة الأناضول إن "نسبة الفقر تتجاوز 60 بالمئة، أمّا نسبة اللبنانيين الذين يرزحون تحت خط الفقر المدقع هم 25 بالمئة حاليا".

وتحت وطأة الأزمة، أدان اتحاد نقابات العمال في لبنان "غياب القرارات الحازمة، مع ما رافق ذلك من تفلت أمني واجتماعي وازدياد في نسبة الاحتكار والسرقات في الدواء والمواد الغذائية وأسعار المواد الاستهلاكية".

كما استنكر في بيان في 12 يناير/كانون الثاني 2021، "تقاعس الهيئات الرسمية والوزارات المختصة التي لم تقم بواجباتها برعاية وحماية المواطنين، والحفاظ على حقوقهم فيما يتعلق بلقمة العيش، والاستهتار المتعمد لمعالجة أمور الناس بعد أن أصبحت نسبة تفوق 65 بالمئة تحت خط الفقر بفعل هذه السياسات".

وبين أن "التباطؤ في تشكيل الحكومة والخلافات على المحاصصات زادت الطين بلة في وقت تمر البلاد والعباد بأسوا الظروف الحياتية والمعيشية"، موضحا أن "تنازع أطراف السلطة هدفه كسب الوقت بانتظار المتغيرات الإقليمية والدولية من أجل إعادة التموضع لكل طرف أمام أسياده في الخارج".

ورأى أن "هذه السياسات لن تؤدي الا بالمزيد من الجوع والبطالة والموت"، داعيا إلى "تشكيل حكومة إنقاذ قادرة على وضع خطة وطنية سياسية واقتصادية واجتماعية وفي المقدمة استعادة الأموال المنهوبة، وضرب المافيات والاحتكارات والتهريب وتأمين الدواء والاستشفاء والطبابة للجميع".

ومنذ أن استقالت حكومة تصريف الأعمال الراهنة، برئاسة حسان دياب، بعد 6 أيام من انفجار مرفأ بيروت الكارثي، يعجز لبنان عن تشكيل حكومة جديدة مهمتها وقف الانهيار الاقتصادي وإعادة إعمار بيروت.

وكلّف الرئيس ميشال عون، في 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، سعد الحريري بتشكيل حكومة، عقب اعتذار سلفه مصطفى أديب، لتعثر مهمته بتأليفها.

لكن لا تزال حكومة الحريري متعثرة خاصة بعد أن أعلن عون اعتراضه عما أسماه "تفرد" الأول بتسمية الوزراء خصوصا المسيحيين دون الاتفاق مع رئاسة الجمهورية.