نبيلة منيب.. سياسية تغرد خارج السرب المغربي إلا في نزاع الصحراء

12

طباعة

مشاركة

تفاعلت نبيلة منيب، الأمينة العامة لحزب "الاشتراكي الموحد" (يساري معارض)، كما باقي الأمناء العامين للأحزاب الغربية، مع أزمة الكركرات التي عاشتها المملكة مع جبهة "البوليساريو" في الأسابيع الماضية، والتي ما زالت تبعاتها مستمرة.  

غير أن منيب لم تخرج للتعبير عن موقف حزبها من الأزمة التي تمس الوحدة الترابية للمملكة، بل لمهاجمة شركائها في الإيديولوجيا - حزب النهج الديمقراطي (يساري خارج الائتلاف الحكومي).

عارضت الزعيمة السياسية موقف "النهج" الداعم لخيار تقرير المصير الذي تطالب به جبهة "البوليساريو"، ووصفته بالموقف "القديم والمتجاوز"، قبل أن تزيد في ندوة لـ"فيدرالية اليسار الديمقراطي" (ائتلاف حزبي)، قائلة: "حتى الدول التي تساند تقرير مصير الحركات التي تطالب به، تفعل ذلك فقط لإرضاء الخواطر، لأن مثل هذه النزاعات لا تُحل بإنشاء دويلات جديدة".

موقف نبيلة منيب من ملف نزاع الصحراء ثابت، لكنه قد يكون الوحيد الذي تغرد به السياسية المعارضة داخل السرب، فدائما ما تعبّر عن اعتراضها على قرارات الدولة وسياساتها العمومية.  

آخر تصريح لمنيب جاء في سبتمبر/أيلول 2020، عقب أسابيع من إعلان المغرب، في أغسطس/آب 2020، عقد اتفاق مع مجموعة "سينوبرام" الصينية حول المرحلة الثالثة لتجارب سريرية على لقاح مضاد لفيروس كورونا.

منيب قالت خلال ندوة عبر الإنترنت نظمتها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بمناسبة اليوم الدولي للديمقراطية: "اللقاحات التي يجري تحضيرها لمواجهة جائحة كورونا تندرج ضمن إجراءات القوى العالمية الكبرى لفرض نظام عالمي جديد، والتحكم في قواعد تنظيم الشعوب".

سهام نبيلة

رأت السياسية المغربية أن السعي وراء تلقيح شعوب العالم "ليس بغرض حمايتهم من المرض، وإنما من أجل مراقبتهم والسيطرة عليهم، ولذلك تم وضع أزيد من 3 مليارات من البشر تحت قيود الحجر الصحي، ما أدى إلى تراجع اقتصادي وأزمة اجتماعية كبيرة".

واعتبرت منيب أن ما يشهده العالم حاليا هو "محاولة للسيطرة على قواعد تنظيم الشعوب من قبل مؤسسات تنتمي للقطاع الخاص"، موضحة أن "لوبيات شركات الأدوية التي تمول الحملات الانتخابية لرؤساء بعض الدول والمحافظين الجدد الذين يتحكمون في العالم عملوا على الهدم الممنهج للخدمات الصحية والتعليمية، والتي احتاج إليها العالم بشدة في زمن كورونا".

تصريح منيب لم يكن الوحيد الذي أثار الكثير من الجدل حول شخصيتها، لدرجة أن عبارة "تثير الجدل" التصقت باسم نبيلة منيب على عناوين الصحف منذ سنوات، حتى أصبحت مألوفة.  

في أكتوبر/تشرين الأول 2020، خرجت منيب بتصريح وجهت فيه سهامها لوزارة الداخلية هذه المرة، بسبب الحديث عن مراجعة القوانين الانتخابية مع قرب موعد إجراء الانتخابات في 2021.

السياسية اليسارية، قالت: إن "المشاورات الجارية لتنظيم الانتخابات تجري حسب ما تريده وزارة الداخلية"، معتبرة أن الأخيرة، "تريد تسييد أحزاب وتقليص قوة أحزاب أخرى، دون اعتبار للإرادة الشعبية".

في اللقاء الصحفي نفسه، قالت منيب عن البرنامج التنموي الذي تستعد اللجنة الملكية المكلفة لإعلانه مع بداية السنة المقبلة: "أعضاء لجنة النموذج التنموي هم تكنوقراط، عليهم تقديم تصورهم للحكومة المقبلة على سبيل الاستئناس"، داعية إلى "جعل التكنوقراطي في خدمة السياسي، وليس العكس".

لم يفلت الإسلاميون من سهام نبيلة، معتبرة "من يطرح القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين، يستعمل تكتيكا لإنقاص عدد مقاعد الأحزاب التي حصلت على أكبر عدد من المقاعد في الانتخابات السابقة"، في إشارة إلى حزبي "العدالة والتنمية" و"الأصالة والمعاصرة".

وانتقدت منيب حزب "المصباح" قائلة: "الأحزاب التي حصلت على أكبر عدد من المقاعد في أكتوبر/تشرين الأول 2016، لم تفعل  سوى ضرب الحريات، وإغناء الغني وإفقار الفقير".

ضد الجميع

في انتخابات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2016، فشلت منيب في الحصول على مقعد برلماني باسم "اللائحة الوطنية لفيدرالية اليسار الديمقراطي"، وهي تحالف لثلاثة أحزاب يسارية صغيرة، في حين حصدت اللوائح المحلية لهذا التحالف مقعدين (من أصل 395 مقعدا).

وللمرة الثانية على التوالي بعد عام 2011، قاد الحكومة ائتلاف برئاسة حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي. لكن منيب رفضت لقاء أمينه العام -آنذاك- عبد الإله بنكيران، والذي كان مكلفا بتشكيل الحكومة، وبررت موقفها بأن "مثل هذا اللقاء لا معنى له في ظل وجود قناعة مسبقة بعدم المشاركة في حكومة بنكيران".

وفي 2015، قادت منيب وفدا ضم قادة أحزاب مغربية إلى السويد من أجل إقناع الحكومة السويدية بالاعتراف بمغربية إقليم الصحراء، المتنازع عليه بين الرباط و"الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب" (البوليساريو).

موقف منيب من نظام الحكم في المغرب ليس مختلفا عن موقفها ممن يقود الحكومة، إذ تدعو السياسية اليسارية إلى "إقرار دستور جديد للمملكة، يفضي إلى ملكية برلمانية، وينتقل بالشعب المغربي من رعايا إلى مواطنين"، وفق تصريحات أدلت بها في أكثر من مناسبة. وجهت منيب انتقادات لاذعة للدستور المغربي الحالي، وقادت حملة للتصويت ضده خلال استفتاء 2011.

رحلة نضال

ولدت منيب، عام 1960، في مدينة الدار البيضاء (وسط المملكة)، لأسرة من طبقة راقية إذ شغل والدها وظيفة دبلوماسية، وقضت الزعيمة السياسية مسارها الدراسي بين مجموعة من المدارس داخل المغرب وخارجه، وهي أم لثلاثة أبناء.

درست مراحلها الأولى في مدارس المملكة، وأنهت مرحلة البكالوريا (الثانوية العامة) في الجزائر، ثم عادت إلى المغرب، حيث درست البيولوجيا والجيولوجيا في جامعة محمد الخامس بالعاصمة الرباط (حكومية).

حصلت منيب على شهادة الدكتوراه في علم الغدد من جامعة مونوبولييه الفرنسية، لتشغل فيما بعد منصب أستاذة باحثة في علم الهرمونات بكلية الطب بجامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء (حكومية)، وهو المنصب الذي لا تزال تشغله.

بدأت منيب نضالها خلال تحضيرها للدكتوراه في فرنسا، حيث انخرطت في نشاط الحركة الطلابية. وبرزت كمناضلة في صفوف شبيبة الطلبة الديمقراطيين لتلتحق منذ 1985 بمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي بقيادة زعيمها التاريخي محمد بنسعيد آيت إيدر، وهو الحزب الذي تحول لاحقا إلى الحزب الاشتراكي الموحد.

وواصلت السياسية المغربية نضالاتها داخل اليسار بعد عودتها إلى المغرب، على الواجهة السياسية والنقابية والحقوقية، بموازاة مع عملها البحثي، وعرفت بحيويتها على صعيد الفعاليات المناهضة للعولمة والنيوليبرالية، والدفاع عن حقوق المرأة، والتواصل مع الجماهير عبر المناطق النائية.

لكن نجمها صعد في 2011 خاصة بأوساط الشباب، بفضل حضورها القوي في الحراك الشعبي، الذي قاده شباب حركة "20 فبراير" تزامنا مع ثورات الربيع العربي. 

حضرت السياسية اليسارية عبر اللجنة الوطنية لدعم الحراك، والتي ضمت هيئات سياسية مختلفة، وقادت حراكا آخر داخل اليسار المغربي، من أجل "لمّ الشمل" أو توحيد يسار المغرب بعد سنوات من التراجع عن الصفوف الأمامية للمشهد السياسي.

في 30 يناير/كانون الثاني 2014، أعلن كل من حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، وحزب المؤتمر الوطني الاتحادي، والحزب الاشتراكي الموحد، عن تأسيس تحالف سياسي جديد تحت اسم "فدرالية اليسار الديمقراطي"، قادته نبيلة منيب.

وجاءت الصيغة الجديدة للتحالف بعد حوالي 5 سنوات من الحوار في إطار ما يعرف بـ"تحالف اليسار الديمقراطي" -الذي أعلن عنه عام 2007- بغرض تقوية صفوف اليسار في الساحة السياسية والتنسيق بينها قبيل الانتخابات المحلية (البلدية والقروية) في 12 يونيو/حزيران 2009.

سيدة اليسار

في 2012 عند انتخابها أمينة عامة للحزب الاشتراكي الموحد، أصبحت نبيلة منيب أول امرأة تتزعم حزبا في المغرب ولقبت بـ"سيدة اليسار"، ورغم القوة المحدودة لحزبها، اعتبر فاعلون سياسيون، أنها "قدمت وجها قويا لليسار"، وذلك بفضل أسلوبها الخطابي المتميز الذي يكتسي لهجة نقدية لاذعة.

إلى جانب حركيتها السياسية ومواقفها التي تعكس صرامة وحدة سجالية، شكلت منيب ظاهرة جديدة في ساحة اليسار المغربي، حيث كسرت الصورة النمطية للمناضلة ذات المظهر الشعبي البسيط.

أثارت منيب التي لا تحبذ وصفها من طرف بعض وسائل الإعلام بـ"الحسناء"، الانتباه دائما إلى أناقتها اللافتة التي ترى أنها لا تتعارض أبدا مع هويتها كمناضلة يسارية.

وفي 2016 روج خصوم نبيلة على مواقع التواصل الاجتماعي، بأنها "بورجوازية تصعد على ظهر الكادحين"، في إشارة إلى خطاب اليسار الداعي لنظام اشتراكي وتوزيع عادل للثروات في المغرب.

اللغط جاء بسبب صورة لمنيب ترتدي فيها ساعة يد باهظة وخاتم يتوسطه حجر زمرد. الانتشار الواسع للحديث عن القطعتين الفاخرتين وإطلالات نبيلة، جعلها تخرج بتصريح لجريدة "أخبار اليوم" الورقية، لتوضح أن الساعة هي هدية من زوجها.