قبل مجيء بايدن.. لماذا يحرص ترامب على إغلاق ملف الأزمة الخليجية؟

محمد السهيلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

على مدار نحو 3 سنوات ونصف، تشهد دول مجلس التعاون الخليجي أزمة كبيرة، منذ قرار السعودية والإمارات والبحرين ومعهم مصر، فرض حصار بري وبحري وجوي ومقاطعة اقتصادية على قطر، في يونيو/حزيران 2017، وسط مزاعم بدعم الدوحة للتيارات الإسلامية وإيران.

تلك المقاطعة بدأت أحداثها الدراماتيكية إثر زيارة الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب للسعودية في 21 مايو/أيار 2017، والذي "منح المقاطعة دعما علنيا بادئ الأمر حتى وضحت له إدارته أن قطر حليف لبلاده وأن قاعدة العُديد مهمة للبنتاغون"، حسب وصف تقرير محرر الشؤون الأمنية لموقع "BBC"، فرانك غاردنر، في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

كما أن تصريحات لمستشار الأمن القومي الأميركي روبرت أوبراين، حول الأزمة الخليجية قال فيها: "نرغب في تسوية النزاع الخليجي"، أثارت التكهنات حول احتمالات قيام إدارة ترامب، قبل مغادرته البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني 2021، بحل الأزمة بين رباعي دول المقاطعة وقطر.

فرصة الـ70 يوما 

أوبراين، قال لرئيس تحرير "The Hill" الأميركية، ستيف كليمونز، بمنتدى الأمن العالمي يوم 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020: إنه "من الممكن تحقيق خطوة فتح الأجواء أمام الطيران القطري مع دول الخليج خلال الـ70 يوما المتبقية من رئاسة ترامب (تقلصت لأقل من شهرين)".

المسؤول الأميركي، أكد أن "أهل الخليج أولاد عمومة، وترامب أجرى اتصالات مكثفة لحل الأزمة الخليجية، ورفع الحصار عن قطر، كما أعرب عن أمنيته أن يرى الطائرات القطرية تعبر الأجواء السعودية والإماراتية قبل مغادرته منصبه".

روبرت أوبراين

وعلقت "The Hill" بالقول: إن تصريحات أوبراين، "تعكس تفاؤل مسؤولي إدارة ترامب بأن الخلاف الخليجي من المرجح حله قريبا، لتعزيز تحالف الشرق الأوسط بمواجهة إيران، وتمهيد الطريق لتطبيع مزيد من الدول العربية علاقاتها مع إسرائيل".

وأشارت الصحيفة التي تصدر من واشنطن، إلى أهمية قطر بالنسبة لأميركا، مؤكدة أنها "تحتفظ بعلاقات قوية مع الدوحة، التي تستضيف القيادة المركزية الأميركية بقاعدة العُديد الجوية".

 

ذلك التصريح دفع مراقبين بينهم مدير "منتدى شرق المتوسط للدراسات السياسية والإستراتيجية"، محمد حامد، للقول: إن "ترامب سينهي الأزمة الخليجية كما بدأها حتى لا يعطي نقطة رابحة لإدارة (الرئيس المنتخب جو) بايدن الجديدة".

في اليوم ذاته الذي صرح فيه مستشار الأمن القومي الأميركي عن الأزمة الخليجية، تحدث وزير خارجية قطر محمد بن عبد الرحمن، عن وجود زخم كبير من إدارة ترامب، حول الأمر.

وأكد أن الدوحة "منفتحة للحوار منذ البداية، ولدينا نية طيبة ليكون هناك حوار بناء، وليس هناك رابح ولا خاسر من الأزمة".

عبد الرحمن، قال خلال منتدى الأمن العالمي الذي تنظمه الدوحة يوم 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020: إن "قطر لم تقم بأي أعمال عدائية ضد دول الحصار"، وأن "كل المزاعم والادعاءات التي وجُهت لها وتسببت في الحصار مغلوطة وزائفة".

شرط سعودي

الرد السعودي على حديث المسؤول الأميركي، ووزير الخارجية القطري، جاء بعد نحو 5 أيام على لسان وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان ، الذي أكد أن "إنهاء الخلاف مع قطر مرهون بعلاج مخاوف أمنية".

ابن فرحان، قال لوكالة "رويترز" على هامش قمة زعماء "مجموعة العشرين" بالسعودية: إن الرياض ودول المقاطعة الأربع، مستمرة في "البحث عن سبيل لإنهاء الخلاف مع قطر لكن الحل مرهون بعلاج مخاوف أمنية مشروعة، لدى المملكة، والإمارات ومصر والبحرين".

وغازل الوزير السعودي الإدارة الأميركية الجديدة، معلنا ثقته بأنها "ستواصل نفس السياسات التي تصب بمصلحة الاستقرار الإقليمي".

"The Hill" الأميركية ، أشارت خلال حوارها مع أوبراين، إلى رد المسؤولين الإماراتيين على توجه إدارة ترامب، لحل الأزمة الخليجية، وقالت: إنهم لا يتوقعون قرارا قريبا في هذا الصدد.

ولفتت الصحيفة لتصريحات سفير الإمارات بواشنطن، يوسف العتيبة، للقناة "12" الإسرائيلية أن "قطر تلعب دور الضحية، ويواصلون التظاهر بالتخويف، لكنهم لم يعالجوا الأسباب الجذرية للمشكلة، وحتى تعالج الأسباب الجذرية لهذه المشكلة، لا أعتقد أنه سيتم حلها".

ماذا عن إدارة بايدن؟

وعلى الجانب الآخر، وفي مقابل حديث إدارة ترامب عن فك رموز الأزمة الخليجية، تواجه السعودية والإمارات مخاوف كبيرة من إدارة الرئيس المنتخب بايدن، رغم قرار أبوظبي بالتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، برعاية أميركية في سبتمبر/أيلول 2020، والصفقات المليارية التي عقدتها مع تل أبيب، وإبداء السعودية عدم معارضتها التطبيع.

وبالفعل؛ سعى أعضاء ديمقراطيون وآخرون جمهوريون بمجلس الشيوخ الأميركي، لمنع بيع ترامب، أسلحة للإمارات، بقيمة 23 مليار دولار بينها طائرات "إف-35"، حيث أكد الأعضاء أنهم سيقدمون 4 تشريعات منفصلة لرفض الصفقة، وذلك لاعتراضهم على دور أبوظبي في قتل المدنيين باليمن.

وأيضا؛ طالما تحدث بايدن، عن قضية قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، بقنصلية بلاده في إسطنبول التركية، وهي القضية التي تمس ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، نفسه الذي بدا خائفا على ولايته للعرش، وفقا للتحليلات الغربية.

المخاوف السعودية من إدارة بايدن، بدت واضحة في تأخر المملكة في التهنئة بفوزه بسباق الرئاسة الأميركية، خاصة وأنه قال في نوفمبر/تشرين الثاني 2019: "سأعاقب القادة السعوديين، جمال خاشقجي قُتل، وأعتقد أن ذلك حصل بأمر من ولي العهد، سنجعلهم يدفعون الثمن، ويدركون حقيقة أنهم منبوذون".

كما تعهد بايدن بـ"إعادة التعامل مع طهران بشأن الاتفاق النووي الذي انسحب منه ترامب، وهدد خلال مناظرة للحزب الديمقراطي في خريف 2019 بتعطيل مبيعات الأسلحة للسعودية بمليارات الدولارات، تلك المواقف تدفع للتساؤل: هل يدفع بايدن أيضا للمصالحة الخليجية؟".

 

تحليل إخباري لمحرر الشؤون الأمنية فرانك غاردنر لموقع "BBC"، 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 قال: إنه "من المتوقع أن تدفع إدارة الرئيس المنتخب بايدن صوب رأب الصدع الخليجي الذي لا يصب استمراره في مصلحة واشنطن ولا دول الخليج".

 ولكن؛ هل ينجح ترامب حتى لا يعطي بايدن هذه الفرصة مستقبلا؟

الوجه العابس

الأكاديمي المصري، ممدوح المنير، لا يعتقد بذلك، مؤكدا في حديثه لـ"الاستقلال"، أن "ترامب لا يملك القدرة على إنهاء الأزمة الخليجية"، موضحا أن "موقف قطر أصبح أقوى بفوز بايدن؛ والسعودية ربما تريد منح هذا الانتصار لبايدن، كذلك حتى تحسن صورتها أمامه".

وحول مخاوف السعودية من "الوجه العابس" لبايدن، إزاء ممارسات ابن سلمان، وأن ذلك قد يكون سببا في توافق خليجي خليجي، أوضح المنير، أن "بايدن، يمثل السياسة الأميركية ولكن لا يصنعها، وبالتالي لن يكون هناك تغيير كبير في الإستراتيجيات الأميركية للتعاطي مع المنطقة العربية".

ويعتقد المنير، مدير المعهد الدولي للعلوم السياسية والإستراتيجية بإسطنبول، أن "مخاوف السعودية من فتح بايدن ملف خاشقجي وفتح ملف جرائم الإمارات باليمن لن تؤثر بملف المصالحة".

وذهب إلى القول: إن "أزمة خاشقجي واليمن لن يكونا ضمن الصفقة مع قطر، فهما أزمتان تبيضان ذهبا لواشنطن ولن تتنازل عنهما لأجل ملف المصالحة الخليجية الهامشي بالنسبة لها".

وأوضح أن "حرب اليمن؛ تجعل مصانع السلاح تعمل جيدا بأميركا، وبالتالي لن تكون هناك مقايضة بهذا الملف، كما أن قضية خاشقجي تجعل ابتزاز الرياض مفيدا للبيت الأبيض، وبالتالي المصالحة الخليجية ستكون ملفا مستقلا ولن يرتبط بملفات أخرى".

وحول موقف مصر من أية مصالحة محتملة مع قطر، يرى المنير، أن "النظام المصري حاليا تابع ولن يستطيع أن يخرج عما يريده البيت الأبيض، وتوافقاته مع الرياض وأبوظبي؛ ومشاركته بحصار قطر عمليا جدواه سياسية أكثر منها واقعا على الأرض، حتى الخلاف السياسي بينهما أراه لم يعد كبيرا بعد تقليم أظافر فضائية (الجزيرة) أكثر من مرة بالسنوات الماضية". 

من جانبه، لا يعتقد الخبير في القانون الدولي والعلاقات الدولية، السيد أبو الخير، أن تقوم إدارة ترامب بالمصالحة الآن، لأنها مشغولة بقضية الانتخابات، أما إنهاء الأزمة فيأتي في ظل خوف حكام دول المقاطعة من إدارة بايدن، ولذلك يسعى آل سعود لتحسين العلاقات مع تركيا، بمحاولة لتسوية مرضية في قضية خاشقجي".

الأكاديمي المصري، أضاف في حديثه لـ"الاستقلال": أن "وجه بايدن، العابس إزاء ممارسات ابن سلمان وابن زايد، ليس شرطا أن يصب باتجاه التوافق الخليجي"، مؤكدا أن "هذا الوجه العابس هو لإرعابهما حتى يقبلا بشروط الإدارة الجديدة بملفات أهمها تركيا وليبيا والعراق وسوريا واليمن".

وأشار إلى أن "مخاوف السعودية من فتح بايدن ملفي خاشقجي وجرائم الإمارات باليمن لن يكون سببا لغلق باب الأزمة مع قطر فقط، لكن فتح ملفات أخرى"، مبينا أنه "لذلك آل سعود يتجهون لتحسين العلاقة مع تركيا في محاولة للحد من ضغوط الإدارة الأميركية الجديدة".

ولفت أبو الخير إلى أن "بايدن، سيعيد مسار الدبلوماسية مع إيران بدلا من المواجهة، طبقا لنظرية الاحتواء والأميركي التطويع، بديلا عن نظرية الصدام التى كانت تتبعها الإدارة الأميركية السابقة".

مصر تابعة 

وبشأن موقف مصر، قال أبو الخير: "هي تابعة وليست متبوعة، وإذا وافق آل سعود، وآل زايد على التسوية، بالتبعية ستوافق كل من مصر والبحرين".

وفي تعليقه، قال الأكاديمي المصري، محمد شرف، لـ"الاستقلال": إن "حديث أوبراين سبقه مطالبة مماثلة لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في سبتمبر/ أيلول 2020"، لافتا إلى أن "الإمارات قد تكون عقبة في هذا الإطار".

وأشار شرف، لحديث سفير الإمارات بواشنطن يوسف العتيبة عن المطالب الـ 13 التي ترفضها قطر، والتى تتضمن إغلاق القاعدة العسكرية التركية بقطر، وقطع العلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين، وتخفيض مستوى العلاقات مع إيران، وإغلاق فضائية "الجزيرة"، لافتا لموقف أمير قطر تميم بن حمد، وقوله: إن الدوحة على استعداد للحوار وحل الأزمة، مع احترام سيادة قطر.

شرف، في تحليله للموقف، يرى أن "ترامب يسعى الآن لحل الأزمة الخليجية لأنه من انقلب في البداية على قطر، الشريك الأمني لواشنطن بالخليج العربي، وأن تغريداته نقلت الرواية الإماراتية السعودية التي تزعم أن قطر راعية للتطرف؛ ولكنه اكتشف لاحقا أن استخدام قطر الأجواء الإيرانية إثر الحصار الجوي يثري الخزانة الإيرانية، وهو ما أقلق ترامب".

وأكد الأكاديمي المصري، أن "موقف السعودية والإمارات من حصار قطر يتغير بفوز بايدن، الذي ألمح إلى أن أول قرار سيصدره هو إنهاء تورط بلاده في الحرب التي تقودها السعودية والإمارات في اليمن متهما المملكة بقتل الأطفال، ومهددا بعدم بيع السلاح لها أو شراء النفط منها"

وأوضح شرف أن "قلق السعودية الأكبر هو توجه بايدن لاستعادة الاتفاق النووي مع إيران (في مايو/أيار 2018، انسحبت واشنطن من الاتفاق الموقع عام 2015، بين إيران ومجموعة (5+1)، التي تضم روسيا وبريطانيا والصين والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا، وفرضت على طهران عقوبات اقتصادية)".

وألمح إلى أن "الإمارات اختارت مسار التطبيع مع إسرائيل ما قد يخفف هجمات الديمقراطيين وبايدن الذي قال: إن عرض الإمارات للاعتراف علنا بإسرائيل حنكة سياسية شجاعة ومُرحب بها وضرورية بشدة".

وبين الأكاديمي المصري، أن "اتهامات السعودية والإمارات لقطر بتمويل الإرهاب هي اتهامات طالت الرياض وأبوظبي، حيث أدان التقرير السنوي للخارجية الأميركية عام 2018، الإمارات كمحطة للمنظمات الإرهابية ما شكل دليل إدانة صريح بشأن دور أبوظبي بدعم الإرهاب وتمويله".

تقديرات مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في أغسطس/آب 2018، صنفت أيضا، الإمارات بأنها مركز رئيسي لتمويل الإرهاب وعمليات تبييض الأموال وغسلها، والتي يقدر حجمها العالمي سنويا بنحو تريليوني دولار، ما نسبته 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي".

وأشار شرف، إلى تقرير معهد "بازل" الدولي لمكافحة غسل الأموال لعام 2017، الذي أكد أن "الإمارات الأولى خليجيا من ناحية مخاطر تمويل الإرهاب وغسل الأموال"، ووضعها بالمرتبة الـ 72 عالميا من أصل 146 دولة، متسائلا في نهاية حديثه: "فكيف تتهم الإمارات قطر بدعم الإرهاب".